اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الإيمان والإستقامة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100265
الإيمان والإستقامة Oooo14
الإيمان والإستقامة User_o10

الإيمان والإستقامة Empty
مُساهمةموضوع: الإيمان والإستقامة   الإيمان والإستقامة Emptyالسبت 9 مارس 2013 - 11:28

الإيمان والإستقامة
الشيخ محمد حسان


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ([1])



يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ([2])



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ([3])



أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار.

أحبتى فى الله:

ها هى الأيام تمر . . والأشهر تجرى ورائها .. وتسحب معها السنين .. وتجر خلفها الأعمار .. وتطوى حياةُ جيل بعد جيل.

فالحمد لله الذى جمعنا فى الدنيا على محبته وطاعته ونسأله سبحانه وتعالى أن يجمعنا وإياكم مع حبيبنا المصطفى فى جنته ودار كرامته.

نضر الله هذه الوجوه التى طال شوقنا إليها . وزكى الله هذه النفوس التى انصهرنا معها فى بوتقة الحب فى الله.

وشرح الله هذه الصدور التى جمعنا وإياها كتابُ الله. وبارك الله فيكم جميعاً وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

أحبتى فى الله:

تعالوا بنا لنعيش بعض الوقت مع آيات من القرآن الكريم .. فهو النعمة الباقية .. ، والعصمة الواقية..، والحجة البالغة ..، والدلالة الدامغة ..، وهو شفاء الصدور والحكم العدل عند مشتبهات الأمور ..، وهو سراج لا يخبو ضياؤه .. وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه .. بهرت بلاغته العقول وظهرت أحكامه على كل مقول.

أنزله الله على رسوله لينشئ به أمة، وليقيم به دولة، ولينظم به مجتمعاً وليربى به العقول والقلوب والضمائر والأخلاق.

فما أنزل الله هذا القرآن لتزين به الجدران، أو لتحلى به الصدور أو ليقرأ
على القبور.

بل ما أنزله الله إلا ليكون منهج حياة ..، وإلا لتنفذه الأمة حرفاً حرفاً ..، وكلمة كلمة ..، وتكليفاً ..، وحكماً حكماً.

ولكن أًبت أمة القرآن إلا أن تهجر القرآن، وما أشقى من تغافل عن دائه وأعرض عن دوائه ولم يسع لشفائه .. فظل فى ضنكة وشقائه.

فوالله الذى لا إله غيره لن تسترد الأمة هويتها وكرامتها وقيادتها إلا إذا عادت إلى كتاب الله عز وجل وحولته إلى منهج حياة. تسأل الله ذلك إنه ولى ذلك ومولاه.

أحبتى فى الله:

أعيرونى القلوب والأسماع وتعالوا بنا لنعيش مع هذه الآيات الكريمات
من سورة فصلت.

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ([4])



(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ)

وحدوا الله عز وجل ولم يشركوا به شيئاً وأخلصوا العبادة له وحده وكفروا بجميع الآلهة، والأرباب، والأنداد، والطواغيت، وأخلصوا دينهم لله عز وجل.

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ)

فأفردوه تبارك وتعالى وحده بالخلق والأمر، والملك والرزق، والتدبير والتصريف، كما قال سبحانه: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ([5]) فأقروا بأن الله وحده هو الخالق وما عداه مخلوق. وهو



الرازق وما عداه مرزوق، وهو الرب وما عداه مربوب، وهو المالك وما عداه مملوك.

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ)

فأفردوه وحده بالعبادة والعبودية وهذا هو أصل الدين، وهو الذى لأجله بعث الله الرسل وأنزل الله الكتب وخلق الجنه والنار فلا خضوع إلا لله وحده ..، ولا انقياد إلا لله وحده ..، ولا محبة إلا لله وحده ..، ولا تسليم إلا لله وحده ..، ولا خوف إلا من الله وحده ..، ولا رجاء إلا فيه ..، ولا تسليم إلا له ..، ولا تفويض إلا إليه ..، ولا توكل إلا عليه .. ولا صبر إلا على بابه .. ولا رجاء إلا لما فى يديه الكريمتين .. ولا خلف إلا به، ولا نذر إلا له، ولا ذبح إلا له .. ولا سؤال إلا منه، ولا استعانه إلا به، ولا استغاثه إلا به، ولا طواف إلا ببيته جل وعلا.

قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ([6])

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ)

فأفردوه سبحانه وتعالى وحده بأسماء الجلال وصفات الكمال.. سبحانه وتعالى جل عن الشبيه والنظير والمثيل .. لا كفؤ له، ولا ند له، ولا ضد له ، ولا ولد له، ولا والد له، ولا زوج له، ولا مثيل له، لا تدركه العقول، ولا تكيفه الأفهام لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ([7])



(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ)

فكفروا بجميع الطواغيت والأنداد والآلهة والأرباب وأعلنوا توحيدهم لله وحده وجعلوا ولاءهم وبراءهم لله وحده .. وحققوا بذلك كلمة التوحيد الذى ما خلقهم الله جل وعلا إلا لأجله وما أرسل الله الرسل للناس إلا ليدعوهم إلى توحيد الله عز وجل، وما خلق الله الجنة والنار إلا لأجله.



(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثم اسقاموا)

استقاموا على هذا التوحيد الكامل العظيم، فلم يكتفوا بالقول دون العمل فهذه شيم أهل النفاق والعياذ بالله .. لأن الإيمان بالله: قول باللسان فهذه شيم أهل النفاق والعياذ بالله .. لأن الإيمان بالله: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان.

وكما قال الحسن رحمه الله:

" ليس الأيمان بالتحلى ولا بالتمنى ولكن ما وقر فى القلوب وصدقته الأعمال فمن قال خيراً وعمل خيراً ُقبل منه، ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقُبل منه".

وفى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم فى كتاب الإيمان من حديث العباس رضى الله عنه أن النبى قال:

"ذاق طعم الإيمان من رضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً"([8])



وفى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم عن أبى عمرو وقيل أبى عمره سفيان بن عبد الله رضى الله عنه وهو صحابى جليل أسلم مع وفد ثقيف وروى عن النبى خمسة أحاديث وكان عاملاً لعمر بن الخطاب رضى الله عنه على صدقات الطائف. قال سفيان: قلت يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك (وفى رواية الامام أحمد والنسائى لا أسأل عنه أحداً بعدك) قال: "قل آمنت بالله ثم استقم"([9])



وفى رواية الترمذى قال: قلت يا رسول الله حدثنى بأمر أعتصم به قال: "قل ربى الله ثم استقم، قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف على؟ فأخذ رسول الله بلسان نفسه ثم قال هذا"([10])



واخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد فى الزهد والحكيم والترمذى وابن المنذر أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه الآية على المنبر: (إن الذين..) فقال "استقاموا على طاعة الله فلم يروغوا روغان الثعلب.

ويقول الحافظ ابن رجب الحنبلى فى جامع العلوم والحكم فى شرحة للحديث الحادى والعشرين: {وأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد} كما فسر أبو بكر الصديق وغيره قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره فمتى استقام القلب على معرفة الله، وعلى خشيته، وإجلاله ومهابته، ومحبته ورجائه، ودعائه، والتوكل عليه، والإعراض عما سواه، استقامت الجوارح كلها على طاعه الله فإن القلب هو ملك الأعضاء وهى جنوده فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه.

كما قال النبى فى حديث النعمان بن بشير الذى رواه البخارى ومسلم: " ..إلا وإن فى الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهى القلب"([11])



هذا هو التوحيد الكامل الذى يغفر الله معه أى ذنب فهو الأكسير الأعظم الذى لو وضعت ذرة منه على جبال الذنوب والخطايا لأذابتها بل وبدلتها حسنات لأن للتوحيد نوراً يبدد ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة هذا النور وهذا هو السر الأعظم الذى ثقل بطاقة الرجل، وطاشت من أجله السجلات كما يقول العلامة ابن القيم رحمة الله.

ففى الحديث الصحيح الذى رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبى ورواه الترمذى فى كتاب الإيمان وقال حديث حسن غريب وصححه شيخنا الألبانى من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: إن الله سيخلص رجلاً من أمتى على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً أظلمك كتبتى الحافظون؟ فيقول لا يارب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يارب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وأنه لا ظلم عليه اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم قال: فتوضع السجلات فى كفة والبطاقة فى كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فإنه لايقل مع أسم الله تعالى شئ"([12]).

فالسر هو كمال التوحيد يا عباد الله.

وفى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم فى كتاب الذكر والدعاء من حديث أبى ذر وهذه رواية الترمذى من حديث أنس بن مالك قال سمعت رسول الله يقول: "قال تعالى: يابن أدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتنى غفرت لك ولا أبالى، يابن أدم لو اتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لاتشرك بى شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة"([13])

هذا هو التوحيد الكامل الذى من مات عليه دخل الجنة واستحق من عاش عليه هذه البشرى الكريمة العظيمة من الملائكة كما قال سبحانه وتعالى: "تتنزل عليهم الملائكة" وفى وقت تنزل الملائكة عدة أقوال والبيان بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله تعالى.

***

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريط له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أيها الأحباب الكرام يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ

أى: عند الموت، قاله مجاهد والسدى وزيد بن أسلم.

نعم .. فى هذه اللحظات الحاسمة إذا ما أنتهى الأجل واقتربت ساعة الصفر .. ، وناموا على فراش الموت..، وقد نزل بهم الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، الذى يقطع الأوصال ..، ويفرق الأعضاء..، ويهدم الأركان..، حتى اشفقت عائشة رضى الله عنها على سيد الخلق وحبيب الحق محمد وهو يموت على صدرها.

ففى صحيح البخارى عنها قالت: "مات رسول الله وإنه لبين حاقنتى وذاقنتى فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد ما رأيت رسول الله "([14])

وفى صحيح البخارى عنها أيضاً أنها قالت: إن رسول الله كانت بين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يدية فى الماء فيمسح بها وجهه ويقول: "لا إله إلا الله إن للموت سكرات" ثم نصب يديه فجعل يقول: " فى الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده([15]) صلى الله عليه وآله وسلم.



ففى هذه اللحظات بين السكرات والكربات تتنزل الملائكة على هؤلاء الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا وتبشرهم بفضل الله عليهم وكرامة الله لهم.

كما جاء فى الحديث الذى رواه أحمد فى مسنده وابن ماجه فى سننه بسند صحيح من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال: "تحضر الملائكة فإذا كان الرجل صالحاً قالوا: أخرجى أيتها النفس الطيبة كانت فى الجسد الطيب أخرجى حميده وأبشرى بروح وريحان ورب راض غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج"([16])



وهنا يستبشر العبد المؤمن فيشتاق إلى لقاء الله عز وجل.



ففى الحديث الذى رواه البخارى فى كتاب الرقاق ومسلم فى كتاب الذكر والدعاء وهذا لفظ مسلم من حديث عائشة رضى الله عنها قالت: قا رسول الله : "من احب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءة" فقلت: يا نبى الله، أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ قال:" ليس كذلك ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بُشر بعذاب الله وسخطة كره لقاء الله فكره الله لقاءه".([17])



يقول الإمام ابن كثير فى تفسير هذه الآية:



"تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار نحن كنا أولياؤكم أى قرناؤكم فى الحياة الدنيا نسددكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله وكذلك نكون معكم فى الآخرة نؤنس منكم الوحشة فى القبور وعند النفخة فى الصور ونؤمنكم يوم البعث والنشور ونجاوز بكم الصراط المستقيم ونوصلكم إلى جنات النعيم".([18])



وقال ابن عباس وقتادة وابن أبى حاتم:

تتنزل عليهم الملائكة يوم خروجهم من قبورهم. أى يوم ينفخ إسرافيل فى الصور فيخرج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلاً. وحينئذ ترى الفضائح والأهوال نسأل الله لنا ولكم العافية.

ففى الحديث الذى رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله يقول: "يبعث كل عبد على ما مات عليه".([19])



* فمنهم من يقوم ونوره يشرق من وجهه ومن أعضاءه وعن يمينه وبين يديه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم قال عبد الله بن مسعود فى هذه الآية:

فمنهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نوراً من نوره فى إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة"([20])

* ومنهم من يقوم والظلمة تحيط به من كل جانب

* ومنهم من يقوم ينبعث منه الدم، وله رائحة طيبة كالمسك، وهؤلاء هم الشهداء فى سبيل الله كما جاء فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم.

* ومنهم من يقوم ملبياً، لبيك اللهم لبيك، كما جاء فى الحديث الذى رواه البخارى وهؤلاء الذين ماتوا بلباس الإحرام.

* ومنهم من تقوم من النساء وعليها جلباب من لعنة الله ودرع من النار ويدها على رأسها تقول: يا ويلاه وهى النائحة كما جاء فى الحديث الذى رواه مسلم والنسائى وابن ماجه.

* ومنهم من يقومون وبطونهم منتفخة يتخبطون كالذى يتخبطه الشيطان من المس وهؤلاء هم أكلة الربا الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ([21])



* ومنهم من يقوم وكأس الخمر معلق فى رقبته.

وترى الذين أكلوا أموال ظلماً وقد تجمع حولهم هؤلاء الأيتام يدفعونهم فى أرض المحشر للعرض على الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا([22])

وترى الذى سرق شيئاً يأتى وهو يحمله يوم القيامة وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ([23])



أما الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا يقومون ومعهم الملائكة تبشرهم بفضل الله جل وعلا وكرامة الله لهم. يقولون لهم: لا تخافوا ولا تحزنزا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ* نزلاً من غفور رحيم([24])



لكم فى الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه الأنفس وتقر به الأعين، فمهما طلبتهم وجدتم وحضر بين أيديكم كما اخترتم.

نزلاً أى ضيافة وعطاء وإنعاماً وإكراماً لكم من غفور رحيم.

غفر لكم الذنوب ..، وستر عليكم العيوب ..، ولطف بكم فى يوم الأهوال والكروب.

وفى الحديث الذى رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال
رسول الله :

"يقول الله عز وجل:" أعددت لعبادى الصالحين ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرأوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ([25])

وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله قال:

"إن فى الجنة سوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثو فى وجوهم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً"([26])

­­وفى الحديث الذى رواه أحمد والترمذى والبزار والطبرانى وابن حبان وحسنه المنذرى فى الترغيب والترهيب وحسنه ابن حجر الهيثمى فى مجمع الزوائد عن أبى هريرة قال: قلنا يا رسول الله صف لنا الجنة ما بناؤها قال:" لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم"([27])



وأعلموا أن نعيم الجنة ليس فى لبنها وخمرها وعسلها وتصورها وحريرها وحورها.

ولكن نعيمها الحقيقى فى رؤية وجه ربها جلا وعلا.

ففى الحديث الذى رواه مسلم عن صهيب رضى الله عنه قال: قال رسول الله : " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل: تريدون شيئاً ازيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ، قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل" ثم تلى النبى : {للذين احسنوا الحسنة وزيادة}.

نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإيمان والاستقامة وأن يختم لنا بخاتمة السعادة وأن يدخلنا الجنة ولا يحرمنا الزيادة، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ورضواناً أنت ولى ذلك ومولاه وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

* * *



(*) ألقيت هذه الخطبة بمسجد الجمعية الشرعية بالمنصورة.

(1) سورة آل عمران: 102.

(2) سورة النساء: 1

(3) سورة الأحزاب: 70 ، 71.

(1) سورة فصلت:30 – 32 .

(2) سورة الأعراف: 5.

(1) سورة الأنعام: 162 – 163.

(2) سورة الشورى: 11.

(1) صحيح: {ص.ج: 3425} رواه مسلم باب ذاق طعم الإيمان من رضى بالله رباً رقم (34)، والترمذى (2758).

(2) صحيح: {ص.ج:4395} رواه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (38)، والترمذى برقم (2410)، وكذا رواهم أحمد والنسائى وابن ماجه.

(3) صحيح: {ص.ت: 1965 ، 2535}.

(1) متفق عليه: رواه البخارى (1/22)، ومسلم (5/ 50-51)، وأبو داود (3329)، والترمذى (1/227)، والدارمى (2/245)، وابن ماجه (3984)، وأحمد (4/269، 270).

(1) صحيح: {الطحاوية: 567} {المشكاة: 5556} {الصحيحة: 135}، أخرجه الترمذى (2/106-7-10)، ابن ماجه (4300) وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبى قال الألبانى: وهو كما قالا.

(2) حسن: {الصحيحة: 127، المشكاة: 4336}، رواه الترمذى (2/270)، والدارمى (2/322)، أحمد (5/172).

(1) صحيح: رواه البخارى وأحمد (24346 / 344)

(2) صحيح: {المشكاة: 5959} {ص.ج.: 7175} رواه البخارى وأحمد.

(1) صحيح: {الجنائز: 155} {المشكاة: 630} رواه أحمد (5/287 – 288)، وأبو داود رقم (4753)

(2) متفق عليه: {ص.ج.: 5964، المشكاة: 1601 ، 1602}ـ رواه البخارى (11/308) فى الرقاق، ومسلم رقم (2683) فى الذكر والدعاء، والترمذى رقم (1066) فى الجنائز، والنسائى (4/10) فى الجنائز باب "فيمن أحب لقاء الله".

(3) {تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 99/4ط. التراث الإسلامى}

(1) صحيح: {السنة: 865، المشكاة: 5345} رواه مسلم فى باب "الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت" برقم (2878).

(2) رواه ابن أبى حاتم وابن النذر وابن مردوبه كما قال الإمام السيوطى فى الدر المنثور ورواه الحاكم فى المستدرك وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه وتعقبه الذهبى فقال: بل هو على شرط البخارى.

(1) سورة البقرة: 275.

(2) سورة النساء: 10.

(3) سورة آل عمران:161.

(4) سورة فصلت: 30 ، 31.

(1) متفق عليه: {ص.ج.: 4307} ، رواه البخارى (6/230) فى بدء الخلق باب "ما جاء فى صفة الجنة"، وفى التفسير وفى التوحيد، ومسلم رقم (2824) فى فاتحته، والترمذى رقم (3195) فى التفسير. والآية من سورة السجدة: 17.

(2) صحيح: {الصحيحة : 1336}، رواه الترمذى رقم (2528) فى صفة الجنة وصححة الألبانى فى صحيح سنن الترمذى برقم (2050/2659).

(1) صحيح: {الصحيحة: 1336}، رواه الترمذى رقم (2528) فى صفة الجنة وصححة الألبانى فى صحيح سنن الترمذى برقم (2050/2659).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإيمان والإستقامة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإيمان هو حسن الخلق
»  الوسوسة في الإيمان
»  شطر الإيمان
» تبديل الإيمان
»  شجرة الإيمان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: