اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الفرح الحقيقي يوم العيد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100265
 الفرح الحقيقي يوم العيد Oooo14
 الفرح الحقيقي يوم العيد User_o10

 الفرح الحقيقي يوم العيد Empty
مُساهمةموضوع: الفرح الحقيقي يوم العيد    الفرح الحقيقي يوم العيد Emptyالخميس 16 مايو 2013 - 15:14

أمَّا بعد:
فها هو العيدُ يعود مرَّة أخرى، ها هو يطلُّ على الأمَّة من جديد، ها هو يكسو المسلِمَ اليوم فرحةً عظيمة، يجدها بين جوانحه، ويعبِّر عنها في هذا اليوم المجيد، فأهلاً بالعيد بكلِّ ما يحمل في طيَّاته من فرحة أهلاً بالعيد، وكل عام وأنتم بخير.

أيُّها المسلم:
نقف اليومَ مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يُبشِّرنا بفرحِنا بهذا اليوم، وفرحِنا يوم نلقَى الله - سبحانه وتعالى - فيقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((للصائمِ فرحتان يفرحهما: إذا أفْطَر فَرِح بفطره، وإذا لَقِي ربَّه فَرِح بصومه))؛ متفق عليه، ((...للصائم فرحتان: فرحة عند فِطره، وفرحة عند لقاء ربِّه..)).

وأنا في صباح يوم العيد أؤكِّد على كلمة (فرحة)؛ لأنَّ العيد في الإسلام هو اليومُ الذي يعود، ويفرح به المسلمون، فها هو العيد قد عاد، فينبغي للمسلمين أن يفرحوا؛ لأنَّهم أدَّوْا ما عليهم من طاعة لله ربِّ العالمين.

والسؤال الذي نطرحه على مائدة اليوم: يا ترى، ما حقيقة هذا الفرح الذي يُعلِنه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ولأيِّ شيءٍ يكون؟ وبماذا يفرح المسلِم؟ وما هي العوامل التي تجعل المسلِمَ فرحًا مبتهجًا في حياته؟

والجواب على هذا السؤال هو: أنَّنا واثقون بأنَّنا نقتبس فرحَنا من فرح الله - تعالى - ومِن فرح نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومِن فرح الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين.

فتعالَ معنا لنعيشَ - ونحن في صباح يوم العيد - مع فَرَح الله - تعالى - وفرح نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفرَحِ الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين.

أولاً: فرحة الله - تعالى - بالتائبين:
ويُمثِّله مثال واقعي يعيشه كلُّ أحد، حتى يرتسمَ في أذهاننا، ويتمكَّن من قلوبنا، ويبقى ماثلاً في حياتنا.

فعن سيدنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - خادم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أنَّه قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لَلَّهُ أفرحُ بتوبة عبدِه من أحدِكم سَقَط على بعيره، وقد أضلَّه في أرْض فلاة))؛ متفق عليه، الفلاة: الصحراء الواسعة. وفي رواية لمسلِم: ((للهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدِكم كان على راحلته بأرْض فلاة، فانفلتتْ منه وعليها طعامُه وشرابه، فأَيسَ منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها، وقد أَيِسَ من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخَذَ بخطامها - الخطام: الحبل الذي يُقاد به البعير - ثم قال مِن شدَّة الفرح: اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربُّك! أخطأ من شدَّة الفرح)).

فأين هم التائبون؟ أين هم تائبو هذا الزَّمان؟ أين هم العائدون إلى الله في رمضان؟ ألاَ يُحبُّون أن يفرح الله بهم؟! أنا أقول للتائبين: سِنون تمضي وأنتم تتوبون إلى الله في رمضان، ثم يمضي رمضان فتعودون، ثم يأتي فتتوبون، ثم يمضي رمضان فتعودون! هل أيقنتم أنه سيختم لكم بخير وتوبة، فلذلك تطمئنون وتفرحون؟! أنسيتم أنَّ الفرح لا يكون إلاَّ بالعمل الصالِح؟!

وأنا أدْعو التائبين في هذا العِيد، فأقول لهم: إيَّاكم أن تعودوا إلى معصية ربِّكم، فالدنيا كلُّها تمضي، ومباهجها تفنَى، ومناصبها تنتهي، وكلُّ ما فيها يزول، ويبقى الحي الذي لا يموت، فإذا أردتَ أن يفرح بك المولى، فكُنْ مِن أهل المساجد، مِن أهل القرآن، مِن أهل الطاعات، من المجالسين للصالحين، وإيَّاك إيَّاك أن يمضي رمضان فتمضي معه إلى العِصيان، وتنسى الملك الدَّيَّان.

وتذكَّرْ ما قاله الإمام عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - عندما دخل رجلٌ عليه في يوم عيد الفِطر، فوجده يأكل طعامًا خشنًا، فقال له: يا أمير المؤمنين، تأكل طعامًا خشنًا في يوم العيد!! فقال له الإمام عليٌّ - كرم الله وجهه -: اعلمْ يا أخي، أنَّ العيد لِمَن قَبِل الله صومَه، وغفر ذنبَه، ثم قال له: اليوم لنا عيد، وغدًا لنا عيد، وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو عندنا عِيد، وقال الحسن: كل يوم لا يُعصَى الله فيه فهو عيد، وكلُّ يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذِكْره وشكره فهو له عِيد.

فهل وعيت أخي المسلم؟ مولاك ينتظرك لكي يفرحَ بك، فإيَّاك أن تبتعدَ عن طريق التائبين فتهلِك مع الهالكين.

ثانيًا: مع فرح النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
واسمعْ إلى الواقعة الأولى التي فَرِح بها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حينما نزلت آيةُ التخيير (وهي تخيير النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم - زوجاتِه؛ إمَّا أن يكنَّ مع الله ورسوله والدار الآخرة، وإمَّا أن يكنَّ مع الدنيا وزينتها).

تقول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: لَمَّا نزلت آية التخيير: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29]، جاءني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال لي: يا عائشة، قد نزلتْ هذه الآية، فلا تختاري قبلَ أن تذهبي إلى أبويك، فتقولي لهما: أيهما أختار: الله ورسوله والدار الآخرة، أَم الدنيا وزينتها؟
تقول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: فقلت: يا رسولَ الله، لا أختار إلاَّ الله ورسوله.
تقول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: ففرح النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذلك.

دعوني أدخلْ إلى واقع المسلمين مِن خلال هذه القصَّة، لماذا فرح النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – بذلك؟ هل لأنَّ عائشة اختارته؟ أم لأنَّه أراد أن يمكن في المسلمين واقعًا مهمًّا؟ هذا الواقع هو أنَّ الزوجة، وأنَّ النِّساءَ إذا لم يخترن الله ورسوله، فستتحوَّل حياةُ المسلمين إلى جحيمٍ لا يُطاق؛ لأنَّ أساس سعادة الإنسان زوجتُه وأولاده، فإذا انحرفت المرأة، وأصبحت لا تُبالي إلاَّ بزينتها وبدنياها وشهواتها، انقلبتِ الأمور رأسًا على عَقِب، وعاش المسلمون في هَمٍّ لا ينقطع.

فيوم أن تختارَ المرأة الدِّينَ على الدنيا، وتختار صاحب الدِّين والخُلق على غيره، وعندما تختار المحافظةَ على الصلاة على أوقات الأفلام والمسلسلات، عندما تختار الحِجاب والعفاف والستر على الزِّينة والتبرُّج والسفور، وعندما تختار التشبُّهَ بعائشة وفاطمة وحفصة على التشبه بالنِّساءِ الغربيَّات الفاجرات.

يومها سيفرحُ بها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا هو العيد الحقيقي، والفرح الحقيقي.

واسمع إلى الواقعة الثانية التي فَرِح بها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
عندما جاء وفدُ عبدالقيس إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: يا معشرَ الأنصار، هذا وفد عبدالقيس، أقربُ الناس إليكم أبشارًا وأشعارًا - يعني: يشبهونكم في مظهرِكم، وهم مثلكم أسلَموا طائعين غيرَ مكرهين - يا معشرَ الأنصار، أكرموا وِفادتَهم، ولَمَّا أصبح الصباح جاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى وفْد عبدالقيس فقال لهم: كيف رأيتم إخوانَكم الأنصار؟ قالوا: يا رسولَ الله، خير الناس ضيافةً، أطعمُونا وسقَوْنا، وألانوا فراشَنا، وعلَّمونا كتاب الله وسُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

وانظرْ إلى كلام الوفد، لم يقولوا فقط: (أطعمونا وسقونا وألانوا فراشنا)، وإنما: (وعلَّمونا القرآن) ؛حتى يرسخ في قلوب المسلمين أنَّ الطعام والشراب ليس هو الأساس، صحيح أنَّ هذه ضيافة، والضيافة تمثَّلتْ في تحسين الطعام، وتحسين الشراب والفراش، وفي تعليم القرآن.

يقول وفدُ عبدالقيس: فأُعجِب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفَرِح بذلك، وأخذ يتقلَّب إلينا واحدًا واحدًا يسأله ويعلِّمه.
نَعمْ، فَرِح النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولماذا فرح؟ هل لأنَّهم نصبُوا مائدةً عريضة، وفيها ما لذَّ وما طاب من الطَّعام والشراب؟ لا، إنَّما فَرِح لأنَّ الأخوَّةَ الإسلاميَّة راسخة؛ لأنَّ الأخوة ثابتة وعميقة، ولأنَّ الضيفَ يفرح بقراءة القرآن، ولأنَّ المضيف مِن منهج ضيافته تعليم القرآن.

فأين المسلمون مِن هذا؟! أين المسلِم الذي يأمر ضيفَه الذي لا يُصلِّي بالصلاة؟! أين المسلِم إذا ما تكلَّم ضيفُه بالغِيبة والنميمة وسبِّ الأموات أن يقول له: اتق الله فإنَّ هذا حرام؟! أين المسلم الذي إذا جاءتْه بنت عمِّه، أو بنت خاله، ومدَّت يدَها لتصافحَه يومَ العيد، فيقول: إنَّ هذا حرام، ولا يجوز في الأعياد، ولا في غير الأعياد؟! أين المسلِم الذي إذا أراد ضيفُه أن ينظر إلى أفلام ومسرحيات العيد أن يقول: هذا حرام؟!

فإن فعلتَ هذا، فقد أفرحتَ نبيَّك - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما فرِح بالأنصار، فهذه هي الأخوة الحقيقيَّة، وهذا هو عِيدك الحقيقيّ.

ثالثًا: فرح الصحابة - رضي الله عنهم -:
وكانتْ فرحة الصحابة في مجلس النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فما هو الشيءُ الذي أفرحهم؟ هذا سيِّدنا أنس - رضي الله عنه - يُحدِّثنا عن فرحتهم فيقول: "إنَّ رجلاً سأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الساعةِ، فقال: متى الساعة؟ قال: ((وماذا أعددتَ لها؟)) قال: لا شيء، إلاَّ أنِّي أحب الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((أنت مع مَن أحببْت))، قال أنس: فما فرِحْنا بشيء فَرَحَنا بقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنت مع مَن أحببْت))، قال أنس: فأنا أحبُّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكونَ معهم بحبِّي إيَّاهم، وإن لم أعملْ بمثل أعمالهم"؛ رواه البخاري.

ولا تتصوَّرْ أنَّ مسألة الحب هذه مسألة عاطفية، لا إنَّما هي مسألة عقدية، لذلك بعض الناس يتصوَّر أنَّه عندما يقول: أنا أحبُّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أصبح مع النبيِّ في الجنة، وتراه لا يُصلِّي الصلاة في وقتها، صيامه عن الأكْل والشُّرْب فقط، زكاته يتفنَّن في الهروب منها، بيته غير إسلامي، نساؤه إذا خرجنَ، خرجن متزينات متبرِّجات، ومع ذلك يريد أن يكونَ مع النبي، فهذا مفهوم خاطئ.

الذي يريد أن يُحشر مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الجنة عليه أن ينظر كيف تطبيقه لتعاليم النبي في حياته؟ هل أولادُه من الملتزمين بالإسلام؟ هل نساؤه من المتحِّجبات؟ هو نفسه مَن أصدقاؤه وجلساؤه؟ هل الذين يجلس معهم، ويأكل معهم، ويضحك معهم من المحافظين على الصلاة؟ مِن أهل المساجد؟ مِن الذين لا يظلمون الناس؟ هل هم من أحباب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؟

أنا أقول: إن كانتْ هذه حياتك، فأبشِّرك بأنَّك مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الجنة، أمَّا أن يمشي الإنسان مع كلِّ أحد، ويأكل ويشربُ، ويضحك مع كل أحدٍ، صالحًا كان أو غير صالح، ثم يريد أن يكونَ مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الجنَّة - فهذا غير صحيح.

ففرحُك الحقيقي هو يوم أن تكون مع أهل الطاعات، مع الصالحين، مع الملتزمِين الذين يشجعونك على طاعة الله، وإلاَّ ستندم يوم القيامة، ويومها لا ينفع النَّدَم.

رابعًا: فرح الصالحين من هذه الأمة:
هذا سلطان العارفين سيِّدنا إبراهيم بن أدهم - رحمه الله تعالى - لَمَّا ترَك القصورَ والمباهج والنعيم، وكان وليَّ عهد السلطان - وهو والده - تَرَك القصرَ والفِراش الوثير، وترك ما لذَّ وطاب من الطعام والشراب، والملابس الفاخرة، وذهب إلى بيت الله الحرام، وبقي سنواتٍ يأكل يومًا ويجوع يومًا، يَلبَس الخَشِن مِن الثياب، وينام على الحصير.

فاستيقظ في ذات يوم عندَ السَّحَر وهو يلبس الثيابَ البالية، ولا يجد طعامًا ولا شرابًا، وفي هذه اللحظة تذكَّر أيامَه الخوالي، أيامه التي كان يعيش بها في القصرِ ينام على الفراش الوثير، ويلبس أفخرَ الملابس، ويأكل ما لذَّ من الطعام والشراب، ويتعطَّر بأغلى العطور، ثم قارَنَ بين حياته هذه وتلك، فقال مقولته المشهورة، والتي عبَّر فيها عن فرحِه: "لو عَلمتِ الملوكُ ما نحن عليه من اللَّذَّة والسعادة والفرح، لقاتلونا عليها بالسيوف".

هذا هو الفرح الحقيقيُّ يا أبناءَ الفلوجة، هذه هي السعادة الحقيقيَّة، ليستِ السعادةُ والفرح كما يتصوَّره بعضُ الناس بامتلاك ملايين الدولارات والعقارات، والقصور والسيَّارات الفارهة، ومتاع الدنيا الفانية، والتي لا تُسمِن، ولا تُغني من جوع، وليستْ بالمناصب، بالوظائف، بالترقية والدرجات.

إنَّ السعادة الحقيقيَّة والفرح الحقيقي يوم أن تلتزمَ بطاعة الله، يوم أن تتمسَّك بسُنَّة رسول الله، يوم أن تحافظ على تلاوتك للقرآن، يوم أن تخالِفَ نفسك وشيطانَك، وتنتصر عليهما.

فرحك أخي المسلم، بإيمانك وتقواك، ورحم الله القائل:
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
فَتَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ الزَّادِ ذُخْرًا وَعِنْدَ اللَّهِ لِلْأَتْقَى مَزِيدُ


فيا أخي الحبيب، يا مَن تبحث عن الفرح الحقيقي في يوم العيد، فرحك الحقيقي يومَ أن يفرحَ بك الله - عزَّ وجلَّ - يوم يفرح بك النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم أن تترجِم ما قاله سيِّدُنا عليٌّ - رضي الله عنه - عندما دخل عليه رجلٌ في يوم عيد الفطر، فوجده يأكل طعامًا خشنًا، فقال له: يا أمير المؤمنين، تأكل طعامًا خشنًا في يوم العيد؟! فقال له الإمام عليٌّ - رضي الله عنه -: اعلمْ يا أخي، أنَّ العيد لِمَن قَبِل الله صومَه، وغفر ذنبَه، ثم قال له: اليوم لنا عِيد، وغدًا لنا عيد، وكل يوم لا نَعصي الله فيه فهو عندنا عِيد.



أسأل الله أن يتقبَّل منَّا ومنكم الصيامَ والقيام، وسائر الأعمال، وأن يجعل عيدَنا سعيدًا، وأن يُعيدَ علينا رمضان أعوامًا عديدة، ونحن في حال أحسن مِن حالنا، وقد صلحتْ أحوالنا، وعزَّتْ أمَّتنا، وعادتْ إلى ربِّها عودةً صادقة، اللهمَّ آمين.





الخطبة الثانية

جاء العيدُ أيُّها المسلمون؛ ليرسمَ على الشفاه معانيَ الحبّ، ويشيع في حياة المسلمين جوًّا من الإخاء الصادق، وروح المودة والوئام، جاء اليوم ليذكِّرَ المسلمين بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاث، يلتقيان فيُعرِض هذا ويُعرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).



والسؤالُ الذي يطرح نفسَه في ساحةِ العيد بالذات: القلوب المتنافرة أمَا آنَ لها أن تتصافَح؟! هل ما زالتْ مصرَّة على معاندتها للفِطَر السويَّة؟! هل ما زال الكِبر يُشعِل فتيلَ حِقْدها؟! ألاَ يمكن أن ينجحَ العيد في أن يُعيدَ الألفة لقلوب طال شقاقُها؟!



إنَّ هذه القلوب يُخشَى عليها إن لم تُفلحِ الأعيادُ في ليِّها للحق، فإنَّ لفْحَ جهنم قد يكون هو الحلَّ الأخير، القادر على كسْرِ مكابرتها، إلى متى هؤلاء يُصمُّون آذانهم عن قول رسول الهُدَى - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هَجْرُ المسلِم سَنةً كسَفْك دمِه))، وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تُعرَض الأعمال في كلِّ اثنين وخميس، فيَغفر الله لكلِّ امرئ لا يُشرِك بالله شيئًا، إلاَّ امرأً كانتْ بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اترُكوا هذَيْن حتى يصطلحَا))؛ رواه مسلم.



وإن لم يُفلِح العيد في تليين صلابةِ هذه القلوب، فوعيدُ الله - تعالى - غير بعيد حين قال في كتابه الكريم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22 - 23]، وقوم أصابتهم لعنةُ الله - تعالى - في أنفسهم، وعاشتْ معهم في حياتهم أنَّى يجدون طعمَ الراحة والاستقرار؟!



فهذا العِيد، وهذه أيَّامُه، والفُرصة سانحة، فلا تُفوِّتْها، لا حرمك الله مِن الصفاء والوفاء.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفرح الحقيقي يوم العيد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  يوم عاشوراء بين مراسم الفرح ومراسم العزاء!
» المفهوم الحقيقي للرضا
»  التقدم الحقيقي
» " التحرر الحقيقي "
»  ما هو عيدنا الحقيقي؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: