اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الحث على الاستسقاء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100205
 الحث على الاستسقاء Oooo14
 الحث على الاستسقاء User_o10

 الحث على الاستسقاء Empty
مُساهمةموضوع: الحث على الاستسقاء    الحث على الاستسقاء Emptyالخميس 6 يونيو 2013 - 16:19

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 – 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله - تعالى -، وخيرَ الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة المؤمنون: يزهدُ الناس في الخير إذا تعلقوا بالدنيا وزخرفها، وضعفَ يقينهم بالآخرة ونعيمها؛ حتى تُفتحَ أبوابُ الخير فتبصرَ قلة الداخلين، وتظهر طرقُ الآخرة فتحس ضعف السالكين، وإذا ما انفتح بابٌ من أبواب الدنيا رأيت كثرة المتنافسين، وأبصرت شدة المتزاحمين.
وما صلاة الاستسقاء إلا باب من أبواب الخير مفتوح، وطريقٌ للذكر والاستغفار والذل والخضوع. والله - تعالى - يُعِزُ من ذلَّ له، ويعطي من سأله، ويحب الخاشعين الذاكرين المستغفرين؛ ولكنك لا ترى منهم إلا قليلاً.. يُعلَنُ عن صلاة الاستسقاء فلا يتوافد إليها إلا أفرادٌ لا يكادون يملؤون أرباع أو أثلاث مساجدها ومصلياتها على رغم قلتها، حتى يظن من أقبل على المصلى أو المسجد أن لا استسقاء فيه من قلة الحاضرين.
أرأيتم لو كان في وقتها أموالٌ توزع، أو أراض توهب، أو دنيا تقسم، أيكون العددُ فيها؛ كالعدد في الاستسقاء؟!

لا أظن ذلك؛ ولو أقسم المقسم أن أنفسًا تهلك من الزحام؛ خشية أن يفوتها ذلك العَرَض من الدنيا لما رأيته يحنث في قَسَمه. وإذا كان أكثرُ الناس قد فرطوا في الواجبات؛ فكيف سيحافظون على المندوبات؟!
إنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة. وإن من أعظم الذنب أن يتكبر الخلق على خالقهم، ويتقاعسوا عن مواطن الذل له، والانطراح بين يديه، ورفعِ الحاجات إليه؛ حتى ظنَّ الظانون منهم أنهم ليسوا مُحْتَاجِين إليه، وأنهم في غِنًى عن رحمته وفضله. فالماء يأتيهم في دورهم، والخيرات من كل بلاد الأرض تمتلئ بها بلادهم، ولا ينقصهم شيء فلِمَ يستسقون؟ وماذا يسألون؟
إن هذا الأمن هو البلاء، وتلك الغفلة هي المصيبة؛ ذلك أن القحط قد يكون نوعًا من العذاب، قال البخاري - رحمه الله تعالى -: "باب انتقام الرب – عز وجل - من خلقه بالقحط إذا انتُهِكَتْ محارمُ الله"[1].

وروى عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "إن قريشًا أبطؤوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي - صلى الله عليهم -. فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، وفي رِوَاية: فقال: ((اللهُمَّ أعنِّي عليهم بسبعٍ؛ كسَبْعِ يُوسُفَ))، فأصابَتْهُمْ سنةٌ حصَّت كل شيء حتَّى كانوا يأكلون الميتة، وكان يقوم أحدُهم فكان يرى بينه وبين السماء مثلَ الدخان مِنَ الجهد والجوع"[2]، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد، جئت تأمرُ بصلة الرحم، وإن قومك هلكوا، فادع الله فقرأ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدُخان: 10] ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله - تعالى - {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى} [الدُخان: 16] - يوم بدر - قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعًا، وشكا الناس كثرة المطر فقال: ((اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا))، "فانحدرت السحابة عن رأسه، فَسُقُوا الناسُ حولَهم"؛ متفق عليه[3].

هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذنبه مغفور، وسعيه مشكور، ودعاؤه مسموع، ومع ذلك لم يأمن مكر الله. إن هاجت الريح ظل يدخل ويخرج، ويقبل ويدبر؛ خوفًا من عِقاب الله؛ حتى يُعرفَ ذلك في وجهه. وإن أبطأ المطر؛ هرع إلى الاستسقاء، واستغاث الله - تعالى -، فرُبَّما صعِد المنبر فاستسقى بلا صلاة ولا خطبة[4]، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه استسقى وهو جالس في المسجد رفع يديه فدعا فأمطرت السماء[5]، واستسقى عند أحجار الزيت من الزوراء وهي خارج المسجد[6]، واستسقى في بعض غزواته حين عطش المسلمون[7].
فبان أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يستسقي كثيرًا، وعلى أحوال متعددة. وكثير من الناس لا يستسقي الواحد منهم وحدَه، ولا يدعو الله في خلوته أن يغيث العباد والبلاد؛ بل يظنون أن طلب السقيا لا يكون إلا في خطبة الاستسقاء أو خطبة الجمعة، مع أن دعاءَ العبد وحدَه أكثر إخلاصًا، وأعظمُ أثرًا. وإذا كان العبدُ يندب له أن يدعو لإخوانه بِظَهْرِ الغيب، فدعاؤه بالسقيا دعاءٌ للعباد والبلاد والبهائم.
وإن أعظم صور الاستسقاء التي أثرت عنه - صَلَّى الله عليه وسلم - خروُجه بالناس إلى المصلى، وصلاتُه بهم، وموعظتهم، والدعاءُ والتضرعُ والانطراحُ بين يدي الله - تعالى - مع كثرة الاستغفار، وتجديد التوبة.

قالت عائشة - رضي الله عنها -: "شكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحوط المطر، فأمر بمنبرٍ فوِضعَ له في المُصَلَّى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه. قالت عائشة: فخرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر، فكبّر - صلى الله عليه وسلم - وحمد الله – عز وجل - ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطرِ عن إبّانِ زمانه عنكم، وقد أمركم الله – عز وجل - أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: ((الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتَّى بدا بياضُ إبطيه، ثم حوَّل إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه وهو رافعٌ يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين. فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت - بإذن الله - فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنّ ضحك - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيءٍ قدير، وأني عبدالله ورسوله))؛ أخرجه أبو داود وصححه الحاكم وابن حبان والنووي[8].

وكان - صلى الله عليه وسلم - يستسقي أحيانًا في خطبة الجمعة كما روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "أصابت الناس سَنَةٌ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا أن يسقينا، قال: فرفع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يديه وما في السماء قَزَعَةٌ، قال: فثار سحاب أمثالُ الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته - وفي رواية: "فمُطِرْنا فما كدنا نصل إلى منازلنا"؛ أي من كثرة المطر، وفي رواية: "فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا" - قال: فمطرنا يومنا ذلك، وفي الغد، ومن بعد الغد والذي يليه، إلى الجمعة الأخرى. فقام ذلك الأعرابيُ أو رجلٌ غيره فقال: يا رسول الله تهدَّم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه وقال: ((اللَّهُمَّ حوالَيْنَا ولا عَلَيْنَا)) قال: فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا تفرَّجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة حتى سال الوادي - وادي قناة - شهرًا، قال: فلم يجئْ أحد من ناحية إلا حدَّث بِالْجَوْدِ"؛ أخرجه الشيخان والروايات للبخاري[9].
وهكذا سائرُ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، وعبادُ الله الصالحون يستغيثون الله ويستسقُونه، ويطلبون رحمته، ويسألونه من فضله، فلا غِنَى لأحدٍ عن رحمة خالقه كائنًا من كان؛ بل إن البهائمَ فُطِرت على معرفة بارئها وخالقها، فلا تلتجئُ إلا إليه وحده على رغم أنها لم تكلف. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خرج سليمانُ - عليه السلام - يستسقي، فرأى نملة مستلقيةً على ظهرها، رافعةً قوائمها إلى السماء تقول: "اللهم إنَّا خلق من خلقك، ليس بنا غنىً عن سقياك"، فقال: "ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم"))؛ أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي[10].

فالله - تعالى - إذا رأى من عِبَاده صدق التوجه إليه، والتعلق به رَحِمَهُمْ فسقاهم وأعطاهم، ورفع البلاء عنهم. خزائنه لا تنفد، وخيره لا ينقطع، وعطاؤه لا يُحْظَر: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]، {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ} [الشُّورى: 28] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه -، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أمَّا بَعْدُ: فإنَّ صلاة الاستسقاء سُنَّةٌ مُؤَكَّدةٌ؛ فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون؛ كما قال الفقهاء، ونقَل الإجماع على ذلك بعضهم[11].

وقبل خروج المسلمين إليها، فإنه ينبغي أن يزيلوا ما في قلوبهم من أكدار الشحناء والبغضاء فذلك أرجى للإجابة.
وينبغي أن يخرجوا خاشعين متذللين خاضعين لرب العالمين[12]. تشبه حالتُهم حالة المسكين المحتاج الذي يريد السؤال. ويخرجون بالشيوخ الكبار الذين أفنَوْا عمرًا مديدًا في الإسلام فدعوتهم مرجوة، وبالصبيان الصغار؛ لأنهم لا ذنوب عليهم فدعاؤهم قريب من الإجابة. ولا يخرجون بالبهائم؛ لعدم ثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[13]. وأمَّا النساء فلا بأس بخروج العجائز الكبيرات؛ كما ذكر ذلك الفقهاء[14]. وإن قدّموا صدقة قبل صلاتهم فذلك حسن؛ لأن الصدقة تطفئ غضب الرب، ولأن المطر رحمة من الله، والله - تعالى – يقول: {إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56][15].

والتوبةُ والاستغفارُ من أعظم أسباب نزول الغيث؛ كما قال نوح - عليه السلام -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10 – 11]. وكما قال هود - عليه السلام -: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].
ومن أسباب نزول الغيث: الاستقامة على أمر الله - تعالى - كما قال – سبحانه -: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجنّ: 16].
كما أن من أعظم ما يمنع المطر كثرةُ الذنوب والمعاصي، وضعفُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].

وعدم إخراج الزكاة يمنع نزول الغيث؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر المهاجرين: خمس إذا بليتم بهن وأعوذُ بالله أن تُدْرِكُوهُنَّ)) وذكر منها ((ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعُوا القَطْر من السماء ولولا البهائمُ لم يمطروا))؛ أخرجه ابن ماجه بسند حسن[16].
فإذا استَسْقَوْا فلم يمطروا أعادوا الاستسقاء مرة أخرى، وإن مُطروا شكروا الله - عزَّ وجَلَّ - على نِعَمِه، وحمِدُوهُ على فَضْلِه، ودَعَوْا بالبركة؛ لأنَّ البَرَكَةَ إذا نُزِعَتْ لم ينفع. ولِذا كانَ - عليه الصلاة والسلام - إذا رأى المطر قال: ((اللَّهُمَّ صيِّبًا نافعًا))؛ أخرجه البخاري[17].

ويسن للعباد أن يصيبوا من ماء المطر، قال أنس - رضي الله عنه -: "أصابنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطر فحسر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبَهُ حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله، لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ قال: ((لأنه حديثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ - تعالى -))؛ أخرجه مسلم[18].
والغيث رحمةٌ، فكان وقتُ نزولِه وقت إجابة لمن دعا فيه؛ كما جاء في الحديث «اطلبوا استجابةَ الدعاء عند التقاءِ الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث» مرسل صحيح أخرجه البيهقي وغيره[19].
أيها الإخوة: هذا بعض ما يقالُ في هذه السنة العظيمة التي فرط فيها كثيرٌ من الناس كما فرَّطوا في غيرها من الواجبات والمندوبات، نسأل الله - تعالى - لنا ولهم الهداية والتوفيق والسداد، وصلاحَ القلوبِ والأعمال إنه سميع مجيب، ألا وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله؛ كما أمركم بذلك رب العزة والجلال.
[1] وذلك في كتاب الاستسقاء من صحيحه، انظره مع "الفتح" (2/581).
[2] هذه الرواية أخرجها البخاري في التفسير باب: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} [الدُخان: 13] (4823).
[3] أخرجه البخاري في الاستسقاء؛ باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط (1020)، ومسلم في صفات المنافقين؛ باب الدخان (2798)، والترمذي في التفسير؛ باب ومن سورة الدخان (3251)
[4] كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عند ابن ماجه في إقامة الصلاة، والسنة فيها باب ما جاء في الدعاء في الاستسقاء (1270)، قال البوصيري في "الزوائد": إسناده صحيح ورجاله ثقات (1/417-418).
[5] كما في حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - عند أبي داود في الصلاة باب رفع اليدين في الاستسقاء (1169)، والبيهقي في "الكبرى" (3/355)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/327).
[6] كما في حديث عمير مولى أبي اللحم عند أحمد (5/223)، وأبي داود في الصلاة باب رفع اليدين في الاستسقاء (1168)، والترمذي في أبواب الصلاة باب ما جاء في صلاة الاستسقاء (557)، والنسائي في الاستسقاء باب رفع الإمام يده في الاستسقاء (3/159)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/327).
[7] كما في حديث استسقائه في غزوة تبوك الذي رواه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأخرجه البيهقي في "الكبرى" (9/357)، وفي "الدلائل" (5/231)، وصححه ابن حبان (1370)، والحاكم وقال: على شرطهما (1/159)، وقال ابن كثير في "السيرة": إسناده جيد (4/16)، وعزاه الهيثمي للبزار، والطبراني في "الأوسط" وقال: ورجال البزار ثقات (6/194-195)، وعزاه الحافظ في "مختصر زوائد البزار" لابن خزيمة (1406).
[8] أخرجه أبو داود في الصلاة باب رفع اليدين في الاستسقاء، وقال: هذا حديث غريب إسناده جيد (1173)، وأبو عوانة في "مسنده" (2519)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/325)، وفي "شرح المشكل" منها (4505)، والحاكم وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي (1/328)، وصححه ابن حبان (991) و(2860)، والنووي في "الأذكار"، وأبو علي ابن السكن كما في "التلخيص الحبير" (1/149).
[9] أخرجه مالك في "الموطأ" (1/191)، والبخاري في مواضع من صحيحه وهذا اللفظ بتمامه في الاستسقاء باب من تمطَّر في المطر حتى يتحادر على لحيته (1033) والروايتان للبخاري أيضًا انظر: "فتح الباري" (2/585)، ومسلم في الاستسقاء باب الدعاء في الاستسقاء (897)، وأبوداود في الصلاة باب رفع اليدين في الاستسقاء (1174)، والنسائي في الاستسقاء باب متى يستسقي الإمام (3/154).
[10] أخرجه أحمد في "الزهد" (87)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (10/312)، وعبدالرزاق (3/95)، والطبراني في "الدعاء" (967)، والدارقطني في "الاستسقاء" من سننه (2/53) برقم (1779)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (875)، وأبونعيم في "الحلية" (3/101)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (12/65)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1/326).
[11] انظر: "المغني" لابن قدامة (3/334)، وقد حكى الإجماع على سنيتها ابن عبدالبر فقال: "أجمع العلماء على أن الخروج للاستسقاء والبروز عن المصر والقرية إلى الله – عز وجل - بالدعاء والضراعة في نزول الغيث عند احتياجه سنة مسنونة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعملها الخلفاء من بعده". ا. هـ من الاستذكار (7/131).
[12] انظر: "الروض المربع مع حاشية ابن قاسم" (2/545).
[13] قاله ابن قدامة في "المغني" (3/335).
[14] انظر: "المغني" (3/335).
[15] انظر: "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (5/275).
[16] أخرجه ابن ماجه في "الفتن" باب العقوبات من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - (4019)، وأبو نعيم في "الحلية" (8/333)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (4/540)، وقال البوصيري في "الزوائد": هذا حديث صالح العمل به (3/246)، وله شاهد من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أخرجه الطبراني في "الكبير" (11/45)، وله شاهد آخر من حديث بُرَيْدَة مرفوعًا أخرجه البيهقي في "الكبرى" (3/346)، والحاكم وصححه وقال: على شرط مسلم ووافقه الذهبي (2/126).
[17] أخرجه أحمد (6/41)، والبخاري في الاستسقاء باب ما يقال إذا أمطرت (1032)، والنسائي في "الاستسقاء" باب القول عند المطر (3/133)، وابن ماجه في "الدعاء" باب ما يدعو به الرجل إذا رأى السحاب والمطر (3890).
[18] أخرجه مسلم في "الاستسقاء" باب الدعاء في الاستسقاء (898)، وأبو داود في "الأدب" باب ما جاء في المطر (5100)، والبغوي في "شرح السنة" (1171)، والحاكم وصححه على شرط مسلم (4/285)، وهذا من أوهامه - رحمه الله - تعالى -؛ لأن مسلمًا خرّجه في الصحيح.
[19] أخرجه الشافعي في "الأم" (1/253)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (7236) مرسلاً عن مكحول، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1026).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحث على الاستسقاء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: