الآثار الواردة في إيمان بعض الیهود بالله
الآثار:
قوله تعالى: {بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} [سورة البقرة 2/88]
1249- حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد بن زريع قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: {بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} فلعمري لمن رجع من أهل الشرك أكثر ممن رجع من أهل الكتاب إنما آمن من أهل الكتاب رهط يسير. ([1])
1250 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة: {فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} قال: لا يؤمن منهم إلا قليل. ([2])
قولـه تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِِ = 199 } [سورة آل عمران 3/199]
6682 - حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن ابن جريج قال: نزلت - يعني هذه الآية - في عبد الله بن سلام ومن معه.([3])
6684 - حدثني المثنى قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} من اليهود والنصارى وهم مسلمة أهل الكتاب. ([4])
الدراسة:
أرسل الله -تبارك وتعالى- رسله لدعوة الخلق, لإفراده بالعبادة, والإيمان به, وملائكته, وكتبه, ورسله, وباليوم الآخر, كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً = 136 } [سورة النساء 4/136]
ومعلوم كثرة ما أرسل إلى اليهود من الأنبياء, ومع ذلك فقد كثر فيهم الكفر والشرك وقتل الأنبياء، -حتى اشتهروا به- وتكذيب الكتب والرسل، وقلة الإيمان باليوم الآخر، كل ذلك فصله الله - تبارك وتعالى - في كتابه الكريم.
ولأن الله يأمر بالعدل, فقد أنصف من آمن منهم واستثناه من الكفر، فلم يلعن إلاّ الذين كفروا من بني إسرائيل كما قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [سورة المائدة 5/78]
ويستثني القليل من المؤمنين منهم, فلا يدخلهم في عموم الذم, أو الوعيد, كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [سورة البقرة 2/83]
وقد أجمل ذلك ابن كثير عند قولـه تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ = 159 } [سورة الأعراف 7/159] فقال: "يقول تعالى مخبراً عن بني إسرائيل إن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به كما قال تعالى: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ = 113 } [سورة آل 3/113] وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سورة آل عمران 3/199] وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ = 52 وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ = 53 أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [سورة القصص 28/52-54] الآية وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [سورة البقرة 2/121] وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً = 107 وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً = 108 وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً = 109 } [سورة الإسراء 17/107-109] " ([5])
وأخبر - تبارك وتعالى - أن علماءهم يعلمون أن القرآن منزل من عند الله كما قال تعالى:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ = 114 } [سورة الأنعام 6/114] وقوله:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ = 94 } [سورة يونس 10/94]
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فإن كنت يا محمد في شك من حقيقة ما أخبرناك وأنزل إليك من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوتك قبل أن تبعث رسولاً إلى خلقه، لأنهم يجدونك عندهم مكتوباً ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتابهم في التوراة والإنجيل؛ فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك من أهل التوراة والإنجيل كعبد الله بن سلام ونحوه من أهل الصدق والإيمان بك منهم دون أهل الكذب والكفر بك منهم." ([6])
واحتج القرآن بأهل الكتاب على المعاندين من مشركي مكة كما قال تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً = 107 وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً = 108 وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً = 109 } [سورة الإسراء 17/107-109]
قال الطبري: "وإن تكفروا به، فإن الذين أوتوا العلم بالله وآياته من قبل نزوله من مؤمني أهل الكتابين، إذا يتلى عليهم هذا القرآن يخرون- تعظيماً لـه وتكريماً، وعلماً منهم بأنه من عند الله- لأذقانهم سجداً بالأرض. ([7])
هكذا يستثي الله - تبارك وتعالى - المؤمنين منهم ويشيد بالصالحين منهم وكثير منهم كافرون وهم من سنتعرض لهم عند بيان موقفهم من أركان الإيمان، فالحكم هنا على الأعم الأغلب ونستثني من استثناهم الله - تبارك وتعالى - في قولـه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ = 66 } [سورة المائدة 5/66]
------------------------------------------------------------
([1]) تفسير الطبري ( 1 / 408 ). حسنه في التفسير الصحيح (1/223)
([2]) تفسير عبد الرزاق ( 1 / 51 ) - تفسير ابن أبي حاتم ( 1 / 171 ) - تفسير الدر المنثور ( 1 / 215 ). صححه في التفسير الصحيح (1/164)
([3]) تفسير ابن أبي حاتم ( 3 / 846 ) - تفسير الدر المنثور ( 2 / 416 ).
([4]) تفسير ابن أبي حاتم 3/846 - تفسير الدر المنثور (2/416) وصحح إسناده الحافظ في الفتح (13/494).
([5]) تفسير ابن كثير 3/538-539.
([6]) تفسير الطبري ( 11 / 168 ).
([7]) تفسير الطبري ( 15 / 180 ).