اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  العلم والتعليم(4)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
 العلم والتعليم(4) Oooo14
 العلم والتعليم(4) User_o10

 العلم والتعليم(4) Empty
مُساهمةموضوع: العلم والتعليم(4)    العلم والتعليم(4) Emptyالخميس 16 مايو 2013 - 4:12

الانتصار لعلماء الشريعة



الحمدُ لله العليم القدير؛ رَفَع شأنَ العِلم والعلماء، فجعلهم أهلَ خشيته؛ ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وأنكر - سبحانه - التسوية بينهم وبين الجَهَلة بشريعته؛ ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزُّمر: 9]، نحمده على وافرِ نِعمه، ونشكره على جزيل عطائِه؛ فهو خالقُنا ورازقنا وهادِينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له؛ ربُّ كلِّ شيء ومليكُه، خَلَق الخَلْق فأحصاهم عددًا، وكلُّهم آتِيه يوم القيامة فردًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ إمام الأنبياء والمرسلين، وسيِّد العلماء الربَّانيِّين، وقدوة الأئمَّة المحتسبين، أوذي في الله - تعالى - فصَبَر صبرًا جميلاً ليس فيه شكوى، فلمَّا أظهره الله - تعالى - صفَح صفحًا جميلاً ليس فيه انتقام، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدِّين.



أما بعد:

فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واستمسكوا بدِينكم، وسَلُوا الله - تعالى - الثباتَ عليه، فمَن رأى كثرةَ المخذِّلين والمنتكسين بانَ له عِظمُ الابتلاء في الدِّين، وأهميَّة الثبات على الصراط المستقيم، ولا يأتي على الناس زمانٌ إلا والذي بعده شرٌّ منه؛ كما أخبر بذلك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والسعيدُ مَن وافى على الحق، والشقي مَن استبدل الضلالَ بالهدى؛ ﴿ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17].



أيها الناس:

للعِلم والعلماء في الإسلام مقامٌ رفيع، ومنزلة كبيرة؛ فهم وَرَثة خيرِ خَلْق الله - تعالى - وهم الأنبياء - عليهم السلام - في خير ما وَرِثوا، وهو دِين الله - تعالى - فورِثوا خيرَ ميراث من أفضل مُوَرثين، ويَكفيهم شرفًا أنَّ الله - تعالى - أثنَى على عقولهم: ﴿ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43]، وأخبر عن نقْص عقول مَن لم يأخذوا عنهم: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]، وكان الحَسن البصريُّ - رحمه الله تعالى - يقول: "لولا العلماءُ لصار الناس مثلَ البهائم".



ولولا العلماءُ من عهْد الصحابة - رضي الله عنهم - إلى يومِنا هذا لضاع الدِّين؛ فهم حملتُه ومبلِّغوه، يقول ابن حزم - رحمه الله تعالى -: "واعلموا أنَّه لولا العلماءُ الذين ينقُلون العلمَ ويُعلِّمونه الناس جيلاً بعدَ جيل، لهلَك الإسلام جُملة، فتدبَّروا هذا، وقِفوا عنده، وتفكَّروا فيه".



ولأجْل أنَّ العلماء حَملةُ الدِّين ومبلِّغوه عن الله - تعالى - كان انتقاصُهم والطعن فيهم، والتنفير منهم، والتأليب عليهم - نوعًا من الصدِّ عن دِين الله - سبحانه - وسببًا لطمْس الهُدى ونشْر الضلال، وطريقًا لإخفاء الحقِّ وإظهار الباطل؛ لأنَّ مَنْ فَعَل ذلك فهو يريد الحيلولةَ بين الناس وبين مَن يُبلِّغون الهُدَى؛ ليصرفَهم عنهم فيَضِلُّوا، ومَن صدَّ عن دين الله - تعالى - بأي طريق كان، وأراد أن يكون الناس على عِوجٍ فهو ملعونٌ بنصِّ القرآن: ﴿ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [هود: 18 - 19].



والعلماء هم مِن أولياءِ الله - تعالى - حتى قال الإمامان أبو حنيفة والشافعي - رحمة الله تعالى عليهما -: "إنْ لم يكن العلماءُ أولياءَ الله، فليس لله ولي"، ومَن حارب أولياء الله - تعالى - فقد استحلَّ محاربةَ الجبَّار - جلَّ وعلا - كما قال - سبحانه - في الحديث القدسي: ((مَن عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ))؛ رواه البخاري.



ومِن أعظم آثار ذلك العاجلة موتُ القلْب؛ لأنَّ مَن انتقص نقلةَ الدِّين، هان الدِّين في قلبه، وسهُل عليه أن يتوجَّه بالطعْن المباشِر في أحكام الله - تعالى - وحدودِه، ومَن سَبَر أحوال كثيرٍ ممَّن يرفضون أحكامَ الله - تعالى - ويطعنون في شريعتِه، أو يستميتون في تأويلها وتحريفها، يجدْ أنَّ بدايات انحرافاتِهم كانتْ بالطَّعْن في العلماء، فعُوقبوا بالجرأة على الدِّين كلِّه تأويلاً وتحريفًا، وردًّا وانتقاصًا، نعوذ بالله - تعالى - من الضلال والهوى، وفي هذا يقول الحافظ ابن عساكر - رحمه الله تعالى -: "كلُّ مَن أطلق لسانَه في العلماء بالثلبْ بلاه الله - عزَّ وجلَّ - قبل موته بموتِ القلْب"، وذَكَر رجلٌ عالمًا بسوء عند الحسن بن ذكوان - رحمه الله تعالى - فقال: "مهْ، لا تذكرِ العلماء بشيء فيُمِيتَ الله - تعالى - قلبَك".



والأصلُ أنَّه لا يَطعن في علماء الشريعة، ولا يَرضى بالطَّعْن فيهم إلاَّ أهلُ الأهواء والنِّفاق؛ لأنَّ العلماء يحولون بينهم وبين نشْر النِّفاق والفساد، والابتداع في الدِّين؛ إذ ببيان العلماء يَظهر العِلم، ويُرفع الجهل، وتُزال الشُّبهة، وتُصان الشريعة، ويكون الناس على طريق مستقيمة، ومحجَّة واضحة، لا غموضَ فيها ولا الْتباس؛ ولذا كان أئمَّة من السَّلَف الصالح إذا رأَوْا مَن يَطعن في عالِم ربَّانيٍّ اتهموه في دِينه، وجعلوا ذلك قاعدةً عند الناس، حتى لا يغترُّوا بطعنه، قال يحيى بن معين - رحمه الله تعالى -: "إذا رأيتَ الرجل يتكلَّم في حماد بن سلمة، وعِكرمة مولى ابن عباس، فاتهمِه على الإسلام"، وجاء مِثلُ ذلك عن عدد من علماء السَّلف - رحمهم الله تعالى.



بل إنَّ مجرَّد الاستخفاف بعالِم الشريعة - ولو لم يطعن فيه - سببٌ للضلال والإضلال؛ لأنَّ مَن استخفَّ بالعلماء لم يأخذْ عنهم، واتَّبع هواه في دِينه فَضَلَّ، وأَضَلَّ مَن تبعه، وفي هذا يقول ابن المبارك - رحمه الله تعالى -: "مَن استخفَّ بالعلماء ذهبتْ آخرتُه، ومن استخفَّ بالأمراء ذهبتْ دنياه، ومن استخفَّ بالإخوة ذهبتْ مروءتُه".



ومَن فَرِح بمصاب العلماء أو موتهم، أو أرادَ من الناس العزوفَ عنهم، أو دعا إلى عدم اعتبار أقوالهم، أو رغَّب في الإقلال من دروسهم ومحاضراتهم، أو طالَب بتقليص المناهج الشرعيَّة في مراحل التعليم - فإنَّما يبتغي بذلك تجهيلَ الناس بدِينهم، وإبطالَ شريعة الله - تعالى - فيهم، وإطفاء نورِه الذي استضاؤوا به، ونَقْلَهم من الهُدى والنور إلى الضلال والظلام، سواء قَصَد ذلك أم لم يَقصدْه، قال أيوب السَّخْتِيَاني - رحمه الله تعالى -: "إنَّ الذين يتمنَّوْن موتَ أهل السُّنَّة يريدون أن يُطفئوا نورَ الله بأفواههم، والله مُتمُّ نورِه ولو كره الكافرون".



إنَّ من أعظم أسباب الاتِّباع والهُدى، ومجانبة البِدع والهوى، والنجاة من سُبل أهل الردَّى: محبَّةَ علماء الشريعة الربانيِّين، ومعرفةَ قدرِهم، وحفظَ مكانتهم، والذَّبَّ عن أعراضهم، والانتصارَ لهم ممَّن بغى عليهم، حتى إنَّ السلف الصالح جعلوا محبةَ العالِم الربانيِّ دليلَ الهدى والاتباع، والسلامة من الهوى والانحراف، وفي هذا يقول أبو حاتم الرازي - رحمه الله تعالى -: "إذا رأيتَ الرجل يحبُّ أحمد بن حنبل، فاعلمْ أنَّه صاحِب سُنة".



ويحسُّ الواحد منهم إذا مات عالِم أنَّه قد أصيب هو في جسده؛ كما قال أيوب السَّخْتياني - رحمه الله تعالى -: "إني أُخبَر بموت الرجل من أهل السُّنَّة، وكأنِّي أفقِد بعضَ أعضائي".



وربَّما تمنَّى بعضهم أن يتنازلَ عن شيء من عمره؛ ليَزيدَ في عمر عالِم من أجْل نشْر دِين الله - تعالى - ونفْع الناس بالعِلم؛ كما قال يحيى البِيكَنديُّ - رحمه الله تعالى -: "لو قدرتُ أن أَزيد في عُمر البخاريِّ من عمري لفعلتُ، فإنَّ موتي يكون موتَ رجل واحد، وموتَه ذهابُ العِلم".



ومِن شدَّة محبَّة أهل الإيمان للعلماء:

أنَّهم يخصُّونهم بالدعاء لهم؛ اعترافًا بفضلهم، ومكافئةً لهم على معروفهم بنشْر العِلم، ورفْع الجهل، قال الحسن بن أحمد بن الليث: "سمعتُ أحمد بن حنبل، وسأله رجلٌ فقال: بالريِّ شابٌّ يقال له: أبو زُرْعَة، فغضب أحمدُ، وقال: تقول: شابٌّ؟! كالمنكِر عليه، ثم رَفَع يديه، وجعل يدعو الله - عزَّ وجلَّ - لأبي زرعة، ويقول: اللهمَّ انصرْه على مَن بغَى عليه، اللهم عافِه، اللهمَّ ادفعْ عنه البلاء، اللهمَّ اللهمَّ في دعاء كثير، قال الحسن: فلما قدمتُ حكيت ذلك لأبي زرعة، وحملتُ إليه دعاءَ أحمد بن حنبل له، وكنتُ كتبتُه عنه، فكتبه أبو زرعة، وقال لي أبو زرعة: ما وقعتُ في بليَّة، فذكرتُ دعاءَ أحمد إلاَّ ظننت أنَّ الله تعالى يُفرِّج بدعائه عنِّي".



وكان حمَّاد بن أبي سليمان شيخًا لأبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - فعَرَف له أبو حنيفة فضلَه، وحَفِظ مكانتَه، حتى قال: "ما صليتُ صلاةً منذ مات حمَّاد إلاَّ استغفرتُ له مع والدي، وإني لأستغفر لِمَن تعلمتُ منه علمًا، أو علمتُه علمًا".



تلك كانتْ منزلةَ العلماء عندَ أسلافنا، وواجبٌ علينا أن نقتديَ بهم في توقير العِلم والعلماء؛ فإنَّ ذلك من إجلال الله - تعالى - وتعظيمِ شريعته، وامتثال أمرِه، وقد روي في الحديث: ((إِنَّ من إجْلالِ الله إِكْرامَ ذي الشَّيْبَةِ المُسْلِم، وحامِلِ القُرآنِ غَيْرِ الغالِي فيه وَالْجَافِي عنه، وإِكْرامَ ذي السُّلْطانِ الْمُقْسِط))؛ رواه أبو داود، قال الشعبي - رحمه الله تعالى -: "أَمسَكَ ابنُ عبَّاس برِكاب زيدِ بن ثابتٍ، وقال: هكذا يُفعل بالعلماء".



فمَن رفعهم الله - تعالى - وجَبَ رفعُهم، وقد قال - سبحانه -: ﴿ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].



حَفِظ الله - تعالى - علماءَ الأمَّة الربانيِّين، وأعلى ذِكرَهم، وزادهم من فضلِه، ونفع بهم خلقَه، وردَّ عنهم قالةَ السوء، إنَّه سميع قريب.



وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...


الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.



أمَّا بعد:

فاتقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].



أيها المسلمون:

مِن حقِّ المسلِم على أخيه المسلِم أن ينصرَه ظالمًا، بأن يردَعه عن ظلمه، وأن ينصرَه مظلومًا، بأن يرفَع الظلمَ عنه.



والظلم قد يكون قولاً، وقد يكون فِعلاً، ومِن ظُلْم القول: غِيبة المؤمن، وبهتُه وذَمُّه، والطعن فيه، ومِن انتصار المؤمن لأخيه المؤمن ردُّ ذلك، وقد جاء في حديث أبي الدَّرْداءِ - رضي الله عنه - عَنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن رَدَّ عن عِرْضِ أخيه المُسلِمِ كان حَقًّا على الله - عزَّ وجلَّ - أن يَرُدَّ عنه نارَ جَهَنَّمَ يومَ القِيامَة))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وفي حديث آخَرَ: ((مَن حَمَى مُؤْمنًا من مُنافِقٍ - أُرَاه قال: - بَعَثَ الله مَلَكًا يَحمِي لَحْمَه يومَ القِيامةِ من نارِ جَهَنَّمَ...))؛ رواه أبو داود.



فإذا كان ذلك في ردِّ المسلِم عن عِرْض أخيه المسلِم، والانتصار له في مظلمتِه، فكيف إذًا بالردِّ عن أعراض العلماء الربانيِّين، والانتصار لهم من طَعْن الطاعنين، ولا سيَّما إذا علمنا أنَّ طعون كثيرٍ منهم في أهل العِلم ليستْ لذات العالِم، وإنَّما هي لأجْل تبليغهم العِلم، وبيانهم للحق، واحتسابهم على الناس بأمرِهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؟! فالواجبُ والحال هذه أعظم؛ لأنَّ في الذبِّ عن العلماء ذَبًّا عن الشريعة، وفي الانتصار لهم انتصارًا للمِلَّة.



إنَّ ظاهرةَ الطعْن في العلماء الناصحين، والتقليل مِن شأنهم، ودعوة الناس للعُزوف عنهم، والمطالبة بإسكاتهم، أو إبدال غيرِهم بهم من أهل السُّوء والضلال الذين يُحرِّفون الكَلِم عن مواضعه - كل ذلك كان - ولا يزال - دأبَ المنافقين من عهْد الرِّسالة، حين سَخِروا بقُرَّاء الصحابة - رضي الله عنهم - في غزوة تبوك إلى يومِنا هذا، فأنزل الله - تعالى – فيهم: ﴿ قُلْ أَبِالله وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65 - 66] ذلك أنَّ خفافيشَ الظلام من أهل الأهواء والبِدعة، والتغريب والفساد، لا يستطيعون القيامَ بوظائفهم في إضلالِ الناس وغوايتهم إلاَّ حين يسودُ الجهلُ بالشريعة، ويَضمحِلُّ العلم بموت العلماء، أو بسكوتهم عن بيان الحقّ، والنُّصح للخلق.



وما الحملةُ الشعواء القَذِرة التي يقودها أذنابُ الغرْب، ودعاة التغريب في بلاد المسلمين ضدَّ العلم والعلماء إلاَّ حلقة من حلقات تجهيل الأمَّة، وصَرْفها عن دِين الله - تعالى - إلى مناهجهم المنحرِفة، يقومون بهذه المهمَّة الخسيسة؛ امتثالاً لإملاءاتِ الغرْب في تقاريرهم الإستراتيجيَّة بقصْد اختراق بلادِ المسلمين وإفسادها، ولا يتورَّعون في سبيل تحقيق مرادِهم عن الكَذِب والبهتان، والتزوير والتأليب؛ ذلك أنَّه لا يردَعُهم عن بَغْيهم دِينٌ، ولا أخلاق، ولا مُروءة، فَهُم وُصوليُّون ذرائعيُّون، الغاية عندَهم في إفساد الناس تُسوِّغ كلَّ وسيلة مهما كانت حقارتُها وصفاقتها.



وواجبٌ على أهل الإيمان عدمُ تصديقِ هؤلاء المفسدِين في أكاذيبهم، ولا الانسياق خَلْف أراجيفهم؛ فإنَّهم دُعاةٌ على أبواب جهنَّم مَن أجابهم قذفوه فيها، كما يجب على أهل الإيمان الذَّبُّ عن العِلم والعلماء، ومعرفة قدرِهم، وحِفْظ مكانتهم، والصدور عن أقوالهم؛ فإنَّهم أقربُ الناس إلى الحقّ، وأنصحُهم للخلق؛ لأنَّهم ورثة الأنبياء - عليهم السلام - ولا أحدَ في البَشر أعلمُ من الأنبياء، ولا أكثر نُصحًا منهم، وقد قال الله - تعالى - فيهم: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ [الأنبياء: 73] كما قال في العلماء: ﴿ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49].



وصلُّوا وسلِّموا...


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العلم والتعليم(4)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  العلم والتعليم (2)
» التربية والتعليم، أهميتهما وفضلهما
»  فضل العلم
»  فضل العلم والعلماء
»  فضل العلم والعلماء

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: