اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 من أحكام السفر وآدابه (3)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100250
من أحكام السفر وآدابه (3) Oooo14
من أحكام السفر وآدابه (3) User_o10

من أحكام السفر وآدابه (3) Empty
مُساهمةموضوع: من أحكام السفر وآدابه (3)   من أحكام السفر وآدابه (3) Emptyالسبت 18 مايو 2013 - 20:34

من أحكام السفر وآدابه (3)
مخاطر السفر والوقاية منها

الحمد لله الحفيظ العليم؛ امتَنَّ على عبادِه بالنِّعَم والخَيْرات، ودرأ عنهم السوء والمكروهات، وهداهم إلى ما ينفعهم في الحال والمآل، ورَزَقَهم الأمْن والعافية والمال، نحمده على ما أعطانا، ونشكره على ما أولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له؛ تفرَّد بربوبيته وأُلُوهيَّته عن الأنْداد والشُّرَكاء، وفي أسمائه وصفاته عن النُّظَراء والأمثال، فتبارَك اسمُه، وتعالى جدُّه، ولا إله غيره، سبحانه وبحمْده، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى للعالَمين نبيًّا ورسولاً، وبعثَه إلينا بشيرًا ونذيرًا؛ فعرَّفنا الطريق إلى ربِّنا، وعلَّمَنا ما ينفعنا وما يضرنا، صلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه؛ أعْلَى الله تعالى ذِكْرَهم، ورفع قدْرهم، وترضَّى عنهم، وجعلهم خيار أتْباع خاتم رسله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أما بعدُ:
فأُوصي نفْسي وإيَّاكم - أيها المسلمون - بتَقْوى الله - عزَّ وجلَّ - في السِّرِّ والعَلَن، والحضر والسفر، وفي حال الضَّعْف والقوة، والفقر والغِنى، والمرض والصِّحَّة، والخوف والأمن؛ فإننا فقراء إلى الله تعالى، محتاجون إليه في كلِّ شؤوننا وأحوالنا، عاجزون عن تدبير أُمُورنا، فلا حول لنا ولا قوة إلا بربِّنا - جلَّ في علاه -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر: 15 - 17].

أيها الناس:
من عظيم فضل الله تعالى، وامتداد نعَمه على عباده: أن سخَّر لهم الأرض وما عليها، فهم يسيرون فيها حيث شاؤوا بأمر الله تعالى وتقديره؛ {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22]، وهيَّأ - سبحانه - لهم منَ المراكب ما ينقلهم في أسفارهم في بَرِّهم؛ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8]، وفي بحرهم: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ} [إبراهيم: 32].

وفي عصرنا هذا فُتح للبَشَر في المراكب ما لَم يفتحْ للسابقين منهم، في سرعة سَيْرِها، وراحة مركبها، حتى بلغ الإنسان بها عنان السماء، وارْتقى إلى الفضاء، وقطع من الفيافي والقفار في ساعات معدودة ما عزَّ على السابقين طيُّه في أَشْهر وسنوات، وهي المراكب الحديثة التي أشار الله تعالى إليها عقب ذكْره - جل وعلا - ما عهده أهل الخطاب بالقرآن من الخيل والبغال والحمير؛ فقال - سبحانه -: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 8]، وهي السيارات والطائرات والقطارات، وما يستجِدُّ من المراكب إلى آخِر الزَّمان.

وهذه الوسائل الحديثة التي قرَّبت المسافات، وخفَّفَتْ أعباء السفَر ومشقته، شجعتْ بني آدم على كثْرة الأسفار، والارْتِحال بين البُلْدان لأغْراض شتَّى، ومن طبع الإنسان محبته التجديد في حياته، والترويح عن نفسه وأهله وولده، واكتشاف ما لا يعلم من عجائب خلْق الله تعالى، فكان ذلك من أهمِّ أغراض السفَر ومقاصده.

والسفر قطعة من العذاب؛ كما جاء في الحديث الصحيح، ومن عذابه ما يحتف به من مخاطر الطريق، واشتداد الغُربة، وقلة المعين والنصير، وطمع المُجرمين في المسافرين والغُرَباء، وكل هذه المخاطر تحيط بالمسافر منذ ذهابه إلى إيابه.

ومع وسائل المواصلات الحديثة زادتْ مخاطر الطريق على ما كان معهودًا من قبل، بسقوط الطائرات، وغرق البواخر، فيهلك مَن كان فيها.

وأكثر من ذلك حوادث السيارات التي باتَتْ تحصد الأرواح، وتفني الأُسَر، وتفجع الناس، وتزْداد الحوادث، ويكثر الموت بها في المناسبات والإجازات بكثْرة المتنقلين والمسافرين، وازدحام الطرق، واستعجال السائقين، والانخداع بإتقان صنعة المراكب وسرعتها، واستقامة الطرق واتساعها، حتى أفاد القائمون على المرور والطوارئ ومغاسل الموتى: "إنَّ الناس لو علموا كم تحصد السيارات من الأرواح لهابوا سفرًا بها"، ولكنها حكمة الله تعالى في خلْقه؛ فلا يرى أكثرهم الجنائز يؤتى بها إلى المقابر، ولا المصابين إلى الإسعاف، ولا يشهدون من تلك الحوادث المفجعة إلا ما وافقوه في طرقهم، وهو قليلٌ بالنِّسبة لما لم يشاهدوه، ولم يعلموا عنه شيئًا، فتوجل قلوبهم، وتتحرَّك ألسنتهم بالاسْتِرجاع والدعاء، ولا يتَّعظون إلا قليلاً ثم ينسون، ويسيرون كما سار غيرهم، ولا حافظ إلا ربنا - جلَّ جلاله - ولا يقع شيء إلا بأمره.

إنَّ الحافظ هو الله تعالى؛ كما قال - سبحانه -: {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ: 21]، وقال يعقوب - عليه السلام - لما فَقَدَ يوسف، وخشي أن يفقدَ أخاه معه: {فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64].

وقد أوكل - عز وجل - بالعباد ملائكة؛ يحفظونهم من المخاطر والمفاجآت؛ كما قال - سبحانه -: {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام: 61]، وفي آية أخرى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} [الرعد: 11].

ولا أحد يحفظ من الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: 42]، وفي آية أخرى: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب: 17]، وفي آية ثالثة: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} [الفتح: 11].

وأولى الناس بحفْظ الله تعالى ورعايته في حلهم وتَرْحالهم، وفي حال الأمْن والخوف: هم من حفظوا أوامر الله تعالى ففعلوها، وحفظوا نواهيه فاجْتَنَبوها؛ كما جاء في الحديث: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابن عباس - رضي الله عنهما -: ((يا غلام، إنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احفظ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ))؛ رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

وفي حفظ الأوامر قولُ الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9]، وقد جاءت في القرآن ثلاث مرات مما يدل على أهميتها، وفي حفظ النواهي قولُ الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5]، وتكَرَّرَتْ في القرآن مرَّتَين.

والسفر مظنَّة تضييع الأوامر والنواهي؛ لغياب الرقيب من الناس، وكثْرة الانشغال والانصراف إلى اللهو والترويح.

إنَّ الإنسان في بلده تُقيِّده - عما لا ينبغي فعلُه - قيودٌ كثيرة، يتَحَرَّر منها في سفره، فلا يبقى إلا مراقبة الله تعالى، فظهور حفظ العبد لله تعالى وأوامره ونواهيه في السفر أكثر من ظهوره في الحضر؛ لتحرُّر العبد من القيود، وغياب الرقيب من البشَر، فكان السفر امتحانًا للعبد في صِدْقه مع الله تعالى، ومراقبته له، وحفظه لأوامره ونواهيه، بحفظ بصره عما حرَّم الله تعالى، وحفظ سمعه عن سماعه، وحفظ رجليه عن الذهاب إليه، وحفظ سائر جوارحه عن الحرام؛ وقد روى أبو مُوسَى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن حَفِظَ ما بين فُقْمَيْهِ وَفَرْجَهُ دخل الجَنَّةَ))؛ رواه أحمد، ورواه البخاري عن سَهْلِ بن سَعْد - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن يَضْمَنْ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ، أَضْمَنْ له الْجَنَّةَ)).

وإذا حفظ العبد ربه حفظه الله تعالى؛ ((احْفَظ الله يَحْفَظْكَ))، وحفْظ الله تعالى للعبْد يكون في دينه ودنياه؛ فيحفظ عليه دينه، ويعينه على نفْسه وشيطانه، فيعبد الله تعالى في سفره كما يعبده في حضره، ويقيم دينه حال غيبته عمن يعرفونه كما يقيمه في حضرتهم، وإذا نازعتْه نفسه على ارتكاب شهوة مُحَرَّمة في حال ضعف، كان من حفظ الله تعالى له صرفه عنها، أو عدم قُدرته عليها، ويُعينه الله تعالى على حفْظ سمعه وبصره، وسائر جوارحه عن المحرَّمات، فلا يأسره شيء منها وإن أسر غيره، ويحفظه الله تعالى في نفسه من كوارث السفَر ومخاطره، ويحفظ ماله من الضياع والسرقة، ويحفظ أهله وولده فلا يفجع فيهم، ويحفظ الله تعالى عليهم دينهم وأخلاقهم بصلاح والدهم ودعائه، ومراعاته أوامر الله تعالى في نفسه وأهل بيته؛ لأنه قد حظي بمعيَّة الله تعالى له في سفره.

ومَن كان الله تعالى معه فلن يخشى أحدًا، ولن ينال عدوٌّ منه شيئًا، وقد قال الله تعالى لموسى وهارون - عليهما السلام - وهما يُواجهان أطْغى الطغاة، وأقسى الجبابرة: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله عنه - في سفر الهجرة، وقد أطبق المشركون عليهما من كل جانب، قال: ((ما ظَنُّكَ يا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا))؛ رواه الشيخان.

ألا فاتقوا الله ربكم في حلِّكم وتَرْحالكم، واحْفَظُوا دينكم في إقامتكم وأسْفاركم؛ فحاجتكم إلى دينكم أعظم من حاجتكم إلى طعامكم وشرابكم وأنفسكم، واعْلَموا أنَّكُم مفتقرون إلى ربكم رغمًا عنكم؛ فإن قبلتم فقركم له، وسلّمتم الأمر إليه، وأسلمتم له قلوبكم وأعمالكم - أغناكم وحفظكم في أنفسكم وأهْلكم وأولادكم، وإلا كان الهلاكُ والشقاءُ في الدنيا والآخرة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [الملك: 20 - 21].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهُداهم إلى يوم الدِّين.

أما بعدُ:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

أيها المسلمون:
أكثرُ الناس يحرصون على الأسباب المادِّية لاتِّقاء الحوادث والفواجع، ولا سيما في الأسْفار، ولكنهم يهملون الأسباب الشرعيَّة، وهي أهم وأولى بالرعاية والمحافَظة من الأسباب المادية، والجمع بينهما سببٌ لحِفْظ العباد ووقايتهم.

ومن الأسباب الشرعية لحفظ المسافرين ووقايتهم من مفاجآت الطريق، ومخاطر السفر:
حسن توديع القرابة للمسافر بالدُّعاء الوارد في حديث قزعة بن يحيى البصري - رحمه الله تعالى - قال: قال لي ابن عمر: "هَلُمَّ أُوَدِّعْكَ كما وَدَّعَنِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيم عَمَلِك"؛ رواه أبو داود، ورواه ابن حبان عن مُجَاهد - رحمه الله تعالى - قال: "خَرَجْتُ إِلَى العِرَاقِ أَنَا وَرَجُلٌ مَعِي، فَشَيَّعَنَا عَبْدالله بن عمر، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَنَا قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ أُعْطِيكُمَا، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((إِذَا اسْتُوْدِعَ اللهُ شَيْئًا حَفِظَهُ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكُمَا وَأَمَانَتَكُمَا وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكُمَا)).

وهذا التوديع العظيم فيه دعاء بحفْظ المودع في أموره الدينية والدنيوية، ولا يحسن بالمودعين للمسافرين الغفلة عنه.

وإن سافر دون أهله وولده فما أشدَّ حاجته إلى حفظهم حال غيبته عنهم، فَيُوْدِعُهُم الله تعالى وهو خير حفيظ؛ قال أبو هريرة - رضي الله عنه - لِرَجُلٍ: "أُوَدِّعُكَ كما وَدَّعَنِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اسْتَوْدَعْتُكَ الله الذي لاَ يُضَيِّعُ وَدَائِعَهُ))؛ رواه أحمد.

والمحافظة على دعاء السفر مع فهم معانيه واليقين بما فيه سببٌ شرعي لحفْظ المسافر؛ فقد جاء فيه التعوُّذ بالله تعالى من ((وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ في الْمَالِ وَالْأَهْلِ))، وفي هذا استعاذة من المشَقَّة والتعَب، ومما يورث الهم والحزن، ومن أيِّ سوء يصيب الأهل والمال.

وينبغي للمسافر ألاَّ يُفَرِّط في أدعية الصباح والمساء، والنوم وأدبار الصلوات التي قد يشغله عنها شاغل، وهو في حال سفره أشد حاجة إليها من حال إقامته؛ لكثْرة ما يحيط به من مفاجآت السفر ومخاطره، ومن قرأ آية الكرسي لا يزال عليه من الله تعالى حافظ ولا يقربه شيطان.

ومن الأدعية النافعة لحفْظ النفس والولد:
ما جاء عن عُثْمَانَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن قال في أَوَّلِ يَوْمِهِ أو في أَوَّلِ لَيْلَتِهِ: بِسْمِ الله الذي لاَ يَضُرُّ مع اسْمِهِ شيء في الأَرْضِ وَلاَ في السَّمَاءِ وهو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، لم يَضُرَّهُ شيء في ذلك الْيَوْمِ أو في تِلْكَ اللَّيْلَةِ))؛ رواه أحمد.

وعموم الدعاء ينفع العبد، فيرد القدر، ويدفع البلاء، ولا سيما الأدعية التي فيها تعوُّذ من البلاء؛ كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان من دُعَاءِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ))؛ رواه مسلم.

وبر الوالدين، ووصل الأرحام، والإحسان إلى العباد، وإعانة المحتاجين بمال أو مشورة أو شفاعة أو غيره - أسبابٌ شرعيَّة لحفْظ العبد في نفسه وأهله وولده؛ كما ورد في الحديث: أنَّ جبريل جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبعثة فخافه، وقال لخديجة - رضي الله عنها -: ((لقد خَشِيتُ على نَفْسِي))، فقالت خَدِيجة - رضي الله عنها -: "كَلَّا والله، ما يُخْزِيكَ الله أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ على نَوَائِبِ الْحَقِّ"؛ رواه الشيخان.

والناس يغفلون عن الصدقة، وهي من أهم أسباب الحفْظ؛ كما جاء في حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطفئ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في الْعُمُرِ))؛ رواه الطبراني بسند حسن.

وفي حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ عن مِيتَةِ السُّوءِ))؛ رواه التِّرمذي، وقال: حسن غريب.

فحَري بالمسلم أن يأخذ بهذه الأسباب الشرعية مع عنايته بالأسباب المادية؛ ليحفظه الله تعالى في حضره وسفره، ويحفظه في أهله وماله وولده؛ {فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، صلوا وسلموا على نبيكم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من أحكام السفر وآدابه (3)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من أحكام السفر وآدابه (4)
»  من أحكام السفر وآدابه (2)
»  من أحكام السفر وآدابه (1)
»  من أحكام المريض وآدابه
»  فضائل القرآن ومعالمه وآدابه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: