اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  غزوة أحد (1) الآيات، والكرامات، والمعجزات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99980
 غزوة أحد (1) الآيات، والكرامات، والمعجزات Oooo14
 غزوة أحد (1) الآيات، والكرامات، والمعجزات User_o10

 غزوة أحد (1) الآيات، والكرامات، والمعجزات Empty
مُساهمةموضوع: غزوة أحد (1) الآيات، والكرامات، والمعجزات    غزوة أحد (1) الآيات، والكرامات، والمعجزات Emptyالأربعاء 5 يونيو 2013 - 11:37

الحمد لله؛ مالكِ الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذل من يشاء. لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه، وهو على كل شيء قدير. أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يخرج شيء عن أمره، ولا يعجزه أحد من خلقه، وله الحكمة البالغة في أمره وشرعه: {لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88].
وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله؛ في غزوة أحد جرح وجهه، وكسرت رَبَاعِيَته، وهشمت البيضة على رأسه، فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: ((كيف يفلح قوم شجّوا نبيهم، وكسروا رَبَاعِيَتَهُ وهو يدعوهم إلى الله))[1].
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ قوم بذلوا لله نفوسهم وأموالهم، {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]. والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - فنعم العدة للشدة تقوى الله – تعالى - وهي المخرج من الفتن، وهي المنجاة من عذابه - تبارك وتقدس -: {وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزُّمر: 61]، {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71 – 72].
أيها المسلمون: كانت غزوة أحد غزوة عظيمة في أحداثها ومجرياتها، عجيبة في آياتها ومعجزاتها، شديدة في ضرائها وابتلاءاتها، غزيرة في عبرها ودروسها.
وقعت في مثل هذه الأيام في شوال من السنة الثالثة من الهجرة، بعد عام واحد من غزوة بدر التي غَشِيَ المشركين فيها ما غشيهم من هزيمة جيشهم، وقتل سادتهم، وذهاب هيبتهم؛ فأجْمَعُوا أمرهم، وجمعوا حلفاءهم، وأعدوا عُدَّتهم، وعزموا على غزو المسلمين في المدينة، والثأر لما أصابهم في غزوة بدر الكبرى؛ فجرت أحداث عظام في هذه الغزوة المباركة، وظهر صدق الإيمان والتضحية والفداء، وابتلي المسلمون ابتلاءً عظيمًا؛ حتى رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد وصل إليه المشركون، ونالوا منه، وكانت الصاعقة الكبرى ما أشيع من قتله - عليه الصلاة والسلام - ولكن الله - تعالى - حَفِظَ نَبِيَّه - صلى الله عليه وسلم - وثبت قلوب المؤمنين، وتلك من أعظم النعم، وأكبر الآيات والمعجزات التي زخرت بها هذه الغزوة!

لقد أكرم الله - تعالى - الطائفة المؤمنة في غزوة أحد بآيات عظيمة، وخص نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمعجزات باهرة، كانَتْ مُعِينًا للمؤمنين على ثباتهم رغم هزيمتهم، ومقوية لهم في مِحْنَتِهم رغم قلتهم وكثرة عدوهم. ولما اشتد الكرب على المؤمنين، وقوِيَ كَلَبُ الكافرين، وتمكنوا من رِقَاب المُؤْمِنين، وعظم خوف الصحابة - رضي الله عنهم - من نتائج هذه الغزوة، ودَبَّتِ الفوضى في أوساطهم، ونالهم من التعب ما نالهم، وعلاهم من الغم ما علاهم، وغشيهم من الكرب ما غشيهم؛ ألقى الله - تعالى - عليهم النعاس وهو النوم الخفيف؛ لينسيهم غمهم، ويزيل تعبهم، ويجدد نشاطهم، فكان ذلك كرامة من الله - تعالى - لهم، وسكينة عليهم: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} [آل عمران: 154].
قال الزُّبَيْر بن العوام - رضي الله عنه -: "لقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد حين اشتدَّ علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه في صدره..."[2].

وقال أبو طلحة الأنصاري - رضي الله عنه -: "كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه"؛ رواه البخاري[3].
وفي رِوَاية قال أبو طلحـة: "رفعت رأسـي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ من أحد إلا يميد تحت جحفته من النعاس؛ فذلك قوله – تعالى -: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154][4].

كان من آيات الله - تعالى - في هذه الغزوة، وإكرامه لعباده المؤمنين: استجابته - تبارك تعالى - لدعاء بعضهم، وإعطاؤهم ما سألوا؛ كما روى سعد ابن أبي وقاص - رضي الله عنه -: "أن عبدالله بن جحش قال له يوم أحد: ألا نَدْعُو الله، فَخَلَوَا في ناحية، فدعا سعد فقال: "يا رب إذا لقيت العدو، فلقني رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا حَرَدُه - أي غضبه - أقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمَّن عبدالله بن جحش، ثم قال: "اللهم ارزقني رجلاً شديدًا حرده، شديدًا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني، فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلـت: "يا عبدي، فيم جُدِع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت". قال سعد: "يا بني، كانت دعوة عبدالله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط"؛ رواه الحاكم، وقال الذهبي: "صحيح مرسل"[5].

ولما دعا أحد المشركين على نفسه بالسوء استجاب الله دعاءه، فأصابه العذاب كما روى بُرَيْدَة - رضي الله عنه -: "أن رجلاً قال يوم أحد: اللهم إن كان محمدًا على الحق فاخسف بي، قال: فخسف به"؛ رواه البزار[6].
ومن الآيات العظيمة في غزوة أحد: أن الملائكة حضروها، ودافعوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما روى الشيخان من حديث سعد - رضي الله عنه - قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض كأشدِّ القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد"[7].
وقد ذكر العلماء أن الملائكة كانوا لحراسة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الله - تعالى - قد وعد المؤمنين بأنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وكان قد فعل، فلما عصوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركوا مصافهم، وترك الرماة عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا يبرحوا منازلهم رفع الله عنهم مدد الملائكة، فصدقهم الله وعده، وأراهم الفتح، فلما عصوا أعقبهم البلاء[8]. وبقي من بقي من الملائكة للدفع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفظه من العدو.
ومن أعمال الملائكة في أحد: أنهم غسلوا من كان جُنُبًا من الصحابة - رضي الله عنهم - فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن حنظلة ابن أبي عامر: ((إن صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا صاحبته))، فقالت: "إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جُنُب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لذلك غسلته الملائكة))؛ رواه الحاكم[9].

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أصيب حمزة بن عبدالمطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رأيت الملائكة تغسلهما))؛ رواه الطبراني بإسناد حسن[10].
وأظلت الملائكة عبدالله بن حرام - رضي الله عنه - كما روى ابنه جابرٌ - رضي الله عنه - قال: "لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وينهوني عنه وهو لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تبكين أو لا تبكين، فما زالت الملائكة تُظِلُّهُ بأجنحتها حتى رفعتموه))؛ رواه الشيخان[11].

وكان - رضي الله عنه - حريصًا على الشهادة، طالبًا لها، صادقًا في طلبه إيَّاها، قال جابر: "لمَّا حضر أحدٌ دعاني أبي من الليل فقال: "ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك، غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن عليَّ دينًا فاقض، واستوص بأخواتك خيرًا، فأصبحنا فكان أول قتيل، ودفن معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هُنَيَّةً غير أذنه"؛ رواه البُخَارِيّ[12].
وقد أكرمه الله - تعالى - بكرامة عظيمة، قال جابر - رضي الله عنه -: "قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم" -: ((يا جابر، مالي أراك منكسرًا؟)) قال: "قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالاً ودينًا"، قال: ((أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟)) فقال: "بلى يا رسول الله". قال: ((ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وكلَّم أباك كفاحًا، فقال: "يا عبدي، تمن عليَّ أعطك". قال: "يا رب، تحييني فأقتل فيك ثانية"، فقال الرب – سبحانه -: "إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون"، قال: "يا رب، فأبلغ من ورائي"، قال الله – تعالى -: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]))؛ رواه الترمذي وابن ماجه[13].

ومن أعظم الآيات في هذه الغزوة: مصير قتلى الصحابة - رضي الله عنهم - فقد روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله - عزَّ وجلَّ - أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طِيْبَ مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: "من يُبلِّغ إخواننا عنَّا أنا أحياءٌ في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب"، فقال الله - عزّ وجلَّ -: "أنا أبلغهم عنكم؛ فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}))؛ أخرجه أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح[14].
أيها الإخوة: كانت تلك بعض الآيات والكرامـات التي منَّ الله - تعالى - بها على المؤمنين في هذه الغزوة العظيمة. وآياتها عظيمة، وكراماتـها كثيـرة، وما لا نعلمه منها أكثر وأكثر. ورغم مُصاب المُسلمين فيها فإن فيها خيرًا عظيمًا، لهم بما ناله الشهداء منهم من الدرجات، والمنازل العالية عند ربهم، وبما استفاده الأحياء منهم من الدروس والعبر، وفي مقدمة ذلك: التزام الطاعة، والبعد عن المعصية التي كانت من أهم أسباب الهزيمة.
أسأل الله - تعالى - أن يرزقنا الشهادة في سبيله، وأن يعزَّ دينه، ويُعْلِي كلمته، وينصر عباده المؤمنين، إنه سميع مجيب، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستقيموا على أمره، ولا تغرنكم الدنيا وزخرفها، ولا يغرنكم بالله الغرور.
أيها المؤمنون: من رحمة الله - تعالى - بعباده المؤمنين أن يجعل المِحَن والابتلاءات فرصة لمراجعة أنفسهم، وتصحيح أخطائهم، وتجديد العهد مع ربهم؛ فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.

ولقد كانت معصية الرماة سببًا للهزيمة في أحد؛ إذ أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم مبارحة أماكنهم مهما كان الأمر، فتركوا مواقعهم، ورأوا أن النصر تحقق، واشتغلوا بجمع الغنائم؛ فجاءهم عدوهم من حيث لم يحتسبوا، وانقلب ميزان المعركة، وتحول النصر إلى هزيمة؛ ليعلم المسلمون خطورة المعصية، وخطورة الأثرة بالرأي والفعل.

وعزا الله - تعالى -هذه المصيبة التي أصابتهم إلى أنفسهم؛ لأنها كانت بسبب ما كسبوا من العصيان الذي هو أكبر سبب للهزيمة في المعارك فقال – سبحانه -: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
فهو - سبحانه وتعالى - كان قادرًا على نصرهم، بدليل إنزاله الملائكة معهم للقتال، وبدليل نصرهم على المشركين في بدر: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]، ولكن طائفة منهم - هي طائفة الرماة - رضي الله عنهم - غيروا وبدلوا، وعصوا أميرهم الذي ثبت في نفر قليل، وكان ينهاهم عن ترك مواقعهم، فزال بمعصية الرماة سبب من أسباب تنزل نصر الله – تعالى - وهو الطاعة، وحلَّت محله المعصية، فتخلف النصر، وأحجم الملائكة عن القتال مع المؤمنين بسبب هذه المعصية، فكانت الهزيمة.

فإذا كان النصر قد تخلف في غزوة أحد بسبب معصية واحدة؛ فهل يستحق المسلمون النصر على أعدائهم، وتأييد الله - تعالى - لهم وفيهم من العُصاة ألوف بل ملايين، وفيهم من أنواع المعاصي والموبقات ما لا يعلمه إلا الله – تعالى -؟! معاص في البيوت والأسواق، معاص في الرجال والنساء، معاص في الشيب والشباب، معاص في الإعلام والتعليم والسياسة والاقتصاد، وفي كثير من شؤونهم.
إن الله - تعالى - ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، ولن يحابي أحدًا من خلقه مهما عظمت منزلته، فعدله - وهو العدل تبارك وتعالى - يأبى ذلك، وقد جعل في الكون سننًا لا تحابي أحدًا من الناس، وقوانين لا تجامل كائنًا من كان، ومن هذه السنن: أن المستحق لنصر الله - تعالى - هو من يقيم دينه، وينصر شريعته، ويلتزم طاعته؛ ويباعد عن معصيته، فمن حقق ذلك نصره الله - تعالى - سواء كان شريفًا أم وضيعًا، قريبًا كان أم بعيدًا، وسواء كان جيشه كثيرًا أم قليلاً.

وكم تحتاج الأمة المُسْلِمَة في هذا العصر الذي تكالبت فيه عليها اللأواء والمحن، واجتمع الشر كله من كفار ومنافقين؛ لإنهاء حياتها بإقصاء دينها، وفرض الكفر والنفاق عليها، تحتاج إلى صدق التوجه إلى الله – تعالى - وترك المعاصي والمحرمات، والاجتهاد في الطاعات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله – تعالى - حتى لا نكون نحن سببًا في تخلف نصر الله - تعالى - عن الأمة المسلمة، فمن نصر دين الله – تعالى - استحق النصر العظيم، والفتح المبين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
وإن اختار المسلمون طريقًا غير ذلك، فبقوا على عصيانهم، وتخلفوا عن طاعة ربهم؛ فإن العاقبة ستكون أليمة، والمصيبة عظيمة، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

فانصروا الله - عباد الله - بإقامة دينه، والتزام طاعته، والبعد عن معصيته؛ ينصركم على أعدائكم. أصلحوا بيوتكم وأولادكم، وانشروا الصلاح فيما بينكم فإنكم إن حققتم ذلك نصرتم على عدوكم، وإن حققه بعضكم، وتخلف الآخرون؛ فقد برئت ذمة الذين أصلحوا أنفسهم، ولن يعذبهم الله في الآخرة بذنوب غيرهم.
ألا وصَلُّوا وسلموا على نبيكم محمد، كما أمركم بذلك ربكم...
[1] أخرجه من حديث أنس - رضي الله عنه - البخاري معلقًا في المغازي في ترجمة باب: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]، انظر: "الفتح" (7/365)، ومسلم في الجهاد والسير باب غزوة أحد (1791).
ونحوه حديث سهل - رضي الله عنه - عند البخاري في المغازي باب ما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد (4075)، ومسلم (1790). ومثله أحاديث أخرى عن أبي هريرة وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم.
[2] عزاه البوصيري في "مختصر اتحاف السادة المهرة" إلى إسحاق بن راهويه (5210)، و(5211)، وسكت عنه، وسكت عنه الحافظ أيضًا في "المطالب العالية" (4259)
[3] أخرجه البخاري في المغازي، باب {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154] (4068)، والترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة آل عمران (3008)، وأحمد (4/29).
[4] هذه الرواية للترمذي في تفسير القرآن باب، ومن سورة آل عمران (3007).
[5] أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (6/307 ـ 308)، وابن الأثير في "أُسْد الغابة" (3/195)، وابن سعد في "الطبقات" (3/63)، والحاكم مرسلاً وقال: "صحيح على شرطهما لولا إرساله"، وقال الذهبي: "صحيح مرسل" (3/199 ـ 200)، وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح" (9/301 ـ 302).
[6] أخرجه البزار كما في "كشف الأستار" (1799)، وقال الهيثمي في "الزوائد": "ورجاله رجال الصحيح" (6/122).
[7] أخـرجـه البـخـاري في المغازي بـاب: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122]، (4054)، ومسلم في الفضائل باب قتال جبريل وميكائيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد (2306).
[8] رواه البيهقي عن عروة، وقال مجاهد: "لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر" قال البيهقي: "مراده لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم، عصوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يصبروا على أمرهم به". انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (2/149 ـ 150)، و"سبل الهدى والرشاد" للصالحي (4/205 ـ 206).
[9] أخرجه من حديث عبدالله بن الزبير البيهقي (4/15)، والحاكم وصححه وقال: "على شرط مسلم، ووافقه الذهبي" (3/204 ـ 205)، والطبراني في "الكبير" بنحوه، وحسنه الهيثمي في "الزوائد" (3/23).
[10] أخرجه الطبراني في الكبير، وحسنه الهيثمي (3/23).
[11] أخرجه البخاري في الجنائز باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه (1244)، ومسلم في الفضائل باب من فضائل عبدالله بن عمرو بن حرام (2471).
[12] أخرجه البخاري في الجنائـز بـاب هـل يخـرج الميـت من القبـر واللحـد لعلة؟ (1351)، و (1352)، والحاكم (3/203).
[13] أخرجه الترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة آل عمران وحسنه (3010)، وابن ماجه في المقدمة باب فيما أنكرت الجهمية واللفظ له (190)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (2043)، والطبري في تفسيره (4/173).
[14] أخرجه أحمد (1/265)، والآجري في "الشريعة" (392)، وعبد بن حميد في "المنتخب من مسنده" (667), وأبو داود في الجهاد باب فضل الشهادة واللفظ له (2520)، والطبري في "تفسيره" (4/113)، والحاكم وصححه وقال: "على شرط مسلم، ووافقه الذهبي" (2/88).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
غزوة أحد (1) الآيات، والكرامات، والمعجزات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» غزوة تبوك (2) الآيات والمعجزات
» سورة إبراهيم (الآيات 13-18)
» سورة إبراهيم (الآيات 28-32)
» سورة ابراهيم (الآيات: 1-4)
»  ما الفرق بين بني وأبناء في الآيات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: