اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 التربية والتعليم، أهميتهما وفضلهما

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
التربية والتعليم، أهميتهما وفضلهما Oooo14
التربية والتعليم، أهميتهما وفضلهما User_o10

التربية والتعليم، أهميتهما وفضلهما Empty
مُساهمةموضوع: التربية والتعليم، أهميتهما وفضلهما   التربية والتعليم، أهميتهما وفضلهما Emptyالأحد 19 مايو 2013 - 12:04

التربية والتعليم، أهميتهما وفضلهما



الحمد لله الحمد لله الذي اتصف بالعلم وتسمَّى به، وأفاضَ على نبيِّهِ ما شاء منه فسما به، والحمد لله كم أحاط علمُهُ بالكائنات، وأنارَ العُقُولَ بمُحكَم الآيات، وفتقَ أذهانَ البشر بشتَّى العلوم على مرِّ العصور الماضيات.


سبحانك اللهُمَّ خيرَ مُعلِّمِ علَّمتَ بالقَلَمِ القُرُونَ الأولى
أخرَجْتَ هذا العقلَ من ظُلُماتِهِ وهَدَيْتَهُ النورَ المُبينَ سبيلا
أرسَلتَ بالتوراةِ موسى مُرشِدًا وابنَ البَتُول فعلَّم الإنجيلا
وفجرت ينبوعَ البيانِ مُحمَّدًا فسَقَى الحديثَ وناوَلَ التنزيلا



وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له جعل التقوى سببًا للعلم، فقال - سبحانه: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [البقرة: 282]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، أيها المسلمون:
لئن تجاذَبَت الهمومُ المصلحين، ونازَعَت قضايا الأمة اهتمامات الناصحين، وتلوَّنَت الآمالُ في عيون الطامحين، فإنها تتَّفِقُ في قضيةٍ كبرى، وأطروحة جُلَّى، تؤول أكثر الهموم إليها، وتنتَهِي الآمال إليها وعليها؛ تلكم - أيها المسلمون: "قضية التربية والتعليم".

التربيةُ والتعليمُ وظيفةُ الأنبياء والرسل، وهي معيارُ حضارة الشعوب وسبق الدول، أولُ ما صدر للبشرية هو التعليم: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا} [البقرة: 31]، وأولُ مُعلِّمٍ في هذه الأمة هو محمدٌ - صلى الله عليه وسلم، وأولُ مدرسةٍ في الإسلام كانت في ناحية هذا المسجد الحرام عند جبل الصفا (مدرسة دار الأرقم)، ومن ذلك المُعلِّم، وفي تلك المدرسة، ومن أولئك التلاميذ صاغَ العربُ نواةَ حضارتهم، وحينَها فقط سمِعَ العالمُ يومئذٍ بالعرب، وأدخَلُوهم ضمنَ حساباتهم؛ إذ كانوا قبل ذلك على هامش الأحداث، وفي ساقة الأمم، والتاريخُ يُعيدُ نفسه، وما أشبه الليلة بالبارحة، ولن يرفع شأنَ هذه الأمة ولن ينهض بها إلا ما نهضَ بها في سابقها.

أيها المسلمون:
لا يخفَى على عاقلٍ فضلُ العلم المقرون بالتربية الصالحة؛ فبِهِ يعبُدُ المسلمُ ربَّهُ على بصيرةٍ، وبه يُعامَلُ الناسُ بالحُسْنَى، وبِهِ يسعَى في مناكب الأرض يبتغي عند الله الرزق، وبالعلم تُبنَى الحضارات، وتُبلَغُ الأمجاد، ويحسُنُ البناء والنماء، العلمُ يُجلِسُ صاحبَهُ مجالسَ الملوك، وإذا اقترن بالإيمان فتلك رفعة الدنيا والآخرة: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].

أما المُعلِّمُون والمُعلِّمات فإنهم يجلِسون من كراسي التعليم على عروش ممالكٍ رعاياها أولاد المسلمين؛ فهم الذين يصوغون الفكر ويفتِقُون الأذهان، ويُطلِقُون اللسان ويربون الجنان؛ حقُّهم الإعزاز والإكرام، والإجلال وفائق الاحترام، حقُّهُم أن يُنزَلوا منازلهم العالية، ويُوفَّوا حقوقهم الكاملة، وأن يُعرَف قدرُهم، وتبقى هيبتهم.


أَعلِمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبنِيْ ويُنشِئُ أنفسًا وعقولا



والوصيةُ لهم بعد الوصية بالتقوى: الصدق والإخلاص، وأن يكونوا قدوةً صالحةً لمن يتأسَّى بهم.

أيها المُعلِّمون:
إن أولاد المسلمين أمانةُ الله في أعناقكم، وودائعُ الأمة بين أيديكم، إن المُعلِّم لا يستطيع أن يُربِّيَ تلاميذَهُ على الفضائل إلا إذا كان فاضلاً، ولا يستطيعُ إصلاحهم إلا إذا كان في نفسه صالحًا؛ لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين، وإن الناشِئَ الصغير مُرْهَفُ الحِسّ، قويُّ الإدراك للمعارف والكمالات، فإن زيَّنتم لهم الصدق فكونوا صادقين، وإن حسَّنتم لهم الصبر فكونوا من الصابرين: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

إن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمارُ الناجحُ الباقي المسلسل أجرُه ومنفعتُهُ في الدنيا وبعد الممات، وفي الحديث الصحيح قال - صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابنُ آدم انقطعَ عَمَلُهُ إلا من ثلاث))، وذكر منها: ((أو علمٍ ينتفع به))؛ رواه مسلم.

وإذا كانت هذه منزلةُ المُعلِّم العالية؛ فإن العنايةَ باختيار المُعلِّمين والمُعلِّمات وانتقائهم، والارتقاء بأدائهم، وتطويرهم أمرٌ مُتحتِّمٌ لنجاح العمل التربويّ، المُعلِّمُ هو الركيزةُ الأساس، وعليه تدورُ رَحَى التعليم؛ لا بُدَّ من استقراره نفسيًّا وماديًّا وإكرامه من عامة المجتمع.

أيها المسلمون، أيها المُرَبُّون:
إن خير القلوب وأوعاها وأرجاها للخير ما لم يسبِق إليه شرٌّ، وأولَى ما عُنِي به الناصحون ورغب في أجره الراغبون: إيصالُ الخير إلى قلوب أولاد المسلمين لكي يرسخ فيها، وتنبيهُهم على حدود الشريعة ومعالم الديانة، وترويضُهم عليها، وهذه - والله - وظيفةُ الأنبياء، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم: ((أن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض يُصلُّون على مُعلِّمِ الناس الخير))؛ رواهُ الترمذيُّ. فهنيئًا لمن أخلص نيَّته، وأصلَحَ عمله.

عباد الله:
لقد تعلَّقَت الحضارة الإسلامية قرونًا من الزمان محتفظةً بأصالتها ومبادئها، مُتفنِّنةً في علومها وتجاربها، والشريعةُ الإسلاميةُ بكمالها وشمولها أَمَرَت بتعليمِ جميعِ العُلُوم النافعة؛ من العلم بالتوحيد، وأصول الدين، والعلوم الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والحربية، والتجريبية، وغيرها من العلوم التي يكون بها قوام الأمة وصلاح الأفراد والمجتمعات، ويكون به استغناؤها عن غيرها، وعدم تبعيَّتِها لأحدٍ.

وفي مبادئنا الإسلامية: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، فلنُحوِّل هذا التوجيه الرباني إلى سياسة عملٍ ونهجٍ ليسير على هداه رجال التربية والتعليم، ورجال الإعلام والمال، وكل أفراد المجتمع، إنه العملُ المشترك، والعملُ بروحِ الفريق الواحد.

ينبغي استثمارُ التقنية الحديثة في مجالات الإبداع، وإن الثورة العلمية والتِّقَنِيَّة المُتسارِعة لا تنتظرُ أحدًا، لا بُدَّ من المُبادرة بالإسهام في النافع، ووضع الضوابط الأخلاقية والسلوكية للإنسان، وإذا تخلَّفَ المسلمون عن الركب فسيصعُبُ أن يسمَع لهم أحدٌ، وهم حمَلَةُ رسالةٍ هي خاتمُ الرسالات وأكملها.

أيها المسلمون، أيها المُربُّون:
أنتم مُؤتَمَنُون على صياغة الجيل، وتوجيه المستقبل في تطويرٍ وتجديدٍ، ومواكبةٍ للحضارة مع الأصالة والثبات المُستمدِّ من شريعة الإسلام، نَعَمْ؛ الأصالة والتميُّز المستمدة منهجها من الكتاب والسنة، الهادفة إلى تعريف الناس برب العالمين، والولاء لهذا الدين، وتنشِئَةِ المُواطِنِ الصالح المُنتِج الواعي السالم من شطط التفكير ومسالك الانحراف.

إن مبادئ الإسلام الراسخة والمرنة كانت الانطلاقة الصحيحة للحضارة الإسلامية التي باركها الله على أهل الأرض، وما ضعُفَتْ إلا حين كانت المُنطَلَقات غير شرعية في تنكُّرٍ للدين، أو تحجُّرٍ لا يتحمَّله الإسلام.

عباد الله:
كلُّ أمَّةٍ تُنشِئُ أفرادها وتُربِّيهم على ما تريد أن يكونوا عليه، فالتربيةُ والتعليمُ في حقيقته هو صياغةُ المجتمع وصناعةُ الجيل وتأهيلُهُ وتوجيهُهُ، وكل الأمم والدول تُدرِكُ هذا الجانب، وتسعى بكل ما تستطيع لترسيخ مبادئها وأهدافها عن طريق التربية والتعليم، وتعتَبِرُ ذلك من خصوصياتها وسِمَاتها التي لا تُساوم عليها.

التربيةُ والتعليمُ والمناهجُ الدراسيةُ حقٌّ سياديٌّ، وشأنٌ داخليٌّ لا ترضى الدول بالتدخُّل فيها، ولا تسلمه الأمم إلى غيرها، ومنه نُدرِكُ أن استيراد التربية من أممٍ أخرى بكل عُجَرِها وبُجَرِها خطيئةٌ كبيرةٌ، وتبعيَّةٌ خطيرةٌ، تعني: نشأةَ جيلٍ مُغيَّبٍ عن تراثه وتاريخه، مقطوعِ الصلة بعقيدته ومبادئه، مِسْخًا بلا هوية، يسهل قِيادُهُ واستعبَادُهُ.

إن التربية ليست بضاعة تستورَد، إنها لِباسٌ يُفصَّل على قامة الشعوب وتقاليدها ومبادئها وأهدافها التي يعيشون لها ويموتون في سبيلها، وهذا لا يعني هدر الإفادة من تجارب الأمم؛ فالحكمةُ ضالَّةُ المؤمن أنَّى وَجَدَها فهو أَوْلَى بها، إلا أنه من الخلط والتضليل فرض علمنة بحجة التطوير، أو إقصاء الدين لمواكبة العلم.

وفي قول الله - عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28] دليلٌ على أن العلوم النافعة هي المُقرِّبة إلى الله ولو كانت من علوم الدنيا؛ وذلك باصطباغها بصبغة الإيمان، والتقرُّب بها إلى الله وخدمة دينه، ونفع المسلمين، وعمارة الأرض كما أراد الله في توازنٍ وشمولٍ، ووسطيةٍ واعتدال.

أما إذا تجرَّدَ التعليمُ وأهدافُهُ من الإيمان فأضحَتْ الوسائلُ والمقاصدُ ماديةًً بحتةً فهو الوبالُ والشقاءُ، وهذه حضارةُ اليوم شاهدٌ حيٌّ على هذا النتاج حتى شقِيَت أممٌ بصناعاتها حين ذُهِلَت عن خالقها، وأصبح التسابُقُ في وسائل الدمار لا في العمار، وفُقِد الاستقرار، وأصبحت القوة مِعْيارًا بدلاً من الحق والعدل في السياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات، وما الفخر في بناياتٍ تُعانِقُ السحاب إذا كانت القِيَمُ مدفونةً تحت التراب، وما الربحُ إذا شُغِل الناس بالشهوات، واللهاث وراء المادة في غفلةٍ عن الآخرة: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 6، 7].

عباد الله:
إن من الضرورة للمُقرَّرات الدراسية: أن تُرسِّخ معالم الهوية الإسلامية، والثقافة الوطنية، وجوانب التميُّز الحضاري لها، ومكانتها العالمية والإسلامية دينيًّا، واقتصاديًّا، وسياسيًّا، وصناعيًّا مما يُرسِّخ لدى المتلقي هويته الإسلامية، وانتماءه الصحيح؛ فهو بحاجةٍ ماسَّةٍ أمام التحدِّيَات الفكرية والحضارية أن يكون أكثرَ وَعيًا، وأكثر مُقاوَمَةً للانحرافات التي تُشكِّكُ في الثوابت الدينية، والقيم النبيلة المتأصِّلة في مجتمعنا المسلم، ولئلاَّ ينصَهِرَ الجيل ويذوب حتى يُصبِحَ مجرَّد رَقْمٍ من بين المخلوقات، إن لنا رسالةً وإن لنا تميُّزًا.

أيها المسلمون:
إن وجود الفروق بين جنس الذكر والأنثى أمرٌ مُسلَّمٌ عقلاً وشرعًا وحسٍّا، ولقد كانت للمملكة تجربةٌ فريدةٌ في هذا المجال حتى شهِدَت الهيئات والمنظمات الدولية بذلك، وجاء في تقرير هيئة "اليونسكو": "إن تجربة تعليم البنات لديكم نموذجيةٌ وفريدةٌ، ولولا الحرجُ من اختلاف ونمط الحياة الأوروبية لقلنا: إن هذه الصيغة الأنسب لتعليم وتربية الفتاة حتى في أوروبا". وإذا كان هذا هو قول المُنصِفين، فلا يُلتَفَتُ إلى إرجاف المُغرِضين.

إن لدينا في تعليمنا الإسلامي وفي مسيرة التعليم في هذه البلاد خاصةً مكاسبُ ومزايا، وتجاربُ ونجاحات تجبُ المحافظةُ عليها؛ من أبرزها: سياسة التعليم، ومنهجية الوسط والاعتدال، ومُقرّرات العلوم الشرعية، وإحاطة الفتاة المُتعلِّمةِ بنور الفضيلة والآداب.

إن الحق والعدل أن نفخر أن التعليم في بلاد الحرمين الشريفين ومناهجه الدراسية - والذي يحظَى بأضخم ميزانية - لهُوَ في حال زَكَاءٍ ونماء، ويفضُلُ على كثيرٍ من الدول، رغم وجهات النظر الغريبة التي تطرح أحيانًا لتغيير المسار الآمِن، إلا أن التميُّز والأصالة لا زالَتْ سِمَةً يجبُ المحافظةُ عليها، مع التطوير المُثمِر والسعي للأفضل، والإفادة من التجارب؛ فأرجاءُ الفضاء فسيحةٌ للتحليق، لكن يجب أن تكون القواعد والمُنطَلَقات ثابتةً راسخةً، وفي نفس الوقت آمِنَة.

وإذا كان هذا الزمنُ زمن صراعٍ حضاريٍّ وعقائدي وضغوطات لعولمة الفكر والتعليم فإن من علامة إخلاص ووعي القائمين على التربية والتعليم مواجهة هذا التحدِّي، وأن يكونوا على قدر المسئولية في القيام بهذا الواجب العظيم لأجل مستقبلٍ مُضِيءٍ - بإذن الله - بالعلم والهدى، والعطاء والبناء في ظلِّ دَوْحَةِ الإيمان الوَارِفَةِ.

حَفِظَ الله بلادَنَا وبلادَ المسلمينَ عزيزةً آمِنَةً، سابِقَةً لكلِّ خيرٍ، سالمةً من كل شرٍّ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللهِ الذِي لَهُ مَا فِيْ السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيْ الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللهِ تَصِيْرُ الأُمُورُ} [الشورى: 52، 53].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله - تعالى - لي ولكم.


الخطبة الثانية



الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، أيها المسلمون:
يقول المُنظِّرون: "إن التربية والتعليم عمليةٌ تكامُلِيَّة".

ولنا أن نتساءل عن دور الآباء والأمهات في هذا التكامل ودور وسائل الإعلام في التربية والتوجيه، والنصح والتعليم، وعن برامج المجتمع المُسهِمةِ في هذا المشروع.

إن اضطرابًا وازدواجًا وحيرةً يعيشُها الناشئُ حين يعيش التناقض بين ما تربَّى عليه في المدرسة، وما تُفرِزُهُ وسائلُ الإعلام المقروء منها والمرئي، إنَّ المدرسة لتُجَاهِدُ في إرساء قواعد التربية وبنائها، ومع الانفتاحِ المُذهِل في وسائل الإعلام والاتصال أصبَحْنا في حالٍ يُنازِعُنا غيرُنا في تربية أجيالنا خاصةً إذا كان واقعُ كثيرٍ من هذه الوسائل إثمُهُ أكبرُ من نفعه.

إن ذلك يستدعِي وقفةً من أصحاب القرار، والغيورين والمعنيِّين بالتربية أن تتكاثَفَ الجهودُ للدراسات وإيجاد الحلول، ثم المُبادَرَات والقرارات حمايةً للجيل، وصيانةً للأمة.

إن لكل مجتمعٍ معالمُ يقِفُ عند حدودها، وشعائرُ يكلَّفُ بتوقيرها حتى في الأقطار التي سادها الإلحاد، تواطأ القوم على أمورٍ يترابَطُون بها، ويتلاقَونَ على مطالبها، ويُنظِّمُون حياتهم بمنطقها، ونحن المُسلِمُون لا نبنِي حياتنا إلا على يقينِنَا بالله الواحد، ولا نرسُمُ خُطوطَ مجتمعنا وآفاق مستقبلنا إلا وَفقَ هدايات الله العظيم كما بلَّغَها رسوله الكريم، ومِنْ ثَمَّ فلا يُقبَلُ أبدًا إشاعة الفاحشة والإلحاد في حياة المجتمع المسلم، ولا يُقبَلُ إهدارُ أحكام الله في سائر الشئون، ولا أن يختلَّ مظهرُ الإيمان في أرجاء الحياة العامة، وليس استرضاء الله نافلةً يزهد فيها الزاهدون، أو يتخيَّر فيه المردّدون، ويستحيل أن ندع مواريث الحق التي تلقيناها ثم نرتقب خيرًا في عاجل أمرنا أو آجِلِهِ.

ولكي نصل إلى مستوى عالٍ للتربية المنشودة يجب أن نصون العقائد أولاً، ونستبقي لها قداستها؛ فإن الإيمان بالله واليوم الآخر، والطمأنينة المطلقة إلى ما جاء عن الله ورسوله أُسُسٌ مكينةٌ للتربية الكاملة؛ بل إن أنواع السلوك ترتبطُ بالعقيدة كما ترتبطُ العَرَباتُ بالقاطرة، فإن لم يكن هنالِكَ إيمانٌ يربِطُ حركات المرء وسكناته فإن المكان سيخلُو لسائر الموجهات والمحركات الأخرى، وسينفتحُ المجال للشهوات، والأهواء، والرغبات، والحاجات، والغرائز، والمنافسات، ويتهَارَجُ الناس لتحقيق ذلك من غير وازعٍ ولا رادِعٍ.

وإنك لترى بوادِرَ ذلك في بعض المجتمعات حين رَقَّتْ الديانةُ، وتَرَاخَتْ قبضةُ الإيمان على زِمامِ السلوك ومبادئ التربية؛ فشرع كلُّ امرئٍ يتصرَّفُ مع غيره، وفي حياته الخاصة بدافعٍ من رغباته وأهوائه والظروف المحيطة به؛ مما أنشأ انحدارًا مُخِيْفًا في المستوى الأخلاقي للجماعة، فأصبَحْتَ ترى الأَثَرة المقيتة والسلبية والأنانية، والكدح للدنيا والذهول عن الآخرة.

إن العقائد الإسلامية هي التي صنَعَتْ أجيالاً أوتيت القدرة على تغيير الحياة الإنسانية وترقيتها، وهذه العقائدُ هي التي تصنعُ الأخلاق المتينة، وتبني الرجولات المحكمة، وتقهر الأزمات العاتية، إن التربية الناجحة تعتمدُ على حقائق مُقرَّرة ومُسلَّماتٍ لا تقبل جدلاً، وإذا ساءَت البيئة وسادت فيها الشكوك، وعلِقَت التُّهَم بما نزل من السماء؛ فهيهات أن تنشأ أجيال يوثق بأدبها وعفافها وعدالتها.

يجبُ أن لا يسمح لمرضى القلوب أن ينشَطُوا بين الحين والحين لينشُرُوا بين المسلمين رِيَبًا مُفتعلة، وشكوكًا مصطنعة، لا يجوز الخروج على الرأي العام بأفكارٍ تُثيرُ في جوانبه الفوضى، وتُغرِي بالتحرُّر من كل قيدٍ، والانفلات من كل ربقةٍ.

إن الأجيال الناشئة، والشباب المراهق، وعامة المسلمين قد تفسُدُ قلوبُهُم مع لفْحِ هذه السموم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، ومن لم يَقِ يُسأل، كان الله في عون العاملين المخلصين.

هذا؛ وصلُّوا وسلِّمُوا على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله.

اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه، واستَنَّ بسنته، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل الطغاة والملاحدة والمُفسِدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا ومعيًنا وظهيرًا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا.

اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا لهُداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم هيِّئ له البِطانَةَ الصالحة، واصرِفْ عنه بِطَانَةَ السوء يا رب العالمين، اللهم وفِّقْهُ ووليَّ عهده، ونائِبَهُ الثاني، وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد.

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم الطُفْ بالمسلمين وادفع عنهم البلاء يا حيُّ يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم فرِّجْ همَّ المهمُومِين من المسلمين، ونفِّثْ كربَ المكروبين، وفُكَّ أسر المأسورين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.

{رَبَّنَا آتِنَا فِيْ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم ولجميع المسلمين، اللهم اهدِ شباب المسلمين وشيبهم ونساءهم وعامتهم.

{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ} [البقرة: 127]، {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ} [البقرة: 128]، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَى المُرْسَلِيْنَ * وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ} [الصافات: 180- 182].

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التربية والتعليم، أهميتهما وفضلهما
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  العلم والتعليم(4)
»  العلم والتعليم (2)
» صور من التربية
»  التربية بالحدث
»  التربية في زمن العولمة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: