اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  أزمة الطَّرح العلماني واللعبة المكشوفة!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
 أزمة الطَّرح العلماني واللعبة المكشوفة! Oooo14
 أزمة الطَّرح العلماني واللعبة المكشوفة! User_o10

 أزمة الطَّرح العلماني واللعبة المكشوفة! Empty
مُساهمةموضوع: أزمة الطَّرح العلماني واللعبة المكشوفة!    أزمة الطَّرح العلماني واللعبة المكشوفة! Emptyالثلاثاء 14 مايو 2013 - 19:49

إنَّ الحمد لله، نَحمدُه، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفُسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله؛ أمَّا بعدُ:

أهميَّة هذا الرِّسالة ليست علميَّة ذهنيَّة وفكريَّة باردة جامدة؛ بل هي تحمل جدِّيتها لكونها تصب في معالجة إشكاليَّة خطيرة على واقعنا ومستقبلنا، ذلك من خلال الوُقُوف على البضاعة الغربيَّة المنتحلة، وصورها الفضائحيَّة - التي يُرَوِّج لها نخبة من بني جِلْدتنا - لاستنباط دلالتها القدحيَّة وإيحاءاتِها الخطيرة وإسقاطها إسقاطًا معوجًّا على أبناء الأمَّة العربيَّة والإسلامية!

ولأنَّني أعتقد أنَّ الجهاز المفاهيمي الممسوخ وتطبيقاته على أرض الواقع، قنابل موقوتة وملغَّمة في منطقتنا العربيَّة والإسلاميَّة، وجزءٌ كبير منَ المعارك الفكريَّة سيكون معها، وبالتالي سيضيع معها الجهد - في الوقت الذي كان يجب أن يصرفَ الاهتمام إلى رقي وتنمية بلداننا بالتفكير الجاد.

وهي بالفعل إحدى خيارات الدول الشَّيطانيَّة من يهود ونصارى في طرحها كبدائل عن الإسلام الصَّحيح في هذا الإطار، إنَّنا مدعوون بقوَّة إلى فَهم هذه الحمولة المعرفيَّة عقديًّا، والاطلاع الواعي على السُّبُل العمليَّة المُتَبَنَّاة في إرسالها من خلال تغليفها بغلاف علمي!

وليت الذين يزعمون الفهم الدقيق، والتحليل والتفسير العميق، والذكاء السامق، والترسانة المعرفيَّة الضخمة! أن يهتموا بدراسة آليَّات عمل مؤسسة راند الأمريكية من خلال تقرير عنوانه: "الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والمصادر والإستراتيجيَّات"؛ الذي دعا فيه إلى ربط علاقات وطيدة ومتماسِكة مع القوى الإسلاميَّة المُحبَّة للغرب مثل: الصوفيينَ، والعِلْمانيينَ، والحداثيينَ)، والأسبوع المنظم من طرف الجامعات الأمريكيَّة تحت عنوان: "أسبوع أمريكي للتَّوعية" بما سموه زورًا وبهتانًا (الفاشية الإسلاميَّة!)، والمُؤَسَّسات الصِّهيَونِيَّة في فرض نفسها وتمرير نبوءاتها ومعتقداتها في داخل مجتمعاتنا، بدل اهتمامهم بلوك الكلام الفارغ من كل إفادة! (المشروع الحَدَاثي تارةً، والمشروع النهضوي تارةً أخرى) وهي في حقيقة الأمر ما هي إلاَّ مساحيق تجميليَّة يُرَاد من ورائها زعزعة عقيدة المسلم؛ وذلك بِلَيِّ أعناق النُّصوص الشَّرعية المحكمة لتَتَماشَى مع أُطرُوحاتِهم الوهميَّة، والذي مبناه على التَّأمُّل الذَّاتيّ، والاستشراف الوهمي، والتَّبَجُّح بمعرفة أسماء الكُتُب السياسيَّة الظرفية المموهة والموغلة في المُغَالَطَات! وحقّ فيهم قول رب العزة: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 6، 7]، فقد أوضح - جَلَّ وعَلا - في هذه الآية الكريمة أنَّ "أكثر الناس لا يعلمون"؛ ويدخل فيهم أصحاب هذه العُلُوم الدنيويَّة دخولاً أوَّليًّا، فقد نفى عنهم - جَلَّ وعَلا - اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل؛ لأنَّهم لا يعلمون شيئًا عمَّن خلقهم، فأبرزهم منَ العدم إلى الوجود[1].

وإن كانوا فعلاً يتبنون العلمية في الطرح! فلْيَرجعوا إلى دارسي حضارات التاريخ الذين تَبَيَّنوا أنَّ أي حضارات كان مبناها الأول على أسس دينيَّة وإيمانيَّة؛ يقول (وول ديورانت): "إنَّه وإن وجدت حضارات بغير بناء وعمارة إلاَّ أنَّه لم توجد حضارة من غير معابد"، ويثبت هذا أنَّ حركة الإنسان لا يمكن أن تنطلق إلاَّ من أساس إيماني، وما أروع كلام عمر بن الخطاب الصَّحابي الجليل - رضي الله عنه -: "كنَّا أذل قوم فأعَزَّنا الله بالإسلام، ومهْما ابتغينا العِزَّة بغير الإسلام أَذَلَّنا الله"؛ عجبًا والله!! لِمَ لَمْ نأخذ الدروس والعبر من هؤلاء الشُّموخ والجبال المُحَصَّنَة التي أَثْرَت الثقافة الإسلاميَّة بله الإنسانيَّة عامَّة، وهذا القول ليس العودة للوراء والبكاء على الأطلال، أو أن تنزل الأمَّة منزلة هذا (الهيرغليف) الذي قبره المصريونَ في الأحجار -حاشا لله - وهذا القول أيضًا ليس تقليلاً للجوانب الإنسانيَّة الأخرى كحاجة الإنسان للمال وامتلاك ناصية العلم، ومُوَاكَبة مُستجَدات التَّطَوُّر التكنولوجي وتوفير المواد الاستهلاكيَّة، وحب الغَلَبَة والسَّيطَرة وإعداد العدَّة والتَّخطيط السليم الذي يعود على الأمَّة بالنَّفع العام، كلاَّ؛ ولكن لا يمكن أن تعطيَ هذه الأمور آثارها وأكلها في حركة الإنسان إلاَّ إذا طُبِعَتْ بثوب الإسلام البعيد عن كل المزايدات والتَّأويلات المُلَفَّقَة! التي ظاهرها الرحمة وباطنُها من قبلها العذاب والتَّشويه بسُمْعة الأمَّة الإسلاميَّة، والتشجيع على تَشَرذُمها؛ ليصفوَ الجو للكيان الصِّهيَونِي الغاصب!

رَحمَ الله الشاعر العربي إذ يقول:
يَجْرِي عَلَى الحَاضِرِ حُكْمُ الغَائِبِ فَيَثْبُتُ الحَقُّ بِسَهْمٍ صَائِبِ
ويقول آخر:
آيَاتُهُ تُنْبِيكَ عَنْ أَخْبَارِهِ حَتَّى كَأَنَّكَ بِالعِيَانِ تَرَاهُ
وهناك اتجاه - منَ الدَّاخل والخارج - قوي لترسيخ مبدأ الصِّراع على أساس إسلامي، وأنَّ الحياة قد استَقَرَّ أمرها على تبنِّي الحرية الإنسانية - الليبراليَّة - في كل شؤون الدُّنيا ولا دور للأديان فيها، وقد انتهى عصر العقائد - الأيديولوجيا - ومن هذه الكتب التي أحدثت أصداء واسعة في هذا الاتجاه ورَوَّجَ لها الإعلام الغربي والعربي - المرئي والمكتوب - كتاب الياباني الأصل الأمريكي الجنسية، (فرانسيس فوكوياما) المسمى "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، الذي يعلن فيه سقوط العقائد (ويستثني الإسلام ببعض بقاياه الدينيَّة والخلقيَّة)، والانتصار النهائي لليبراليَّة - حرية الاختيار في السياسة والاقتصاد والاجتماع - ومقولة "صدام الحضارات" (لصمويل هنتجتون) وقد صدر العديد منَ الكتب التي تنعى العقائد والتَّمَسُّك بالهُوِيَّة منها: كتاب "النفس المبتورة هاجس الغرب في مجتمعاتنا" للمستغرب الإيراني (داريوش شايغان)، وله في هذا الاتجاه نفسه كتاب "أوهام الهُوِيَّة"، وهذان الكتابان يُمَثِّلان صورةً نموذجيَّة لجهود المستغربين في إسقاط الهُويَّات في داخل مجتمعاتنا، ومنَ المؤسف أنَّ المعممينَ في داخل إسلامنا يمارسون - صوت سيّده - في ترديد شعارات ومصطلحات، التي تنزل علينا منَ الغرب تترَا، واحدة تَتَبَنَّاها، وأخرى تسقطها على الثُّلَّة المنبوذة - من طرف الغرب والعلمانيينَ - التي تجدف في الاتجاه المعاكس لموجتها الظالمة، بصيغة أخرى تضفي عليها أنواعًا من التزيينات الموحية: كالتقدم، والتطور، والبناء، والتنوير، والتجديد، والتحديث، والعلمية، والمنطقية... إلخ، في حين تقذف المبادئ والثَّوابت الشَّرعيَّة بأبلغ أنواع السباب والشتائم والأوصاف المقذعة مثل: الرجعية، والغيبية، والميتافيزيقا، والتخلُّف، والجمود، والتحجّر، والتقوقع، والظلامية، والسلبية، والتعصب، وأخواتها من الأصولية والإسلام السياسي، وأنَّ الحرب بيننا وبين اليهود ليستْ دينيَّة؛ ولكنها حرب على حقوق ذاتية؛ لذلك سعوا إلى فتح شراكات تفوق التطبيع إلى التضبيع! وأن الفتح الإسلامي نموذج من نماذج الاستعمار! وأنَّ الإسلام يجب أن يُسحَبَ البساط من تحت أقدامه بشكل تدريجي في البلدان الإسلامية ليبقى اسمه كما هو الشأن في البوسنة التي حوَّلوها إلى كومة من الأشباح التاريخية والكوابيس الخيالية! ولكن: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} [طه: 135]، فهل نَعِي الدرس!

وليطمئن إخواننا "العلمانيّينَ الجزئيينَ" على حد تعبير الدكتور عبدالوهاب المسيري - رحمه الله - "الذين زُيِّنَ لهم سوءُ عملهم فرأَوْه حسنًا، وممن بقيَ في قلبهم حب الإيمان والإسلام الذين يدعون فصل السياسة فقط عن الدين، وليس العلمانيينَ المتطرفين الاستِئْصاليين الذين يسعون إلى اقتلاع الإسلام من جذوره!" أنَّ الثقافة الغربيَّة التي يَتَشَدَّقون بها ويتبعونها حذْو القُذَّة بالقُذَّة لا تميّز ألبتة بين المُوَالِي وبين المُعَادي! فَهُم في الكفَّة سواء؛ يقول (مراد هوفمان) في كتابه "رحلة إلى مكة": "إنَّ الغربَ يَتَسامَح مع كل المُعتَقَدات والمِلل، حتى مع عَبَدَةِ الشيطان؛ ولكنَّه لا يُظْهِر أي تسامح مع المسلمين، فكل شيء مسموح إلاَّ أن تكونَ مسلمًا"؛ حتَّى بالرَّغم من ركوع بعض العلمانيينَ من أمثال (أركون) أمام أصنام الفكر الغربي، فالغرب لا يرضى منه إلاَّ السجود، ولأنَّ الحقيقة العلميَّة لها وقع وتأثير في العقول الواعية التي لم تتلطخ بالتَّبعيَّة، وتقليد الغير في خطواتها ومسيرة حياتها.

ولَعَلَّ هذه الأَسْطر تكون بمثابة مراجعة نقديَّة:
أولاً: لما نلاحظه من هَجَمَات العلمانيين الذين يَتَشَبَّهُون - على حد تعبير المثل الفرنسي - بالشجرة التي تحاول إخفاء الغابة، فعلاً غابة منَ المسلمينَ الذين تَشَبَّعوا بالعقيدة الإسلاميَّة؛ وإن وجد هنالكَ تَزَحزُحًا فسرعان ما يصطدم ذلك الفكر المعوجّ مع العقيدة السَّليمة الصَّلدَة، فيضطر إلى المُراجعة وتغيير الاتجاه نحو الأصوب!

وثانيًا: لما نلاحظه في المُنَاخ الدِّيني المُضطرب، فيعود المناخ إلى أصالته ونقائه، بعيدًا عن ضجيج الإعلام والخطابات السياسوية والقوالب التَّنظيميَّة المُصطَنَعة.

والحق يُقال أيضًا: إنَّ العلمانيّين العرب والمسلمين لم يأخُذُوا منَ الغرب في نشر الأفكار العلمانيَّة في المُجتَمَعات العربيَّة والإسلاميَّة إلاَّ قشورها، وليس الأصل الذي يقوم على أساس العدل وحفظ الحقوق، فروجوا للإباحية أكثر، وللفسق والفجور بشكل أطم. ونقلوا أعفن ما وصل إليه الغرب في مجال الأخلاق! فحتى تكون علْمانيًّا يَتَوَجَّب عليكَ أن تفنّد صدق رسالة القرآن - كما فعل طه حسين، ونصر حامد أبو زيد - التي يؤمن بها ما يفوقُ المليار مسلم! ولتكون ممَّن يَتَبَنَّى المبادئ العلمانيَّة فيَتَوَجَّب عليكَ تسفيه مُعتَقَدَات النَّاس والهزء بأفكارهم وعاداتهم وما اعتادوه من تقاليد وقيم راسخة! وحتى تكون قياديًّا علمانيًّا فيجب عليكَ أن تسفّه آراء الرَّسول الكريم - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - بِدَعْوَى أنَّه يُمَثِّل اتّجاهًا "قرآنيًّا" (وهو في هذا المضمار ليس من أهل القرآن ولا من أهل السّنَّة، عجبًا!! كيف يمكن فَهم القرآن وتعاليمه وفرائضه لولا السُّنَّة المُبينة؛ فَلْيَتَدَبّروا قول الله تعالى وهو منَ القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، كيف يمكن أن تحط من قدره سواء بالكلمة أو برسم كاريكاتوري!

ويؤسفنا - كما قال الدكتور عبدالعزيز كامل - بعد هذا أن نجدَ من بني جِلْدتنا مَن يجعل مِن نفسه منصَّة تنطلق منها صواريخ الدَّمار الفكري الشامل القادم من أوربا وأمريكا، صوب أراضينا المكشوفة وسماواتنا المفتوحة، مُتَعَلِّلين بحريتهم في الفكر والفعل.

فعلاً هؤلاءِ العلمانِيُّون، أدْخَلُوا سُمُومهم الثَّقافية وَدَسّوها في بطون كتبهم، ونَشَرُوها عبر وسائل الإعلام على حين غفلة من أهلها أو كما سَمَّاها مالك بن نبي - رحمه الله - القابليَّة للاستعمار، فيقولون: الإسلام غير السياسة وغير الاجتماع البشري وغير الاقتصاد وغير الثقافة وغير التاريخ وغير المعاملات، أهو هذه الركعات والصلوات في المسجد؟ ألهذا - أيها العلمانيون - نَزَل القرآن نظامًا متكاملاً مُفَصلاً؟ {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 75]، ألم يعلموا أنَّ النَّبيَّ الكريم - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - عَرَّفَنا حتى كيفيَّة قضاء الحاجة!

ولكن، أعتقد أنَّ الأحداث قد علَّمت المسلمينَ أن يخرجوا من دائرة العاطفة الجوفاء[2] إلى دائرة البحث عن خطة، عن طريق، عن منهج يمكن به تفادي الوقوع في الأخطاء مرة أخرى، بعد أن تكشَّفت لهم حقائق كثيرة عن هؤلاء العلمانيين، ربما كانوا يجهلونها، ووضَحَتْ لهم وجوه ربما كانوا يحسنون الظَّن بها، وهي تُخْفِي في أعماقها الرَّغبة في تدميرهم والقضاء على كيانهم. {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران: 119].

لهذا فالفكر الإسلامي الذي أخذ خلاصة الوحي الرباني كله، الذي أنزل على الرسل والأنبياء، واستصفاه من مصدريْه: القرآن، والسنة - نورًا على طريق البشريَّة كلها إلى يوم القيامة، فكان لا بُدَّ أن يواجه من الدَّعوات والملل والنِّحَل والمناهج البشريَّة وقبائل منَ الرَّأي، وهي التي عجزت عنِ العطاء وأسقطتها المُتَغَيرات. وكان آخر ذلك سقوط قلاع الاشتراكيَّة. فأسقطت هذه المناهج في مسقط رأسها وفي بلادها التي صاغتها، وأعلنت البشريَّة منذ سنوات طويلة أنَّها في حاجة إلى منهج جديد ينقذها من براثن هذا النظام؛ فسقوط الماركسيَّة على النحو الذي حَدَث قد كشف عن عجز الأيدلوجيَّات البشريَّة عن العطاء؛ حتى إنها بعد سبعين عامًا من سيطرتها على مجرى الأحداث، ومن خلال فلسفة عريضة خالفت فيها مناهج الفطرة وعارضت حقائق الدين ومفاهيم العلم، وحاولت أن تشقَّ طريقها ضد التَّيَّار فعجزت وحاصرتها الأحداث، وقصفتها الرياح وأسقطت منهجها وحَطَّمَت شراعها.

من هنا نخلص إلى مقولة نفيسة ورَقْرَاقَة لأبي حيان في كتابه "الإمتاع والمؤانسة" (1/128): "إنَّ الشَّريعة متى فصلت من السِّياسة كانت ناقصة، والسِّياسة متى عريت منَ الشَّريعة كانت ناقصة".

وأقول أنا شخصيًّا: متى فصلت الشَّريعة عن الحياة ككل - وليس فقط السِّياسة - كانت كلها خداجًا وفوضى عارمة، ومرتعًا واسعًا لكل من هَبَّ ودَبَّ للتَّطَاول السَّافر على الدِّين الإسلامي، ولا يعني هذا أنَّ الإسلامَ كله زَوَاجر ورَوَادع، كلاَّ؛ بل الإسلام فسح مجالاً واسعًا للإنسان المسلم، وأرسل له هذا الدين الذي ينظمه ويوجهه انطلاقًا من القاعدة الأصولية التي تقول: (الأصل في العادات الإباحة حتى يرد المنع).

المشكلة إذًا عند هؤلاءِ العلمانيين أنهم يجترّون ويتشربون ما يلفظه الغرب دون أن يميزوا بين ما يناسب ثقافتنا وما يتنافى معها أخذًا بمقولة (أرنولد توينبي): "إنَّ الحضارات تؤخذ كلها أو تترك كلها"، نجد هذا الطرح وهذا التوجيه في ضرورة أخذ الحضارة كلها منَ الغرب في فترة مُبَكِّرة من أطروحات المتغربين من أمثال طه حسين، وسلامة موسى، ثم الجيل الثاني مع الدكتور نجيب محمود وغيره، ثم الجيل الحالي الذي يتزعمه نصر حامد أبو زيد، ومحمد أركون، وعبدالله العروي... والقائمة تطول.

ولكن تصفح الكتب التاريخية يُبَيِّن أنه على المستوى العملي الواقعي أنَّ الحضارات الأوربيَّة وفي بدء انطلاق النهضة الأوربية، تَبَنَّت مبدأ الانتقاء، فقد رفضت كل ما يتنافى مع الأسس والثوابت المميزة لها، في حين أن المسلمين في مرحلة تقهقرها تَبَنَّت مبدأ الابتلاع على حد تعبير جبران خليل جبران الذي يقول في وصفه العلاقة بين الشرق الغرب:" قلد الغرب الشرق؛ بحيث مضغ وحول الصالح مما اقتبسه إلى كيانه، أمَّا الشرق فإنَّه اليوم يُقَلِّد الغرب، فيتناول ما يطبخه الغربيون ويبتلعه دون أن يحوله إلى كيانه؛ بل إنَّه على العكس يحول كيانه إلى كيان غربي، فيبدو أشبه بشيخ هرم فقد أضراسه، أو بطفل لا أضراس له" هاهنا، ألا يجدر بنا الأخذ بالتوجيه النبوي الذي يحث على الأخذ بالحكمة أنَّى كانت واعتبارها ضالَّة المؤمن، أينما وجدها التقطها وطبَّقها على سلوكه، وأفاد منها في حركة الواقع، بشرط أن تكونَ حكمة حقًّا ومفيدة حقًّا، وهي قد تكون وسيلة ماديَّة أو فكرة عمليَّة! فقد قال الإمام محمد بن سيرين - رحمه الله -: "إنَّ هذا العلم دين؛ فانظروا عمَّن تأخذون دينكم"، لماذا لا نستفيد مما قامت به فرنسا بلد الحريات - كما يزعمون - في تعاملها مع كتاب "أطلس الخلق" للباحث الإسلامي التركي الجنسيَّة المشهور (هارون يحيى)؛ فبعد أن تَلَقَّت وزارة التعليم الفرنسيَّة مئات الاستفسارات حول الكتاب ذي الصِّبغة الإسلاميَّة، والذي اعتبر في فرنسا بمثابة صاعقة وهجوم علمي على فرضية النُّشوء والارتقاء "الدَّاروينيَّة"، والتي تقوم عليها المناهج التَّعليميَّة والتَّربويَّة في العديد من دول العالم، باعتِبارها حقيقة علميَّة مُسَلَّمًا بها، تَمَّ تسليم الكتاب والاستفسارات لمُتَخَصصين وبدأ التحقيق؛ إذ ساد الاعتِقاد بارتِباط نشره في فرنسا بوجود أكبر جالية مسلمة في أوربا وعلى أرض فرنسا، الظَّن الذي تَبَدَّد بعد التَّأَكُّد من عشوائيَّة التوزيع، حيث شمل مختلف مناطق البلاد، بغَضِّ النظر عن التَّقسيم الدِّيني للسُّكَّان.

بينما وصفت مجلة (New Scientist) الأمريكية الكاتب بـ"البطل الدولي" لجهوده الضَّخمة في تفنيد مزاعم التَّطَوُّر، اجتاح الزلزال الفكري للكتاب الأكاديميات العلمية الفرنسيَّة؛ فأثار حفيظة أعداء حقيقة الخلق من ماديين ودَاروينيين، وعمدوا إلى الضغط على الحكومة لحظْرِ الكتاب. وبالفعل صدر بيان يَحظر تداول كتاب "أطلس الخلق"، ويُؤَكِّد أنَّه "لا مكان له في المدارس الفرنسية" ولو في خزاناتها[3].

من أعضل الأمور وأشدّها التباسًا أن لا يكون ممن يدَّعي النخبوية في العلم والفكر غير قادر على أن يقيس ببيانه أو علمه المطارحة الغربية ويستفيد من أسْياده هؤلاء؛ لكن للأسف، يريد العلمانيونَ منَّا أن نلبس لبوس الغرب بقدِّه وقديده، وغثِّه وسمينه، ويرفعون شعار لتكون متقدِّمًا، لا بد أن تسلخ جلدكَ وتلبس جلد الأوربي والغربي، بل تغير ذاتك أيضًا!

ألا يجدر بنا مراجعة ذواتنا وأولوياتنا والانطلاق من ديننا وقِيَمنا، بدلاً منَ الجري وراء السَّرَاب والاشتغال بالأحلام الزائفة، أو التَّغلغل في سِرْداب مُظلم - أو بالتعبير النبوي - دخول جحر ضب خلف من دخلوا واختنقوا وهلكوا؟!

ويكفي منَ القلادة ما يحيط بالعنق، نرجو من الناظر في رسالَتِنا هذه ومن هذا المنبر الجاد، أن يمحي عن قلبه ما عسى أن يكون قد سدل من إشكال به!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] قد صادفت في هذا الباب مجموعة من العلمانيين، يتطاولون على الدين الحنيف، وإذا سألته مثلاً عن فرائض الوضوء يعجز عن الكلام!! وليس معنى هذا أنني أدعو إلى تهميش العلوم الدنيوية، كلا؛ بل هي من الفروض الكفائية إذا قام بها البعض سقطت عن الآخرين، بل تأثم الأمة - كما تعلَّمنا من علمائنا الأجلاء - إذا انعدم من يقوم بهذا الدور؛ لكن شرط استغلال هذه العلوم الدنيوية في خدمة الإسلام والسير به إلى أرحب أفق العلم والمعرفة والمعاملة الحسنة، ومن غرائب هؤلاء العلمانيين ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين؛ ولا أدل على ذلك من أنهم استطاعوا أن يبعدوا الناس عن التعمق في العلمانية ليكتشفوا فشلها، وذلك بأن شغلوهم بالشعارات الجميلة، والأهداف العامَّة، والاختباء خلف العلم المادي والديمقراطية والعقلانية وتوجيه الاتهامات الكثيرة لخصومها، وخاصة للاتجاه الإسلامي: فإذا كان الاتجاه الإسلامي على علاقة طيبة مع حكومة عربية، اتهم بأن هذا تحالف مع الاستبداد والانتهازية والمتاجرة بالدين، واتّهم علماء الإسلام بأنهم وعاظ السلاطين، وإذا فعل العلمانيون ذلك قالوا: هو تعاون لمصلحة الشعب، ومُحاولة إصلاح منَ الداخل، وتفويت الفرصة على أعداء الوطن الخارجيين. أما إذا حمل الاتجاه الإسلامي السلاح على المحتل (حماس مثلاً) فإنَّهم يتَّهمونه بالإرهاب، والتطرف، وبأنهم خوارج، ومن تنظيم القاعدة، وأن هدفهم كرسي الحكم، ولو فعلوا هم ذلك، وصفوه بأنَّه كفاح وثورة، وما أقوله ليس افتراضات؛ بل واقعًا شاهدناه خلال السنوات الماضية، ولا شك في أن هذه العقلية العلمانيَّة لا تصلح للبناء والإصلاح؛ لأنَّها تحتكم إلى الهوى وخدمة أغراضها الشَّخصية وشعارها :"أنا ومن بعدي الطوفان"! وبصريح العبارة: لم نجن منها سوى قبض الريح وحصاد الهشيم!
[2] أي الاستفادة من عثرات المسلمين ومن سيطرة فقهاء التَّخَلُّف - على حد تعبير المفكر الإسلامي توفيق الواعي - حيث يحذرنا التاريخ الإسلامي من فترات سيطرت فيه العقلية الفقهية المحنطة التي لا تواكب مستجدات العصر ولا ترغب؛ بله تخاف التغيير الاجتهادي؛ من ذلك لما تفلتت أوربا من جهلها وانطلقت وأخذت من الفكر الإسلامي ما أخذت واخترعت المطابع وسارت بذكرها الركبان، ونحَّت الكبت وعمت المعرفة، وكانت الدولة العثمانية قد تخلفت وتآكل الفهم والعقل فيها، فأرادت الخلافة استيراد المطابع من ألمانيا، فأفتى بعض الفقهاء بتحريم تلك المطابع وبعد أخذٍ وردّ سمح بها على ألا يطبع فيه القرآن الكريم لشرفه وفضله ولأن الأحبار التي يعمل بها لا يضمن طهارتها، كما تكررت نفس الفتاوى بالحل والحرمة في أشياء من البدهيَّات!
[3] "جريدة السبيل المغربية"، العدد27، 01 أكتوبر2007.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أزمة الطَّرح العلماني واللعبة المكشوفة!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  رجعية الفكر العلماني
» أزمة..!
» فرية "قبول الآخر" في الخطاب العلماني
»  فشل المشروع العلماني (حوار الأديان نموذجًا)
» التيار العلماني في الجزائر وعداوته للإسلام والعربية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: