اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  شطر الإيمان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100165
 شطر الإيمان Oooo14
 شطر الإيمان User_o10

 شطر الإيمان Empty
مُساهمةموضوع: شطر الإيمان    شطر الإيمان Emptyالجمعة 7 يونيو 2013 - 3:53

إنَّ الحمد لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أيها المسلمون:
يا لسعادة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدثهم عن الجنة، وعن نعيم الجنة، وعن راحة الجنة؛ لأن من جعل هذه الدنيا دارًا ومستقرًا، فقد أصابه الله بالحرمان، وقد كتب الله عليه الخذلان.
يا مُتْعَبَ الجِسْمِ كم تسعى لراحته أتْعَبْتَ جِسْمَكَ فيما فيه خُسْرانُ
أَقْبِلْ على الرُّوحِ واستكمِلْ فضائلَها فأنت بالرُّوح لا بالجسم إِنسانُ
يا عامرًا لخرابِ الدارِ مجتهدًا بالله هل لخراب الدارِ عُمْرانُ
خرج عليهم - صلى الله عليه وسلم - وهو يتحدث لهم عن نعيم الجنة، ثم قال لبلال رضي الله عنه: ((حدثني بأرجى عمل عملته في الإِسلام، فإني سمعت دفَّ نعليك بين يديّ في الجنة)) قال: ما عملت عملاً أرجى عندي؛ إني لم أتطهر طُهورًا، في ساعة ليلٍ أو نهار، إلا صليت بذلك الطُّهور ما كتب لي أن أصلي[1].
إن الوضوء مَعْلَمٌ من معالم هذا الدين، وليس في الدين قضايا بسيطة فرعية، بحيث يستخف بها الإِنسان، وليس فيه ظاهر وباطن، أو قشرٌ ولباب، بل كله أصلٌ ولبٌّ ووحيٌ من عند الله - عزَّ وجلَّ.
أعظم قضاياه لا إله إلا الله، وأيسرها إماطة الأذى عن الطريق، لكن من قصد بكل قضية وجه الله، أدخله الله الجنة، من أي أبوابها الثمانية شاء.
يقول عقبة بن عامر – رضي الله عنه وأرضاه -: كنا نتداول رعية الإِبل بيننا – وهذه رواية الإِمام أحمد في المسند – فأصابني رعية الإِبل، فروّحتها بعشي، فأدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يحدث الناس، فأدركت من حديثه وهو يقول: ((ما منكم من أحد يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقوم، فيركع ركعتين، يقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة، وغفر له)). فقلت: ما أجود هذا!! فقال قائل بين يَدَي: التي قبلها يا عقبة أجود منها. فنظرت فإذا عمر بن الخطاب. فقلت له: وما هي يا أبا حفص. قال: إنه قال قبل أن تأتي: ((ما منكم من أحد يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيِّها شاء))[2].
زاد الترمذي بعد الشهادة: ((اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين))[3].
فهنيئًا لكم أيها المتوضئون، وهنيئًا لكم أيها المتطهرون، أبشروا وأملوا في ربكم ما يسركم.
هنيئًا لكم .. تتوضؤون وغيركم من الملايين، تمر عليهم السنوات لا يعرفون الوضوء.
وهنيئًا لكم الطهارة .. تتطهرون وغيركم من الملايين، يعيشون عيشة الكلاب والخنازير لا يتطهرون.
وهنيئًا لكم .. يعرفكم رسولكم - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة بوضوئكم متطهرين، متجملين للعرض الأكبر على الله.
* يقول أبو هريرة – رضي الله عنه وأرضاه -: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقبرة فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. وددتُ أنا قد رأينا إخواننا)) قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: ((أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد)) فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: ((أرأيت لو أن رجلاً له خيلٌ غرٌّ مُحَجَّلَةٌ[4] بين ظهري خيل دُهْمٍ بُهْمٍ[5]، ألا يعرف خيله؟)) قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ((فإنهم يأتون غُرًّا مُحَجَّلين من الوضوء، وأنا فَرَطُهم على الحوض))[6].
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - سيعرف أتباعه يوم القيامة، وسط الأمم التي هي كالذر؛ أمة موسى، وعيسى، ونوح، وإبراهيم، يعرفهم - صلى الله عليه وسلم - بعلامة الوضوء.
إذا رآك عرف أنك من أمته، ومن أهل حزبه وملته، وأنك من الذين يَردُون حوضه، ويشربون من كوثره.
إذا رأى وجهك يبرق كالقمر من آثار الوضوء، وقد امتلأت أركانك بالنور، علم أنك من أتباعه، فسقاك من يده الشريفة شربة هنيئة لا تظمأ بعدها أبدًا.
أما أهل النفاق والضلال، الذين لم يهتدوا بهديه - صلى الله عليه وسلم - أما الذين لا يتوضؤون، ولا يركعون، ولا يسجدون، فيقول - صلى الله عليه وسلم - كما في تتمة الحديث السابق: ((ألا ليُذَادنَّ[7] رجالٌ عن حوضي كما يُذَادُ البعير الضال. أناديهم .. ألا هَلُمَّ[8]! فيقال: إنهم قد بدَّلوا بعدك. فأقول: سُحْقًا سُحْقًا))[9].
فَقُلْ لبلالِ العزم من قلبٍ صادقٍ أرحنا بها إنْ كنت حقًّا مصليًّا
توضأ بماءِ التوبة اليومَ مخلصًا به تَرْقَى أبوابَ الجِنَانِ الثَّمانيا
في الأثر: أن الله - عزَّ وجلَّ - ينظر لعبده المؤمن إذا قام من فراشه لصلاة الفجر، ينتفض خائفًا وجلاً، فيعمد إلى الماء البارد، فيتوضأ به في شدة البرودة، ثم يأتي للصلاة، فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي انظروا لعبدي المؤمن ترك فراشه الدفيء، ولحافه الوثير، وقام إلى الماء البارد يتوضأ، وقام إليَّ يناجيني ويتملقني، أشهدكم أني قد غفرت له، وأدخلته الجنة.
فيا لعظمة المسلم، يوم يقوم من فراشه مع صلاة الفجر، وأهل النفاق، وأهل الفجور، وأهل الإعراض عن الله، وأهل الغفلة في فرشهم، متغمِّصون بنفاقهم وفجورهم، فيقوم إلى الماء البارد، فيتوضأ ويرفع سبابته، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
* وفي حديث حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عجب ربنا من رجلين)) – ولله أن يعجب من عبده؛ يوم خلقه، ويوم سواه، ويوم رزقه، وعجبه سبحانه وتعالى يليق بجلاله – ((عجب ربنا من رجلين؛ رجلٍ ثار من وطائه ولحافه، من بين حبِّه وأهله إلى الصلاة، فيقول الله جلّ وعلا: انظروا إلى عبدي، ثار من فراشه ووطائه؛ من بين حبِّه وأهله إلى صلاته؛ رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي. ورجل غزا في سبيل الله، فانهزم أصحابه، وعلم ما عليه في الانهزامِ، وما له في الرجوع، فرجع حتى هُرِيق دمُه، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي، رجع؛ رجاءً فيما عندي، وشفقًا مما عندي حتى هُريق دمه!!))[10] فالله - عزَّ وجلَّ - يعجب من هذا العبد، الذي يقوم في الليل، يترك فراشه الوثير، ولحافه الدفيء، ويعمد إلى الماء البارد يتوضأ، وهو ينتفض من البرودة، ثم يصلي ما كتب الله له أن يصلي.
فأيُّ عبدٍ ذلك العبد! وأيُّ جزاءٍ له يوم القيامة!!
* وعن أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه وأرضاه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((الطُّهورُ شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآنِ (أو تملأ) ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كلُّ الناس يغدو، فبائعٌ نفسه، فمعتقُها أو موبقُها))[11].
وإنما - صلى الله عليه وسلم - جعل الطهور شطر الإيمان؛ لأنه يتعلق بالطهارة الظاهرة وأما الباطن فأمره عند الله، فإذا طهر العبد باطنه فقد استكمل الإيمان.
فجعل الله الطهارة أو الوضوء نصف الإيمان؛ لأنه علامة اليقين. ووالله، ثم والله، ثم والله، لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن؛ لأنه سر بين العبد وبين ربه، ولا يعلم السر وأخفى إلا الله.
ولا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إلا الله، ولا يعلم ما تضمر وتسر القلوب إلا الله؛ بإمكان الرجل أن يصلي وعليه جنابة، فلا يعلم الناس ذلك، وبإمكانه أن يدخل المسجد ويصلي بغير وضوء، ولكنه يعلم أن الله يراه، وهو مُطّلعٌ عليه، فيعمد إلى الوضوء، فإذا توضأ، حصَّل شطر الإيمان؛ لأنه يراقب ربَّه في السر والعلانية.
يقول أبو هريرة – رضي الله عنه وأرضاه – قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات)). قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المسجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط، فذلكم الرباط))[12].
ومعنى إسباغ الوضوء على المكاره، أن تسبغ وضوءك في شدة البرد، يوم ألا يمس المنافقون الماء البارد، ويتأذون من الماء البارد، فتقوم تشرشر بالماء البارد على أعضائك الدفيئة؛ طلبًا للفضل والأجر من الله، فيحط الله عنك الخطايا، كما تحات الشجرة ورقها في شدة البرد، أو في الرياح الهوج.
* وقال أبو هريرة – رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه، خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها مع الماء – أو مع آخر قطر الماء – فإذا غسل يديه، خرج من يديه كلُّ خطيئة بطشتْها يداه، مع الماء – أو مع آخر قطر الماء – فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه، مع الماء – أو مع آخر قطر الماء – حتى يخرج نقيًا من الذنوب))[13] فهل يطلب المسلم أجرًا بعد هذا أو يريد أكثر من هذا الترغيب لينشط للعبادة!
فيا من أراد نعيم الجنة، دونكها أبواب ثمانية فتحت لك، فتوضأ، وادخل على الله من أيها شئت، وتعال إلى المسجد طاهرًا مطهرًا من الذنوب والخطايا.
فما أعظمك أيها المسلم حينما تطيع ربك - عزَّ وجلَّ، وهنيئًا لك يوم تتوضأ كل يوم خمس مرات، وهنيئًا لك يوم تتطهر بالماء البارد، فتخرج خطاياك من أعضائك، هنيئًا لك يوم تطلب رضوان الله وجنة الله.
فَاعْمَلْ لدارٍ غدًا رضوانُ خَازِنُها الجَارُ أحمدُ والرَّحْمَنُ بَانِيهَا
قصورُها ذهبٌ والمِسْكُ تُرْبَتُهَا والزَّعْفَرَانُ حَشِيشٌ نَابِتٌ فيها
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن أعظم نعمة مَنَّ الله تعالى بها علينا؛ أن جعلنا مسلمين، وأن هدانا صراطه المستقيم.
فنسأله سبحانه كما رزقنا وإياكم الإسلام، أن يسترنا وألا يفضحنا، وأن يصلح بواطننا وظواهرنا، وأن يعمر قلوبنا بالتقوى والمراقبة.
عباد الله:
إن النعيم كلَّ النعيم؛ أن تتلذذ بطاعة الله، بذكر الله، بالوضوء لأداء فرائض الله، بتلاوة كلامه - سبحانه وتعالى - بالصيام له، بمناجاته في غلس الليل، بالصدقة، بطلب مرضاته، بحسن الخلق لرفع الدرجات عنده.
ولقد كان العلم عند السلف الصالح سهلاً يسيرًا، كان العلم عند أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، يقصد منه العمل والتقرب إلى الله، ما عرفوا هذا التنظير العلمي، الذي شغل أوقاتنا، وهذا الجدل العقيم، الذي ضيع ساعاتنا، علمهم سهل، يعلمون المسألة، فيعملون بها، فيرزقهم الله علمًا إلى علمهم.
يروى أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قال: "من عمل بما علم، ورَّثه الله علم ما لم يعلم"[14].
ولذلك دعا عثمان – رضي الله عنه وأرضاه – أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فاجتمعوا إليه فجلسوا خارج المسجد. أتدرون لماذا دعاهم؟ هل أراد أن يلقي عليهم محاضرة تستغرق الساعات الطوال، فيحدثهم عن مسائل غامضة لا يمكن أن يعملوا بها؟ لا، إنما دعاهم ليعلمهم قضية سهلة من قضايا الإسلام دعا عثمان بإناءٍ، فأفرغ على كفيه ثلاث مراتٍ، فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، ثم تمضمض، واستنشق، واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا. ثم قال: رأيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، وصلى ركعتين، لا يحدِّث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه))[15].
هذا هو الإسلام، وهذا هو العلم، وهذه هي طريقة الصحابة في عرض العلم والإسلام على الناس، لا تكلف، لا تنطع، لا تفلسف، وإنما تكليف عملي، وتدريب ميداني، وهكذا كانوا في كل أمورهم – رضي الله عنهم.
ولذلك يقول سيف الله المنتضى، أبو الحسن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: إني كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا، نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني رجل من أصحابه، استحلفته، فإذا حلف لي، صدقته، وإنه حدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر! قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من رجل يذنب ذنبًا، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر له))[16]، ثم قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].
وهذا الحديث صحيح فاستبشروا به، فإذا ألَّم أحدكم بخطأ، أو بفاحشة، أو بظلم كبير، فليذهب إلى الماء البارد، وليتوضأ بالماء البارد، وليطفئ نار الذنب، ونار الخطيئة، وليصلي ركعتين، ثم ليستغفر الله؛ لأنه لا يغفر الذنوب إلا الله، ولا يستر العيوب إلا الله، ولا يتجاوز عن السيئات إلا الله، ولا يعفوا عن الزلات إلا الله. فهو الذي يغفر للعبد، ويرحم العبد، ويستر العبد، ويهدي العبد، لا إله غيره ولا ربَّ سواه.
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
فاستبشروا بسنةِ الوضوء، واستصحبوا السواك إذا توضأتم، ثم ارفعوا سباباتكم إلى الحي القيوم، وأعلنوا الوحدانية قوية حيّة، وقولوا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله؛ يفتح الله لكم أبواب الجنة الثمانية، وتسلم عليكم الملائكة، ويدعو لكم المقربون، ويشهد لكم الأنبياء والرسل.
فسلام على كل من توضأ، وأتى إلى بيت من بيوت الله منيبًا، وسلام على من تطهر لله ظاهرًا وباطنًا.
اللهم فاجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين.
اللهم كما طهرت أعضاءنا بالماء البارد، فطهر قلوبنا من النفاق والكفر، ومن الغش والكِبْرِ ومن الحقد والحسد، ومن الرياء والغلِّ يا رب العالمين.
اللهم كما سترت ظواهرنا من العيوب، والجروح، والأمراض، فاستر بواطننا يا أرحم الراحمين.
اللهم كما أضفيت علينا لباس الستر في الدنيا، فلا تفضحنا على رؤوس الأشهاد، يوم نأتيك حفاة عراة غرلاً.
عباد الله:
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
* وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشرًا))[17].
اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.

[1] أخرجه البخاري (2/48)، ومسلم (4/1910) رقم: (2458).
[2] أخرجه أحمد (4/146، 153). وصححه العلامة أحمد شاكر كما في تحقيقه لكتاب ((سنن الترمذي)) (1/79-83). وأخرجه أبو داود (1/43) رقم: (169).
[3] أخرجه الترمذي (1/78) رقم: (55). قال الترمذي: وهذا حديث في إسناده اضطراب.
[4] الغُرّة: بياض في جبهة الفرس. والتحجيل: بياض في يديها ورجليها.
[5] خيل دُهمٍ بهم: أي سود، لا يخالط لونها لون آخر.
[6] وأنا فرطهم على الحوض: أي متقدمهم عليه. قال ابن الأثير: يقال: فَرَط يفرِط، فهو فارِطٌ وفَرَطٌ: إذا تقدم وسبق القوم، ليرتاد لهم الماء. والحديث أخرجه مسلم (1/218) رقم: (249).
[7] يُذَاد: يُطرد.
[8] ألا هَلُمَّ: أي تعالوا.
[9] سحقًا سحقًا: أي بعدًا بعدًا.
[10] أخرجه أحمد (1/416). وأخرجه أبو داود بعضه (3/19) رقم: (2536). وأخرجه البيهقي (9/164). وابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان (6/297، 298) وصححه الأرناؤوط.
[11] أخرجه مسلم (1/203) رقم: (223).
[12] أخرجه مسلم (1/219) رقم: (251).
[13] أخرجه مسلم (1/215) رقم: (214).
[14] وهذا الحديث يروى مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح. أخرجه أبو نعيم في الحلية (10/15) ثم قال: ذكر أحمد بن حنبل هذا الكلام عن بعض التابعين، عن عيسى ابن مريم عليه السلام، فوهم بعض الرواة، أنه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع الإسناد عليه لسهولته وقربه، وهذا الحديث لا يحتمل بهذا الإسناد عن أحمد بن حنبل.
[15] أخرجه البخاري (1/48، 49). ومسلم (204، 205) رقم: (226).
[16] أخرجه الترمذي (5/213) رقم: (3006). وابن ماجه (1/446) رقم: (1395). وأحمد (1/10).
وقد صحح هذا الحديث الحافظ المزي، وجود إسناده ابن حجر. انظر: ((تهذيب التهذيب)) (1/227، 228) عند ترجمة: أسماء بن الحكم الفزاري.
[17] أخرجه مسلم (1/288) رقم: (384).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شطر الإيمان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الوسوسة في الإيمان
»  زاد الإيمان
»  شجرة الإيمان
» الإيمان هو حسن الخلق
» الإيمان والإستقامة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: