اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الاستشراق والمستشرقون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100165
 الاستشراق والمستشرقون Oooo14
 الاستشراق والمستشرقون User_o10

 الاستشراق والمستشرقون Empty
مُساهمةموضوع: الاستشراق والمستشرقون    الاستشراق والمستشرقون Emptyالثلاثاء 14 مايو 2013 - 19:40

ما معنى الاستشراق؟

أطلق لفظ الاستشراق على المحاولة التي قام ويقوم بها بعضُ مفكري الغرب للوقوف على معالم الفكر الإسلامي وحضارته وثقافة الشرق وعلومه.

كما أطلق لفظ مستشرق على المفكرين المشتغلين بدراسة علوم الشرق وتاريخه وحضارته وأوضاعه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن المفيد أن يعرف القارئ الكريم أن مصطلح (الشرق) يرجع في أصل وضعه إلى مفكري الغرب، فهم الذين قسموا العالم إلى شرق وغرب، وقسموا الشرق إلى شرق أدنى وأوسط وأقصى، ويطلق لفظ الشرق عادة على المنطقة العربية وشعوب آسيا وأفريقيا، أما لفظ الشرق الأوسط فيطلق عادة على المنطقة العربية فقط، وفي العصر الحاضر أطلق لفظ العالم الثالث على تلك الشعوب التي كان يطلق عليها في الماضي العالم الشرقي، أو دول الشرق.

والذي يهمنا هنا بالدرجة الأولى هو ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط فقط أو المنطقة العربية بالذات، ذلك أن متابعة جهود المستشرقين خارج المنطقة العربية عمل فوق الطاقة الشخصية، وليس ذلك داخلا في خطتنا من هذه الدراسة، ولا يمثل ذلك هدفًا لنا الآن، كما أن دراسات المستشرقين المتعلقة بشعوب العالم الإسلامي من غير العرب كالهند وباكستان وإندونيسيا ودول شرق وجنوب شرق أسيا وأفريقيا، كانت في معظم أحوالها تسير على المنهج نفسه والطريقة نفسها التي كانوا يسلكونها في منطقة العالم العربي، وكان الهدف من محاولات المستشرقين وجهودهم في الدراسات التي قاموا بها في هذه المناطق كلها هو تطويق المد الإسلامي والعمل على انحساره ووقف نموه المطرد بين أبناء هذه الشعوب المتباعدة وإن كانت أعمالهم تبدو في معظم أحوالها في ثوب علمي أو أكاديمي، فإن ذلك ينبغي ألا يحجب عن أعيننا نياتهم الخفية التي صرح بها معظمهم في المؤلفات والمؤتمرات العلمية التي كانت تعقد بين الحين والحين لهذا الغرض.

أ - النشأة والتاريخ:
علاقة الاستشراق بالحروب الصليبية:
يربط كثير من الباحثين المهتمين بالدراسات الاستشراقية بين نشأة الاستشراق وبداية ظهوره وذلك الإخفاق الذريع الذي منيت به أوربا في الحروب الصليبية على يد صلاح الدين الأيوبي، ذلك أن الحملات الصليبية لم تحقق للغرب طموحاته، ولم تسعفه بالسيطرة على الشعوب العربية واستخلاص بيت المقدس من أيدي المسلمين، ومن الجدير بالذكر أن الحملات الصليبية المتكررة على العالم الإسلامي قد رفعت الصليب شعارًا لهذه الحرب لتعلن للعالم الأوربي أنها حرب دينية مقدسة من ناحية أسبابها ودوافعها، ومن ناحية غايتها وأهدافها، وما دامت هذه الحملات لم تحقق الهدف الذي قامت من أجله فلا بد من البحث عن بديل آخر، ولا بد من التفكير عن وسيلة أخرى -ربما كانت طويلة الأجل- تحقق لهم هدفهم من السيطرة على شعوب المنطقة وإخضاع العالم الإسلامي لنفوذهم الثقافي والحضاري ثم السياسي والاقتصادي، وكان الاستشراق هو ذلك البديل المتاح في حينها، ليحقق أحلام الغرب وأهدافه.

وإذا كانت فكرة السيطرة على العالم الإسلامي تمثل الهدف والغاية من نشأة الاستشراق، فإن ذلك لا يمنع أن يتجاوز الاستشراق هذا الهدف في مسيرته التاريخية إلى أهداف أخرى علمية أو حضارية أو ثقافية، لكن الذي أود أن ألفت النظر إليه أن الهدف الأسمى للاستشراق لم يغب عن ذهن المستشرقين لحظة واحدة، بل كان هو المحور والأساس الذي دارت حوله معظم دراسات المستشرقين التي قاموا بها حول الشرق وعلومه، وقد تختلف درجة وضوح هذا الهدف ووسيلة التعبير عنه من شخص إلى آخر ومن جيل إلى جيل من المستشرقين، إلا أن ذلك لم يكن سببه غياب الهدف عن ذهن هذا المستشرق أو ذاك، وإنما كان سببه يرجع إلى حظ المستشرق نفسه من الثقافة العربية ودرجة إتقانه لها، وذكائه في أسلوب التعبير عن غايته وهدفه، تصريحًا أو تلميحًا.

ولقد تغير أسلوب المواجهة بين العالم الإسلامي والغرب بعد الحروب الصليبية؛ فاحتلت الكلمة والحوار واستخدام المنهج العلمي المكانة الأولى في دراسة نفسية الشرق لمعرفة الأسلوب الأمثل للمواجهة، وكان ذلك بديلا عن المواجهة بالسلاح والقوة العسكرية.
ولقد فرض هذا الأسلوب الجديد في المواجهة العكوف على دراسة أحوال الشرق؛ لغته ودينه، حضارته وتاريخه، فلسفته وعلومه، عقيدته وأصولها، وأن توضع المناهج الدراسية المناسبة لاستكشاف عوامل هذه القوة الصلبة التي تكسرت عليها تلك الحملاتُ الصليبية المتكررة، ومحاولة فهمها وتحليلها تحليلا نفسيًّا لمواجهتها بأسلوب يختلف تمامًا عن المواجهة العسكرية.

ولما كان القائمون على أمر الحروب الصليبية والمحركون لها هم رجال الكنيسة وسدنتها، فإن ذلك جعل رجال الكنيسة في طليعة المهتمين بأمر الشرق ودراسة أحواله، ومن هنا فإن طليعة المستشرقين كانوا في معظمهم من القساوسة ورجال الدين المسيحي.

بداية الاستشراق وأسبابه:
1 - لا نستطيع الجزم بتحديد أول شخص نبتت في ذهنه فكرةُ الاستشراق وغزو الشرق من الداخل، إلا أن معظم المحققين لهذه المسألة يكادون يجمعون على أن بداية هذه الحركة نشأت في نهاية القرن العاشر الميلادي وأوائل القرن الحادي عشر بفرنسا، وأن الراهب الفرنسي (جرير دي أولياك 938 - 1003م) كان من أوائل المشتغلين بعلوم الشرق، وارتبطت باسمه بداية حركة الاستشراق، إذ رحل من فرنسا إلى أسبانيا مهد الحضارة الإسلامية في وقته، فتعلم فيها اللغة العربية ووقف على علوم العرب في الرياضيات والطب والكيمياء والفلسفة، كما قرأ بعض العلوم الدينية حتى قيل إنه كان أوسع علماء عصره معرفة بعلوم العرب، وخاصة في الرياضيات والفلك، ثم ارتحل إلى روما حيث اشتهر من بين أقرانه بمعرفته الواسعة باللغة العربية وعلومها، وانتخب حبرًا أعظم باسم سلفستر الثاني (999 - 1003م) وكان بذلك أول بابا فرنسي، واستطاع من خلال منصبه الجديد أن ينشئ مدرستين لتدريس اللغة العربية وعلومها، وكانت الأولى في روما مقر البابوية، والثانية في وطنه الأصلي "دايمس"، ثم أنشأ بعد ذلك مدرسة ثالثة تسمى مدرسة "شارتر" وقام هذا الراهب الفرنسي بترجمة بعض الكتب العربة في الرياضة والفلك، وإليه يرجع الفضل في انتشار الأعداد العربية في أوربا التي كانت ينقصها رقم الصفر، ولم تكن تعرفه حتى نقله إليها (جرير دي أولياك) من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية.

2 - ثم جاء بعده (قسطنطين الأفريقي 1087)، و(بطرس المحترم 1092 - 1156م) و(أرجو دي سانتلا 1107م) ثم (جيرارد كريمون 1114 - 1187م)، ثم تتابع رواد هذه الحركة وتكاثرت أعدادهم واختلفت جنسياتهم بحيث شملت معظم دول أوربا وأمريكا في العصر الحديث، وكان هؤلاء إذا عادوا إلى بلادهم عملوا على نشر علوم العرب بين أبناء وطنهم، إلى أن تطور الأمر بعد ذلك؛ إذ أنشأت الحكومات الأوربية في جامعاتها أقسامًا متخصصة لتدريس اللغة العربية وعلوم الشرق.

3 - ثم أخذت بعد ذلك حركة الاستشراق تنمو في اطراد مستمر حتى 1311 - 1312م، حيث عقد مؤتمر فينا الكنسي، وكان من أهم قراراته إنشاء كرسي للغة العبرية والعربية في معظم جامعات أوربا، فتأسس كرسي اللغة العربية في روما على نفقة الفاتيكان، وفي باريس على نفقة ملك فرنسا، وفي أكسفورد على نفقة ملك إنجلترا، ويرى كثير من المؤرخين لحركة الاستشراق أن هذا المؤتمر هو البداية المنظمة وشبه الرسمية للاستشراق، وما كان قبل ذلك إنما كان بمثابة الإرهاص لميلاد هذه الحركة، وتبع ذلك انتشار المدارس والمعاهد الاستشراقية المعنية بدراسة الشرق وعلومه الإسلامية بصفة خاصة.

ب - الدوافع والأهداف:
مما لا ريب فيه أن الحروب الصليبية قد تركت آثارها السيئة على نفسية الغرب، لكنها في الوقت نفسه قد فتحت أعين الغرب على الشرق وما فيه من علوم ومعارف وحضارة، ولقد واكب ذلك ما شهدته أوربا من حركة الإصلاح الديني وموقف الكنيسة من العلم والعلماء، ولقد فرضت هذه الظروف الجديدة على الكنيسة أن تعيد ترتيب أوراقها، وأن تعيد النظر في المفاهيم الدينية التي تتعامل بها مع العلماء، بحيث تعيد تأويل هذه المفاهيم بما لا يتعارض مع العلم، وترتب على هذه النزعة الإصلاحية أن أحس الغرب بحاجته إلى معرفة المزيد من علوم الشرق وثقافته، ومن هذه المواقف وغيرها كانت الدوافع والأهداف وراء حركة الاستشراق.

ونستطيع أن نوجز أهم هذه الدوافع فيما يلي:
1 - أسباب دينية:
لا يمكن إرجاع ظاهرة الاستشراق إلى عامل واحد فقط؛ وذلك نظرًا لاتساع نشاطه وتعدد أهدافه، ولكن الذي لا أشك فيه هو سيطرة السبب الديني على سائر أسبابه الأخرى، وفي هذه الدراسة الموجزة من النصوص ما يدل بيقين على صدق ما نقول من سيطرة السبب الديني وهيمنته على الأسباب الأخرى، ولقد سلك المستشرقون وسائل شتى لتحقيق هذا الهدف الديني، لكن كان أخطرها بلا شك التركيز على إثارة القضايا الخلافية في الفكر الإسلامي والعمل على إحياء الآراء الشاذة للفرق المغالية ليشغل المسلمون أنفسهم بها عن التفكير في عظائم الأمور، فعمدوا إلى إثارة الخلافات المذهبية والصوفية، كما ركزوا في دراساتهم على إحياء ألوان معينة من التراث الصوفي للغلاة من الصوفية؛ فتخصص الكثير منهم في تراث ابن عربي وابن سبعين والحلاج وذي النون المصري، وحاول بعضهم إحياء الخصومات التاريخية بين المعتزلة والأشاعرة أو بين المعتزلة والسلف.

أ - وهذا الهدف قد أعلنه المستشرقون قديمًا وحديثًا، ولم يجدوا في ذلك حرجًا ولا عيبًا، ولكن الحرج والعيب من وجهة نظرنا أن يرتاب بعض الباحثين من المسلمين في صدق الهدف ويشككوا فيه، ولقد صرح "هانوتو" بعد أن احتلت فرنسا الجزائر بما يلي: "لقد أصحبنا اليوم إزاء الإسلام والمسألة الإسلامية"، وكانت هذه العبارة عنوانًا لمقال كبير نشر مترجمًا باللغة العربية في جريدة المؤيد المصرية ونقل أطرافًا منه المرحوم د. محمد البهي في كتابه عن "الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار"، ومما جاء فيه: إنه لا يوجد مكان على ظهر الأرض إلا واجتاز الإسلام فيه حدوده منتشرًا في الآفاق، فهو الدين الوحيد الذي دخل الناس فيه زمرًا وأفواجًا، وهو الدين الوحيد الذي تفوق شدة الميل إليه والتدين به كل ميل إلى اعتناق دين سواه.. إن هذا الدين قائم الدعائم ثابت الأركان في أوربا عينها.. لقد صارت فرنسا في كل مكان في صلة مع الإسلام، بل صارت في صدر الإسلام وكبده.. ليس الإسلام في داخلنا فقط بل هو خارج عنا أيضًا، قريب منا في مراكش.. قريب منا في طرابلس الغرب.. قريب منا في مصر.. وهو شائع ومنتشر في آسيا.. ولا يزال الهلال (الإسلامي) ينتهي طرفاه من جهة بمدينة القسطنطينية ومن جهة أخرى ببلدة فاس في المغرب الأقصى معانقًا بذلك الغرب كله.

يقول هانوتو: إن هذا الدين قائم في الآستانة حيث عجزت الشعوب المسيحية عن استئصاله من هذا الركن المنيع الذي يحكم منه على البحار الشرقية ويفصل الدول الغربية بعضها عن بعض شطرين. ثم يعلن "هانوتو" صراحة أنه لا بد من العمل على إضعاف هذه الروح السائدة التي تحرك المسلمين من سباتهم..

إنهم متى اقتربوا من الكعبة، من البيت الحرام.. من ماء زمزم المقدس، من الحجر الأسود.. وحققوا بأنفسهم أمنيتهم العزيزة التي استحثتهم على ترك بلادهم في أقصى مدن العالم للفوز بجوار الخالق في بيته الحرام تشتعل جذوة الحمية الدينية في قلوبهم.. إن رابطة الإخاء الجامعة بين أفراد المسلمين كفيلة بأن تجعل المسلم في شرق الأرض يهب لنصرة المسلم في غربها فهي عامل مؤرق لفرنسا في المستعمرات التي تخضع لها.

ومن هنا فإن العمل على إضعاف هذه الرابطة بين المسلمين كانت وما زالت تمثل غاية وهدفًا لنشاط المستشرقين؛ وما كتبه "هانوتو" صرح به غيره. لقد كتب "كيمون" المستشرق الفرنسي في كتابه بثولوجيا الإسلام عن المسلمين وعن رسولهم صلى الله عليه وسلم بمثل ما صرح به "هانوتو" وزيادة، إذ وصف الرسول ووصف الإسلام بصفات يخجل القلم عن تسطيرها.

ب - إذا أضفنا إلى ذلك أن أول من اشتغل بعلوم الشرق بحثًا ودراسة كان راهبًا وقسيسًا ثم بابا لروما فيما بعد، كما أن معظم المشتغلين بعلوم الشرق قديمًا وحديثًا، معظمهم من رجال الكهنوت المسيحي واليهودي، ولا يمكن أن نتصور هؤلاء مجردين من عواطفهم الدينية، بل إنهم كانوا مدفوعين إلى هذا اللون من الدراسة بدافع الانتصار لدينهم، إن هذه النيات التي عبرت عنها نصوص أصحابها - وغيرها كثير - تجعلنا نثق في صدق سيطرة السبب الديني وهيمنته على الأسباب الأخرى، ومن هنا فقد تنوعت الدراسات الإسلامية عند المستشرقين وتعددت اهتماماتهم بالإسلام وحضارته، فمن دارس للعقيدة وأصولها، وللفقه وأصوله وللتاريخ وحضارته، وللقرآن وعلومه، وللحديث ورجاله، وللغة وآدابها، وللرسول وغزواته وعلاقته بأهل الكتاب في المدينة، واتبعوا في ذلك منهجًا نفسيًّا ركزوا خلاله على سر قوة المسلم ونقاط الضعف في العالم الإسلامي، ليسلبوا المسلم سر قوته ليصبح بعد ذلك لقمة سهلة التناول في أيديهم، يشكلون عقيدته حسب أهوائهم الصليبية، وحسب مكرهم السياسي والمذهبي، ولقد أفصح بعضُهم عن هذا الهدف في بعض المؤتمرات بقوله: "... لا نريد أن نرسل إلى الشرق جنودًا مسلحين، وإنما نريد لهم رسلا مبشرين بالنصرانية".

وهذه الأهداف التبشيرية كانت واضحة تمامًا في كتابات المستشرقين قديمًا وحديثًا مما مهد الطريق لحملات التبشير في العصر الحديث، إذ التقت أهداف الاستشراق والتبشير في العمل على بذر الشكوك حول عقيدة المسلم ورسوله، ليخرجوا المسلم عن دينه إن استطاعوا، فإذا عجزوا عن تحقيق هذا الهدف فلا أقل من أن يتركوه بلا دين ولا عقيدة كما صرح بذلك "زويمر"، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة/ 120].

2 - أسباب استعمارية:
لم يكن استيلاء صلاح الدين الأيوبي على بيت المقدس بالأمر الذي ينساه الغرب، بل إن الأمل في السيطرة عليه وتخليصه من أيدي المسلمين، ظل حلمًا وأملا للصليبين، ولذلك فإن الحملات الصليبية تكررت كثيرًا على بيت المقدس لتحقيق هذا الهدف، وكان من الوسائل التي سلكها الغرب لتحقيق هدفهم محاولة دراسة ما يتعلق بشؤون البلاد وأحوال الناس فيها، وهذا الأمر الذي قام به المستشرقون قد مهد السبيل للاستعمار لكي يحتل بلاد المسلمين بأيسر السبل وأقصرها معًا، فلم يكد ينتهي القرن التاسع عشر إلا وقد احتل الغرب معظم البلاد الإسلامية والعربية بصفة خاصة، فوضعت فرنسا يدها على سوريا ولبنان ومعظم دول شمال أفريقيا الإسلامية، ووضعت إنجلترا يدها على مصر والسودان والعراق والأردن وفلسطين وكثير من إمارات الخليج العربي واليمن، وبدأ الاستعمار يتعامل بأسلوب جديد مع شعوب هذه المناطق، إذ عمل على إضعاف روح المقاومة في نفوس المسلمين ليجعل منهم شعوبًا قابلة للاستعمار فكرًا وثقافة وحضارة وعقيدة، وهذا أخطر ما أصيب به العالم الإسلامي؛ قابليته للاستعمار بأشكاله وأساليبه الحديثة والمعاصرة.

وكان من أهم وسائل الاستعمار في ذلك ما يلي:
أ - التشكيك في ماضي هذه الأمة، في تراثها وحضارتها، حتى إذا فقد المسلم ثقته في نفسه أخذ يبحث له عن هوية وانتماء يعيد به ثقته في نفسه ويجد فيه الأمان المفقود، فيرتمي في أحضان الغرب تقليدًا واتباعًا، وظهرت مصطلحات: التنوير، التقدمية، كمسوغات لتقليد الغرب والارتماء في أحضانه.

ب - وضع مفاهيم جديدة وطرحها على الرأي العام من خلال أجهزة الإعلام التي نجح الاستعمارُ في استقطاب كثير من العاملين بها ليقوموا نيابةً عنهم بهذه المهمة، بقصد إضعاف روح الانتماء الإسلامي والعربي، فطرحوا الفكر القومي بدلا من الانتماء الإسلامي، فعملوا على إحياء الفرعونية في مصر، والفينيقية والآشورية في بلاد العراق والشام، والكردية والفارسية والتركية كل في موطنه، بعد أن كانت هذه الأقطار المترامية يجمعها رباط واحد هو الإسلام، وخلافة واحدة هي الخلافة العثمانية، ولقد روج المستشرقون ومن سار في ركبهم لهذه الروح الجاهلية التي كان القضاء عليها هدفًا من أهداف الإسلام وحل عقد الأمة بالقضاء على الخلافة العثمانية التي كانت رمزًا حيًّا لهذه الوحدة الإسلامية. واحتل الحديث عن القوميات مكان الصدارة بدلا من الحديث عن الانتماء الإسلامي والإخاء في الدين، وأصبحت الفرصة مواتية للاستعمار ليملأ الفراغ في هذه البلاد بعد سقوط الخلافة العثمانية، وأخذ يحتل البلد تلو الآخر حتى تمت له السيطرة على الأقطار الإسلامية شرقًا وغربًا ووضع يده على ثروات شعوبه، وأحكم القبضة على العالم الإسلامي، وكان له ما أراد بعد أن مهد الاستشراق له بخلقه روح القابلية للاستعمار وإضعافه روح الانتماء الديني بين المسلمين.

3 - أسباب اقتصادية:
كانت - وما زالت - ثروات الشرق وخيراته إحدى الأهداف التي سعى الغربُ للسيطرة عليها ووضعها تحت يده، وحرمان شعوب المنطقة منها، ولذلك فقد أنشئت الأسواقُ التجارية والمؤسسات المالية، وكان الحصول على هذه الثروات بأبخس الأثمان دافعًا قويًّا لحركة الاستشراق، ومن هنا أرسلت المؤسسات المالية المادية في الغرب من يتولى إدارة شؤونها في الشرق؛ فعينت المستشارين والمترجمين من المستشرقين، كما أخذ بعض المستشرقين المهتمين بالتراث العربي يعمل على تحقيقه ونشره والاستفادة منه، كما أنشأوا بعض المؤسسات المالية في دول الخليج واليمن، وكان بعض العاملين بها من المستشرقين الذين اهتموا بجمع المخطوطات العربية من المكتبات الخاصة من هذه البلاد الخليجية ونقلوها إلى أوربا، والذي يقرأ فهارس المخطوطات بالمتحف البريطاني وغيره يتبين له أن كثيرًا من تراثنا الإسلامي تحت أيديهم وفي حوزتهم.

4 - أسباب سياسية:
بعد حركة التحرير التي سادت شعوب المنطقة العربية حرَص الاستعمار على أن يكون له بين هذه الشعوب من يتولى تنفيذ مخططه والقيام على شؤون مصالحه، فعين في سفاراته وقنصلياته مستشارين لهم من ذوي الخبرة والمعرفة بشؤون الشرق وعلومه، وكان المستشرقون من أهم العناصر التي قامت بهذه المهمة، وكان نشاطهم السياسي ملحوظًا في جميع البلاد التي عملوا بها، وكان من أهم أعمالهم أن اتصلوا بكثير من المشتغلين بالثقافة والتعليم والإعلام في هذه المنطقة ليكونوا منهم ما يمكن أن نسميه بالطابور الخامس ليتولى نيابة عنهم نشرَ الأفكار التي يرغبون في إشاعتها بين الشعوب العربية؛ كالقوميات، وإحلال العامية بدلا من الفصحى، ومثالية النموذج الأوربي ووجوب الأخذ به... الخ، وكثيرًا ما كانت تقع الاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية، وكثيرًا ما كانت تتغير المناهج الدراسية والبرامج الثقافية في كثير من البلاد استجابةً لمصالح الغرب وتلبية لرغبة هؤلاء العلماء في البلاد الإسلامية، خاصة إذا عرفنا أن هذه الشخصيات كانت تتولى مناصب قيادية في أجهزة الحكم في بلادهم وبالذات في المجالات الثقافية والإعلامية والتربوية، وهذا لم تسلم منه بلد إسلامي تقريبًا، ولا يغيب عن الذهن ما فعله كرومر ودانلوب في المنطقة العربية في مطلع هذا القرن.

5 - أسباب علمية:
وقد نجد عددًا قليلا من المستشرقين طلبوا علوم الشرق وجدوا في تعرف حضارته طلبًا للمعرفة وحبًّا فيها، وهذا عدد قليل إذا قيس بأعداد المستشرقين الآخرين، وهذا النوع من المستشرقين يتميز بالروح العلمية النزيهة، والدقة في الأحكام العلمية والإنصاف فيها، ولا نعدم أن نجد بينهم من شهد للحضارة العربية بأثرها الرائد في الحضارة الأوربية المعاصرة وخاصة في العلوم الرياضية والتجريبية، وكثير منهم كتب مؤلفاته وبحوثه حول شخصيات إسلامية كانت رائدة في مجالات العلم المتعددة، ونجد بين هؤلاء من وصل به بحثه النزيه وروحه العلمية إلى اكتشاف الحقيقة فآمن بها وأعلنها، وقد يصل به الأمر في نهاية المطاف إلى أن يعلن إسلامه، ويعلم المتخصصون في هذا اللون من الدراسات أن هناك عددًا غير قليل من المستشرقين يتمتعون بهذه الروح العلمية النزيهة، وقد تحولوا بعد إسلامهم إلى جنود مدافعين عن الإسلام وقضاياه، وعن العالم الإسلامي ومشكلاته، غير أن هناك أمورًا يشترك فيها جميع المستشرقين وفيهم هذا النمط الأخير، فهم جميعًا قد يقعون في أخطاء علمية بسبب جهلهم بأساليب اللغة العربية وطرائق التعبير فيها، ويرتبون على فهمهم الخاطئ نتائج وأحكامًا خاطئة تبتعد بهم كثيرًا عن منطق الصواب والإنصاف، وقد يكون الفارق بين هذا النمط الأخير وغيرهم هو توفر حسن النية عند النمط الأخير الذي تميز بالإنصاف والنزاهة، وتوفر سوء القصد وعدم النزاهة عند غيرهم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الاستشراق والمستشرقون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مدارس الاستشراق المدرسة الأمريكية
» مدارس الاستشراق
» مدارس الاستشراق المدرسة الإيطالية
» مدارس الاستشراق المدرسة الإسبانية
» مدارس الاستشراق المدرسة الروسية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: