اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 سورة إبراهيم (الآيات 28-32)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99980
سورة إبراهيم (الآيات 28-32) Oooo14
سورة إبراهيم (الآيات 28-32) User_o10

سورة إبراهيم (الآيات 28-32) Empty
مُساهمةموضوع: سورة إبراهيم (الآيات 28-32)   سورة إبراهيم (الآيات 28-32) Emptyالثلاثاء 4 يونيو 2013 - 15:30

سورة إبراهيم (الآيات 28-32)
خطبة جمعة



إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرًا.

أما بعد:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].

قال المولى - سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ * قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ * اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ} [إبراهيم: 28 - 32].

وقال: {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

من الذي خلق السماء التي يستظلون بها...
من الذي خلق الأرض التي يمشون عليها...
من الذي سخر المراكب التي يركبوها...
إن هذه البشرية كلها تستظل في سماء الله...
وتعيش على أرض الله...
وتأكل من رزق الله فهل عبدت الله...

{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الإنفطار: 6-8].

أيها الإنسان:
تفكر في نفسك وفي نعمة الله عليك ..... لقد كنت في الأصل نطفة قذرة في حصن حصين، وفي مكان أمين، تنمو شيئاً فشيئاً، فقل لي بربك، كيف كنت تتغذى، وكيف كنت تتنفس، لا شك أنك لا تعرف من ذلك شيئاً، فلما تمت مدتك، وحانت ولادتك يسر لك ذلك خالقك.

ولدتك أمك يا ابن آدم باكيًا والناس حولك يضحكون سرورًا
فاحرص على عمل تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكًا مسرورا


فخرجت إلى الدنيا إنساناً سوياً، لكنك لا تملك من أمرك شيئاً، لا تجيد إلا الصراخ والعويل، فإذا ما عطشت صرغت وبكيت، وإذا ما جعت صرخت وبكيت، وإذا ما مرضت صرخت وبكيت، وأهلك من حولك يقافزون لطلبية طلبك. وما زالت نعم الله عليك تتوالى حتى اشتد ساعدك ونما عظمك وأصبحت إنساناً قوياً.

فتأمل في حالك بماذا قابلت نعم ربك، هل قابلتها بالشكر والإحسان، أم بالجحود والكفران، وإذ تأذن ربكم لأن شكرتم لأزيدنكم ولإن كفرتم إن عذابي، فمن الناس من أمره ربه بالصلاة فأضاعها، وأمره بالزكاة فترها، وأمره بصلة الرحم فقطعها، والكثير الكثير من الأوامر لم يأتمر بها.

ومن جانب آخر: فقد نهاه عن الربا فأكله، ونهاه عن الزنا ففعله، ونهاه عن شرب الخمر فشربها، وغير الكثير من المعاصي والذنوب ... فلا يغتر من كانت هذه حاله بتوالي نعم الله عليه مع تماديه في الطغيان واستمراره في العصيان، فإن الله يمهل ولا يهمل {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].

أهكذا تقابل نعم الجبار، أهكذا تقابل نعم الواحد القهار، إنها الخسار وأي خسار، قال المولى سبحانه وتعالى : {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15].

فنعم الله على الناس كثيرة لا يحصون عدها، ولا يطيقون شكرها، وعلى رأس هذه النعم، والتي هي أم النعم، نعمة الإسلام، ونعمة إرسال محمد عليه الصلاة والسلام.

التذكير بالنعمة:
نعمة الإسلام
نعمة الصحة والعافية والرزق
نعمة تسخير الكون
شكر النعمة

عباد الله:
إن أجل نعمة أنعم الله بها البشرية هي نعمة الدين، وإن مما خص الله به هذه الأمة أن بعث فيها نبيها محمد - صلى الله عليه وسلم.

ألم تر إلى هذا الحال العجيب؟ حال الذين وهبوا نعمة الله، ممثلة في رسول وفي دعوة إلى الإيمان، وفي قيادة إلى المغفرة، وإلى مصير في الجنة.. فإذا هم يتركون هذا كله ويأخذون بدله كفرا! أولئك هم السادة القادة من كبراء قومك - مثلهم مثل السادة القادة من كل قوم - وبهذا الاستبدال العجيب قادوا قومهم إلى جهنم، وأنزلوهم بها - كما شاهدنا منذ قليل في الأقوام من قبل! - وبئس ما أحلوهم من مستقر، وبئس القرار فيها من قرار!

ألم تر إلى تصرف القوم العجيب؟ بعد ما رأوا ما حل بمن قبلهم - وقد عرضه القرآن عليهم عرض رؤية في مشاهد تلك القصة التي مضى بها الشوط الأول من السورة. عرضه كأنه وقع فعلا. وإنه لواقع. وما يزيد النسق القرآني على أن يعرض ما تقرر وقوعه في صورة الواقع المشهود.

لقد استبدلوا بنعمة الرسول ودعوته كفرا. وكانت دعوته إلى التوحيد، فتركوها.

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} [إبراهيم: 30]:
جعلوا لله أقرانًا مماثلين يعبدونهم كعبادته، ويدينون لسلطانهم كما يدينون لسلطانه، ويعترفون لهم بما هو من خصائص ألوهيته سبحانه، جعلوا لله هذه الأنداد ليضلوا الناس عن سبيل الله الواحد الذي لا يتعدد ولا تتفرق به السبل!

والنص يشير إلى أن كبراء القوم عمدوا عمدا إلى تضليل قومهم عن سبيل الله، باتخاذ هذه الأنداد من دون الله. فعقيدة التوحيد خطر على سلطان الطواغيت ومصالحهم في كل زمان. لا في زمن الجاهلية الأولى، ولكن في زمن كل جاهلية ينحرف الناس فيها عن التوحيد المطلق، في أية صورة من صور الانحراف، فيسلمون قيادهم إلى كبرائهم، وينزلون لهم عن حرياتهم وشخصياتهم، ويخضعون لأهوائهم ونزواتهم، ويتلقون شريعتهم من أهواء هؤلاء الكبراء لا من وحي الله.. عندئذ تصبح الدعوة إلى توحيد الله خطرا على الكبراء يتقونه بكل وسيلة. ومنها كان اتخاذ الآلهة أندادا لله في زمن الجاهلية الأولى. ومنها اليوم اتخاذ شرائع من عمل البشر، تأمر بما لم يأمر الله به، وتنهى عما لم ينه عنه الله. فإذا واضعوها في مكان الند لله في النفوس المضللة عن سبيل الله، وفي واقع الحياة!

فيا أيها الرسول قل للقوم: تمتعوا.. تمتعوا قليلا في هذه الحياة إلى الأجل الذي قدره الله. والعاقبة معروفة: فإن مصيركم إلى النار..

أما قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}، أى جعلوا بدل نعمة الله عليهم الكفر في تكذيبهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه الله منهم وفيهم فكفروا والمراد مشركو قريش وأن الآية نزلت فيهم عن ابن عباس وعلي وغيرهما وقيل نزلت في المشركين قاتلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر قال أبو الطفيل سمعت عليا رضي الله عنه بقول هم قريش الذين نحروا يوم بدر وقيل نزلت في الأفجرين من قريش بني مخزوم وبني أمية فأما بنو أمية فمتعوا إلى حين وأما بنو مخزوم فأهلكوا يوم بدر قاله علي بن أبي طالب وعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما وقول رابع أنهم متنصرة العرب جبلة بن الأيهم وأصحابه حين لطم فجعل له عمر القصاص بمثلها فلم يرض وأنف فارتد متنصرا ولحق بالروم في جماعة من قومه عن ابن عباس وقتادة ولما صار إلى بلد الروم ندم فقال:


تنصرت الأشراف من عار لطمة وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاج ونخوة وبعت لها العين الصحيحة بالعور
فياليتني أرعى المخاض ببلدة ولم أنكر القول الذي قاله عمر



وقال الحسن: "إنها عامة في جميع المشركين، {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ} أي: أنزلوهم".

قال ابن عباس: "هم قادة المشركين يوم بدر أحلوا قومهم؛ أي: الذين اتبعوهم".

{دَارَ البَوَارِ} قيل: جهنم، قاله ابن زيد، وقيل: يوم بدر، قاله علي بن أبي طالب، ومجاهد.

والبوار الهلاك، ومنه قول الشاعر:
فلم أر مثلهم أبطال حربٍ غداةَ الحرب إذ خيفَ البوار


{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} بيَّن أن دار البوار جهنم، كما قال ابن زيد.

وعلى هذا لا يجوز الوقف على {دَارَ البَوَارِ}؛ لأن جهنم منصوبة على الترجمة عن دار البوار، فلو رفعها رافعٌ بإضمار على معنى: هي جهنم، أو بما عاد من الضمير في {يَصْلَوْنَهَا} لحسُنَ الوقف على {دَارَ البَوَارِ}.

{وَبِئْسَ القَرَارُ} أي: المستقر.

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا للهِ أَنْدَادًا} أي: أصنامًا عبدوها، وقد تقدَّم في البقرة.

{لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيْلِهِ} أي: عن دينه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء، وكذلك في الحج: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيْلِ اللهِ}، ومثله في لقمان والزمر وضمها على اللزوم؛ أي: عاقبتهم إلى الإضلال والضلال، فهذه لام العاقبة.

{قُلْ تَمَتَّعُوا} وعيد لهم، وهو إشارة إلى تقليل ما هم فيه من ملاذّ الدنيا؛ إذ هو منقطعٌ.

{فَإِنَّ مَصِيْرَكُمْ إِلَى النَّارِ} أي: مردكم ومرجعكم إلى عذاب جهنم.

وقوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا} أي: إن أهل مكة بدلوا نعمة الله بالكفر، فقل لمن آمن وحقق عبوديته أن يقيموا الصلاة؛ يعني: الصلوات الخمس؛ أي: قل لهم أقيموا، والأمر معه شرط مُقدَّر، تقول: أطِعِ الله يدخلك الجنة؛ أي: إن أطعته يدخلك الجنة، هذا قول الفرَّاء.

وقال الزجاج: "يقيموا مجزوم بمعنى اللام؛ أي: ليُقِيموا فأسقطت اللام؛ لأن الأمر دلَّ على الغائب بـ {قُلْ}".

قال: "ويحتمل أن يقال: يقيموا جواب أمر محذوف؛ أي: قل لهم أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة، وينفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية؛ يعني: الزكاة"، عن ابن عباس وغيره.

وقال الجمهور: "السر ما خفي، والعلانية ما ظهر"، وقال القاسم ابن يحيى: "إن السِّرَّ التطوُّع، والعلانية الفرض".

وقد مضى هذا المعنى في البقرة مُجوَّدًا عند قوله: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}.

{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيْهِ وَلاَ خِلاَلٌ} تقدم في البقرة أيضًا، وخلال جمع خلة كقلة وقلال، قال: فلست بمقلي الخلال ولا قالي.

قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي أبدعها واخترعها على غير مثال سبق، {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أي من السحاب ماء، {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ} أي: من الشجر.

قال البخاري (4700): قوله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا}: ألم تعلم كقوله: {ألم تر كيف} ألم تر إلى الذين خرجوا البوار الهلاك بار يبور بورا وقوما بورا هالكين حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء سمع ابن عباس ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا قال هم كفار أهل مكة وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية هو جبلة ابن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم والمشهور الصحيح عن ابن عباس هو القول الأول وإن كان المعنى يعم جميع الكفار فإن الله تعالى بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ونعمة للناس فمن قبلها وقام بشكرها دخل الجنة ومن ردها وكفرها دخل النار وقد روي عن علي نحو قول ابن عباس الأول وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل أن ابن الكواء سأل عليا عن الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال هم كفار قريش يوم بدر.

حدثنا المنذر بن شاذان حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا بسام هو الصيرفي، عن أبي الطفيل قال جاء رجل إلى علي فقال يا أمير المؤمنين من الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال منافقو قريش وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن نفيل قال قرأت على معقل عن ابن أبي حسين قال قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ألا أحد يسألني عن القرآن فوالله لو أعلم اليوم أحدا أعلم به مني وإن كان من وراء البحار لأتيته فقام عبد الله بن الكواء فقال من الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال مشركو قريش أتتهم نعمة الله فبدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار.

وقال السدي في قوله ألم تر إلى الذين دلوا نعمة الله كفرا الآية ذكر مسلم المستوفي عن علي أنه قال هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة فأما بنو المغيرة فأحلوا قومهم دار البوار يوم بدر وأما بنو أمية فأحلوا قومهم دار البوار يوم أحد وكان أبو جهل يوم بدر وأبو سفيان يوم أحد وأما دار البوار فهي جهنم وقال ابن أبي حاتم رحمه الله حدثنا محمد بن يحيى حدثنا الحارث بن منصور عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن مرة قال سمعت عليا قرأ هذه الآية وأحلوا قومهم دار البوار قال هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة فأما بنو المغيرة فأهلكوا يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ورواه أبو إسحاق عن عمرو بذي مر عن علي نحوه وروي من غير وجه عنه.

وقال سفيان الثوري عن علي بن زيد عن يوسف بن سعد عن عمر بن الخطاب في قوله ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين وكذا رواه حمزة الزيات عن عمرو بن مرة قال قال ابن عباس لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين هذه الآية ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار قال هم الأفجران من قريش أخوالي وأعمامك فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وابن زيد هم كفار قريش الذين قتلوا يوم بدر كذا رواه مالك في تفسيره عن نافع عن ابن عمر وقوله وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله أي جعلوا له شركاء عبدوهم معه ودعوا الناس إلى ذلك ثم قال تعالى مهددا لهم ومتوعدا لهم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار أي مهما قدرتم عليه في الدنيا فافعلوا فمهما يكن من شيء فإن مصيركم إلى النار أي مرجعكم وموئلكم إليها كما قال تعالى نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ وقال تعالى متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون.

يقول تعالى آمرا عباده بطاعته والقيام بحقه والإحسان إلى خلقه بأن يقيموا الصلاة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وأن ينفقوامما رزقهم الله بأداء الزكوات والنفقة على القرابات والإحسان إلى الأجانب والمراد بإقامتها هو المحافظة على وقتها وحدودها وركوعها وخشوعها وسجودها وأمد تعالى بالإنفاق مما رزق في السر أي في الخفية والعلانية وهي الجهر وليبادروا إلى ذلك لخلاص أنفسهم من قبل أن يأتي يوم وهو يوم القيامة لا بيع فيه ولا خلال أي ولا يقبل من أحد فدية أن تباع نفسه كما قال تعالى: {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحديد: 15].

وقوله ولا خلال قال ابن جرير يقول ليس هناك مخالة خليل فيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لمخالفته بل هناك العدل والقسط والخلال مصدر من قول القائل خاللت فلانا أخاله مخالة وخلالا ومنه قول امرئ القيس:


صرفت الهوى عنهن من خشية الردى ولست بمقل للخلال ولا قالي

وقال قتادة إن الله قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلالا يتخالون بها في الدنيا فينظر الرجل من يخالل وعلام يصاحب فإن كان لله فليداوم وإن كان لغير الله فسيقطع عنه قلت والمراد من هذا أنه يخبر تعالى أنه لا ينفع أحدا بيع ولا فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا لو وجده ولا تنفعه صداقة أحد ولا شفاعة أحد إذا لقي الله كافرا قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 48]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254].

يعدد تعالى نعمه على خلقه بأن خلق لهم السماوات سقفا محفوظا والأرض فراشا وأنزل من السماء ماء فأخرج به أزواجا من نبات شتى ما بين ثمار وزروع مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر تجري عليه بأمر الله تعالى وسخر البحر لحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر لجلب ما هنا إلى هناك وما هناك إلى هنا وسخر الأنهار تشق الأرض من قطر إلى قطر رزقا للعباد من شرب وسقي وغير ذلك من أنواع المنافع وسخر لكم الشمس والقمر دائبين أي يسيران لا يفتران ليلا ولا نهارا لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين فالشمس والقمر يتعاقبان والليل والنهار يتعارضان فتارة يأخذ هذا من هذا فيطول ثم يأخذ الآخر من هذا فيقصر يولج.

الخطبة الثانية


عباد الله:
لقد فجع العالم بما حصل في بام الإيرانية، من زلزال مدمر دفن فيه أكثر من خمسة وعشرين ألفاً من البشر، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجبر مصابهم، وأن يرحم موتى المسلمين منهم، وإن هذه الكارثة يجب أن لا تمر علينا دون أن نقف عند بعض الحقائق:
1- قدرة الله سبحانه وتعالى فهو القادر على كل شيء، نما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، فأنفسنا وأموالنا وديارنا بيده - سبحانه وتعالى -يتصرف فيها كيف يشاء، فلا بد من اللجوء إليه ليحفظنا ويحفظ أموالنا وديارنا، ((احفظ الله يحفظك)).

2- أن الموت ربما يأتي فجأة، فمكن يدري أن أولئك الآلاف من سكان المدينة يمسون آمنين مطمئنين، ويصبحون في عداد الموتى.

3- لقد هرعت دول العالم ولجانها إلى إغاثة ذلك البلد المنكوب، وهذا عمل إنساني نبيل، وجهد مشكور، ولكن هناك الكثير من بلدان العالم مصابة كارثة أشد، ولم يلتفت أحد لإنقاذها مما هي فيه، إنها كارثة الدين، كارثة الكفر بالله، إنا هي الكارثة الحقيقية، وهي الخسارة في الدنيا والآخرة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سورة إبراهيم (الآيات 28-32)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة إبراهيم (الآيات 13-18)
» سورة ابراهيم (الآيات: 1-4)
» سورة إبراهيم
» سورة إبراهيم
» اعتراض على عدم صِحة " مَن قرأ الآيات الأخيرة مِن سورة الحشر مات شهيدا "

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: