اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الشهرة وآثارها السلبية الخطيرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
الشهرة وآثارها السلبية الخطيرة Oooo14
الشهرة وآثارها السلبية الخطيرة User_o10

الشهرة وآثارها السلبية الخطيرة Empty
مُساهمةموضوع: الشهرة وآثارها السلبية الخطيرة   الشهرة وآثارها السلبية الخطيرة Emptyالأحد 19 مايو 2013 - 15:38

الشهرة وآثارها السلبية الخطيرة


الحمد لله الأول والآخر، والظاهر والباطن، ربِّ كل شيء ومليكه، لا إله إلا هو، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكمُ وإليه ترجعون.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونَصَحَ الأمة، وتركنا على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين، وعلى من سار على طريقهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - سبحانه، وعدم الاغترار بهذه الدنيا؛ فإنها حلوةٌ خضرةٌ غرَّارة، قلَّ من تعلَّق بها فسَلِمَ، وما مدَّ أحدٌ عينيه إلى متاعها إلا واشرأبَّتْ نفسُهُ وقارَبَ الفتنة، أو حام حول حِمَاها، والسعيد من جعلها مطيةً للآخرة، فصارت له دار ممر لا دار مقر {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].

أيها الناس:
طَبعُ الإنسان - بادي الرأي - أنه ميَّالٌ إلى حب المحمدة، ونيل الشهرة، وانتشار الصيت والسمعة، ونفسه توَّاقةٌ إلى أن يُشارَ إليه بالبَنان، أو أن يكون هو حديث المجالس، أو أن يسمع قولُهُ، أو يُكتب قولُهُ.

والواقع: أن مَن هذه حالُهُ فإنه لا يحب أن يكون على هامش الاهتمام، أو في مؤخرة الركب، أو في دائرة الرضا بالدُّون.

ومثل هذا الطبع يعد أمرًا جبلِّيًّا إلى حدٍّ ما؛ لا يُعاب مطلقًا، ولا يُحمَد مطلقًا؛ لأن الإطلاق في كلا الأمرين مُوقِعٌ في خللٍ غير مراد؛ لأن صاحبه سيظلُّ مُتأرجِحًا بين إفراطٍ أو تفريط، والقاعدة المنصفة تشير إلى أن خير الأمور هو الوسط، وأن كلا طرفي قصد الأمور ذميم.

ومن هذا المنطلق - عباد الله - جاءت الشريعة الغرَّاءُ بالدعوةِ إلى كل خيرٍ، وإلى كل ما يُوصِلُ إلى هذا الخير، وجاءت بالنهي عن كل شر، وعن كل ما يوصل إلى هذا الشر؛ فأصبح الحلال بيِّنًا والحرام بينا، غير أن بينهما أمورًا مشتبهات، ((فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى يُوشِكُ أن يرتع فيه)).

وإن مما حُذِّر عنه في الشرع المطهر، وجاء التحذير من مغبَّته: هو حب الشهرة والظهور، الداعي النفس المريضة إلى تعلُّق القلب بتأسيس بنيان السمعة على شفا جرفٍ هار، أو الإعداد لرفع الظمأ من سرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء؛ إذ من خصائص الشهرة أنها تؤزُّ المرء إلى المغامرة أزًّا، ويُدَعَّى إلى تبرير كل وسيلة مُوصِلة إليها دعًّا، وهنا مكمنُ الخطر ومحلُّ الشوك الذي لا ينتقش.

حبُّ الشهرة مظِنَّةُ الانحراف، ورُقيةُ الشذوذ عن الجماعة، وسُلَّمُ الإعجاب بالنفس، والاعتداد بالرأي، إضافةً إلى اقتفاء غرائب الأمور، وعدم الأخذ بالنصح، والرجوع إلى الحق.

الشهرة سربالُ الهوى، وغربال حب المخالفة، من اشتهر تعرض للفتنة، ومن تعرض للفتنة فسينال عجرها وبجرها.

حب الشهرة مرض عضال يورث الأنانية وحب الذات، والإعجاب القاضي على معرفة عيوب النفس.

نرى الشخص قد علا وحلّق في جو الشهرة، وجاز فيها مسارح النظر، ثم انحدر بعد هذا وتدهور، وعفا رسمُهُ فصار أثرًا بعد عين، وخبرًا بعد ذات.

وقد يُساقُ المرء مُشْرئبًا إلى اقتطاف ثمار الثناء والشهرة وتخليد الذكر، فإذا أخذ مأخذه لم يكد يخطو خطوة من خطوات سيره المشوَّش حتى تتعثَّر أقدامه، ويروح إلى عطنه الأولَى به، وهو: خمول ذكره؛ لأن طالب الشهرة أسيٌر لخوفٍ لا ينقطع، وإشفاقٍ لا يهدأ، قلِقٌ مُتلفِّتٌ تقيةَ صيد صائد، أو غول غائل، وربما مات في طلب الشهرة ولم ينل شيئًا منها يقربه إلى الله - جل وعلا.

قال ابن عبد البر: "الإعجاب آفة الأحباب، ومن أُعجِب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل".

إن من أشد العوائق عن كمال الانصياع للحق، ولزوم الجماعة، والبعد عمَّا حرم الله: حبُّ الشهرة والصيت؛ لأنه متى لامَسَت قلبَ المرء بزخرفها حجَبَتْه عن نور الجماعة، والثبات عن الطريق المستقيم، والرجوع إلى الصواب عند الزلل مهما كانت الشهوات المتاحة أمامه.

ولو لم يكن الباعث عن مثل هذا إلا كونه بعيدًا عن الإخلاص في التماس رضا الخالق - جل وعلا - دون غيره لكفى به محذورًا وزللاً بغيضًا عند الله أولاً، ثم عند خلقه ثانيًا.

والذي سيقرأ التاريخ سيجد كمًّا كبيرًا من ضحايا حبِّ الشهرة دوَّن التاريخ عبرتهم، وصاروا مثلًا لكل مُتَّعِظ.

يقول ابن خلدون في مقدمته المشهورة: "قلَّما صادَقَت الشهرة والصيت موضعها في أحدٍ من طبقات الناس على اختلاف مجالاتهم على وجه العموم، وكثيرٌ ممن اشتهر بالشر وهو بخلافه، وكثيرٌ ممن تجاوزت عنه الشهرة وهو أحق بها، وقد تُصادِفُ موضعها وتكون طبقًا على صاحبها.

وإن أثر الناس في إشهار شخصٍ ما يدخله الذهول والتعصُّب والوهم والتشيُّع للمشهور، بل يدخله التصنُّع والتقرُّب لأصحاب الشهرة بالثناء، والمدح، وتحسين الأحوال، وإشاعة الذكر بذلك.

والنفوس مُولَعةٌ بحب الثناء، والناس متطاولون إلى الدنيا وأسبابها، فتختلُّ الشهرة عن أسبابها الحقيقية، فتكون غير مطابقة للمشتهر بها"انتهى معنى كلامه.

عباد الله:
إن خطورة طالب الشهرة وعاشقها ليست من الأخطار القاصرة على نفس المشتهر فحسب؛ بل إنها من المخاطر المتعدية إلى غيره، والخطرُ المتعدِّي أولَى بالرفع والدفع من الخطر القاصر، لئلا يتضرَّر به الآخرون؛ لأن عاشق الشهرة لو تُرِك له المجال فسيُفسِد في الآخرين من حيث يشعر أو لا يشعر؛ لأن شهرته حجَبَت عن الناس الفرزَ والتنقية في باب التلقِّي عنه، وشهرته ستوجد له أتباعًا وأشياعًا من لدن الأغرار من الناس ودهماء المجتمعات.

وقد أشار ابن قتيبة - رحمه الله - إلى مثل هذا بقوله: "والناس أسراب طيرٍ يتبعُ بعضهم بعضًا، ولو ظهر لهم من يدَّعِي النبوة مع معرفتهم بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء، أو يدَّعِي الربوبية لوَجَد على ذلك أتباعًا وأشياعًا" انتهى كلامه.

وحينئذٍ يكون الزلل المشهور عن ألف زلَّة، لما يترتَّبُ على ذلك من المفسدة المُتعدِّية، ولقد أحسن من قال:

العيبُ في الجاهل المغمورِ مغمورُ وعيبُ ذي الشهرة المشهورِ مشهورُ



ومع هذا كله؛ فإن حب الشهرة داءٌ مُنصِفٌ يفتِكُ بصحابه قبل أن يفتك بغيره؛ حيث يقول الفضيل بن عياض - رحمه الله -: "إنه ما أحبَّ أحدٌ الشهرة والرياسة إلا حَسَدَ وبغى وتتبَّعَ عيوبَ الناس، وكرِه أن يذكر أحدٌ بخير".

ويقول سفيان الثوري - رحمه الله -: "إياك أن تكون ممن يحب أن يُعمَل بقوله، أو يُنشَر قولُه، أو يُسمَع قولُه، وإياك وحب الشهرة؛ فإن الرجل يكون حب الشهرة أحب إليه من الذهب والفضة، وهو بابٌ غامضٌ لا يُبصِرُه إلا البصير من العلماء السماسرة".

عاشقُ الشهرة - عباد الله - لا ينظر إلا إلى رضا الناس، ومن تتبَّع رضا الناس فقد تتبَّع شططًا.

وقال إبراهيم بن أدهم - رحمه الله -: "ما صدق اللهَ عبدٌ أحبَّ الشهرة".

ولنأخذ الحكمة ممن جرَّبَها وخاضَ غِمارها رغمًا عنه، فعرفها وعرف خطرها، وحذَّر منها مع أن شهرته كانت شهرة حق وثبات على الدين.

فها هو الإمام أحمد - رحمه الله - إمام أهل السنة يقول: "من بُلِي بالشهرة لم يأمن أن يفتنوه، إني لأُفكِّرُ في بدء أمري؛ طلبتُ الحديث وأنا ابن ست عشرة سنة".

ثم إن الشهرة - عباد الله - قد تكون بالشذوذ والمخالفة للحق - كما أسلفنا، وقد تكون أيضا بقول الحق وإظهاره، فمن قال الحق ليشتهر به فهو مُراءٍ، وواقعٌ في أتُّونِ الشرك الخفيِّ الذي حذَّر منه النبي - صلى الله عليه وسلم.

وقد أشار الحافظ الذهبي - رحمه الله - إلى أنه "ينبغي للمرء أن يقول الحق ولا يتراءى به؛ لأنه ربما أعجَبَته نفسه، وأحب الظهور فيُعاقَب، ويدخل عليه الداخل من نفسه، فكم من رجلٍ نطق بالحق، وأمر بالمعروف فيُسلَّط عليه من يؤذيه لسوء قصده، وحبه للشهرة والرياسة الدينية؛ فهذا داءٌ خطيرٌ سارٍ في النفوس" انتهى كلامه.

فإذن كلام الذهبي هذا فيمن قال الحق لينال الشهرة؛ حيث جمع محمدةً واحدة، وهي: قولُ الحق، وجمع مذمَّةً واحدة، وهي: حب الشهرة، فكيف إذن بمن جمع مذمَّتَين: قول الباطل، ولأجل الشهرة - عافانا الله وإياكم من الفتن.

وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلى أن "طالب الشهرة والتصدُّر - ولو بالباطل - ترضيه الكلمة التي فيها تعظيمه - وإن كانت باطلاً، وتُغضِبُه الكلمة التي فيها ذمُّه - وإن كانت حقًّا، والمؤمن تُرضِيه كلمة الحق له وعليه، وتُغضِبه كلمة الباطل له وعليه؛ لأن الله يحب الحق، والصدق، والعدل، ويُبغِض الكذب والظلم" انتهى كلامه.

وحسبُنا في ذلك: وصية الصادق المصدوق - عليه أفضل الصلاة والتسليم - فقد قال: ((إذا رأيت شُحًّا مُطاعًا، وهوًى متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك العوام))؛ رواه أبو داود والترمذي.

ويالله؛ ما أصدق كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: ((حقٌّ على الله ألا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضعه))؛ رواه البخاري.


تأمَّل نزولًا إن تكن حُزتَ العلا فالشيءُ يهوي إن تسامى وارتفع
ما طارَ طيرٌ مرةً نحو العلا مُستمتعًا إلا كما طار وقع



بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة، قد قلتُ ما قلتُ إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفارًا.


الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد، فيا أيها الناس:
إننا حينما نتحدَّث عن الشهرة ومخاطرها فإن الداعي إلى هذا الحديث ما بلغته أمة الإسلام في هذا العصر من ظهورٍ إعلاميٍّ منقطع النظير، وأن المرء قد تبلغ شهرته الآفاق وهو قابعٌ في بيته، وذلك عبر الرائي، أو المسموع، أو المقروء.

وإذا كان تحذير السلف - رحمهم الله - من عاقبة هذا الباب بناءً على ما شاهدوه في أزمانهم المتواضعة، ففي زماننا هذا من باب أولَى، وإذا كان المشهور عندهم يؤثِّر في المئات أو الآلاف من الناس، فإن المشهور في هذا الزمان يؤثِّر في الملايين المُمَليَنة.

والشهرةُ وحبُّها بابٌ واسعٌ ليس مقتصرًا على فئةٍ بعينها؛ بل تكون في الحاكم، والعالم، والوزير، والغني، والمفكر، والكاتب، وممتهن الفن، والصحفي، وغيرهم كثير وكثير، فكم من شخصٍ أراقَ الدماء، وبَطَشَ، وظلم لأجل التصدر والشهرة، وكم من غنيٍّ عبَّ من الربا كما الهِيْم ليشتهر غناه، وكم من عالمٍ أو داعٍ كبا وزلَّ وانقلبت حاله، أو راءى وسمَّع لأجل الشهرة، وكم من صحفيٍّ قال باطلًا، وأخفى حقًّا، وأشعل نارًا للفتنة لأجل الشهرة، وكم من ممثلٍ وممثلةٍ ارتكب الحرام، وأشاع الفاحشة لأجل الشهرة.

إنه ما جاء نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لباس الشهرة إلا ليُضفِي لأمة الإسلام روح الوسط والاعتدال، ونيل الأمور من أبوابها المتاحة دون نهمٍ، أو تكالبٍ على محرم؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلةٍ يوم القيامة))؛ رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما.

وما تواطأ السلف - رحمهم الله - على ذم الشهرة، والتحذير من مغبَّتها إلا لمزالقها؛ يقول الثوري - رحمه الله -: "إياك والشهرة؛ فما أتيت أحدًا إلا وقد نهى عن الشهرة".

وقال أيضًا: "خرجتُ حاجًّا أنا وشيبان الراعي مُشاةً، فلما صِرنا ببعض الطريق إذا نحن بأسدٍ قد عارَضَنا، فصاح به شيبان، فبصبص وضرب بذنبه مثل الكلب؛ فأخذ شيبان بأذنه فعَرَكَها، فقلت: ما هذه الشهرة؟ قال: وأيُّ شُهرةٍ ترى يا ثوري؟ لولا كراهية الشهرة ما حملت زادي إلى مكة إلا على ظهره".

وقال أبو بكر بن عياش: "أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى بها عافية، وأدنى ضرر المنطق الشهرة، وكفى بها بلية".

وحاصل الأمر - عباد الله -: أن الشهرة مزلقٌ خطير، فكيف بمن يحبها، ويسعى لها، ويبذُلُ كل وسيلةٍ لينالها؟! وهذا هو الذي قصدناه من الحديث عنها.
أما من أشهَرَه صِدقُهُ، وتقاه، وثباته على الحق، وقول الحق فهذا ممدوح، وهو من عاجلِ بشرى المؤمن مع عدم أمن الفتنة عليه.

فقد ذكر ابن كثير وابن الجوزي وغيرهما أن الإمام أحمد سُمِع في مرض موته وهو يقول: "لا بعد، لا بعد حتى أموت"، فسُئل عن ذلك، فقال: "عَرَضَ لي الشيطان وهو عاضٌّ على أصبعه يقول: لقد فُتَّنِي يا أحمد، لقد فُتَّنِي يا أحمد – أي: لم أستطع غوايتك - فقلت له: "لا حتى أموت، حتى أموت".

هذا؛ وصلوا - رحمكم الله - على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسِهِ، وأيَّهَ بكم - أيها المؤمنون - فقال - جل وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك، وجُودِك، وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُلِ الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّث كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا لما تحبُّهُ وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطَانَتَه يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آتِنَا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

سبحان ربنا ربِّ العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الشهرة وآثارها السلبية الخطيرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الأخوة الإسلامية وآثارها
»  رحمة الله أسبابها وآثارها
»  شرب القهوة .. وآثارها على مريض السكر
»  رياضة البنات في المدارس والجامعات "حكمها وآثارها"
»  هل من علاج للآثار السلبية للمخدرات؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: