اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الاستسقاء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
 الاستسقاء Oooo14
 الاستسقاء User_o10

 الاستسقاء Empty
مُساهمةموضوع: الاستسقاء    الاستسقاء Emptyالخميس 16 مايو 2013 - 15:07

الحمدُ لله العزيز الغفَّار، يُسبِّح بحمده السَّموات والأرضُ ومن فيهن من طير وشجر وأحجار، أحمده - سبحانه - وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحْدَه لا شريك له يبسُط يَدَه بالنَّهار؛ ليتوبَ مسيء الليل، ويبسطُ يده بالليل؛ ليتوبَ مُسيء النهار، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، وما زال لسانه يلهجُ بالذِّكر والتسبيح والاستغفار، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيِّبين الأطهار، وسلِّم تسليمًا.

أمَّا بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله - عزَّ وجلَّ.

أيُّها المؤمنون:
لم نأتِ في هذا المكان إلا تأسِّيًا بسنة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندما يتأخر المطر، وتَجدب الأرض؛ لنذكِّر أنفسَنا لماذا حلَّ بنا هذا البلاء، وكيف الخلاص منه، وندعو الله أن يَسقينا الغيثَ، ولا يَجعنا من القانطين.

ولو اجتمع الإنسُ والجن على أن يُؤتوا بالمطر، لن يستطيعوا إلاَّ بإذن الله؛ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30].

أيُّها المؤمنون:
إنَّه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفِعَ إلا بتوبة؛ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، فبسبب المعاصي كانت العُقوبة؛ {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح: 25]، {فكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].
مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ كَلاَّ وَلاَ سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ
إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا فَبِفَضْلِهِ وَهُوَ الْكَرِيمُ الْوَاسِعُ
وإنَّ من أعظمِ الذَّنب أنْ يتكبَّر الخلق على خالقهم، ويتقاعسوا عن مواطن الذل له، والانطراح بين يديه، ورفعِ الحاجات إليه؛ حتى ظنَّ الظانُّون منهم أنَّهم ليسوا محتاجين إليه، وأنهم في غنى عن رحمته وفضله، فالماءُ يأتيهم في دورهم، والخيرات من كل بلاد الأرض تَمتلئ بها بلادُهم، ولا ينقصهم شيء، فلِمَ يستسقون؟ وماذا يسألون؟

إنَّ هذا الأمن هو البلاءُ، وتلك الغفلة هي المصيبة، ذلك أنَّ القحطَ قد يكون نوعًا من العذاب؛ قال البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه: "باب انتقام الرب - عز وجل - من خلقه بالقحط إذا انتهكت محارم الله".

وروى عبدالله بن مَسعود - رضي الله عنه - قال: "إنَّ قريشًا أبطؤوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخذتْهم سَنةٌ حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتةَ والعظام، وفي رواية: فقال: ((اللَّهم أعنِّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف))، فأصابتهم سَنة حصَّت كلَّ شيء، حتى كانوا يأكلون الميتة، وكان يقومُ أحدُهم، فكان يرى بينه وبين السماء مِثْلَ الدُّخَان من الجهد والجوع"، فجاءه أبو سفيان، فقال: يا مُحمدُ، جئتَ تأمرُ بصلة الرَّحم، وإنَّ قومك هلكوا، فادْعُ الله، فقرأ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله - تعالى -: {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى} [الدخان: 16] - يوم بدر - قال: فدعا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسُقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعًا، وشكا الناس كثرة المطر، فقال: ((اللهم حوالينا ولا علينا))، فانحدرت السَّحابة عن رأسه، فَسُقُوا الناسُ حولَهم"؛ متفق عليه.

هذا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذنبه مغفور، وسعيه مشكور، ودعاؤه مسموع، ومع ذلك لم يأمنْ مكرَ الله، إن هاجت الرِّيح ظل يدخل ويَخرج، ويقبل ويدبر؛ خوفًا من عقاب الله حتى يُعرفَ ذلك في وجهه، وإن أبطأ المطر، هرع إلى الاستسقاء، واستغاث الله - تعالى - فربَّما صَعِدَ المنبر، فاستسقى بلا صلاةٍ ولا خطبة، وثبت عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه استسقى وهو جالسٌ في المسجد، رفع يديه فدعا فأمطرت السماء، واستسقى في بعض غزواته حين عطش المسلمون.

فبان أنَّه - عليه الصلاة والسلام - كان يستسقي كثيرًا، وعلى أحوالٍ مُتعدِّدة، وكثير من الناس لا يستسقي الواحدُ منهم وحْدَه، ولا يدعو اللهَ في خلوته أنْ يغيثَ العبادَ والبلاد، بل يظنون أنَّ طلب السُّقيا لا يكون إلا في خطبة الاستسقاء أو خطبة الجمعة، مع أن دعاءَ العبد وحدَه أكثرُ إخلاصًا، وأعظمُ أثرًا، وإذا كان العبدُ يُندب له أنْ يدعوَ لإخوانه بظهر الغيب، فدعاؤه بالسُّقيا دعاءٌ للعباد والبلاد والبهائم.

وهكذا سائرُ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وعبادُ الله الصالحون يستغيثون الله ويستسقونه، ويطلبون رحمته، ويسألونه من فضله، فلا غنى لأحد عن رحمة خالقه كائنًا من كان، بل إنَّ البهائمَ فُطِرت على معرفة بارئها وخالقها، فلا تلتجئُ إلاَّ إليه وحْدَه على رغم أنَّها لم تكلف؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((خرج سليمانُ - عليه السَّلام - يستسقي، فرأى نَملةً مستلقيةً على ظهرها، رافعةً قوائمَها إلى السماء تقول: اللهم إنَّا خلقٌ من خلقك، ليس بنا غنًى عن سُقياك، فقال: ارجعوا فقد سُقيتم بدعوة غيركم))؛ أخرجه الحاكم وصححه.

فالله - تعالى - إذا رأى من عبادِه صدقَ التوجُّه إليه، والتعلُّق به، رحِمَهم فسقاهم وأعطاهم، ورفع البلاءَ عنهم، فخزائنه لا تنفد، وخيره لا ينقطع، وعطاؤه لا يُحظر؛ {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]، {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ} [الشورى: 28].

ونَحنُ نستغفر اللهَ من كل بليَّة أصابتنا، وأصابت أمَّتنا، فأمَّتنا تئنُّ وتشتكي في كل قُطر وكلِّ بلد بمصائبَ شتَّى قد تتوافق في بعضها، وتَختلف عن البلدِ الآخر، لكن يَجتمعون أنَّهم في مصيبة أو مصائب، ولا يَختلف اثنان أنَّ المصيبة الواحدة تستحقُّ وتستوجب اللَّهْجَ بالدُّعاء بتفريج الكُرَبِ وتنفيسها، ففي فلسطين الآن يُمارس أنواعُ الإرهاب والقتل الهمجي العشوائي على إخواننا المسلمين، والعالم كله ينظر، ولم تتحرك له طَرْفة عين؛ بسبب أنه إرهاب يهودي منظم ومقنن، بل مُبرَّر؛ لأنَّه دم مسلم موحِّد مصلٍّ.

وإذا انتقلنا إلى عذابٍ آخر، وآفة أخرى ابتلانا اللهُ بها، ولكنَّ القليل منَّا مَن يردُّها إلى سخط الله وعَذابه، ألاَ وهي: غلاء الأسعار، وقد كان من دُعائه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهم إنا نعوذُ بك من الغلاء والوباء))، وها نحن نعيشُ ارتفاعاتٍ مَهولة في أسعار السِّلع، وكثيرًا ما نسمع أنَّ سبب ذلك ارتفاع أسعار النفط، أو التضخُّم العالمي، أو الارتباط بالعملات الأجنبية إلى غير ذلك، ولكن لا بُدَّ أن نقول: إنَّ هذا بلاء حلَّ بنا يستوجب توبة.

وإذا انتقلنا إلى عذاب آخر، وآفة أخرى ابتلانا الله بها، ولكنَّ القليل منا من يردها إلى سخط الله وعذابه، ألا وهي: نُفُوق عددٍ كبير من البهائم، من الجمال والغنم والدَّواجن والأسماك باختلاف مُسميات أمراضها، التي قتلت ملايين الدَّواجن وعشرات الآلاف من الماشية، ولكن لا بُدَّ أن نقول: إنَّ هذا بلاء حلَّ بنا يستوجب توبة.

وإذا انتقلنا إلى عذابٍ آخر، وآفة أخرى ابتلانا الله بها، ولكن القليل منَّا من يردها إلى سخط الله وعذابه، ألا وهي: هجوم أسراب الجراد على المزارع، والتي تُسبب فسادَ المحاصيل وخسارة المزارعين، ونقص الثمار على المستهلكين، ولكن لا بُدَّ أن نقول: إنَّ هذا بلاء حلَّ بنا يستوجب توبة.

وإذا انتقلنا إلى عذابٍ آخر، وآفة أخرى ابتلانا الله بها، ولكنَّ القليلَ منا من يردها إلى سخط الله وعذابه، ألاَ وهي: هذه الجرائم التي تُطالعنا بها الصُّحف المحلية بشكل يَومي، من عصابات التزوير والغش والرشاوي والسَّطو وتهريب المخدِّرات، وقتل الرجل لوالديه أو لأبنائه، والسرقة، والظلم، وتضييع الأمانة، وكُلُّ واحدة من تلك الآفات تستحقُّ الدُّعاء في خطب الجمعة، ووقت إجابة الدُّعاء، ولا تقلُّ أهميتها عن الاستسقاء.

عبادَ الله:
مهما فعلنا ما فعلنا، وأجرمنا في حقِّ بارئنا، فلا ننسَى أنَّه - سبحانه - قد وصف نفسه بأنه الغفَّار والغفور وذو المغفرة وغافر الذَّنب؛ فقال - جلَّ وعلا -: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، فهو الرحيم الغفور والحليم الشكور، ولما كان ربنا كذلك، فقد أمرنا أنْ نستغفره وأن نتوب إليه؛ ليغفرَ لنا وليتوب علينا، بل فتح بابًا ما أوسَعَه! ليتوب المسيء، وليستغفر المذنب، ففي كلِّ ليلة ينزل - جلَّ وعلا - إلى سماء الدُّنيا بعد أن يذهب ثلثا الليل، فيقول: ((هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه، وذلك كل ليلة)).

وثبت في الصحيح عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قوله: ((للهُ أفرحُ بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة))، فتأمَّل عبدَ الله كيف يفرحُ مولاك وسيدك بتوبتك، وهو الغني عنك، وأنت الفقير إليه، فيفتح لك كلَّ باب، ويدعوك من كل ناحية؛ لتقبل ولتتوب إليه، ها هو مولاك يُناديك: ((يا ابنَ آدم، إنَّك ما دَعوتني ورَجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابنَ آدم، لو بلغت ذُنوبك عِنَانَ السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابنَ آدم، لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا، لأتيتك بقُرابها مَغفرة))، وعند مسلم من حديث أبي ذر - رضي الله عنه –: ((يا عبادي، إنَّكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم)).

وعند ابن ماجه أنَّ اللهَ - تبارك وتعالى - يقول: ((يا عبادي، كلُّكم مُذنب إلاَّ من عافيته، فسلوني المغفرة أغفر لكم، ومن علم منكم أنِّي ذو قُدرة على المغفرة، واستغفرني بقُدرتي، غفرت له)).

ووصف سبحانه عبادَه المتقين، فقال عنهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].

وامتنَّ على مَن أشرك به، وزعم أنَّه ثالث ثلاثة، فقال لهم فاتحًا لهم باب الرجاء: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة: 74]، وقال لمن قتل أولياءَه وعذبَهم وحرقهم فيه: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج: 10]، فأين أولو الألباب؟ أين العقلاء؟ أين المسلمون من ربٍّ هذه رحمتُه، وهذه مغفرته، وهم عنه معرضون ولنفحاته لا يتعرَّضون؟ وما زال يحثهم ويدعوهم: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]، {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64].

أيُّها المسلمون:
ما زال المتقون يلهجون بالتوبة والاستغفار في كلِّ وقت وحين، ولكنَّهم في وقتِ تنَزُّلِ الرَّحمة يكثرون من ذلك: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 16 - 17]، وفي آية أخرى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذَّاريات: 18]، فمع صَدَقَتِهم وصبرهم يَلهجون بالاستغفار من ذنوبهم، كأنَّ طاعَتَهم ذنوب؛ لما يرون فيها من عجز وتقصير، فما بالكم بنا نحن المذنبين المسيئين الجريئين؟!

ألاَ يا قوم، استغفروا ربَّكم ثم توبوا إليه يُمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مُسمًّى، ويؤتِ كلَّ ذي فضل فضله، يا قوم، استغفروا ربَّكم ثم توبوا إليه، يرسلِ السماء عليكم مدرارًا، ويزدكم قوة إلى قوتكم، ولا تتولَّوا مُجرمين، يا قوم، استغفروا ربَّكم، ثم توبوا إليه؛ إن ربي رحيم ودود، يا قوم، استغفروا ربَّكم؛ إنَّه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويُمددكم بأموال وبنين، ويَجعل لكم جنات، ويَجعل لكم أنهارًا، وطوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا.

وإنَّ لنا بالصالحين أُسوةً لأشرف خلق الله قُدوة، ها هما أبوانا - عليهما السلام - يناجيان ربَّهما بعد أنْ أذنبا وعصيا، فيقولان: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، وأوَّل الرُّسل وأحد أولي العزم يُناجي ربَّه، فيقول: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28]، والكليم - عليه السَّلام - يناجي ربَّه، فيقول: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16]، ويتمنَّى المغفرةَ خليلُه - عليه السَّلام -: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82]، وذكر داود - عليه السَّلام - ذنبه، فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب.

وابنه سليمان - عليه السَّلام - بعد فتنته بالجياد يقول مناجيًا: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، بل يَمتن بها على حبيبه ومُصطفاه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 1 - 2]، ويؤمر - عليه الصلاة والسلام - فيقال له: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]، ويقول - بأبي هو وأمي، صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))؛ رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.

فإذا استغفرَ مُحمد وإبراهيم ونوح وموسى وداود وسليمان - عليهم الصلاة والسلام - والصَّالح من المؤمنين وعباد الله المتقين، فما عسانا نفعل؟!

عباد الله:
إنَّ الاستغفار هو الدَّافع، وهو الرافع للعقوبات؛ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، {لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46]، وعند أبي داود وابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن لزم الاستغفار، جعل الله له من كلِّ ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، ومن كل بلاء عافية))، فاستغفروا الله، وتوبوا إلى الله جميعًا أيُّها المؤمنون لعلكم تفلحون، توبوا إلى الله توبةً نصوحًا؛ {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [التحريم: 8]، فبلاؤنا من ذنوبنا، ودواؤنا باستغفارنا، فقولوا - عبادَ الله - قولوا مُوقنين، قولوا ملحين: اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبنا، ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا، ربَّنا إنَّنا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا، وأنت تغفر الذُّنوب جميعًا، فاغفر لنا وارحمنا؛ إنَّك أنت الغفور الرحيم، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، ونتوب إليه.

اللهم أنت الله الذي لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أنت الله الذي لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ، ونحن الفُقراء، أنزل علينا الغيثَ، ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أنت الله الذي لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين، اللهم أغثنا، ولا تُهلكنا بالسنين، اللهم اسقنا غيثًا مُغيثًا سَحًّا غدقًا، طبقًا مجللاً عامًّا نافعًا، غير ضارٍّ، عاجلاً غير آجل، اللهم غيثًا تغيث به العباد، وتسقي به البلادَ، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد، اللهم أغثْ قلوبَنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وبلادنا بالغيث والأمطار يا ذا الجلال والإكرام.

وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الاستسقاء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: