اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  فضل الاجتماع وخطر الاختلاف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100010
 فضل الاجتماع وخطر الاختلاف Oooo14
 فضل الاجتماع وخطر الاختلاف User_o10

 فضل الاجتماع وخطر الاختلاف Empty
مُساهمةموضوع: فضل الاجتماع وخطر الاختلاف    فضل الاجتماع وخطر الاختلاف Emptyالجمعة 7 يونيو 2013 - 4:24

الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن خير الكلام كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس: أهبط الله تعالى الأبوين عليهما السلام إلى الأرض، وسخر لهما ولذريتهما ما في سمائها وبرها وبحرها {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29] وفي الآية الأخرى {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية:13] واستخلف سبحانه وتعالى بني آدم في الأرض، يسكنونها ويعمرونها ويحكمونها، وكل ما على الأرض من مخلوقات فهو مسخر لهم، يتصرفون فيه، ولا يتصرف هو فيهم مهما عظم حجمه، ومهما كانت قوته {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأَرْضِ} [الأنعام:165] وفي أخرى {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الأَرْضِ} [فاطر:39].
بل كان الاستخلاف لبني آدم في الأرض هو الغاية من خلق البشر؛ ليقيموا دين الله تعالى في الأرض؛ كما جاء ذلك منصوصا عليه في القرآن {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30].

ولما كان البشر يسكنون الأرض وهم حكامها، والمتصرفون فيها بأمر الله تعالى وحكمته؛ كان الإصلاح فيها يأتي من قبلهم، كما أن الإفساد فيها لا يكون إلا بأيديهم، وكل المخلوقات الأخرى على الأرض وإن كانت أكثر من البشر، وكثير منها أكبر منهم وأقوى؛ فإنها لا تملك إصلاحا في الأرض ولا فسادا؛ ولذلك خوطب البشر بالإصلاح، ونهوا عن الفساد، ولم يخاطب غيرهم بذلك {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف:56] {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} [محمد:22] وقال الملائكة لربهم سبحانه وتعالى لما أخبرهم باستخلاف البشر في الأرض {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30].
ومن سنن الله تعالى في عباده أن المصلحين والمفسدين من البشر يبقون إلى آخر الزمان، ويكونون في كل مكان، ويقع بينهم الصراع على الأرض، فالمصلحون يريدون صلاحها، والمفسدون يسعون في فسادها؛ وذلك ليتحقق الاستخلاف، وتظهر حكمة الله تعالى في ابتلاء العباد.
ومنذ أن بعث الله تعالى نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام فإن أمته استلمت قيادة الصلاح والإصلاح في الأرض بما أُنزل عليها من الكتاب والحكمة، وبما حظيت به من شرف الإمامة والخيرية، التي من لوازمها السعي بالصلاح والإصلاح، والنهي عن الفساد والإفساد، ومعونة المصلحين، والأخذ على أيدي المفسدين {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله} [آل عمران:110].
ومن لوازم قيام هذه الأمة المباركة بمهمة الإصلاح في الأرض التي كُلفت بها: أن يكون أفرادها متآلفين متحابين، معتصمين بحبل الله جميعا، متواصين بالحق والعدل، متعاونين على البر والتقوى، متناهين عن الإثم والعدوان، وأيُّ شرخ بين أفرادها فإنه يُشغلهم بأنفسهم عن إصلاح غيرهم، ويعطل مهمتهم، ويسلبهم رسالتهم العظيمة، ووظيفتهم الجليلة.

إن الفرقة والاختلاف داءان وبيلان يُقعدان بالأفراد والأمم عن الإصلاح والبناء، ويمكنان للهدم والفساد، ويسببان ظلمة القلوب، وفساد الألسن، والطعن في الناس، وقد يؤديان إلى الاحتراب والتقاتل.
وما أُصيب بنو إسرائيل بالنقص والخذلان، وحاق بهم الذل والهوان، وحقت عليهم اللعنة - رغم أن النبوة كانت فيهم، وقد فضلوا على العالمين - إلا بسبب اختلافهم على أنبيائهم، واتباع أهوائهم، وأدى بهم ذلك إلى الفرقة والعداوة والبغضاء فيما بينهم، يقول الله تعالى في شأن اليهود {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ} [المائدة:64] وفي شأن النصارى قال سبحانه {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ} [المائدة:14].

لقد قص الله تعالى علينا ما وقعت فيه بنو إسرائيل من الفرقة والاختلاف والعداوة والبغضاء؛ لئلا نسير سيرتهم، ولكي نحذر مسلكهم وطريقتهم، فنعتصم بحبل الله تعالى جميعا ولا نتفرق {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ العِلْمُ} [يونس:93] وفي الآية الأخرى {وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الجاثية:17].
وبلغ بهم اختلافهم وفرقتهم مبلغ الشقاق والعناد والقتال؛ كما في قول الله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة:176].
لقد نهانا ربنا جل جلاله أن نكون كما كانت بنو إسرائيل فرقة واختلافا وتباغضا وتناحرا؛ لئلا نضل كما ضلوا، ونزيغ كما زاغوا {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] وفي الآية الأخرى {وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الرُّوم:32].

إنه طريق واحد هو الصراط المستقيم الذي أمرنا الله تعالى بسلوكه، وهو طريق الأنبياء كلهم، من سلكه أنجى نفسه، وسعى بالصلاح في أمته، ومن حاد عنه فقد فرَّق دينه، وأوبق نفسه، وجنى على أمته. ولما أمر الله تعالى بسلوك هذا الطريق الأوحد نهى عن الطرق الأخرى التي ينتج عنها التفرق والاختلاف {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153] وفي الآية الأخرى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشُّورى:13].

ومع هذا التحذير العظيم من التفرق والاختلاف الذي أبدى فيه القرآن وأعاد فإن أمة الإسلام وإن كانت معصومة من الإجماع على ضلالة، فإنها ليست معصومة من التفرق والاختلاف، الذي سببه البدع والضلالات، واتباع الهوى، وتعطيل السنن، والغرور بالدنيا وزخارفها؛ ولذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهذه الواحدة هي من سلكت سبيل المرسلين، والفرق الباقية الهالكة هي التي ابتدعت في الدين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والبدعة مقرونة بالفرقة كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال: أهل السنة والجماعة كما يقال: أهل البدعة والفرقة. اهـ

وقد يبلغ التفرق بالأمة مبلغ الاحتراب والاقتتال، فيفني بعضهم بعضا، ويقتلون أنفسهم ويتركون أعداءهم؛ كما وقع ذلك في كثير من دول الإسلام وتاريخهم، ولا يزال يقع إلى يومنا هذا، وهو كما جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: (يا محمد، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا) وفي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها) رواهما مسلم.

وإذا كان التفرق والاختلاف واقعا في الأمة لا محالة، وهو من قدر الله تعالى الذي قدره عليها، فليس معنى ذلك أن يستسلم أفراد الأمة لهذا القدر، ولا أن يحتجوا به على تفرقهم واختلافهم؛ لأن الله تعالى وإنْ قدر ذلك بحكمته فقد أمرنا سبحانه بالاجتماع، ونهانا عن الفرقة {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] وفي أخرى {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] وروى أبو هريرة رضي الله عنه فقال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثا..... يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله تعالى أمركم....) رواه أحمد وصححه ابن حبان.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور التي أوجبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.... وهذا الأصل العظيم وهو الاعتصام بحبل الله جميعا وأن لا يتفرق هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن عامة وخاصة. اهـ

فحري بكل مخلص لربه، متبع للسنة، ناصح للأمة: أن يسعى في كل طريق صحيح يجمع كلمة المسلمين على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وأن يجتنب كل طريق يؤدي إلى الشقاق والفرقة والاختلاف، ولو سعى كل مسلم في بيان الحق، والنصح للخلق، بحسب استطاعته لتقاربت كثير من القلوب المتباعدة، ولأزيل كثير من الاختلاف والشقاق الذي يوجب العداوة والبغضاء بين الناس، وحسب كل مسلم أن يعلم أن الله تعالى قد حصر الأخوة في الإيمان فقال سبحانه {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] واتباع السنة، والتجرد للحق، والبعد عن الهوى، هو سبب الاجتماع والألفة، كما أن الابتداع في الدين، والميل إلى الهوى، والغرور بالدنيا هو سبب التفرق والاختلاف.
نعوذ بالله تعالى من الهوى والردى، ونسأله الموافاة على الإيمان والسنة، آمين يا رب العالمين.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله تعالى لي ولكم....

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، العبد المجتبى، والنبي المصطفى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه واقتفى.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه {وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ} [البقرة:223].

أيها الناس: الاختلاف والتفرق في الأمة ينتج عن أحد سببين كبيرين أو كليهما، وكل ما يذكر من أسباب أخرى فلا تخرج عن أحد هذين:

أما السبب الأول: فالشبهة في الدين، وهي التي تقود إلى أنواع من البدع والضلالات، كبدع المرجئة والخوارج والقدرية والجهمية والرافضة وغيرهم.

وأما السبب الثاني: فشهوة الدنيا، وهي التي تؤدي إلى التنافس على السلطان والجاه والمال فيختلف الناس عليها، ويفترقون من أجلها، وقد يقتتلون بسببها.

وكل دول الإسلام التي سقطت في القديم والحديث إنما سقطت بهذين السببين أو أحدهما:
فدولة الخلافة الراشدة أُحدث في آخرها بدعة الخروج على السلاطين، وتبعتها بدعة الغلو في علي وآله رضي الله عنهم بسبب شبهات عرضت لأصحابها، ومنافقين روجوها على الناس، مع ما داخل القلوب من حب الدنيا، والتنافس فيها، فزالت الخلافة الراشدة بسبب ذلك.
وفي أخريات الدولة الأموية دبَّ الخلاف على الدنيا في البيت الأموي، واشتد التنافس على مناصب الخلافة فأدى ذلك إلى الفرقة التي كانت سببا في ضعف الأمويين وسقوط دولتهم.

وأما الدولة العباسية فظهرت فيها كثير من البدع والأفكار اليونانية والرومانية والفارسية على إثر ترجمة كثير من كتبهم، وفي أخرياتها تمكن أهل البدعة فيها من البلاد والعباد على يد الوزير الرافضي ابن العلقمي الذي أجمع المؤرخون على أنه من أسقط الخلافة العباسية تحت أقدام المغول، وخان من أحسنوا إليه.

وأما الخلافة العثمانية ففي أخرياتها ظهر القول بالبدعة القومية، وقد كان المسلمون قبلها يجمعهم الإسلام، ففرقهم الأعداء ببدعة الجنس والعرق، ففاخر الترك بطورانيتهم، واعتز الفرس بفارسيتهم، وقيل للعرب أن يفخروا بعروبتهم، وصار كل أهل عرق وقومية يوالون ويعادون في عرقهم حتى فُرقت الأمة شذر مذر، ووجد الأعداء من يعينهم من المسلمين في القضاء على دولتهم، فقُضي على الدولة العثمانية، ومُزقت تركتها إلى دويلات كثيرة ضعيفة أريد لها أن تزداد تفرقا إلى تفرقها بإحياء النعرات القومية والوطنية والطائفية؛ لئلا يعود للمسلمين وحدة.

وأما الأندلس التي ما بقي للإسلام فيها إلا خبر يُذكر، وأثر يُبصر، ولا دولة لهم فيها البتة؛ فإن أعظم سبب لسقوطها كان خلاف ملوكها وأمرائها على الدنيا وزينتها، حتى إن الأخ ربما تحالف مع النصارى وسلمهم ديار المسلمين؛ ليعينوه على أخيه ابن أمه وأبيه، بل إن الابن قد ينقسم عن ملك أبيه، ويعلن الخروج عليه فيعينه النصارى على ذلك لوهن الإسلام، والفت في عضد المسلمين وتمزيقهم، حتى انتهت دولتهم بسبب ذلك.

أيها الإخوة: بما سبق إيراده من نصوص الوحيين، ومن مواعظ التاريخ يُعلم أن الاجتماع خير ورحمة، وبه يقوى جانب المسلمين، وتهاب دولتهم، وتُزهر حضارتهم، ولا يظفر الأعداء منهم بشيء، وأن الفرقة شر وعذاب، وهي سبب الوهن والاضمحلال، ورفع الأمن، وحلول الخوف، وتوقف العمران، وما ظفر أعداء الإسلام قديما وحديثا بدولة فأسقطوها واحتلوها إلا بسبب الفرقة والخلاف بين أبنائها، حتى ينبري الخونة منهم لإعانة أعداء الله تعالى؛ كي يحققوا مرادهم.
فمن أدرك ذلك حق الإدراك دان لله تعالى بلزوم الجماعة، والتزام الطاعة، وحَذِر من مفارقة جماعة المسلمين، وشقِّ عصاهم، والشذوذ عنهم، وممالأة أعدائهم عليهم.
حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، ورد الكافرين والمنافقين والمفسدين على أعقابهم خاسرين إنه سميع قريب مجيب.

وصلوا وسلموا على نبيكم.....


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فضل الاجتماع وخطر الاختلاف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شبهة أن أحاديث نزول القرآن علي سبعة أحرف تثبت الاختلاف مع أن القرآن نفسه ينفي الاختلاف
» المسؤولية وخطر تبعتها
»  الأمانة: شرف أدائها، وخطر خيانتها
»  متلازمة مارفان.. وخطر الحمل على المريض
» من أجل هذا.. تقبلوا الاختلاف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: