1- التوراة والعهد القديم:
يستمد اليهود تعاليمَهم من مصدرين: هما التوراة والتلمود، اللذين أعطيا النفس اليهودية خصوصيتها.
ينقسم الكتاب المقدس إلى قسمين:
أولاً: العهد القديم:
وهو الخاص بالعبادة اليهودية، ويضم تسعة وثلاثين سفرًا (كتابًا)، تبدأ بالتوراة، وتضم الأسفار الخمسة الأولى، ثم بقية الأسفار، وتمثل كتب أنبياء بني إسرائيل، وكلُّ سفر يتكون من عدد من الإصحاحات، وكل إصحاح يتكون من عدد من الآيات، وكلمة "توراة" تعني: الشريعةَ والتعليم، وهي تطلق مجازًا على العهد القديم بأكمله.
أسفار التوراة:
1- سفر التكوين (سفر الخلق): ويتكون من خمسين إصحاحًا (فصلاً)، ويحكي قصة خلق السموات والأرض وما فيها، وكذلك خلق الإنسان.
2- سفر الخروج: ويتكون من أربعين إصحاحًا، ويحكي قصة خروج بني إسرائيل من مصر، وصراع موسى مع فرعون وسحرته، وغرق فرعون، والتيه في سيناء.
3- سفر اللاويين: نسبة إلى "لاوي" الابن الثالث ليعقوب - عليه السلام - واللاويون هم الذين يتولون أمور الكهانة عند اليهود، ويحملون كلام موسى (التوراة)، وبقية كتب بني إسرائيل، ويضم سبعة وعشرين إصحاحًا.
4- سفر عدد: ويتكون من ستة وثلاثين إصحاحًا، وسمي بهذا الاسم لأن الرب – حسب زعمهم – طلب من موسى أن يحصي عشائر بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر إلى سيناء، وتقسيمهم حسب أسباطهم، كما يتحدث عن طقوس تقديم القرابين لدى بني إسرائيل.
5- سفر التثنية (الاستثناء): ويتكون من أربعة وثلاثين إصحاحًا، ويحتوي على بقية التعاليم التي أعطاها الرب إلى موسى – حسب اعتقادهم.
وهذه الأسفار الخمسة، والتي تكوِّن التوراة هي الجزء الأول والأهم من العهد القديم، والتي يقولون: إن موسى - عليه السلام - كتبها بيده، وسلمها لأبناء لاوي "وكتب موسى هذه التوراة، وسلَّمها لكهنة بني لاوي حاملي تابوت الرب"؛ (سفر التثنية، إصحاح 31: آية 9) (تثنية 9:31).
أما بقية أسفار كتاب العهد القديم، فتضم أربعة وثلاثين سفرًا، كتبها أنبياء بني إسرائيل بأيديهم - كما يقولون - وهي - في معظمها - سرد تاريخي لبني إسرائيل، مع بعض من التعاليم، عدا سفر المزايد، الذي ينسبونه إلى داود - عليه السلام - فهو عبارة عن أناشيد وابتهالات دينية.
ثانيًا: العهد الجديد:
ويتكون من سبعة وعشرين سفرًا، الأربعة الأولى منها هي الأناجيل النصرانية (متى، مرقص، لوقا، يوحنا)، والأسفار الباقية هي عبارة عن رسائل كتبها الحواريون.
نسخ العهد القديم:
أصول العهد القديم ثلاثة:
1- النسخة السامرية: وتحتوي على أسفار التوراة الخمسة، بالإضافة إلى سفرين آخرين؛ هما: سفر يوشع بن نون، وسفر قضاة.
2- النسخة اليونانية: وتتكون من تسعة وثلاثين سفرًا، بما فيها أسفار التوراة.
3- النسخة العبرية: وتتكون من تسعة وثلاثين سفرًا، بما فيها أسفار التوراة الخمسة.
ويستخدم اليهود النسخة السامرية أو النسخة العبرية، والنصارى يؤمنون بهذه النسخ على أنها تمثل العهد القديم من الكتاب المقدس، كل حسب ملَّته، فالأرثوذكس والكاثوليك يؤمنون بما في النسخ اليونانية، أما البروتستانت فيؤمنون بما في النسخة العبرية، ولا يعترف اليهود السامريون بما في النسخ اليونانية أو العبرية، عدا الأسفار التي تطابق تلك التي في نسختهم السامرية.
هل هذه النسخ تمثل كتابًا مقدسًا حقيقيًّا؟
والجواب يحتاج إلى تحليل علمي لما في هذه النسخ، ومقارنة ما جاء فيها، واختصارًا: عند التدقيق في هذه النسخ سنجد بينها اختلافات واضحة، كما سنجد معلومات متناقضة، تثبت أن هذه النسخة ليست كتابًا واحدًا أنزل من عند الله - سبحانه وتعالى - على أنبيائه.
ومن هذه الاختلافات:
أ- وجود نسخ متعددة ذوات روايات متناقضة لحادثة ما، وكذلك تحوي أسفارًا تختلف في عددها من نسخةٍ لأخرى.
ب- اختلفت النسخ الثلاث في عمر الإنسان على هذه الأرض اختلافًا كبيرًا، فالعبرية ترى أن عمر الإنسان من خلق آدم حتى ميلاد المسيح هو (4000) سنة، وتقدر النسخة اليونانية الفترة نفسها بـ 5872 سنة، أما السامرية فتعتبر الفترة 4700 سنة.
ج- تقدر النسخة العبرية الفترة من طوفان نوح حتى المسيح - عليهما السلام - بـ 2148سنة، بينما تقول اليونانية بأن هذه الفترة هي 3610 سنة، أما السامرية فترى أن الفترة تبلغ 3393 سنة.
وعلى الرغم تناقض الأرقام بين النسخ، فإن من المعلوم تاريخيًّا لدى علماء الآثار: أن حضارة وادي النيل بدأت قبل الميلاد بـ 5000 سنة، فكيف يفسر هذا التناقض لما ورد في النسختين العبرية والسامرية من أن عمر الإنسان بدأ بـ 4000 سنة و4700 سنة قبل ميلاد المسيح؟!
ثم إن المعلوم تاريخيًّا أن الطوفان غطى الأرض كلها، ومعلوم أن سكان وادي النيل هم من نسل حام بن نوح، بمعنى أن حضارة وادي النيل جاءت بعد طوفان نوح، فكيف نوفق بين عمر هذه الحضارة، وهو 5000 سنة، وأن طوفان نوح بدأ قبل ميلاد المسيح بمدة قدرتها نسخ الكتاب المقدس بين 2148 سنة (العبرية) و3610 (اليونانية)؟
د- التناقضات الواردة في أسفار النسخ الواحدة من الكتاب المقدس، ومن الأمثلة على ذلك:
1- تبدأ التناقضات بما جاء في سفر التكوين، حيث يقولون: إن إلههم (يهوه) غضِبَ على البشر، فقرر ألاَّ يزيدَ عمر الإنسان عن مائة وعشرين سنة (تك 3:6)، بينما نجد أن هناك أسماءً وردت في هذا السفر لأناس عاشوا أكثر من ذلك، مثل:
نوح - عليه السلام -: 950 سنة (تك 28:9)، سام بن نوح: (تك 20:11).
وغيرهم كثير، وفي عصرنا الحالي نجد هناك معمرين عاشوا أكثر من مائة وعشرين سنة.
2- تناقُض الكتاب المقدس يظهر مرة أخرى، حين نرى أن إله بني إسرائيل يأمر أمرين متناقضين، حين يأمر نوحًا - عليه السلام - بأخذ زوجين من البهائم والطير معه في الفلك (تك 18:6)، وفي موضع آخر من نفس السفر نراه يأمره بأخذ سبعة أزواج من البهائم والطير (تك 1:7)، وورد في سفر التكوين أن الطوفان دام أربعين يومًا (تك 12:7)، وفي موضع آخر من نفس السفر دام الطوفان مائة وخمسين يومًا (تك 7:7).
3- وعن المدة التي قضاها بنو إسرائيل في مصر، نجد أنها كانت أربعمائة سنة في سفر التكوين (تك 13:15)، وأربعمائة وثلاثين سنة في سفر الخروج (خر 45:12)، ويضع مؤرخون بروتستانت المدة التي قضاها بنو إسرائيل في مصر في حدود مائتين وعشرين سنة.
4- برغم اهتمام الإسرائيليين بالأسماء والألقاب؛ لصلتها بعقيدتهم، فإننا نجد تضاربًا في ذلك في العهد القديم، فمثلاً في سفر التكوين نجد أبناء بنيامين بن يعقوب (السبط الثاني عشر) بلغوا عشرة أبناء (تك 21:46)، بينما يضع سفر الأخبار عددهم مرة ثلاثة (أخ 6:7)، ومرة خمسة (أخ 1:
.
5- بينما يقول سفر عدد: "إن إله بني إسرائيل ليس إنسانًا فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم" (عدد 19:23)، نجد أن هذا الإله يندم على خلق الإنسان في الأرض (تل 20:
، ويندم على إرسال الجراد على بني إسرائيل كما في سفر عاموس (ع 1:7).
6- تحرم الشريعة اليهودية الزنا، كما جاء في سفر التثنية: "لا يدخل ابن زنا في جماعة الرب حتى الجيل العاشر" (تث 2:23).
إلا أن التوراة تروي قصة زنا أحد أسباط إسرائيل (يهوذا) بأرملة ابنه، وكانت الثمرة توءمين؛ أحدهما اسمه "فارص"، ومن نسله داود - عليه السلام - وهو الجيل العاشر، وصاحب المزامير الذي ورد ذكره في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، فكيف دخل داود - ومن قبله أبناء وأحفاد فارص - في جماعة الرب، إذا كانوا أبناء زنا حسب شريعتهم؟!
7- وفي سفر صمويل (صم 1:24) يقولون: إن الرب أمر داود بإحصاء بني إسرائيل ويهوذا، ثم يصدر نفس الأمر إلى داود في سفر الأخبار، ولكن ليس من الرب، ولكن من الشيطان (أخ 1:21)، ولم ينتبه كتبة العهد القديم إلى الفرق بين إله بني إسرائيل والشيطان.
ومتناقضات كثيرة نجدها في العهد القديم، تجعله كتاب أساطير وهرطقات، وليس كتابًا مقدسًا، وصدق الله العظيم: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78].
وإذا كان موسى - عليه السلام - هو كاتب التوراة، فإن قراءة في سفر التثنية، الإصحاح 34 تظهر لنا زيف هذا الإدعاء: "فمات موسى عبدالرب في أرض مؤاب، حسب قول الرب، ودفنه في الأجواء في أرض مؤاب، ولم يعرف إنسان قبره إلى اليوم"؛ (تث 9:34).
وكيف أكمل موسى هذا السفر حتى نهايته وهو ميت؟ وكيف قال عن نفسه: فمات موسى؟!
ويرى الباحثون أمثال "وول ديدرانت"، والمؤرخ "هرنسكو"، والدكتور "تيودور روبنسون" أن التوراة التي جاء بها موسى - عليه السلام - تنحصر في الوصايا العشر، المفصلة في الإصحاح الخامس من سفر التثنية، والمدون على الألواح، وأن ما عداها مختلق، ومن عمل الخيال، وكتبها الكاهن "عيزرا" في القرن الخامس قبل الميلاد؛ لكي تتلاءم مع الظروف والمحن التي مر بها اليهود عبر التاريخ، والتي زلزلت العقيدة في نفوسهم، وأفقدتهم ثقتهم بإلهم "يهوه".
أثر تعاليم العهد القديم على النفسية اليهودية:
تشربت النفس اليهودية بما ورد في التوراة، وبقية أسفار العهد القديم المحرفة من تعاليم، وقد صاغت هذه التعاليم النفسَ اليهودية، وجعلت منها نفسية مريضة، مليئة بالحقد والكراهية لكل ما هو غير يهودي عبر تاريخها الطويل، منذ الخروج من مصر وحتى اليوم؛ لذلك صاحَبَ اليهودَ دائمًا الشعورُ بالفوقية على الأمم الأخرى، ورسم هذا الشعور لديهم الحاجة إلى أن يكونوا شعبًا متميزًا، لهم ما ليس للأمم الأخرى ثقافيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وعسكريًّا.
1- شعب الله المختار:
يتوهم اليهود أنهم شعب الله الذي اختصَّه برعايته دون العالم أجمع، وأن الله قد خلق بقية البشر من أجل مصلحة بني إسرائيل: "وخلق الله بقية البشر؛ لتعمر الأرض؛ حتى لا تكثر الوحوش في الأرض، فتهاجم بني إسرائيل"؛ (خر 28:23)، "إياك قد اختار الربُّ إلهك؛ لتكون له شعبًا أخصَّ من جميع الشعوب التي على وجه الأرض"؛ (تث 6:7).
2- أرض الميعاد:
كشعب مميز لدى الرب، يرى بنو إسرائيل ضرورةَ وجود مكان مميز لهذا الشعب، وهذا المكان هو الوعد الذي قطع الله بني إسرائيل لإبراهيم - عليه السلام -: "قطع الرب مع إبرام (إبراهيم) ميثاقًا قائلاً: لِنسْلِك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات"؛ (تك: 18:15).
وهذه في نظرهم هي مملكة يهودا الكبرى، ولكنها تبدأ من فلسطين، فقد جاء في سفر المزامير "على أنهار بابل جلسنا وبكينا عندما تذكرنا صهيون، ومعذبونا سألونا فرحي: رنموا لنا ترنيمات صهيون، كيف نرنم ترنيمة الرب في أرض غريبة؟!"؛ (مز 1:137).
وجاء في سفر أشعيا: "جزاء الله أن يأتي ويخلصكم، ومعذبو الرب يرجعون إلى صهيون بترنم وفرح أبدي"؛ (أشعيا 1:35).
3- الغاية تبرر الواسطة:
للوصول إلى غاياتهم؛ يسلك اليهود مسالكَ يعلمون أن النفس الإنسانية ضعيفة أمامها:
أ- المال:
يستخدم اليهود المال كواحدة من هذه الوسائل، فهم يقرضون المال بربا لمن يريده من أفراد أو حكومات، وهذا يجعل لهم اليد العليا على مَن أقرضوه، والتوراة تبيح لليهود الإقراض لغير اليهود بربا؛ "للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا؛ لكي يباركك الرب"؛ (تث 19:23).
والمال اليهودي كان الوقود الذي سعرت به نيران الحروب العالمية من خلال القروض وتمويل الدول المتحاربة.
ب- النساء:
يستخدم اليهود النساء في الوصول إلى غاياتهم، هذا مبدأ موجود في توراتهم، ونسبوه إلى أنبيائهم، حيث نقرأ في سفر التكوين: "حدث جوع شديد في الأرض، فانحدر إبرام (إبراهيم) إلى مصر، وكان في فلسطين مع زوجته ساراي (سارة)، وقبل دخولهما مصر قال لامرأته: إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر، فيكون إذا رآك المصريون أنه يقولون: هذه امرأة، فيقتلونني ويستبقونك، قولي: إنك أختي؛ ليكون لي بسببك خير كثير، وتحيا نفسي من أجلك، فحدث لما دخل إبرام إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جدًّا، ومدحوها لدى فرعون، فأُخذت إلى بيت فرعون، فصنع لإبرام بسببها خير"؛ (تك 10:12).
وتتكرر الصورة مع نبي الله إبراهيم - عليه السلام - حينما انتقل إلى أرض الجنوب، بين قادش وشور، حيث قال عن سارة – حسب توراتهم – إنها أخته، فأخذها "ابيمالك" ملك جرار، وأعطى إبراهيم غنمًا وبقرًا وعبيدًا (تك 1:20).
ويروي سفر التكوين: أن ابنتي النبي لوط - عليه السلام - زنتا بأبيهما بعد أن سقتاه الخمر، وولدتا منه سفاحًا مؤاب وبني عمين (تك 19: 30).
ج- القسوة والبطش:
خاطب إله بني إسرائيل موسى - عليه السلام - بقوله: "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها، استدعها للصلح، فإن أجابت، فإن الشعب يكون لك بالتسخير، ويستعبد لك، وإن لم تسالمك، فحاصرها، وإذا دفعها الرب، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم، وكل ما في المدينة، فتغنمها لنفسك"؛ (تث10:20).
وتروي التوراة مذبحة بشعة، هي مذبحة "مديان"، بناء على أوامر الإله يهوه إلى موسى: "وأما هؤلاء الشعوب (أي فلسطين) التي يعطيك الرب إلهك، فلا تستبقِ منها نسمة ما؛ بل تحرمها (تقتلها) تحريمه كما أمرك الرب إلهك"؛ (تث 20:10)، وكذلك: "وكلم الرب موسى قائلاً: انتقم لبني إسرائيل من المديانيين (في فلسطين)، ثم تضم إلى قومك، فتجندوا على مديان كما أمر الرب، وقتلوا كلَّ ذَكر، وسبَوا نساء مديان وأطفالهم، ونهبوا جميع بهائمهم وأملاكهم، وأحرقوا جميع مدنهم وجميع حصونهم بالنار"؛ (عدد 31: 1)، وغضب موسى على قادة جيشه الذين أبقوا على النساء والأطفال، وسبَوهم إلى المحلة، وقال لجنوده: "هل أبقيتم أنثى حية؟ ثم أمرهم: فالآن اقتلوا كل ذَكر من الأطفال، وكل امرأة ضاجعت رجلاً، أما النساء اللاتي لم يعرفن المضاجعة، فأبقوهن لكم"؛ (عد 15:31).
والسؤال: هل هذه تعاليم دين سماوي أو تعاليم زعيم عصابة مافيا؟
ولعل هذا يفسر عدوانية ودموية اليهود في جميع معاركهم مع المسلمين والعرب.
4- الانعزالية:
غرست تعاليم التوراة في النفس اليهودية حب الانعزال منذ أيام إبراهيم - عليه السلام -: وقال إبراهيم لعبده كبير بيئة: ضع يدك على فخذي، فأستحلفك بالرب ألا تأخذ زوجة لابنك من بنات الكنعانيين الذين أنا ساكن معهم (تك 2:24)، وكذلك فعل إسحاق بابنه يعقوب - عليه السلام - ثم يأتي دور موسى - عليه السلام - حين تأتيه أوامر يهوه إله اليهود، بألا يقطع عهدًا مع الأمم التي يأتيها (خر 11:34)، ويحذرهم من التعرض لغضب الرب إن هم لم يلتزموا بأوامره (تت 1:28).
وعاش اليهود في جميع المجتمعات التي دخلوها في أحياء معزولة، خاصة بهم، تسمى "الجيتو"، والتي لم تكن تمثل عزلة اجتماعية فقط؛ بل كانت عزلة فكرية وثقافيـة، منعت المجتمعات المحيطة بالجيتو من الاتصال بها، والتأثير على عقلية ساكنيها، وفي الوقت ذاته أعطت الفرصة لليهود للتشرب بتعاليم التوراة، وتطبيقها على هذه المجتمعات.
د- السرقة:
حسب توراتهم، فقد أباح إله إسرائيل لهم سرقةَ غير اليهود، حين أعطى أوامره لموسى - عليه السلام - حين أراد الخروج من مصر مع بني إسرائيل "فيكون حين تمضون، لا تمضون فارغين؛ بل تطلب كل امرأة من جارتها، ومن نزيلة بيتِها أمتعةَ فضةٍ وذهب وثياب، وتضعونها على بنيكم وبناتكم، فتسبلون المصريين"؛ (خر 21:3).
هـ- الظلم والطغيان:
التوراة تبيح لليهود قتل الأبرياء، وأخذ الأبناء بجريرة الآباء، وتجيز قتل الأطفال والنساء والشيوخ ممن لا ذنب لهم، يقول ربهم يهوه: "مفتقد إثم الآباء في الأبناء، وفي أبناء الأبناء، في الجيل الثالث والرابع"؛ (عدد 19: 27)، وها هو موسى يدعو ربه على الذين اعترضوا عليه من بني قومه؛ ليخسف بهم وبأطفالهم ونسائهم: "وخرج ناثان وإبيرام، ووقفا بباب خيمتهما مع نسائهما وأطفالهما، فقال موسى: أتعلمون أن الرب أرسلني لأعمل كل هذه الأعمال، وأنها ليست من نفسي، ودعا فانشقت الأرض، وابتلعتهم جميعًا"؛ (نشيد 1:9).
و- الحقد والغدر:
وهي من الأخلاق المتأصلة في اليهود، وهم ينسبونها إلى أوامر إلهية – كما هو الحال مع بقية أخلاقهم – ونكتفي من ذلك بما ورد في التوراة من قصة يوسف وإخوته – والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم -: "فقال يهوذا لإخوته: ما الفائدة أن نقتل أخانا ونخفي دمه؟! تعالوا نبيعه للإسماعيليين، ولا تكن أيدينا عليه؛ لأنه أخونا ولحمنا، فسمع له إخوته، واجتاز مديانيون تجار عليهم، فسحبوا (إخوته) يوسف من البئر، وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة"؛ (تك 37:26).
ز- الجبن والخوف:
سجلت التوراة على اليهود جبنًا أصيلاً، وخوفًا فطريًّا، فحين خرجوا من مصر، ورأوا جيش فرعون وراءهم، دبَّ الرعب في نفوسهم: "ففزعوا جدًّا، وصرخت بنو إسرائيل إلى الرب، وقالوا لموسى: هل لأنه ليست لنا قبور في مصر؛ أخذتنا لنموت في البرية؟! أليس هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين: كف عنا فنخدم المصريين؛ لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت فى البرية؛ فقال موسى: لا تخافوا؛ الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون"؛ (خر 14: 10).
هذه هي التوراة، وهذا هو شعب التوراة، الذي يقف العرب والمسلمون عاجزين عن أن يفعلوا شيئًا لكبح جماحه، ورد طغيانه وجبروته عنهم "اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا مَن لا يخافك فينا ولا يرحمنا".
2- التلمود:
التلمود هو الرافد الثاني بعد التوراة للثقافة اليهودية، وقد وضعه أحبارهم ليشرح الديانة اليهودية وآدابها في التوراة، ويتكون من قسمين:
- القسم الأول: المشنا: وتعني الكتاب الثاني – أي: بعد التوراة - وتضم شروحًا للتوراة، والمبادئ الشفوية التي أنزلت على موسى - عليه السلام.
- القسم الثاني: الجيمارا: وهو عبارة عن شروح وتعليمات على المشنا، وضعها أحبار اليهود (الربانيون).
وهناك نسختان من التلمود: تلمود بابل، وتلمود أورشليم، والفرق بينهما: أن التلمود البابلي يحتوي "الجيمارا" مع أو بدون "المشنا"، واليهود يضعون التلمود في مرتبة أعلى من التوراة.
عقيدة التلمود:
1- إله التلمود:
يقول التلمود: يقسم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة، في الثلاث الأولى يدرس الله الشريعة، وفي الساعات الثلاث الثانية يدين الشعوب، وفي الساعات الثلاث الثالثة يفزي العالم بأسره، وفي الثلاث الأخيرة يلعب مع الحوت ملك الأسماك، أما في الليل، فإن الله يدرس التلمود.
ويرى التلمود أن الله - تعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا - هو علة الشرور التي تقترف على الأرض؛ لأنه خلق طبيعة الإنسان الشريرة؛ ولذلك فإن الإنسان يقترف الخطيئة بقدر الله.
2- الشياطين:
يقول التلمود: إن الشياطين خُلقوا من ماء، أو نار، أو هواء، أو تراب، كما أن بعض الشياطين تحوروا من صلب آدم - عليه السلام - بعد أن تزوج الشيطانة (عيليت)، وهم يأكلون ويشربون، ويتناسلون ويتكاثرون كالبشر، وأنهم قادرون على إيذاء البشر، ويستخدمون في السحر، ولذلك قال الساحر الفرنسي "لوي": إن التلمود هو الكتاب الأساسي للسحر بأنواعه.
3- النفس البشرية:
ينظر التلمود إلى النفس البشرية بمنظارين مختلفين، ففيه أن النفس اليهودية جزء من الله، وتنبثق من جوهر الذات الإلهية؛ ولذلك فهي ذات شأن عظيم عند الله عن باقي النفوس البشرية؛ لأن هؤلاء تشتق نفوسهم من الشيطان، وهي مشابهة لنفوس الحيوانات والجماد، وفي هذا يقول التلمود: "إن زرع الرجل غير اليهودي هو زرع حيواني"، ويؤمن التلمود بتناسخ الأرواح، فاليهودي إذا مات انتقلت نفسه إلى جنين يهودي في بطن أمه، أما اليهود المارقون عن دينهم، أو قاتلو أحد أبناء ملَّتهم، فإن نفوسهم تنتقل أولاً إلى حيوان أو نبات، تم ترسل إلى جهنم ليعذبوا مدة عام كامل، ثم بعد أن تطهر نفوسهم تعود إلى يهودي، وهذا من رحمة الرب الذي يريد أن يشرك جميع بني إسرائيل في السعادة.
4- الجنة والنار:
الجنة في التلمود هو مكان سعادة أبدية، فيه أنواع المآكل والمشارب، والروائح الذكية، ولا يدخلها إلا اليهود، أما الباقون (غير اليهود) فيزجون في جهنم،
وجهنم أكبر من السماء بستين مرة، وهي سجن القلف غير المختونين (النصارى)؛ لأنهم يرسمون الصلبان بأيديهم، ثم يأتي بعدهم المسلمون؛ لأنهم لا يغسلون سوى أيديهم وأرجلهم، وأفخاذهم وعوراتهم، وهؤلاء يحشرون في جهنم إلى الأبد.
5- رجوع المسيح:
ينتظر اليهود عودة المسيح؛ حتى يعيد لهم الملك على شعوب العالم، ولا يكون هذا إلا بانقراض ملك الشعوب غير اليهودية؛ لأن الواجب أن تكون السلطة لليهود في هذا العالم، ويأتي هذا بعد حروب طويلة تنتهي بانتصار اليهود، وعندئذٍ يعتنق الجميع العقيدة اليهودية، أما غيرهم، فلا مكان له؛ بل يستأصل؛ لأنه ينحدر من الشيطان.
6- غير اليهود في التلمود:
ينفث التلمود في اليهود روح العنصرية، والشعور بالاستعلاء على الآخرين، يقول التلمود: "إن اليهود أحب إلى الله من الملائكة، فالذي يصفع اليهودي كمن يصفع العناية الإلهية سواء بسواء"، ويقول ربَّانيُّوهم: "إن غير اليهود ليسوا كلابًا فحسب؛ بل حميرًا أيضًا"، وكذلك "إن الله خلق غير اليهود بالصورة البشرية إكرامًا لليهود؛ لأن غير اليهود وجدوا لخدمة اليهود، ولا يجب أن يكون خادم الأمير حيوانًا له الصورة الحيوانية".
ويسمح التلمود لليهود بالرياء والتَّقِيَّة أمام غير اليهود: "يجوز الرياء تجاه الأشرار"، بهذا يدعو أبناء إسرائيل إلى التسلط، وكما يسمح لهم؛ بل ويشجعهم على التسلط، وسلب غير اليهود من البشر، يقول التلمود: "لا تظلم عاملك إذا كان من إخوتك، أما الأغيار فيشذون عن هذه القاعدة"، وقال أحد ربانييهم: "إذا كانت هذه الكرمة (شجرة العنب) لغريب، فاقطف منها، وإذا كانت ليهودي، فلا تمسَّها"، وكذلك: "إن ممتلكات النصراني بالنظر إلى اليهودي هي ممتلكات لا مالك لها، وأول يهودي يتولى عليها غيره يكون مالكها الأصيل"، ويقول التلمود: "اقتل عبدة الأوثان (غير اليهود)، ولو كانوا أكثر الناس كمالاً".
7- السرقة والظلم:
يبيح التلمود لأتباعه سرقة غير اليهود، ويحرِّمها بينهم، فيخبرنا التلمود أن الرباني "إسماعيل" كان يحلل سرقة غير اليهود، وهو نفسه اشترى آنية ذهب من غير يهودي بثمن بخس؛ لأن البائع كان يظنها نحاسًا، ورباني آخر يقول: "يجب انتزاع قلب النصراني من جسده"، وعن الأشياء المفقودة، فيقول التلمود: "إذا رد أحد (يهودي) إلى غريب (غير يهودي) ما أضاعه، فالرب لا يغفر له أبدًا".
8- الربا:
التوراة تحرِّم على اليهودي إقراض أخيه اليهودي بربا، ولكن تجوِّز له ذلك مع غير اليهودي، ولكن التلمود له رأي آخر، فاليهودي يمكنه أن يقرض اليهودي بربا يسير، ولكن ليس على سبيل الربا، ولكن على سبيل الهدية وإظهار للعرفان، يقول التلمود: "قال صموئيل: إن الحكماء (الربانيين) يمكنهم إقراض بعضهم بالربا، وأنه (صموئيل) قد اقترض من (ابن إيهي) مائة ليرة؛ ليردها له مائة وعشرين ليرة؛ دلالة على عرفان الجميل"، أما الربا في نظرهم، فهو الربا الفاحش. وهذا يرينا كيف يفسر الربانيون التوراةَ حسب أهوائهم.
أما إقراض غير اليهودي، فنكتفي بكلام الرباني "راب" عندما يحتاج النصراني إلى دراهمَ، فعلى اليهودي أن يضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش؛ حتى يرهقه، ويعجز عن الوفاء إلا بالتخلي عن أملاكه، وعندئذٍ يستولي عليها اليهودي بمعاونة المحاكم".
9- المرأة في التلمود:
يحرِّم التلمود على اليهودي ارتكاب الفاحش مع امرأة قريبه اليهودية فقط، أما الأجانب، فنساؤهم مباحة له "لا تَشتهِ امرأة قريبك، ومن يرتكب الفحشاء مع امرأة قريبه، يستحق الموت".
ويشرح التلمود في مكان آخرَ أن بعض الربانيين - مثل راب، ونشمال، وغيرهم - كانوا ينادون في كل مدينة ينزلون فيها: "مَن مِن النساء تريد أن تكون امرأة لهم لبعض أيام؟".
ويرى التلمود: "أن الصلوات في المجامع اليهودية تستدعي عشرة رجال وجوبًا؛ لأن تسعة رجال ومليون امرأة، لا تكون محفلاً، وصلاتهم عند الله ناقصة.
ويحرِّم التلمود زواج اليهودي المتزوج بيهودية أخرى، ولكن يبيح له التمتع بالمرأة غير اليهودية؛ لأنه حسب الشريعة لا يأثم.
والتلمود لا يرى في امتهان المرأة اليهودية البناء إثمًا أو جرمًا، طالما حافظت على تقواها كيهودية.
10- اليمين والعهود:
معلوم عن اليهود أنهم ناكثون دائمًا لعهودهم ووعودهم مع غير اليهود؛ وهذا راجع إلى اعتقادهم أن غير اليهود من الشعوب وما يملكون هم ملك لليهود، ثم إن المبادئ التلمودية تبيح لليهود "التقية" في اليمين، بحيث يقسم ظاهريًّا حسب ما هو مطلوب منه، ولكن داخليًّا وفي قرارة نفسه لا يلزم نفسه بهذا القسم؛ لأنه مجبر عليه؛ لأنه حسب تعليمات التلمود: الخطيئة المستورة مغفورة.
وبهذه النفسية المريضة، استطاع اليهود السيطرة على العالم، في حين تحول المسلمون إلى أمة لاحول لها ولا قوة، بعد أن تخلَّت عن الكثير من تعاليم دينها، اللهم عدا بعض الشعائر التعبدية، والتي – مع ذلك – لا يكون لها أثر في حياتهم.
واليهود - وبخاصة دهاقنتهم - يعلمون أن القوة الوحيدة التي تستطيع تخليصَ العالم من شرورهم هو الإسلام الحقيقي، الذي يحكم كل شاردة وواردة في نفوس أتباعه؛ ولذلك فهم مستميتون في محاربته؛ حتى لا ينهض المارد ويكبح جماحهم، وفي هذا يقول زعيمهم الهالك ديفيد بن جوريون في عام 1950: "إن أشد ما تخشاه إسرائيل هو ظهور محمد جديد بين العرب".
المراجع:
1- د. فؤاد حسنين علي، التوراة عرض وتحليل، دار المستقبل، القاهرة 1956.
2- عبدالله التل، جذور البلاء، المكتب الإسلامي، بيروت 1978.
3- المطران بولس حنا مسعد، همجية التعاليم الصهيونية، الكتب الإسلامي، بيروت 1983.
4- التوراة بالعربية، دار الأنصار، القاهرة 1978.
5- إبراهيم الدسوقي، خفايا التلمود، دار الكتاب العربي، دمشق 2008.