اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  سيول جدة دروس وعبر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100265
 سيول جدة دروس وعبر Oooo14
 سيول جدة دروس وعبر User_o10

 سيول جدة دروس وعبر Empty
مُساهمةموضوع: سيول جدة دروس وعبر    سيول جدة دروس وعبر Emptyالجمعة 3 مايو 2013 - 4:36

أما بعد:

فاتَّقوا الله عبادَ الله حقَّ التقوى.



معاشر المؤمنين:

يقول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ﴾ [الروم: 48 - 49].



الماء آيةٌ مِن آيات الله، ودليلٌ مِن دلائل قدرته الباهرة؛ ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30].

الماء نعمةٌ وهبةٌ مِن الخالق جليلة؛ ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ﴾ [الواقعة: 68 - 69].


الماء أغلى مفقود، وأرخصُ موجود، إذا عُدِم أو غار أو عجز الخلق عن طلبه، فقدت الأرضُ نضارتَها، وعدمت ثمارها، وهلكت ماشيتُها، وأصبح لونها شاحبًا؛ ﴿ كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ [يونس: 24]، فإذا عاد إليها اهتزَّتْ وربَتْ وأنبتتْ من كلِّ زوج بهيج؛ ﴿ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39].


هذا الماء إنْ زاد عن حدِّه وقدْره هلكتِ الخلائق، ولكن الله - جلَّ وعلا - ينزل بقَدَرٍ ما يشاء؛ ﴿ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 21].


الماء جَعَله الحيُّ الرزَّاق للأرض حياةً، وللناس والحيوانات بركةً ورحمةً ورزقًا؛ ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ [السجدة: 27].


الماء خَلْقُه عجيب، ونبؤه غريبٌ، صوَّره ربُّه بلا لون، وأَوْجَده بلا طعم، وأنزله بلا رائِحة، خفيف الروح بهيّ الطلعة، لطيفٌ رقراقٌ يخالط الأجواف، وسهلٌ لينٌ يُحمل في الآنية والأسقية، عَنيدٌ مهلِك يَطْغَى على الأودية ويبلغ الجبال فيغرق مَن تحته ويَهدِمُ ما أمامه.


المطر عِلْم وقت نزوله بيدِ الله؛ قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مفاتيحُ الغيب خمس، ثم قرأ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34]))؛ رواه البخاري.


كثيرةٌ هي - عباد الله - آيات القرآن التي تسرد ذِكْر الماء وثمراته وبركاته، فيما يزيد على سِتِّينَ موضعًا تحفل بالصورِ والمشاهدِ الدالَّة على الربوبية والوحدانية، وعلى كونه نعمةً ورحمةً مِن الله تعالى، ليس هذا فحسبُ، بل ونقمةً وعذابًا وبلاءً على الظالمين والكافرين والجاحدين.


نَعمْ - عباد الله - فهذه النسمات اللطيفة، والقطرات الصغيرة، التي يُتَنَعَّم بها، قد تكون سيلاً هادرًا، وفيضانًا مهلكًا؛ ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 24 - 25].


عباد الله:

إنَّ هذا الماء وهذا المطر جُنديٌّ من جنود الله تعالى، يأتمِر بأمره، سجَّل له القرآن عملياتٍ كبيرةً قام بها ضدَّ مَن خالف أمْر الله تعالى واستكبر في الأرض، فكان نِقمةً تُحدِث الكوارث والموتَ، فأصبحت كوارثَ وفيضاناتٍ لا تُنسى أبدَ الدهر؛ ﴿ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾ [الفرقان: 40]، ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ [الشعراء: 173].


لقدْ أغرق الله - جلَّ وعلا - بهذا المطر أقوامًا تمرَّدوا على شرْع الله وفسقوا وظلموا، فكان عاقبتهم أنْ سلَّطَ الله عليهم هذا الجندي، فأغرَقهم ومزَّقهم كلَّ ممزق؛ ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 9 - 16].


إنَّه الماء الذي طغَى ليهلك كلَّ طاغية، فأغرق فرعون وأذلَّه، وأخذه وجيشه؛ ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ [الذاريات: 40]، شتَّت مُلْكَه وأبقى أثره؛ ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [يونس: 92].


إنَّه السيل العَرِم الذي جاءَ لقوم سبأ، فكانوا للناس في العِبرة أحاديثَ، ومزَّقهم الله كلَّ ممزَّق؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ [سبأ: 15 – 16].


إنَّه الماء والمطر الذي وقَف في صفِّ الجيوشِ المسلِمة، كما حصَل في غزوة بدرٍ؛ ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ [الأنفال: 11].


إنَّ هطول الأمطار ونزولَ الماء رحمةٌ مِن والله، وبركةٌ على خلْقه، وربما يكون عقابًا وعذابًا لآخرين، ولعلَّ هذا السر في أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رأى غيمًا أو رِيحًا تغيَّر لونُه، وعُرِف ذلك في وجهه، فقالت له عائشة - رضي الله عنها -: الناسُ إذا رأوا الغيم فرِحوا رجاءَ أن يكونَ فيه المطر، وأراك إذا رأيتَه عرفت في وجهك الكراهية؟ فقال: ((يا عائشةُ، ما يؤمِّنني أن يكون فيه عذاب! قد عُذِّب قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا))؛ رواه البخاري ومسلم.


وعن عطاءِ بن أبي رَبَاح، عن عائشةَ زوْج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنها قالت: كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا عصفَتِ الرِّيح، قال: ((اللهمَّ إني أسألك خيرَها وخيرَ ما فيها وخيرَ ما أُرْسِلت به، وأعوذ بك مِن شرِّها وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أرسلت به))، قالتْ: وإذا تخيَّلت السماء [يعني تغيَّمت وتهيَّأت للمطر] تغيَّر لونُه، وخرَج ودخل، وأقبل وأدْبَر، فإذا مطرت سُرِّيَ عنه، فعرفتُ ذلك في وجهه، قالت عائشة: فسألتُه فقال: ((لعلَّه يا عائشة، كما قال قومُ عاد: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الأحقاف: 24]))؛ رواه مسلم.


هكذا كان سيِّدُ الخَلْق وأعرفُ الخلْق بالله - عزَّ وجلَّ - فما بالنا نحن نغْفُل عن هذا وكأنَّنا بمأمن مِن أن يُصيبنا عذابٌ بالريح أو بالمطر، أو الفيضانات أو الزلازل، أو غيرها؟


وثبَت عن نبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه كان يقول إذا رأى الغيث: ((اللهمَّ صيِّبًا نافعًا))؛ رواه البخاري، وفي رواية لأبي داود: ((اللهمَّ صيِّبًا هنيئًا))، وثبت عنه أيضًا أنه قال: ((مُطِرْنا بفضل الله ورحمته))؛ رواه البخاري، وكان إذا كثُر المطر وخَشِي منه الضَّرر يدعو قائلاً: ((اللهمَّ حوالَيْنا ولا علينا، اللهمَّ على الآكام والظِّراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر))؛ أخرجه الشيخان.


استشعارٌ ومعرفةٌ بحالِ الله - عزَّ وجلَّ - في خلْقه؛ فلذلك كان - عليه الصلاة والسلام - يُواجِه هذه الحالة التي تجري في هذا الكون بالخشيةِ والخوف، والإنابة والدعاء.


عباد الله:

إنَّ ما حدَث في بوَّابة الحرمين الشريفين محافظة جدَّة العزيزة من كارثة السيول والفيضانات، بيوتٌ تهدَّمت، وأنفاقٌ امتلأت، ومحلاَّت خُرِّبت، ومحطَّات وقود انطفأت، ومركبات انجرفَتْ وانقلبت وغرقت، وأعظم مِن هذا كله أرواح أُزْهِقت وأخرى فُقِدت - لَهُو أمرٌ أحْزَن كلَّ مسلم يألم ويحزن لأمر إخوانه المسلمين، فالمجتمع المسلِم كالجسد الواحد؛ إذا اشتَكَى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسهَر والحمى، ولكن ما عند الله خير وأبقى.
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ
فَلاَ يُغَرُّ بِطِيبِ الْعَيْشِ إِنْسَانُ
فَجَائِعُ الدُّنيَا أَنْوَاعٌ مُنَوَّعَةٌ
وَلِلزَّمَانِ مَسَرَّاتٌ وَأَحْزَانُ
وَهَذِهِ الدَّارُ لاَ تُبْقِي عَلَى أَحَدٍ
وَلاَ يَدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شَانُ



عباد الله:

إنَّ ما حَدَث في جدة ويحدُث، وقَع بقضاء وقَدَر؛ ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].
وكُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرْ
وَاللَّيْالِي عِبَرٌ أَيُّ عِبَرْ
هِيَ الْمَقَادِيرُ فَلُمْنِي أَوْ فَذَرْ
تَجْرِي الْمَقَادِيرُ عَلَى خَرْزِ الْإِبَرْ



فلا اعتراضَ على قضاء الله - عزَّ وجلَّ - وقدَره، وإنما التسليمُ والاحتساب والصبر.


إنَّنا - عباد الله - لا نستغرب هذا الحدَث الكوني، فالمطر ينزل، والسيول تأتي، والرِّياح تهب على أيِّ مكان في العالَم، وإنما نستغرب ذلكم الإهمالَ والتقصير الذي أودى بحياةِ كثيرٍ من المسلمين في العام الماضي، وها هو يتكرَّر هذه السَّنة في أمرٍ جعلَنا نتعجب، ولا نقول إلا اللهمَّ المستعان وعليه التكلان!


وإنَّنا نحتسِب مَن ماتوا غرقًا شهداءَ عند الله - عزَّ وجلَّ - فعن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - أنَّ رَسولَ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الشهداءُ خمسةٌ: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحِب الهَدْم، والشهيد في سبيلِ اللَّه))؛ أخرجه البخاري ومسلم.


قال الإمام النووي:

"الشُّهداء ثلاثة أقسام:

شهيدٌ في الدُّنيا والآخرة، وهو المقتول في حرْب الكفَّار.

وشهيد في الآخِرة في الثواب دون أحكام الدُّنيا: وهم هؤلاء المذكورون هنا.

وشهيد في الدُّنيا دون الآخرة: وهو مَن غلَّ في الغنيمة أو قُتِل مُدْبرًا." اهـ.


وقال ابنُ قدامة في "المغني" (3/476): "فأمَّا الشهيدُ بغير قتْلكالمبطون، والمطعون، والغَرِق، وصاحب الهدم والنُّفَساء، فإنَّهم يُغسَّلون، ويُصلَّى عليهم، لا نعلم فيه خلافًا". اهـ.


معاشر المسلمين:

قال - تعالى -: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25]، لئن كان أحدُ أسباب هذه الحوادث المعصية، والمجاهَرة، والمكابَرة، وترْك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إلا أنَّ العقوبةَ والهلاك إذا حلَّ شمِل الجميعَ إلا مَن رحِم ربك؛ فإنَّ زينب بنت جحش - رضي الله عنها - سألتِ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نَعَمْ، إذا كَثُر الخبَث))؛ متفق عليه، فإذا قيل هذا لخير جِيل - وهم الصحابة الكرام - فما الظنُّ بِغَيْرهم؟! والله المستعان.


إنَّ هذا الفيضان وهذه السيول، التي أتَتْ في جدَّة أو في غيرها، هي في نفس الوقت للمؤمنين والصابرين امتحانٌ وابتلاء، وتمحيص وتكفيرٌ للسيئات بإذن الله تعالى؛ فالمرء يُبْتَلى على قدْر دِينه، كما صحَّ بذلك الخبَر، وكما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أنْزَل الله بقوم عذابًا أصابَ العذابُ مَن كان فيهم، ثم بُعِثوا على أعمالِهم، فيكون هلاكُ الصالحين في البلاء هو موعد آجالهم، ثم يُبْعَثون على نيَّاتهم))؛ رواه مسلم.


قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/61):

"وفي الحديثِ تحذيرٌ وتخويف عظيم لِمَن سكَت عن النهي؛ فكيف بِمَن داهَن؟! فكيف بِمَن رضِي؟! فكيف بِمَن عاون؟! نسأل الله السلامَة".


إنَّ الجزاءَ مِن جِنس العمل، والأُمَّة المحسِنة لها الحُسْنى، وما من قوم اتَّقوا ربهم إلا أنزل الله - جلَّ وعلا - عليهم البركاتِ مِن السماء، وأخْرَج لهم الخيرات من الأرض؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، والأمة المسيئة تحيط بها سيئاتُها، وما تمرَّد قومٌ على شرْع الله وفَسَقوا عن أمره، إلا أتاهم العذابُ والنَّكال منَ الكبيرِ المتَعال.


قال العلاَّمة ابنُ القيم - رحمه الله -:

"وقدْ دلَّ العقلُ والنقل والفِطرة وتجارِبُ الأمم - على اختلاف أجناسهم ومِللهم ونِحَلهم - على أنَّ التقرُّب إلى ربِّ العالمين، وطلب مرضاته، والبر والإحسان إلى خَلْقه، مِن أعظم الأسباب الجالبة لكلِّ خير، وأنَّ ضدَّها من الأسباب الجالبة لكلِّ شر، فما استُجلِبتْ نِعَم الله تعالى، واستُدفِعت نِقمته بمِثل طاعتِه والتقرُّب إليه، والإحسانِ إلى خلْقه"؛ "الداء والدواء" (38/ 39).


فهل اعتبرْنا - عباد الله - وهل تذكَّرْنا وهل غيَّرْنا مِنْ أحوالِنا؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].


أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم مِن كلِّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه.


الخطبة الثانية


الحمد لله ربِّ العالَمين، الرحمن الرحيم، ولا عدوانَ إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسَلين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحْبه أجمعين.


أمَّا بعد:

فاتَّقوا الله عباد الله، واعلموا أنه لا ضمانةَ مِن الهلاك إلا بالتوبة والاستغفار؛ قال الله - عزَّ وجلَّ - لنبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان فيهم أمانان: النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والاستغفار، فذهَب النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبقِي الاستغفار.


بقِي الاستغفارُ معنا، فإذا ذهَب هلكنا، فالتوبة والاستغفار تَرْفع البلاء الواقِع، وتمنع البلاء النازِل، عندما أُلقِي نبيُّ الله يونسُ في اليمِّ والْتَقمه الحوت نادَى في الظلمات: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فنجَّاه الله - عزَّ وجلَّ.


كما أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مِن ضمانات النجاة بإذن الله، رضِي مَن رضي، وسخِط مَن سخط؛ قال ربنا - عزَّ وجلَّ -: ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 116 - 117]. هناك ترابطٌ وصِلة بين انتشار الخبث وتكاثره وظهورِه علانية، وبيْن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالخبث لا يكثُر إلا إذا تُرِك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو حُدَّ من عملِه أو ضُيِّق عليه؛ قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما مِن قوم يُعمل فيهم بالمعاصي هم أعزُّ منهم وأمنع، لا يُغيِّرون إلا عمَّهم الله بعقاب))؛ رواه ابن ماجه وصححه الألباني.


وعند الترمذي: ((ما مِن قوْم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يَقْدرون على أنْ يُغيِّروا ثم لا يغيروا، إلا يوشك أن يعمَّهم الله منه بعقاب))، وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبْعَث عليكم عِقابًا منه، ثم تدْعونه فلا يُستجاب لكم))؛ رواه الترمذي وحسَّنه.


قال الشيخ ابنُ باز - رحمه الله -:

"فالواجب عندَ الفيضانات وغيرها مِن الآيات: البَدارُ بالتوبة إلى الله سبحانه، والضَّراعة إليه، وسؤاله العفوُ والعافية، والإكثار مِن ذِكْره واستغفاره؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فإذا رأيتُم ذلك فافْزَعوا إلى ذِكْر الله ودعائه واستغفاره))، ومِن أسباب العافية والسلامة مِن كل سوء: مبادرة وُلاة الأمور بالأخْذِ على أيدي السفهاء، وإلزامهم بالحقِّ، وتحكيم شَرْع الله فيهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"؛ "فتاوى الإسلام" (1/2730).


إنَّ مِن أسباب تضرُّرِ الناس وحصْرهم بالمطر والسيول، وهلاك ماشيتهم، وتدمير ممتلكاتهم في هذه الكارثةِ، تضييع الأمانة، وفُشو الخيانة، التي يقول الله تعالى عنها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون ﴾ [الأنفال: 27]، وقال - تعالى -: ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾ [البقرة: 283]، والخيانة مِن أعظم خِصال المنافقين؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((آية المنافِق ثلاث: إذا حَدَّث كذَب، وإذا وَعَد أخْلف، وإذا اؤتُمِن خان))؛ رواه البخاري.


ليس غريبًا - عباد الله - أن تهطل أمطارٌ غزيرة على أيِّ مدينة في العالَم، وليس غريبًا أن تجري السيول والفيضانات في المدن، بل دول ضعيفة جدًّا في مقدراتها لا يأتيها مِثلُ هذا الأمر، والأمر بقدَر الله، لكن الغريب أن تَنهار المساكنُ والجسور، وأن تغمر المياه البيوت والأنفاق، ويحصر الطلاب والطالبات، وتُصبح الشوارع مصايد للسيَّارات!


والعجيب أنَّ هذا المطرَ يتولَّى القِصاصَ من الخَونَة والمفرِّطين، ويكشف عوار الخائنين، وسوءاتِ المشاريع، ويصفع صفقاتٍ وأماناتٍ وشركاتٍ ومؤسسات، كان مِن المفترض بها أن تُعنَى بالأمانة التي ألْقاها الله - جلَّ وعلا - على عاتِقها، وجعلها وليُّ الأمر في أعناقهم! لكن الله المستعان.


أين تجهيزُ البِنى التحتية، وتصريف مياه الأمطار بما يليق بثاني أكبر مركز تجاري في المملكة، وبأكبر ميناء على البَحْر الأحمر، وبمدينة يسكُنها حوالي 4 ملايين نَسَمة، بينما لا تُغطِّي شبكات تصريف المياه سوى 10 في المائة مِن مساحتها البالغة 900 كيلو متر مربع؟!


ليس هذا وقت التلاوُم، وتبادُل الاتِّهامات، وتنزيل الأحكام، وأنَّ هؤلاء جرى بهم ما جرَى؛ لأنَّهم كذا وكذا، لكن المطلوب هو الاعتبارُ والتصحيح، ومراقَبة الله - عزَّ وجلَّ - وحْدَه لا غَيره، والإخلاص في القول والعمل، إنَّ المطلوب هو المعالجة الجادَّة، والشفافية في التحقيق، والمحاسَبة الصارِمة لكلِّ مَن يثبت تورُّطُه في هذه الكارثة، كما يجب تطويرُ إمكانيات الأمانات والبلديات لمواجهةِ مِثل هذه الظروف.


إنَّها دعوة تتكرَّر إلى سرعةِ تصحيح الأوضاع، فالمطر في أصْلِه رحمة بالعباد، ولكن الخطأ فينا، وفي عدمِ إيجاد الحلول، وعدم توقُّع المفاجآت، فإلى متى ونحن ننتظر تكرُّرَ المآسي والصور المفجِعة.


اللهمَّ اجعلْه صيبًا نافعًا هنيئًا، اللهم أنزِل علينا مِن بركات السماء، واعْمُر قلوبنا بطاعتك يا أرحمَ الرحمين، اللهم كما أغثتَ بلادنا بالأمطار فأغِثْ قلوبنا بالإيمان واليقين، وأقِرَّ أعيننا بنصر الإسلام والمسلمين، اللهمَّ أصْلِح حالهم، واجمع كلمتهم، ووحِّدْ صفَّهم، وقِهم شرَّ أنفسهم وشرَّ عدوهم، اللهم آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، وأصلح بِطانتهم يا رب العالمين.


اللهمَّ اجبُرْ ضعف إخواننا في جدَّة، اللهم أمِّنهم يا ربَّ العالمين، اللهمَّ احفظْهم، وكن لهم عونًا وحفيظًا، اللهم اشفِ مرضاهم، واجبرْ كسرَ قلوبهم، ورُدَّ مفقودهم يا ربَّ العالمين، اللهمَّ يا مَن حفظتَ نوحًا ومَن معه من الغرَق احفظهم وممتلكاتِهم وأخْلِف عليهم خيرًا، الله يا مَن نجيت يونس مِن بطن الحوت، اللهم نجِّ إخواننا مِن بطون الأمطار والسيول يا سميعَ الدعاء.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سيول جدة دروس وعبر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  غزوة أحد دروس وعبر ..
»  غزوة أحد: دروس وعبر (1)
» أسير فى قيد ... دروس وعبر
»  الهجرة: دروس وعبر
»  غزوة أحد: دروس وعبر (2)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: