برعاية راند: سدل الستار على الفصل الأخير من المسرحية الليبرالية الخاسرة!
كيف يمر على السمع والبصر إعلان للمنكر والمناداة له ؟! بل كيف لا يكون للمصلحين دور في وجه هذه المحاولات البغيضة، صوت ناصح به تُحرس الفضائل، وتُكبت الرذائل؟! من خلاله يؤخذ على أيدي السفهاء المحسوبين من مجتمعنا بكل أسف، فها نحن أولاء نشاهد ثُلَّة - لا كثَّرها الله - من أهل الريب والفتن يختالون في ثياب الإعلام، فقد عظمت جرأتهم، وبلغت مبلغاً لا يمكن السكوت عليه، لا سيما أنهم اتخذوا من بوابة المرأة السعودية مركزاً لشن غاراتهم الشرسة، وتصويرها بصورة سيئة لا ترضي جميع فئات الشعب المحافظة، تكررت محاولات عبثهم، ولمزهم في أجهزة رسمية إعلامية!
وأنا هنا أتساءل: لِمَ توجد بيننا ثلة تريد تكرار فصول المسرحية الغربية الخاسرة، وتنادي بصوت لا يسمع سوى صداه، بأن المرأة لن تصل إلى حقوقها إلا بالخروج على قيود مجتمعها والخروج على دينها قبلها؟!!
ولنمسك بخيوط هذه المسرحية من بدايتها:
أحداث سبتمبر أفرزت تياراً يسمّي نفسه (ليبراليا)، اتخذ من مبدأ الخصومة مع واقع المجتمع السعودي المتديّن والمحافظ جدّاً شعاراً له، فأصبح غير قادر على إحداث تحوّل اجتماعي، بطبيعة جماهيرية، فلجأ إلى الإعلام، الذي يسيطر على وسائله، مما جعله ظاهرة تطفو على السطح، ولكن بلا رؤية، ولا برنامج ، وتفتقد لعمق وتأييد شعبي.
يُعول الغرب عليهم كثيراً ، ويتجدد الأمل بالاحتلال من خلال هذه الأدوات، ليتم إحداث التغير من الداخل كما يأمُل "توماس فريدمان" في مقاله الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط في عددها رقم 8784 بتاريخ 12 / شوال / 1423 هـ والموافق 16/12/2002م، يثني فيه على بعض هؤلاء المرتزقة حيث يقول: (علينا أن لا نبالغ في الحديث عن نفوذ هؤلاء الكتاب أو في تجاهلهم، وعلينا أن نعي أنهم هناك، وأن الحادي عشر من سبتمبر شجعهم على الظهور، حيث أدى ذلك لاكتساب (طرحهم) المزيد من الزخم، تمنوا لهم التوفيق فهم أفضل ما يمكن أن نعلق عليه الآمال بشأن إحداث تغيير من الداخل وهو التغيير الوحيد الذي يهم الجميع).
بل إن تقريراً نُشر مؤخراً من مركز دراسات مؤسسة راند (RAND Corporation) في تقريرها الأخير 2007م، الذي مكثت المؤسسة في إعداده ثلاث سنوات ، ومن خلاله تُرسم خطةُ للسياسية الأمريكية في التعاملِ مع الأحداث في العالم أجمع، ومنها منطقة ما يسمونه بـ "الشرق الأوسط"، وقد حمل التقرير الأخير قضايا خطيرة جداً، وعنون للتقرير "بناء شبكات مسلمة معتدلة".
ووفقاً لما يذكره التقرير، فالتيار (الإسلامي) المعتدل المقصود هو ذلك التيار الذي:
1 - يرى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
2 - يؤمن بحرية المرأة في اختيار "الرفيق"، وليس الزوج.
3- يدعم التيارات الليبرالية.
وهذا كما هو واضح ينطبق على توجهات القوم، الدراسة (أو التقرير) خطيرة كما هو واضح ومليئة بالأفكار السامة التي تركز على ما يسمونه "علمنة الإسلام"
الأمر المؤكد أن هذه الدراسة تركز - كما يقول مؤلفها الرئيسي في حوار صحفي - على أن "الهدف ليس طرح الصراع بين العالم الإسلامي والغرب، وإنما بين بعض العالم الإسلامي وبعضه".
فهل وصلت السذاجة لدى البعض إلى التصفيق لهذا الاختراق الخطير؟ والخضوع له طواعية؟!
ولنطلع على مقالاتهم:
نجد أنها تتميز بهشاشة الفكر، وسطحية النظر، والاستخفاف بعقلية القارئ، وهم يرددون تباعاً قضايا ملَّ القراء من تكرارها، ولا تدور إلا حول الطعن في الدعوة وأهلها واللمز في تحكيم الشريعة الإسلامية ، وبدعوى سقيمة يرددونها ألا وهي: مصلحة الأمة، وبدعوى تشغيل نصف المجتمع (المرأة) ، وبدعوى تحقيق المكاسب الاقتصادية العالية!!
فأجد أكثر الصفات التي تنطبق على تلك الخربشات صفتين لا ثالثة لهما:
أولاهما: الغموض: فلا يوجد لديهم أي وضوح فمقالاتهم متذبذبة وغارقة في الاصطلاحات الفلسفية الغريبة عن المجتمع (صحوي، حزبي، مجتمع تقليدي، وهابي، متشدد ... الخ)
ثانيتهما: التناقض: فحين تسأل أحدهم عن موقفه من حل القضايا ومشكلات المجتمع وفق الشريعة الإسلامية، قد لا يبدي معارضة واضحة صريحة، لكن حين تقرأ مقالاتهم تجد التنكرَ لذلك والتناقضَ، بل التهجمَ على الشريعة الإسلامية وأهلها ، وتلفيق التهم للدعاة والعلماء والتشكيك في مصداقيتهم وعدالتهم، وتلميع صورة الغرب ومنهجية حلوله لقضايا المجتمع.
ومن النماذج والشواهد على ذلك من الأقلام النسائية[1]:
* مرام مكاوي في مقال "مواطنة من الدرجة الثالثة" قالت: فصل الأطباء عن الطبيبات في أحد المؤتمرات .. موقف لا إنساني, ولو كنت في السعودية وكانت لدى القدرة على رفع قضية على المنظمين وعلى المستشفى لفعلت.
* هيفاء المنصور في مقال "المرأة السعودية تتحدى الكاميرا" قالت: ما يستحق التقدير للمرأة السعودية عندما وقفت تشجع في المدرجات, وسجلت اعتدادها بهويتها ورفضها للتخفي.
* مها الحجيلان: ساهمت العباءة بشكل مباشر في تعطيل بعض المهارات الأساسية عند المرأة كالكلام الحر الطبيعي تمنعه وتستبدل به وصوصة. وقالت: عباءة الرأس التي تجعل المرأة .. أشبة بطائر ضخم يمشى.
* نادين البدير في مقال "المرأة السعودية بين المصالح والأهواء" قالت: إلى متى ستستمر النساء في بلادي باتشاح السواد الحزين, والتواري في المقاعد الخلفية كالشياطين.
* ميرا الكعبى في مقال "الجاهلية الحديثة" قالت: أفكار الوأد الحديثة ما زالت تخيم على المجتمع فالمرأة ممنوعة من السفر إلا بتصريح ولي أمر, وهى ممنوعة من العمل ما لم تقدم موافقة ولي الأمر, وهى ممنوعة من الإقامة في النزل العامة والفنادق ما لم يرافقها محرم.
* نادين البدير في مقال "ثقافتنا وظاهرة التحرش" قالت: على من يرون المرأة شرا مستطيرا, فيوجهون لها النصائح ...كمراعاة الحشمة والابتعاد عن أدوات الزينة, وعدم نثر العطور لأن ذلك مدعاة للتحرش ... وأتساءل أي فكر هذا الذي توصل إلى أن عطراً يمكنه أن يثير الغرباء.
وما أود الإشارة له أيضاً، بما أنهم يطالبون بالانفتاحية، والتطور غير المحسوب، فليخبرونا منذ متى ونحن نطالب بالانغلاق على الذات والتقوقع على نمط تفكير أحادي ؟! بل ما نطمح إليه أن يتم التلاقح مع الحضارات الأخرى، ولكن لا بد أن يكون عن وعي وإرادة جادة للاستفادة من كل ما هو جيد، وبأسلوب حذر، ولذلك أن أي مبادرات أو ضغوط للتغيير القسري المخطط لا نقبله أبداً.
فنحن دائماً ما ندعو للإصلاح والتطور ولكن وَفق قيمنا، وثقافتنا، وتعاليم ديننا، وثوابتنا الإسلامية، وليس بناءً على ما يريده الغرب ولا بناءً على ثقافته وقيمه ورؤيته!
لا سيما وديننا الإسلامي ليس منهجا روحيا فحسب، بل هو منهج حياة متكامل يشمل المعاملات والعبادات والعلاقات على مستوى الأفراد والجماعات، لكنهم تعاموا عن شمولية الإسلام ومارسوا الانتقائية القصدية وَفق أهوائهم!.
لذا أقترح في الختام لسدل الستار على آخر فصول هذه المسرحية عدداً من التوصيات:
1- هناك جهود هائلة لتكريم هؤلاء الكتاب من قبل جهات غربية، ورأينا التهنئة تقدم لهم على صدر صفحات صحفنا، وتتوالى مقابلاتهم فخراً بتلك الجوائز والتكريم ، لمَ لا تتم المبادرة إلى تكريم الكتاب المنافحين عن دينهم ووطنهم دون مزايدات.
2- لابد من زيادة لعدد الزوايا الصحفية ، وزيادة المساحة للكتاب الذين يمثلون الصوت الشعبي الحقيقي المحافظ، بحيث تناقش هذه الزوايا القضايا العصرية التي تمر بها الأمة والمجتمع السعودي بشكل خاص، ولا تقتصر مشاركتهم على الرد على المتطاولين على شريعتنا السمحاء، وأقل الأمور أن تُنشأ جمعية تُعنى بكل ما يصدر مخالفاً للدين، والرد عليه رداً مؤصلاً، فالجهود الفردية حتماً ستفتر جهودها، وعلى العكس عندما تكون الجهود تسير وَفق منظومة ليكمل بعضها بعضاً.
3- لابد أن تكون هناك مرجعية دينية لكل صحيفة ، على غرار المخرج الفني فيها، وكذلك المصحح اللغوي، لتراعي كل ما يصدر من مخالفات لبنود السياسة الإعلامية كما في المادة الأولى من قرار مجلس الوزراء رقم 169 في 20/10/1402هـ والمادة الثانية التي تنص على "مناهضة التيارات والاتجاهات الصارفة للمسلمين عن دينهم والتصدي لها"، لاسيما أن نظام دولتنا - وفقها الله - ينطلق من أسس شرع الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وذلك حسب ما ورد في النظام الأساسي للحكم بالمادة السابعة.
4- إدراج لائحة للعقوبات تكون معروفة البنود ومتفقا عليها من قبل هيئة كبار العلماء ووزارة الإعلام، تطبق على كل مخالفة تخرج من أي عمود صحفي دون محسوبيات، وما هي ببعيدة عنا قضية ذلك الكويتب الذي صدر الحكم عليه بالجلد ثم بعد ذلك وبفضل جهود الجهة الخصم، تحولت العقوبة إلى غرامة مالية فقط!
ونصيحة أخيرة له ولمن على شاكلته نقول:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا الذي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍّ خاب بانيها
ــــــــــــــــــــــــ
[1] (ما سبق من اقتباسات للكاتبات أعلاه مأخوذ بتصرف من مقال للأخت: فوزية الخليوي بعنوان "ما القاسم المشترك بين كاتبات الوطن!" ونشر في شبكة القلم بتاريخ 10-3-2007).