اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  طريق الليبرالية إلى إعلان الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
 طريق الليبرالية إلى إعلان الإسلام Oooo14
 طريق الليبرالية إلى إعلان الإسلام User_o10

 طريق الليبرالية إلى إعلان الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: طريق الليبرالية إلى إعلان الإسلام    طريق الليبرالية إلى إعلان الإسلام Emptyالجمعة 10 مايو 2013 - 6:57

الحمد لله بديع السَّماوات والأرض، الحليمِ الكريم، الرَّؤوف الرحيم، العزيزِ الحكيم.



وأشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، وحده لا
شريكَ له، له الملكُ وله الحمد، وله الخَلْق والأمر، وإليه يُرجَع الأمر
كلُّه، وله الحُكْم وهو أسرع الحاسبين.



وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُ الله ورسوله،
جاء بالهُدى والحقِّ المبين، وبلَّغ رسالةَ ربِّه أتَمَّ تبليغٍ وهو
الصادقُ الأمين، فساسَ الناسَ بالقرآنِ الكريم، وحكمَ بينهم بما أنزل الله
العزيزُ الحكيم، ولم يثْنِه عن ذلك كيدُ الكافرين، ولا لَمْزُ المنافقين،
ولا إرجافُ المُتخاذِلين.



أمَّا بعد:

فإنَّ الله - سبحانه - خلَق الإنسانَ في
أحسنِ تقويم، وسوَّى أعضاءَه - على اختلافها - في نسَقٍ قَويم؛ فالعينُ
للنَّظرِ والأذنُ للإصغاء، واليدُ للبطشِ والأخذِ والعَطاء، والرِّجل
للسَّعيِ والقيام، واللِّسان للذَّوقِ والكلام... وعدَّل - سبحانه - هذه
الأعضاء، وجعَلها سويَّة سالِمةً مكتمِلة، وخَلق نصفَها الأيمن كمُقابله؛
فلا تفاوُتَ - في أصل الخِلقة - بين العينَيْن، ولا اختلاف بين الأذنين،
ولا تَطاوُلَ بين يدَيْن أو رجلين، ولا بين عظامٍ وعظام، ولا بين أعصابٍ
وأعصاب، ولا بين أوردةٍ وشرايين... ورَكَّبه في صورةٍ شاءَها سبحانه، فجعلَ
مِن عباده الطويلَ والقصير، والجميلَ والدَّميم، والأبيضَ والأحمرَ
والأَسْود، والذَّكرَ والأنثى، وجعل منهم مَن يُشبِه أباه أو أمَّه، ومن
يشبه خالَه أو عمَّه، ومن يشبه جدَّه القريبَ أو البعيد...



وقد اقتضَتْ حكمتُه سبحانه أن يَجعل بين
خلقه تفاوتًا؛ في العلم والجهل، والغِنَى والفقر، والصِّحة والمرض،
والقوَّة والضَّعف؛ ليحتاج بعضُهم إلى بعض، فيكونَ بينهم مُعايَشةٌ
واجتماع، ومُعاملةٌ وانتفاع.



ولكي يتَكامل مجتمَعُ الناس ولا يتنافر؛
كان لا بدَّ من نظامٍ يَحْكم اجتماعَهم، وقانونٍ يتَحاكمون إليه في
مُنازعاتِهم، ويُرشدهم إلى ما فيه صَلاحُهم على المستوى الفرديِّ،
والأُسَري، والاجتماعي، والسِّياسي...



هذا ما لا نزاع فيه بين التيَّارات
المختلفة، والأطياف المتنوِّعة - العُقلاءَ مِنهم - وإلاَّ صار حالُ الناس
فوضى، وحَكَمَهم قانونُ الغاب؛ ولذا قال الشَّاعر:




لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لاَ سَرَاةَ لَهُمْ  طريق الليبرالية إلى إعلان الإسلام Space
وَلاَ سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا  طريق الليبرالية إلى إعلان الإسلام Space




ويُقال في المثَل: "مَن ليس له كبير، فلْيَشترِ لنفسِه كبيرًا"؛ لماذا؟ وما الَّذي يجعله يُلزِم نفسَه بِحُكم غيره ويرتضيه؟



ليكون مَفْزعَه عند الشدَّة، وناصِرَه إذا وقعَ عليه ظلمٌ، وقاضِيَه عند الاختلاف.



وهنا يبدأ الخِلاف؛ مَن الذي نَحْتكم إليه عند النِّزاع أو عدَمِ النِّزاع؟ ومَن الذي يحدِّد هذا الحَكَم؟ وهل يكون حُكمه ملزمًا للجميع؟



الإنسان مخلوقٌ لله، منحَه الله العقل، وفضَّله به على سائر الكائنات، وجعَلَه مُختارًا، وجعله حرًّا، وسوَّى بين البشر؛ فلماذا
يُلزَمُ الإنسانُ بِحُكم غيرِه وقد وهبَه الله العقلَ، وجعَله قادرًا على
التفكير والاختيار بين النَّافع والضَّار؟ وإذا كان الإنسان ملزَمًا بحكم
غيره؛ فلماذا خلَق الله له العقل؟ ولماذا جعلَه مختارًا؟ ولماذا، وَلماذا،
ولماذا...




هذا كلام الإنسان الذي قال الله في شأنِه: ﴿ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 4]، وقال - سبحانه -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [يس: 77].



ولماذا ذكَرَ الله النُّطفة في الآيتين؟

لِيُذكِّره ببدايته التي نَسِيَها، فيمنُّ
الله عليه بأنْ يُذكِّره بها، ويُعلِّمه إيَّاها، ويقارن بين هذه البداية
المهينة، وبين ما آل إليه أمرُ الإنسان من مُخاصمَتِه لربِّه، وكأنَّه
سبحانه يقول له: أيَليق بك - يا إنسَان - أن تكون بداية خلقك هي النُّطفة
البَذِرة، حيث لا عقل ثَمَّ ولا اختيار، ولا كلام ولا سمعَ ولا إبصار، ثم
تنسى كلَّ هذا، وتأتي لِتُجادل فيما افترضتُه عليك؟!




إنَّ الذي خلق الإنسانَ قال: ﴿ إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، وقال: ﴿ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، ﴿ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾ [الإسراء: 11]، ﴿ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 67]، ﴿ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإسراء: 100]، ﴿ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ﴾ [الكهف: 54]، وقال عنه: ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ﴾ [الأحزاب: 72]...



وما زال السؤال قائمًا:مَن الذي نَحْتكم إليه؟




أيكون بشرًا مثلَنا؟




وما المانع إذا كان ذا عقلٍ وفِكْر، وخبرةٍ بأمور التشريع والتقنين؟




ولماذا أرضى بِحُكم هذا دون ذاك، وهما مُتساويان في العقل والخِبْرة التي تتحدَّث عنها؟ وقد يكون لأحَدِهما أخطاء يَسْتدركها عليه الآخَر، ويَحْدث التَّعارض.



إذًا يجتمعان وأَكْفاءَهما، وما يتَّفقون عليه يكون قانونًا للجميع؛ وبهذا نتجنَّب التعارض، ونتحاشى الكثير من الأخطاء.



وما
الذي يضمن لي ولك ألاَّ يُدخِل هؤلاء الخُبَراءُ أهواءهم ومصالِحَهم في
التقنين؛ فيَجوروا على غيرهم؛ لمصلحتهم، ومصلحةِ مَن تبِعَهم؟





إذًا فمن الذي يُشرِّع لنا في رأيك، وأنت لا يعجبك أحد؟!




لا
بدَّ أن يكون الذي يشرِّع لنا جميعًا ذا خبرةٍ بأحوال الناس وطَبائعهم،
ومعرفةٍ بِما يُصلحهم، وألاَّ يكون طرَفًا في النِّزاع، وأن يَحْتاط في
تقنينه لكلِّ ما يَجِدُّ من أمورٍ وأحوال.



أنت تريد أن تجترني إذًا إلى مفهوم الدولة الثيروقراطيَّة!



أنا لَم أَقُل: إن الذي سيحكمنا سيكون ناطقًا عن الله؛ بحيث يكون أمرُه لا يُردُّ ولا يراجَع، بل سيحكمنا بِشَرع الله.



وما الفارق يا متفلسف، وهو في الحالتين سيُكلِّمنا بالآية والحديث، حتَّى إذا ردَدْنا أمْرَه كُنَّا رادِّين لأمر الله ورسوله؟!




لا،
الفارق كبير؛ فالدولة الدينيَّة بالمفهوم الغربي ليست موجودةً في الإسلام،
والحاكم فيها لَم يكن يَحْكم بالآية والحديث، بل كان يَحْكم برأيه وهواه،
ثم يدَّعي أنَّ هذا حُكمُ الرَّب، أما الدولة التي يَحكم قائدُها بالشريعة
الإسلامية، فالأحكام عنده ثابتة، لا تتغيَّر، ولا تتبدَّل؛ فهي قائمةٌ منذ
ما يزيد على أربعة عشر قرنًا من الزمان، وستَظلُّ محفوظةً بحِفْظ الله إلى
يوم القيامة، وهذه الأحكام تَسْري عليه وعلى رعيته بالسَّواء.



وليس خافيًا عنكَ ما حدث مع أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب حين وجدَ دِرعَه مع يهودي، فقال أميرُ المؤمنين: "يَا
يَهُودِيّ، دِرْعِي سَقَطتْ منِّي يَوْم كَذا وكذا"، فقالَ اليَهُودِيُّ:
"ما أدْرِي ما تَقول، دِرْعي وفِي يَدي، وبيني وبَيْنك قاضيك"
.



فانْطَلقا إلَى القَاضي شُرَيْح، فلَمَّا
رآهُ شُرَيْح، قامَ له من مَجْلِسه، فجَلسَ عَليٌّ - رضي الله عنه - ثمَّ
قالَ: لَو كانَ خَصْمي مُسلمًا لجلَسْتُ مَعه بَين يَديك، ولَكِنِّي
سَمِعتُ رَسُول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَقُول: ((لا تُساووهم فِي
المَجالِس، وَلا تَعودوا مَرْضاهم، وَلا تُشيِّعوا جنائِزَهم، واضطَرُّوهم
إِلَى أضيق الطُّرق)).



ثمَّ قالَ: "دِرْعِي عرفتُها معَ هَذا اليَهودي"، فقالَ شُرَيْحٌ: "صدقتَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَلكِن لا بُدَّ من شَاهد"،
فَدَعَا قُنْبُرًا، فَشهد لَهُ، ودعا الحسَن وَلَده، فَشهد لَهُ، فَقَالَ
شُرَيْح: "أمَّا شَهادَة مَوْلاك فقد قَبِلْناها، وَأما شَهادَة ابْنِك لَك
فَلا"، فقالَ لَهُ عَليٌّ - رضي الله عنه -: إِنِّي سَمِعتُ عمر بن
الْخطاب يَقُول: سَمِعتُ رَسُول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَقُول:
((إِنَّ الْحسنَ وَالْحُسَيْن سيِّدا شباب أهل الْجنَّة))، فقالَ:
"اللَّهُمَّ نعَم"، قالَ: "أَفلا تُجِيز شَهَادَة سيِّد شباب أهل الْجنَّة؟
وَالله لتخْرجنَّ إِلَى بلد كَذَا، فتَحْكمَنَّ بَين أَهلهَا أَرْبَعِينَ
يَوْمًا"، ثمَّ سلَّم الدِّرْع إِلَى الْيَهُودِي.



فَقالَ الْيَهُودِيُّ: "أَميرُ
الْمُؤمنينَ مَشى معي إِلَى قاضيه، فَقضى عَلَيْه، فَرضِي بِه! صدَقْتَ
إِنَّها لَدِرعُك سَقَطتْ مِنْكَ يَوْم كَذا وكذا عَن جَملٍ لَك أَوْرَق،
فالتقَطْتُها، وَأَنا أشهد أَنْ لا إلَه إلاَّ الله، وأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسول الله"، فقالَ عَليٌّ: "هَذِه الدِّرْع، وَهذه الْفرس لَك"، وَفرضَ
لَهُ كلَّ سنةٍ تِسْعمائَة، ولَم يزَلْ مَعَه حَتَّى قُتِل بصِفِّين[1].



هذه قصص تَحْكونها للتَّسلية، وهل في المسلمين الآن قاضٍ عنده شجاعةُ شريح؛ لِيُنصِف الخَصْم، وإن كان كافرًا؟



لو
ألزمَ الحاكمُ نفسه بالشَّرع، فليس له أن يَأخذ بعضَه وأن يُعرِض عن بعض،
وسيَكون النَّاسُ له بالمرصاد إذا خالف؛ يَنْصحونه ويَعِظونه، فهذه
مسؤوليَّة الرعية، "والخلفاء الرَّاشدون كانوا يُقِرُّون هذه المسؤوليَّة؛
فأبو بكرٍ أوَّلَ ما وَلِيَ الخلافة، قال: "إنِّي وُلِّيتُ عليكم ولستُ
بِخَيركم، فإنْ أحسَنتُ فأعينوني، وإنْ أسَأْتُ فقَوِّموني"، وعمر لَمَّا
ولي الخلافة قال: "مَن رأى منكم فِيَّ اعوجاجًا فليقوِّمْه"، قال له
أعرابي: "والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقوَّمْناه بسيوفِنا"، وكثيرٌ من
الأحاديث والآثار مُتضافِرةٌ على تقرير هذه المسؤوليَّة"[2].



ليس
له أن يأخذ بعض الشَّرع ويُعْرِض عن بعض؟! إذًا ستُطبِّقون الشَّرعَ جملةً
واحدة على الناس، حتَّى يُصبِح المُجتمَع مشوَّهًا؛ هذا مجلود، وذاك مقطوع
اليد، وذلك منفيٌّ مُغرَّب عن وطنه عامًا، وآخر ميت إثر الرَّجم... أهذا هو ما تريدونه؟



يا
أخي، فرِّق بين الحُكْم وبَيْن إنزاله على الواقع؛ فالحُكْم ثابتٌ لا
يتغيَّر أبدًا، وحكم تطبيق الشريعة كلِّها واجب؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208]؛ أي: ادخلوا في جميع شرائع الإسلام، وقد عابَ الله تعالى على بني إسرائيل فقال سبحانه: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ
ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ
﴾ [البقرة: 85].



ولأنَّ
الناس كانوا في ظلام دامسٍ بتغييب شرع الله عن حياتِهم، ولأنَّ الآلاتِ
الإعلاميَّةَ المأجورة أخافَت الناس من الشريعة، وكوَّنَت في أذهانِهم
فكرةً مشوَّشة عن شريعة الإسلام وحدوده؛ فإننا مُطالَبون بشيئين:


أوَّلاً تصحيح المفاهيم المَغْلوطة عند الناس تجاه أحكام الإسلام؛
فالإسلام دينُ الرَّحمة، وتطبيقُه يعمُّ الكون بالأمان، بل إنَّ في تعطيل
الحدود مَحْقًا للبَركة، وإخلالاً بالنِّظام العام، فعندما يَعْلم الناس
ذلك فقد تَهيَّؤوا لاستقبال حكم الله تعالى.



ثانيًا تبليغ الناس حدَّ الكفاية في مَعاشِهم،
حتَّى لا يَنظُرَ إنسانٌ كريم إلى ما لا يَحِلُّ له، فليس الناسُ كلُّهم
شِرارًا، ولا زُناةً، ولا سارقين، حتَّى تتَّهِموا المُجتمَع بأنه سيصير
مشوَّهًا بتطبيق الحدود.

ثُم تعال أخبِرْني: ماذا وجدتُم في الليبرالية من فضائل جعلَتْكم عازفين عن حُكم الإسلام؟




إنَّ
في الليبرالية حريَّة ليست في أيِّ نظام آخَر، أمَّا أنتم فلا تَحْترمون
آراء غيركم، وتُكفِّرون مَن خالفَكم، ولا تُقيمون له وزنًا!



بل نَحترم رأيَ غيرنا إن كان صوابًا؛ لأنَّ الحِكْمة ضالَّة المؤمن، أمَّا من يَكْرهون شرع خالقهم فما أسْفَهَ رأيَهم! وكيف أُقيم لهم وزنًا وهم يَسْخرون من أحكام ربِّهم؟! ألاَ تُنادون بحريَّة الرأي؟
فهذا رأيي فيمن يُحارب شرع الله، أمَّا إذا أردتَ أنَّنا نظلم مَن
يخالِفنا، فالإسلامُ يَمنع المسلمين مِن ذلك، أمَا رأيت كيف لَم يجلس أميرُ
المؤمنين عليٌّ مع اليهودي؛ لِنَهْي النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -
عن ذلك؟ ومع هذا لَم يظلِمْه، وكذلك قاضيه لَم يَحْكم له؛ لعدم توفُّر
الأدلة، مع أنه يُصدِّق أميرَ المؤمنين يقينًا، والقصصُ في هذا كثير، وما
ذلك منهم إلاَّ عملاً بأمر الله تعالى لهم: ﴿ وَلَا
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ
﴾ [المائدة: 8]؛ أيْ: لا يَحْملنَّكم بُغضُكم لقومٍ على ظلمهم؛ بل اعدِلوا معهم؛ فالعدل أقربُ إلى تقوى الله.

ثم تعال أخبرني، ما الحرية التي تبتغي في الليبراليَّة؟




حرية الرأيِ والفِكْر، والإبداعِ، والاعتقاد، أليس في القرآن: ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]؟



بلى،
ولكن إذا أكملتَ الآيةَ وجدتَ أنَّ الله قد حكمَ على الرُّشد بأنه رُشْد،
وعلى الغَيِّ بأنه غَي؛ فأنْ تكون حرًّا في اعتقادِ ما تشاء لا يُخرِجك من
دائرة الرُّشد والغي.



وأين: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]؟



يا أخي، لا تَجْتزئ الآيات، ألَم يتوعَّدِ الله الظَّالِمين في نفس هذه الآية بالنَّار، وبعدها وعَدَ المؤمنين بالخُلود في الجنَّات؟! فمَن ظلمَ نفسه بالكُفْر استحقَّ العقوبة، فكما صدَّقتَ صدر الآية، صَدِّق نِهايتَها.



هذه العقوبة ليست حقًّا لكم، وإنَّما هي في الآخرة، ولا أحدَ يدري مَن المَعفُوُّ عنه ومن المستحِقُّ للعذاب.



مَن
مات على كُفرِه فقد حكَم الله عليه أزَلاً بالخلود في النَّار، ولا مُعقِّب
لِحُكمِه سبحانه، أمَّا الذي يُعاقِب المسلمون عليه الكافرَ: فهو إذا بَغى
على أحَد، أو تَطاول على الإسلام، أو انتقص من شريعته، أو استهزأ بشيءٍ
يَمتُّ إليه بصِلَة، أو حاربَ المسلمين، فعليه عقوبةٌ في الدُّنيا قبل
الآخرة؛ إذا نَجا من أيدينا - بِماله أو سُلطانِه، أو بُعدِه عنَّا - فلن
يَنجُوَ من تنكيل الله به في الدُّنيا قبل الآخرة، وهذا الحكم ليس خاصًّا
بالكفار؛ بل إنَّ مَن فعَل ذلك من المسلمين عوقب عليه كعقوبة الكافر سواء.



أنا
معك في أنَّ الحرية لا بدَّ أن تُضبَط بضوابط، وإلاَّ كانت الفوضى؛
فحُريَّتِي وحُرِّيتك مضبوطتان بعدم مُخالفة الأعراف والتقاليد الخاصَّة
بكلِّ مجتمع.



معنى هذا أنَّ اللِّيبرالية تتغيَّر بتغيُّر الأعراف والتقاليد، فماذا لو صار الناس في مجتمعٍ ما: ظالِمين أو دَيايِثة، لا يَنتَصِفون لِمَظلوم، ولا يَغارون على عِرض؟! أتكون الليبراليَّة مُدافِعةً عن الظَّالِم أو منتهِكِ الحرُمات عندئذٍ؟




لا
تبتَعِدْ بنا؛ نحن نتكلم عن الليبرالية هنا، وهذا مجتمَعٌ إسلامي، والنَّاس
فيه عادلون وذَوُو نخوةٍ وإباء، وغَيْرةٍ على أعراضِهم؛ فالليبرالية هنا
جاءت لِتَحفظ حقوقَ الناس وحرياتهم، وتُنصِفَهم من أصحاب الفِكْر المتحجِّر
الذين لا يَقْبلون من أحدٍ كلامًا لا يوافق هواهم.



ولأنَّ هذا مجتمَعٌ
إسلامي؛ فالإسلام يُوجِب على المسلمين أن يُطبِّقوا أوامِرَه، وينفِّذوا
ما جاء في الآيات المُحكَمة، وفوقَ هذا يَحْفظ حقوقَ الناس، ويَرْعى
اختلافهم وتفاوُتَهم، ولا يَحْمل الناسَ على الدِّين قسرًا، فما الحاجة إلى
الليبراليَّة في مجتمعنا؟!






الليبرالية ضرورةٌ في كلِّ مجتمع؛ لِتَحفظ للنَّاس حقوقَهم، وهي متغيِّرة؛
لِتُراعي اختلافَ الناس باختلاف مجتمعاتهم، بخِلاف الأحكام في الإسلام.



يا
أخي، أحكامُ الإسلام ثابتة؛ لأنَّها مِن الله الخالق؛ فهو سبحانه يَعْلم ما
يُناسب خلقَه ويُصلِحهم، مهما تغيَّرَت مجتمعاتُهم، وتنوَّعت ثقافاتُهم،
فالأحكام ثابتة، ولكن قد تتغيَّر الفتاوى بناءً على تغيُّر الواقع، وذلك في
إطار عدَم مُخالفة الحكم الأصلي، ولا يوجد أحدٌ من الخلق يَستطيع أن يكتب
قانونًا يصلح لجميع البشَر، ولو اجتمع الخلقُ جميعًا على ذلك؛ لأنَّ الناس
كلَّ يوم يكتشفون شيئًا جديدًا من العلم، كان خافيًا على مَن سَبقَهم، فلا
يستطيع المُشرِّعُ من دون الله أن يَحْتاط لكلِّ مكتشَف جديد.



ولماذا لا يحاولون، ثُم يغيِّرون بناءً على ما يَكْتشفونه من جديدِ العلم؟





سيكون هذا اعترافًا منهم بِخَطأ القانون الذي أصدَروه قبل اكتشاف العلم
الجديد، ونَظلُّ مُنتقِلين مِن خطأ إلى خطأ، ثم إنَّ البشَر غيرُ معصومين،
ولا مُجرَّدين من الأهواء؛ فلا يوجد أحدٌ من البشر تستطيع أن تقول عنه:
إنَّه مُحايِد، أو رجلٌ "تَوافُقي"
لا خلاف عليه، بل كلُّ إنسانٍ له قناعاتُه التي ينطلق منها، ومِلَّتُه التي
ينتمي إليها ويدافِعُ عنها؛ فإذا أعطيناه حقَّ التشريع، انحازَ في كثيرٍ
من الأحكام إلى ما يعتقده مِن مُسلَّمات، أو إلى مصلحته ومصلحةِ أبناء
مِلَّتِه دون باقي البشَر.



لذا لا بُدَّ أن يجتمع من كلِّ طائفةٍ صَفوتُهم ومُفكِّروهم؛ حتَّى نتجنَّب هذه الإشكاليَّة.



لن
نَسْلَم حينها أيضًا من أن تَنْحاز هذه الصَّفوة أو النُّخبة إلى مَصالحها
الشخصيَّة، أو مَصالح ذَوِيهم وأقربائهم، دون سائر مَن يُمثِّلونَهم، فلا
مفرَّ من تسليم الإنسان بحقِّ التشريع لله وحده، لا يُشرِك معه أحدًا؛
فإنَّ هذا مِن مصلحة الإنسان نَفْسه؛ فالله لا يُحابِي أحدًا على أحد، فهل سلَّمتَ بذلك يا أخي؟




نعم،
نحن متفقون على أنَّ تشريع الخالق أفضَلُ من تشريع المخلوق، وما أعلَمُه
عن الليبراليَّة أنَّها لن تقف أمام مصلحة الإنسان حجرَ عثرة؛ لذا أعِدُك -
معَ بقائي على مذهبي - أنَّني لن أُوافق على قانونٍ يُخالف الشريعة
الإسلاميَّة، ولن أسمح بانتشار شيءٍ يأباه الإسلامُ على أرض هذا الوطن،
وسأظلُّ محافظًا على ذلك ما حييت، بل وداعيًا الناسَ إلى معرفة عظَمةِ
التَّشريع الإسلامي، ووجوب تطبيقه على التدرُّج.



إن كان هذا مُنتَهى الليبراليَّة، فهو طريقها إلى إعلان الإسلام لا مَحالة.






[1] "حسن السلوك الحافظ دولة الملوك"؛ شمس الدين ابن الموصلي (1 / 126 - 128).



[2] "السياسة الشرعية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية"؛ عبدالوهاب خلاف (1 / 33).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
طريق الليبرالية إلى إعلان الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  أفول الليبرالية (1/2)
»  الشبكة الليبرالية السعودية ومحاربة الإسلام... إلى متى؟!
»  الليبرالية... المذهب الرديء
»  سدل الستار على المسرحية الليبرالية
»  أفول الليبرالية (2/2)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: