اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 دروس وعبر من قصص القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100250
دروس وعبر من قصص القرآن Oooo14
دروس وعبر من قصص القرآن User_o10

دروس وعبر من قصص القرآن Empty
مُساهمةموضوع: دروس وعبر من قصص القرآن   دروس وعبر من قصص القرآن Emptyالأحد 19 مايو 2013 - 11:59

دروس وعبر من قصص القرآن



الحمد لله الذي قصَّ علينا من نبأ المرسلين ما فيه عبرةٌ لأُولي الألباب، أحمده - سبحانه - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالقُ الأرض والسماوات السبع العزيز الوهاب، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله بَعَثَهُ ربُّهُ إلى الناس كافةً بخير دينٍ وأشرف كتاب.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا نرجو عند الله أجرهما يوم الحساب.

أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله، وأعِدُّوا ليوم الميعاد عُدَّتَه من خير زاد، ولا تغُرَّنكم الحياة الدنيا ولا يغُرَّنَّكُم بالله الغَرور.

أيها المسلمون:
إنه إذا كان شرف القصص لشرف موضوعه ونُبْل غايته وجميل آثاره، فلا رَيْبَ أن قصص القرآن الحكيم يتبوَّأُ من ذلك أعلى المنازل، ويبلُغُ من عمق الأثر وحسن الموقع من النفس ما لا يبلغه غيره ولا يقاربه، وإن في الطليعة من هذا القصص وفي الذروة منه ما تلاه ربنا - سبحانه - على نبيه من نبأ المرسلين، وما قصَّه على عباده من قصص النبيين التي وصفها - سبحانه - بأنها أحسن القصص، فقال - عزَّ اسمه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3].

وهذا الوصفُ من الله - تعالى - دالٌّ على أنها أصدق القصص وأبلغها وأنفعها، فإنها لم تُنزَّل في الكتاب لإمتاع العقول، ومؤانسة الجلساء، ومُسامرة الأصحاب فقط، وإنما نُزِّلَت في الكتاب لغرضٍ أعظم، ومقصودٍ أسمى، وهو: أن تكون تذكيرًا وعبرًا، وتفصيلاً وتثبيتًا، وهدًى ورحمةً، كما قال - عز وجل: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].

ففي أنباء المرسلين مع أقوامهم - كما قال بعض أهل العلم: "تقريرُ الإيمان بالله وتوحيده، وإخلاص العمل له، والإيمان باليوم الآخر، وبيان حسن التوحيد ووجوبه، وقبح الشرك بالله وأنه سبب الهلاك في الدنيا.

وفيها أيضًا: عبرةٌ للمؤمنين يقتدون بها في جميع مقامات الدين، وفي مقامات الدعوة، والصبر والثبات عند جميع النوائب، وفي مقامات الصدق والإخلاص لله - تعالى - في جميع الحركات والسكنات، واحتساب الثواب عند الله - تعالى - وحده لا يطلبون من الخلق أجرًا ولا جزاءًا ولا شكورًا.

وفيها أيضًا: من الوعظ والتذكير، والترغيب والترهيب، والبشارة بالفرج من بعد الشدة، وتيسير الأمور بعد تعسُّرها، وحسن العواقب المشاهدة في هذه الدار، وحسن الثناء والمحبة في قلوب الخلق ما فيه زادٌ للمتقين، وسرور للعابدين، وسلوةٌ للمحزونين"؛ انتهى كلامه.

ولقد كان فيما قصَّه الله علينا من ذلك: ما جاء من خبر نبي الله شُعيب - عليه السلام - مع قومه - أهل مدين - الذين جمعوا إلى الشرك بالله - تعالى - ما اعتادوه من نقص المكاييل والموازيين، وبخس الناس أشياءهم في ألوانٍ من الغِشِّ في المعاملات وقطع الطريق، وغير ذلك من ضروب الفساد في الأرض الناشئ عن الكفر والتكذيب بآيات الله - عز وجل - ورسله، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، ونهاهم عن الشرك به - سبحانه، وأمرهم بالعدل في المعاملات، وأنكر عليهم التطفيف في المكيال والميزان، وذكَّرَهم أن الله - تعالى - أدرَّ عليهم أخلاط الرزق، ونوَّع نعمه عليهم بما لا سبب معه يحملهم على ظلم الناس في أموالهم، وبخسهم حقوقهم، وأنذَرَهم عاقبة ذلك عليهم ووباله.

فسخِرُوا منه ومن صلاته - عليه السلام - وعبادته ربه، واجتنابهم ما ولغوا فيه من الباطل، فبيَّن لهم - عليه السلام - أنه على بصيرةٍ من ربه فيما يدعوهم إليه لما منَّ الله عليه بالنبوة والرزق الحلال، وأنه لا ينهاهم عن شيءٍ ثم يرتكبه؛ بل إنه أول التاركين له والمنتهين عنه، وأنه لا يقصد غير إصلاح أحوالهم الدينية والدنيوية، باذلاً في ذلك غايةَ الوُسْع وما تبلغه الطاقة، معتمدًا في ذلك كله على الله - تعالى - مُتوكِّلاً عليه، منيبًا إليه.

ثم حذَّرهم من أن يحملهم التمادي في عداوته - عليه السلام - على الإقامة على الكفر، والإصرار على التكذيب، فينتهي بهم الأمر إلى ما انتهى إليه حالُ من قبلهم من الأمم الهالكة.

ثم عرض عليهم التوبة إلى الله - تعالى - والتجافي عما هم فيه من إثم، وما أوضعوا فيه من باطل، ورغَّبهم بالاستغفار مُبيِّنًا لهم أن الله يقبل التوبة عن عباده إذا صدقوا فيها؛ لأنه - سبحانه - رحيم ودود، لكنهم أصروا على ما هم عليه من كفر وتكذيب، وفساد في الأرض، وإعراض عن البينات والهدى، ونأْيٍ عن سلوك سبيل السعادة مستخفِّين به، مستضعفين له، مستظهرين عليه بعددهم وعدتهم.

فلما يئس من إيمانهم به، واستجابتهم لما يدعوهم إليه من الخير والهدى والإصلاح الذي يعم كل شئونهم، لم يجد بُدًَّا من تهديدهم بعذاب من الله يكون به خزيانهم وخسرانهم وهلاكهم، فوقع ما توعَّدهم به، وأرسل الله عليهم حرًّا شديدًا أخذ بأنفاسهم، ثم بعث عليهم في أثناء ذلك سحابةً أظلَّتهم، فتنادوا إلى ظلها غير الظليل، فلما اجتمعوا تحتها التهبت عليهم نارًا، وأخذتهم الصيحة بعد ذلك فأصبحوا في ديارهم خامدين مذمومين ملعونين.

قصَّ علينا ذلك كله في قوله - عزَّ شأنه: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ * قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ * وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ * وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ * قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ * وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} [هود: 84- 95].

عباد الله:
إن العبر والدروس المستفادة من هذه القصة القرآنية العظيمة لا يكاد يُحيط بها الحصر:
فمن ذلك: أن العبد محكومٌ في جميع حركاته وسكناته وتصرفاته ومعاملاته المالية بسلطان الشريعة، فما أُبيحَ له فَعله، وما حظره عليه الشارع وجب عليه تركه، وليس له أن يقول: إنه حُرٌّ في ماله يفعل فيه ما يشاء، وإلا كان نظيرًا لقوم شعيب الذين زعموا هذا الزعم في ردهم على شعيب - عليه السلام.

ومنها: أن بخس المكاييل والموازين - خاصة - وبخس الناس أشياءهم - عامة - هو من أعظم الجرائم وأقبح المنكرات التي يستوجب مقترفها العقوبات الشديدة في الدنيا، والعذاب في الآخرة.

ومنها: أن وقوع المعصية ممن عُلِمَ منه الداعي إليها أشد وأقبح من غيره، ولذا كان اقتراف خطيئة الزنا من الشيخ الفاني أقبح وأشد نكرًا من ارتكاب الشاب لها، وكان الكبر والتعالي من الفقير أشدَّ قُبْحًا وأعظم جريرة وأنكى عذابًا من الكبر والتعالي من الغني.

ومنها: أن أنبياء الله جميعًا بُعثوا بكل خير فيه صلاح للعباد، وسعادة لهم في العاجلة، وفوزٌ ونجاةٌ ورضوانٌ من الله أكبر في الآجلة، وأن كل صلاح وإصلاح فهو من دين الأنبياء - عليهم السلام.

ومنها: أن الصلاة سببٌ لفعل الخيرات، وترك المنكرات، والشفقة على الخلق، وإرادة الخير لهم بالنصيحة والتذكير، والترغيب في الخير، والترهيب من الشر، فهي - أي: الصلاة - عامل تأثير إيجابي يتعدَّى المصلي إلى غيره من عباد الله.

ومنها: وجوب كون الناصح والداعي إلى الخير أولَ الممتثلين لما يأمر به، وأولَ المنتهين عما نهى عنه، وإلا دخل فيما ذمَّه الله - عز وجل - في قوله - سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].

ومنها: الحثُّ على القناعة برزق الله، والاستغناء بالحلال الطيب عن الحرام الخبيث، فإن هذا مما أمر الله به أنبياءه ورسله وجميع خلقه، فقال - سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال - عزَّ من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 168].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد، فيا عباد الله:
إن في خبر نبي الله - شعيب - مع قومه "أهل مدين" من الدروس المستفادة: أن دعاة الخير وحملة مشاعل الهداية للناس كافة محتاجون على الدوام إلى حلم وحسن خلق، وجميل صبر يحملهم على مقابلة إساءة المسيئين بالإحسان إليهم، والحلم والصفح عنهم، وهذا الخُلُق - كما قال بعض أهل العلم - كماله للرسل - صلوات الله وسلامه عليهم.

فانظر إلى شعيب - عليه السلام - وحسن خلقه مع قومه، ودعوته لهم بكل طريق، وهم يُسمِعُونه الأقوالَ السيئة ويسخرون منه، وهم يحلم عنهم ويصفح، ويتكلم معهم كلام من لم يصدر منهم في حقه إلا الإحسان.

ومما يُهوِّنُ ذلك ويُيسِّره: العلم أن هذا خُلقٌ من ظفر به وحازه فقد فاز بالحظ العظيم، وأن لصاحبه من الله الجزاء الضافي والنعيم المقيم، وأنه يُعالِجُ أممًا قد طُبِعوا على أخلاق إزالتُها وقلعها أصعبُ من قلع الجبال الرواسي، ومَرِنوا على عقائد ومذاهب بذلوا فيها الأموال والأرواح، وقدَّموها على جميع المهمات عندهم.

أفتظن مع هذا أن أمثال هؤلاء يمتنعون بمجرد أن يقال لهم: هذه مذاهب فاسدة، هذه مذاهب باطلة وأقوال فاسدة؟ أم تحسبهم يغفرون لمن نالها بسوء؟

كلا والله إن هؤلاء يحتاجون إلى معالجات متنوعة بالطرق التي دعت إليها رسل الله - عليهم الصلاة والسلام - انتهى.

فاتقوا الله - عباد الله، واحرصوا على الانتفاع بما في قصص القرآن الحكيم من فوائد، والاعتبار بما فيها من عبر، والاتعاظ بما فيها من العِظات، واذكروا على الدوام أن الله - تعالى - قد أمركم بالصلاة على خاتم النبيين وإمام المتقين ورحمة الله للمرسلين، فقال تعالى في كتابه المبين: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوز وعفا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحْم حوزة الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائر الطغاة والمفسدين، وألِّفْ بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا وأصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا وهيِّئ له البطانة الصالحة، ووفِّقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانه لما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، يا من إليه المرجع يوم التناد.

اللهم احفظ هذه البلاد حائزةً كل خير، سالمةً من كل شر، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءك وأعداءنا بما شئت يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءك وأعداءنا بما شئت يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءك وأعداءنا بما شئت يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.

اللهم أحسِن عاقِبَتنا في الأمور كلها، وأجِرْنا من خِزْي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا من كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضيكَ آمَالَنا، واختم بالصالحات أعمالنا.

اللهم اكتب النجاح والتوفيق لطلاب العلم وطالباته في امتحاناتهم، اللهم خُذْ بأيديهم إلى الإجابات الصحيحة المُسدَّدَة يا رب العالمين.

{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ} [الأعراف: 23].

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].

وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دروس وعبر من قصص القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  غزوة أحد: دروس وعبر (1)
» غزوة فتح مكة دروس وعبر
»  سيول جدة دروس وعبر
»  الهجرة: دروس وعبر
»  غزوة أحد: دروس وعبر (2)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: