اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 التدخين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
التدخين Oooo14
التدخين User_o10

التدخين Empty
مُساهمةموضوع: التدخين   التدخين Emptyالأحد 2 يونيو 2013 - 15:08

التدخين

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله وهو بالحمد جدير، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه وأشكره أعطى الجزيل ومنح الوفير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن الشبيه والنظير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَنْ تبعهم بإحسان، ومَنْ على نهج الحق يسير، وسلم التسليم الكثير، أما بعد:

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فاتقوا الله - رحمكم الله - وبادروا بالعمل الصالح وعجلوا التوبة؛ فإن الموت يأتي بغتة، كيف يرجو حسن جزاء مَنْ فرط في العمل، ومتى يبادر بالتوبة من سوف في طول الأمل، السعادة لمن تدبر، والسلامة لمن تفكر، والفوز لمن اعتبر وتبصر، قفوا - رحمكم الله - وقوف المنكسرين، وتبتلوا تبتل العابدين، واسكبوا دموع الخائفين: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30].

أيها المسلمون:
شريعة الإسلام في مطلوباتها ومباحاتها جالبة للمنافع، محققة للمصالح، وهي في نواهيها وممنوعاتها دافعة للشرور، نافية للأضرار، وفي كلمة جامعة مانعة: فإن شريعتنا مبنية على جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد ورفعها وتقليلها؛ ومن أجل هذا فقد أباح الله سبحانه لعباده كل طيب، وحرم عليهم كل خبيث: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4].
ومن أخص أوصاف نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأظهر نعوته: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].

وإذا كان هذا متقررًا في الإسلام نصوصًا وأصولاً، وقواعد ومبادئ، ومستقرًا لدى أهل الإسلام في جميع مذاهبهم واجتهاداتهم؛ فتأملوا في هذه البلوى التي ابتليت بها البشرية، وضجَّ منها العقلاء والحكماء، فضلاً عن الأطباء والعلماء والمربين وعلماء الاجتماع؛ حتى قالوا: ليس في الوجود بأسره عامل هدم لصحة الأبناء والبنات، ولكفاءاتهم وأخلاقهم، مثل هذا البلاء؛ بل لقد قالوا: لا نظن أن الجنس البشري منذ بدء الخليقة ضعف واستكان أمام عدو من أعدائه كما فعل أمام هذه البلية، لقد أسرته وأذلته وحطمته؛ بل لقد قتلته وأهلكته، إنها المدمر لصحة الأفراد، وسلامة الأطفال، وشقاء الأسر، ومصالح المجتمع، وسعادة الأمم، واقتصاد الدول.
أتدرون ما هذه البلية؟! ومن هو هذا العدو؟! وما هو هذا القاتل المهلك السفاح؟! مهلك الحرث والنسل؟!!
إنه آفة التدخين، وبلاء التبغ والدخان بأنواعه وألوانه، تدخينا وسعوطًا، ومضغًا ونشوطًا.
التدخين مغبن غرار، وعدو مكار، عدو الإنسانية، وعامل هدمها وكيانها، الدخان أشد الأوبئة انتشارًا، وأكثرها خطرًا، وأعظمها بلاءًا وضررًا.

معاشر الإخوة:
لقد اتفق التربويون والإعلاميون، والرياضيون والاقتصاديون، وعلماء النفس والمحامون، وخبراء العلاقات العامة، وعلماء الاجتماع، وقبلهم وبعدهم علماء الشرع المطهر والأطباء - اتفقوا جميعًا على خطر هذه الآفة، ووجوب مواجهتها ومكافحتها، ومنعها ومنع وسائلها وأسبابها.
نعم، لا يستريب عاقل، مدخنًا وغير مدخن - أن الدخان خبيث لا طيب فيه، مضرٌّ لا نفع فيه، ممرضٌ لا صحة فيه، خسارةٌ لا كسب فيه، ليس بغذاء ولا دواء، لا يسمن ولا يغني من جوع، لا يجني المدخن المسكين سوى هذه الأبخرة المتصاعدة يدخلها في جوفه؛ لتسري في جميع أجزاء جسمه، ويبقى آخرها رمادًا بين أصابعه، وليته مجرد دخان، ولكنها السموم القاتلة، يدفعها إلى داخل جسده؛ لتبلغ جميع أجزاء بدنه، وتسري مع عروقه وأعصابه؛ لتفسد ولا تصلح، وتهدم ولا تبني.
التدخين مرض وهلاك، وضياع مال، وضياع أسر؛ بل ضياع أمم؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.

عباد الله:
هذه - وربكم - ليست مبالغات ولا مزايدات، ولكن خذوا هذا المزيد من البسط والبيان، والإنذار والإعذار، في وقفات وتنبيهات، لتفصيل بعض أضراره وآثاره:
يقرر ذوو الاختصاص من الأطباء والمَخبريين، أنه قد ثبت يقينًا تسببه في أمراض سرطان الرئة، والشفة، واللسان، والبلعوم، والمريء، والمثانة، والتهاب الشعب الهوائية، وأمراض الأوعية الدموية، وانسداد الأوعية الدموية بالأطراف، كما يسبب قرحة المعدة والاثني عشر، وكل دخينة يدخنها المدخن تزيد من مخاطر الإصابة بالسكتة القلبية، فما بالكم بمن يدخن العشرات يوميًّا؟! نسأل الله السلامة والعافية.

تؤكد منظمة الصحة العالمية والهيئات الطبية أن التدخين هو أكبر خطر على الصحة تواجهه البشرية اليوم، وهو ثاني أكبر أسباب الوفاة في العالم - بإذن الله - إن عدد الذين يلاقون حتفهم أو يعيشون حياة قاسية مليئة بالأسقام والأمراض المزمنة بسبب التدخين بكافة صوره يفوقون - دون ريب - عدد الذين يموتون بسبب المخدرات والطاعون والسل والجذام ومرض نقص المناعة (الإيذر) مجتمعةً كل عام.

وهذه المقارنة ليست تقليلاً من خطر هذه الأمراض والآفات عياذًا بالله - ولاسيما المخدرات ونقص المناعة - ولكن لبيان خطر هذا الداء التدخين الفتاك.
إنه لا يترك جزءًا من أجزاء الجسد إلا وناله من ضرره وأذاه؛ من الصدر، والرئة، والقلب، والأسنان، والمخ، وجهاز الهضم، والجهاز العصبي، وتجاعيد الوجه والجلد، واضطراب النوم، والاكتئاب، والعقم، واضطراب الطمث عند النساء؛ حتى الجنين في بطن أمه!
بل قرروا أن التدخين مفتاح المخدرات وسوء الأخلاق، وضعف شعور بالمسؤولية الأخلاقية، والميل إلى الكذب والنفاق والسرقة.

معاشر المسلمين:
أما آثاره الاقتصادية على الفرد والأسرة والأمة والإنسانية؛ فحدث عن الفقر والإفلاس والدمار ولا حرج، مع أن ما سبق من آثاره الصحية كافٍ لمَنْ كان له قلب، ولصاحب المسؤولية وصانع القرار!

معاشر الإخوة:
يعجز العادُّون في الدراسات الإحصائية أن يحصوا بدقة الآثار الاقتصادية والخسائر المالية التي تخسرها الدول والأفراد في التدخين والمدخنين وغير المدخنين، ويكفي الإشارة إلى أن تكاليف الرعاية الصحية لضحايا التدخين لا تحسب إلا بمئات الآلاف من الملايين من العملات الصعبة، نصفهم من المنتمين إلى ما يعرف بالعالم الثالث، ناهيكم في خسارات الأفراد في علاجهم أنفسهم وأسرهم من مضاعفات التدخين وآثاره؛ من السعال والحساسية وضعف المناعة وغيرها.
وفي مقارنة أخرى؛ فإن ما تنفقه الدولة - أي دولة - على خدمات الرعاية الصحية وعلاج أضرار التدخين وآثاره، يفوق كثيرًا وكثيرًا الأرباح التي ترجوها من التبغ ومنتجاته! فالدول تخسر المليارات من مواردها ومداخلها، والضحايا في تزايد مضطرد مخيف من المدخنين وغير المدخنين، لقد بلغ علاج آثار التدخين في بعض الدول ثلث ميزانياتها!!

إن من المضحك المبكي أن استهلاك الدخان يزيد في الفجوة بين الأغنياء والفقراء؛ فعائلات المدخنين في البلدان الفقيرة محرومون من الضروريات الأساسية في الصحة والتعليم؛ حتى إن الإنفاق السنوي على التدخين يمثل ستة أضعاف المُنفَق على الصحة، وضعف المنفق على التعليم، وكفى بالمرء والدولة إثمًا أن يضيعوا من يقودون.

عباد الله:
هذه بعض آثاره الصحية والاقتصادية، وثم دافع آخر لا يقل أهمية منها - إن لم يتفوق عليها - وهو إحدى آفات هذه البلية العظيمة، تلكم هو ما يعرف بالتدخين القسري، أو التدخين السلبي، أو التدخين بالإكراه؛ وهو تأثر غير المدخنين بالدخان المتصاعد من المدخنين، وتلوث المكان، والملابس، والحيطان، والأسقف، والأثاث، والفرش، يستنشقها غير المدخنين من الرجال والنساء والأطفال؛ فيبتلون بآثار هذا البلاء، وإن لم يدخنوا بجرة! مما يوجب ويحتم اتخاذ إجراءات الحماية الفعالة، ووقاية الأمة والمجتمع، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن الإجراءات والتدابير الطوعية لا تكفي لحماية الناس، ولا سيَّما في مواقع العمل والتعليم، والتجمعات العامة من المطاعم وقاعات الاجتماعات والاحتفالات، ووسائل النقل والمركبات العامة وغيرها.

عباد الله، معاشر مسلمين:
إذا كان الأمر كذلك - بل إنه لأشد من ذلك - فيجب على الجميع مكافحة تجارة الموت، وصناعة الهلاك والإهلاك.
أيها الإخوة المبتلون بالتدخين:
اقتلوه قبل أن يقتلكم، واهربوا منه قبل أن يلتف عليكم بحباله فيوثقكم، احموا أنفسكم وأطفالكم وأهليكم، واحفظوا أموالكم، واسمعوا إلى ما تقوله التقارير العلمية الموثقة؛ إنها تقول:
إن التوقف عن التدخين سيؤدي - بإذن الله - إلى تحسن الأوضاع كافة؛ الصحية والاقتصادية، بما لا تستطيعه جميع الوسائل الصحية والطبية الأخرى مجتمعة.

إن من اليقين والمعلوم أن هؤلاء الإخوة المبتلين بهذه الآفة - عافاهم الله وسلمهم - يملكون قلوبًا طيبةً وعواطفَ قوية جياشة نحو أسرهم وأهليهم ودينهم، إلا أنهم بلوا بهذا البلاء المدمر، وهم لا يكابرون في الاعتراف بأضرار التدخين؛ بل لعلهم لا يشكون في حرمته والإثم في تعاطيه، ويؤملون ويتمنون تركه والإقلاع عنه، فلهؤلاء جميعًا حق على إخوانهم أن يعينوهم، ويأخذوا بأيديهم، ويشجعوهم، ويبذلوا الوسائل لإنقاذهم.

أخي المبتلى:
تأمل هذه العبارة الجميلة للإمام ابن القيم - رحمه الله - فهو يقول: "إنما تكون المشقة في ترك المألوفات والعوائد ممن تركها لغير الله، أما مَنْ تركها مخلصًا في قلبه لله؛ فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة؛ ليمتحن: أصادق هو في تركها أم كاذب؟ فإن صبر على ترك المشقة قليلاً استحالت لذة!".
فاجتهد - وفقك الله - في الخلاص بعزيمة عازمة، وهمة حازمة، وبتَّ في أمرك بتًّا، عليك أن تقلل من شرها ما استطعت على نفسك وعلى غيرك، واحذر أن تحسنها لغيرك، أو تغري بها أحدًا صغيرًا أو كبيرًا، وحينما يعافيك الله وينجيك من هذه الآفة؛ فإن آثارها العاجلة - بإذن الله -: حياة أطول، وزيادة في اللياقة الجسمية، وصفاء في البشرة، ومظهر أجمل، ورائحة أزكى، وطعم أشهى، ومال أوفر، وحياة أسعد: {وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى: 36].

أيها المسؤولون، يا أصحاب القرار:
أما على مستوى الأمة؛ فلابد أن يتنادى العلماء، والعقلاء، والمفكرون، والإعلاميون، والأطباء، وأصحاب القرار، والتجار، والتربويون - للإسهام جميعًا في إنقاذ المبتلين والأمة، فتعاونوا - رحمكم الله - تعاونوا على الأمر بالمعروف والبر والتقوى، وتناهوا - رحمكم الله - عن المنكر والإثم والعدوان.
احفظوا الأمة، واحفظوا شبابها، واحفظوا الصحة الاقتصاد، واحفظوا الأموال والثروات، وإن شبابها لأعظم ثرواتها؛ بالجهود المنسقة، والعزيمة الصادقة، مقرونةً بالأنظمة الصارمة، يكون التغلب - بحول الله وقوته - على هذه الآفة المهلكة المدمرة، ومع الأسف الشديد؛ فإن منطقتنا تصنف بأنها إحدى الأقاليم الموبوءة بانتشار هذه الآفة، كما أنها – مع الأسف - من أكبر الأسواق المستهدفة لترويج هذه المصيبة العظيمة.

يجب إصدار الأنظمة والقوانين والتعليمات الصارمة لمنع التدخين عن الأفراد والمؤسسات في كل المنتديات والتجمعات، يجب بحزم منع الترويج له أو الدعاية، يجب إصدار التعليمات الحازمة التي تحفظ صحة الناس، وتؤمن أماكن نظيفة خالية تمامًا من هذا الوباء الفتاك وآثاره، وإذا أصدرها ولي الأمر؛ أصبحت تعاليمه واجبة الطاعة والاتباع، وتحرم مخالفتها، ويأثم المتجاوز فيها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
والتهلكة: كل ما صار عاقبته إلى هلاك.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد - صلى الله عليه وسلم.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله المحمود بكل لسان، أحمده سبحانه وأشكره حمدًا يملأ الميزان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما لم يشأ لم يكن وما شاء كان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله المبعوث للثقلين الإنس والجان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَنْ تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد؛
أيها المسلمون:
التدخين عبث بالأبيض والأسود، والحاضر والبادي، والمتعلم والأمي، والشريف والوضيع؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
المدخن لا يربح إلا قلبًا سقيمًا، ونفسًا مضطربًا، وذهنا كليلاً، وأعصابًا ثائرةً مهتاجةً، وحيويةً مهدمةً، وحياةً قصيرةً مرهقةً.
وإذا كان ذلك كذلك - وأشد من ذلك - فإنتاج التبغ وتسويقه والاتجار به مسالك مضرة مهلكة، لا يمكن قبولها، أو الدفاع عنها.

إن تجار التبغ وصناعه وشركاته تنشر الموت والأمراض، وتفسد البيئة، وتهلك الأنفس، وتضيع الأموال في أرجاء الدنيا كلها؛ فهي التجارة الخاسرة؛ الزارع، والمنتج، والمصدر، والمستورد، والمسوق، والمستعمل، وبعضهم أكثر من بعض، و((لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل: عن عمره؛ فيما أفناه؟ وعن جسمه؛ فيما أبلاه؟ وعن ماله؛ من أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟)).
أين يذهب هؤلاء جميعًا من هذا الحديث وهذه المساءلة؟!!

تفحصوا إعلانات التدخين؛ كيف يخدع هؤلاء المعلنون كثيرا من البسطاء وغير البسطاء لترويج هذه البضاعة المهلكة، ناهيكم من أولئك الذين يسلكون الطرق الملتوية، والسبل المعوجة وغير الأخلاقية؛ من الرشوة، وشراء الذمم، والإعلانات المضللة، والتأثير على ذوي النفوذ - فهذه خيانة لأوطانهم وأهليهم ومسؤولياتهم.
إنها صناعة الموت، وتجارة الهلاك والإهلاك.

وبعد؛
فيا أيها الشباب، ويا أيها الأبناء، ويا أيها البنات، ويا أيها الناس جميعًا:
نزهوا أنفسكم عن الوقوع في هذه الآفة التي تهلك النفس، وتفسد الصحة، وتضعف القوة، وتذهب بالنضارة، وتضيع المال، وحذاري أن تسقط في الوهم أيها الشاب؛ فتتخيل أنها علامات رجولة أو استقلال شخصية.

ألا فاتقوا الله - رحمكم الله جميعًا - واحفظوا أنفسكم، وقوا أنفسكم وأهليكم، وحافظوا على أموالكم وثرواتكم.
ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربكم؛ فقال عز قائل عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب :56].

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد النبي الأمي، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، والأئمة المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بفضلك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحمِ حوذة الدين، وانصر عبادك المؤمنين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع لوائك يا رب العالمين.

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، وأعزه بطاعتك، وانصر به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير، وتعينه عليه، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد، يُعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم اكتبنا في ديوان السعداء، وأعذنا من حال أهل الشقاء، واغفر اللهم لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، واغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، اللهم ارفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم اجعل جزاءنا موفورًا، وسعينا مشكورًا، وذنبنا مغفورًا.
اللهم أذقنا برد عفوك، وحلاوة مغفرتك، ولذة مناجاتك.
اللهم وفقنا للتوبة والإنابة، وأصلح لنا أبواب القبول والإجابة.
اللهم تقبل صلاتنا ودعاءنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتب علينا، واغفر لنا، وارحمنا يا أرحم الراحمين: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التدخين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  التدخين وأضراره
»  التدخين (ذلك الوباء العالمي)
»  رسالة التحصين إلى أصحاب التدخين
» التدخين يفقدك ثلث ذاكرتك اليومية
» إقلاعك عن التدخين يحسن شخصيتك

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: