الحمدُ لله الملكِ
الوهاب، غافرِ الذنب، وقابِلِ التوب، شديدِ العقاب، والصلاة والسلام على
مَن أرسله الله رحمةً للعالمين، وأنزل عليه الكتاب، نبيِّنا محمَّد، وعلى
الآل والأصحاب.
أما بعد:فقد ثَبَت عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قولُه في الحديث
الصحيح: ((افترقتِ اليهودُ على إحدى وسبعين فرقة، وافترقتِ النَّصارى على
ثِنتَين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمَّةُ على ثلاث وسبعين فِرقة، كلُّها
في النار إلاَّ واحدة؛ مَن كان على مِثْل ما أنا عليه اليومَ وأصحابي))،
وهو إخبارٌ منه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بحصول ذلك التفرُّق ووقوعه، وقد
وقَعَ فدلَّ ذلك على أنَّه من دلائل صِدقه، ومن علامات نبوته - صلَّى الله
عليه وسلَّم - ولكنَّ هذا الإخبارَ يتضمن في ثناياه التحذيرَ من ذلك
التفرُّق، والنهيَ عنه؛ إذ فيه مشابهةٌ لليهود والنصارى الذين نُهِينا عن
مشابهتهم، وأُمِرْنا بمخالفتهم بصريح القرآن؛ {
وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
[آل عمران: 105]، مع ما في التفرُّق والاختلاف من الخَطر العظيم على
الأمَّة؛ لِمَا يؤدِّي إليه من ضعْفها وتفكُّكها وانقسامها، فتفْشَلُ وتذهب
رِيحُها، كما أخبر عن ذلك ربنا - تبارك وتعالى - في قوله: {
وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
ولقد تفرَّقت هذه الأمَّة، كما أخبر
نبيُّها - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى فِـرق كثيرة ضالَّة مُضلِّة،
كلُّها في النار إلاَّ واحدة، هي الفِرقةُ الناجية، السائِرة على الحق،
المحفوظة بحِفْظ الله لها، لا يضرُّها مَن خذَلَها، ولا مَن خالفها حتى
يأتي أمرُ الله - تبارك وتعالى.
وتلك الفِرقة تولَّى تعريفَها وبيانَ حالها رسولُ الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - بنفسه حيث قال مُعرِّفًا لها: ((مَن كان على مِثْل ما أنا عليه
اليوم وأصحابي))، فمن كان على طريق رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
وصحابته الكِرام - رضي الله عنهم - اعتقادًا وقولاً وعملاً، لا يحيدُ عن
ذلك الطريق قيدَ أُنملة، ولا يَزيد عليه، ولا يَنقص منه، فهو مِن تلك
الفِرقة الناجية - إن شاء الله.
وأمَّا مَن حادَ عن ذلك الطريق السويِّ، والصراط المستقيم، فتفرَّقتْ به
السُّبل والأهواءُ في الاعتقاد، أو في القول، أو في العمل، أو في ذلك
جميعًا، فهو مِن تلك الفِرق الضالَّة المضلِّة، الهالكة غير الناجية - نعوذ
بالله من الخسران المبين.
وإنَّ من أشدِّ تلك الفرق ضلالاً، وأعظمها ولوغًا في الشِّرْك والوثنيَّة:
تلك الفرقةَ التي تُسمَّى (البريلوية)؛ نسبة إلى مؤسِّسها (البريلوي أحمد
رضا) الذي وُلِد عام 1272هـ في مدينة (بريلي) من مدن الهِند في ولاية
أتربرديش
[1].
فهذه الفِرقة المنحَرِفة عن الصراط
المستقيم تزعُم وتدَّعي لمبتدعِها ومُنشئِها المذكور العصمةَ منذُ صغره،
وأنَّه لم ينطق بخطأ أو غلط، فكثيرٌ منهم يُردِّد ذلك في قوله وكتاباته،
مثل قول أحدهم في ذلك: "إنَّ قلم أحمد رضا ولسانَه حُفِظ من زلَّة، وحتى
قدر النُّقطة، مع الثابت أنَّ لكلِّ عالِم هفوة"، وقول الآخر أيضًا: "إنَّ
البريلوي لم ينطقْ بلسانه المبارك بلفظة غير شرعيَّة، والله عصَمَه من كلِّ
زلة"، وقول ثالثٍ أيضًا: "إنَّ أحمد رضا عُصِم في طفولته من الانحراف
والغلطة، وأودع فيه اتِّباع الصراط المستقيم"، وقول آخَرَ: "إنَّ الله صان
قلمَه ولسانه من الخطأ".
وأخبثُ مِن كلِّ ذلك، وأشدُّ فجورًا
قولهم: "إنَّ الحضرة الأعلى - أي: البريلوي - كان في يدِ الغَوْث الأعظم -
يعني: الشيخ عبدالقادر الجيلاني - كالقَلمِ في يدِ الكاتب، والغوْث الأعظم
في يدِ رسول الله محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - كالقلم في يدِ الكاتب،
والرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحَضْرة الإلهية ما ينطق عن
الهوى".
ومثل ذلك في الفجور والجرأة على الله – تعالى - ورسوله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - قولُ (البريلوي) عن نفسه: "إنَّ رِضا الله في رِضا الرسول - صلَّى
الله عليه وسلَّم - ورضا الرسول في رضا البريلوي"، وقوله أيضًا: "إنَّ
وجود البريلوي كان آيةً من آيات الله المحكمات"، ومن غلوِّهم فيه قول
أحدهم: "إنَّ زيارة البريلوي قلَّلت اشتياقَنا إلى زِيارة أصحاب النبيِّ -
عليه السلام"
[2].
ومعلومٌ أنَّ من أصول عقيدة أهل السنة
والجماعة: أنَّه لا عصمةَ لأحد غير الأنبياء والرسل - عليهم صلوات الله
وسلامه - وليس ذلك فحسبُ، بل إنَّ عقيدة البريلوية من أساسِها قائمةٌ على
الغلوِّ المخرج من الملَّة - نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى - فهذا
البريلوي المؤسِّس نفسه يغلو في علي - رضي الله عنه - إذ يقول عنه: "إنَّ
عليًّا يدفع البلاءَ، ويكشف الكروب لِمَن يقرأ الدُّعاء السيفي المشهور
(على حد زعمه) سبعَ مرَّات، أو ثلاث مرَّات، أو مرة واحدة"، وهذا الدُّعاء
هو قولهم - قبَّحهم الله -:
نَادِ عَلِيًّا مُظْهِرَ الْعَجَائِبِ تَجِدْهُ عَوْنًا لَكَ فِي النَّوَائِبِ كُلُّ هَمٍّ وَغَمٍّ سَيَنْجَلِي بِوِلاَيَتِكَ ياَ عَلِيُّ يَا عَلِي |
كما يزعُم أيضًا أنَّ قولهم:
لِي خَمْسَةٌ أُطْفِي بِها حَرَّ لَظَى الْحَاطِمَهْ الْمُصْطَفَى وَالْمُرْتَضَى وَابْنَاهُمَا وَالْفَاطِمَهْ |
نافعٌ لدفع الأمراض، وسبب لحصول الوسيلة والثواب.
وكما غَلَوْا فيه فادَّعَوا له العِصمة منذ صغره، غلوا فيه في حياته في أمر
معاشِه، فادَّعوا أنَّه كان يُمَدُّ من يَدِ الغيب بأموال باهظة وثروات
فاحشة، فيحكي البهارةُ الرضوي - كاتبُ سيرته -: أنَّه "كانت للبريلوي
حقيبةٌ مقفولة، ولم يكن يفتحها إلاَّ عند الحاجة، وعندما كان يفتحها لم يكن
يفتحُها كاملةً، اللهمَّ إلاَّ قدر أن يُدخل يدَه فيها، وكان يُخرِج منها
ما شاء من المال والحُليِّ والثياب"
[3].
وكذلك غلوا فيه بعدَ مماته، فزعموا أنَّ جنازته لَمَّا حُمِلَتْ رأى بعضُ
الناس أنَّه حملها ملائكةُ الرحمن على أكتافهم، وأنَّ رسول الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - كان جالسًا في جَمْع من أصحابه منتظرًا مجيءَ البريلوي؛
لأنَّه لَمَّا سُئِل عن سكوته وسكوت أصحابه، قال: "نحن ننتظر البريلوي حتي
يأتي"، وأن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أرسلَ هديَّة الطيب لغسل
البريلوي.
وقال أحدهم فيه: "إنَّ البريلويَّ كان معجزةً من معجزات النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم"، وقال الآخر: "إنَّ أحمد رضا حُجَّة الله في الأرض"
[4].
وكذلك: "إنَّ البريلوي كان يحفظ جميعَ الكتب المتداولة وغير المتداولة،
التي أُلِّفت وكتبت في أربعةَ عشر قرنًا، وأنَّ أرباب اللُّغة والاصطلاح
عجَزُوا عن إيجاد لفظةٍ تُعبِّر عن مقامه الرفيع".
وأيضًا: "إنَّ علماء الطبيعة في أوروبا والفلاسفة في آسيا كانوا يرتعدون من
هيبة علم البريلوي"، ويقولون عنه: "إنَّه كان مُجدِّدًا وسيِّدًا، وإمامًا
ومرشدًا، ومالكًا وشافعًا، وداره دارُ الشِّفا، وهو الذي أبصر العميان،
وأسمع البُكمَ، وإنَّه مشكاة نور الله، ومرآة حسن المصطفى، وأسد أسود
الله"... إلى آخِر تلك الخرافات والضلالات والتُّرَّهات - نعوذ بالله من
زَيْغ القلوب.
ولعلَّ مِن أقبح ما قالوه فيه وأعظمه
فجورًا قولهم: "إنَّه قاضي الحاجات، وكاشف الكروب، ومحلل المشكلات، وساقي
الكوثر، وصاحب القبر والنشر والحشر، وهو الغَوْث وقطب الأولياء، وخليفة
المصطفى، وخضر بحر الهُدى، والمعطي والرزاق"
[5].
فهل بعدَ هذا القول شِرْك أو كفر أو ضلال؟! نعوذ بالله.
إنَّ هذه الطائفةَ المارقة من دين الإسلام المتنكِّبَة سبيلَ التوحيد، إحدى
الطوائف والفِرق التي أنشأها المستعمرُ الكافرُ؛ لِخِدمة أغراضه، وتحقيقِ
أهدافه، وتنفيذِ مُخطَّطاته في دِيار الإسلام، فهذا البريلوي المؤسِّس لها
عميلٌ من عملاء الاستعمار الإنجليزيِّ في القارة الهندية؛ بل كان الإنجليز
يساعدونَه ويُمدُّونه لاستعماله بوقًا لهم وداعيةً لضلالِهم وكفرهم،
مُفرِّقًا صفوفَ المسلمين، مكفِّرًا للمجاهدين من المسلمين الذين يُريقون
دماءَهم في سبيل الله، ويبذلون مُهَجَهم في قِتال أعدائِه الكفرة؛ إعلاءً
لكلمته، وتطهيرًا لأرضِ الإسلام مِن رِجس المشركين المستعمرين، فشأنُه في
ذلك شأنُ غلام أحمد مِيرزا القادياني الضالِّ المضِلِّ.
فقد حَمَل (البريلوي) المذكور لِواءَ التفريق بين المسلمين وتكفيرهم، فلم
يَبقَ أحدٌ إلا سبَّه وشتمه، وفسَّقه وكفَّره، وخاصَّة مَن نازل الاستعمارَ
وقاتل ضِدَّه، فإنَّه كان يَلْقى منه من الأذى والسبِّ والتكفير أضعافَ ما
يلقاه غيرُه، فرمَى أولئك بسهام الكُفْر والفِسق، واتَّهمهم ببغض الأنبياء
والأولياء والصالحين، وحرَّض السُّذَّج من المسلمين العوام عليهم باسم
الدِّين، وشَحَذ عليهم لسانَه وسنانه.
وعندما كان أولئك الموحِّدون السائرون على طريق الرسول الكريم - صلَّى الله
عليه وسلَّم - والسَّلف الصالح من هذه الأمَّة في الاعتقاد والقول والعمل -
يعملون للإطاحة بالمستعمرين، وإخراجِهم مِن دِيارِهم - كان هذا البريلوي
وأتباعه يَقِفون مع المستعمرين النصارى ضدَّهم، ويَسدُّون الطريق في
وجوههم، ويُثيرون العامَّةَ عليهم بتهمة تحقيرِهم للأولياء، وتقليل شأن
الأنبياء، وهَتْك حُرمات الصالحين؛ تعاونًا منهم مع الإنجليز، وإسهامًا
منهم مَعَهم في تنفيذ مخطَّطاتهم الرامية للقضاء على الإسلام والمسلمين في
تلك الدِّيار، ففوَّت الفُرصةَ على المخلصين لدِينهم الصادقين مع ربِّهم
لتخليص بلادِهم مِن أيدي الكفرة، المستعمرين، وسهَّل في مقابل ذلك لأولئك
الكَفَرةِ المحتلِّين القضاءَ على أولئك المسلمين المقاتلين لأعداءِ الله
وأعدائهم من المستعمرين، فَكَم مِن الحارات هُدِّمت بأسرها على أهاليها
وسُكَّانها! وكَمْ مِن القرى دُمِّرت على مَن فيها من الشيوخ والأطفال
والنِّساء بتهمة أنَّهم (وهَّابيُّون) يريدون التمرُّد على المستعمر
الغاصب!
ولقد شَنَقوا أكثرَ من مائة ألف عالِم مُوحِّدٍ مُتَّبعٍ للسَّلف الصالح بتهمة (الوهَّابيَّة والطغيان) في البنغال فقط
[6]،
وتبعًا لذلك وإكمالاً لمخطَّط مناصرة المستعمرين وتأييد الكافرين على
المسلمين أصدر (البريلوي) فتواه بتحريم الجِهادِ في تلك البلاد، مُدَّعيًا
أنَّ الهند ليست بدار حرب.
إنَّ عقيدةَ هذه الطائفة الضالَّة والفِرقة المنحَرِفة هي عينُ عقيدة
الجاهلية الأولى، بل تكاد تكون أخبثَ منها، وأشدَّ انحرافًا عن جادَّة
الحقِّ، فهي قائمةٌ على الاستعانة بغير الله، والاستغاثة بالمخلوقين فيما
لا يَقْدِر عليه إلاَّ الله، وعلى عدم بشرية الرُّسل - عليهم السلام -
وأنَّهم يعلمون الغيب، وأنَّ ذلك ضرورة لهم.
وأخبثُ من ذلك وأفظعُ - مع خبثه
وقُبحه وفظاعته - اعتقادُهم مشاركةَ الرسل والأنبياء - عليهم السلام - لله
في صِفاته وقُدرته وتَصرُّفه - جلَّ عن الشبيه والنظير، وتقدَّس عن الشريك
والمثيل
[7].
وهم في سبيل نشْر عقيدتهم الباطلة هذه
يَركبون كلَّ مركب صعبٍ، فيختلقون الرِّواياتِ الواهيةَ الرَّكيكة،
ويُحرِّفون كلامَ الله ويؤِّولونَه حسبَ أهوائهم، وَيلوون أَلسنتَهم
بالكتِاب ليُحسَبَ من الكتاب، وما هو من الكتاب، ويُغيِّرون مفاهيمَ
السُّنة ويُبدِّلونها؛ لتتوافقَ مع باطلهم وضلالهم - نعوذ بالله من
الزَّيْغ والضلال - (فبريلويهم) يقول: "إنَّ لله عبادًا اختصَّهم بحوائجِ
الناس، يَفْزعون إليهم بحوائجهم" ويقول: "إنَّ الاستعانةَ والاستغاثة بغير
الله أمرٌ مشروع، ومرغوبٌ، ولا ينكره إلاَّ مكابر أو معانِد"، ويقول:
"الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والصالحين جائزةٌ"، ويقول: "إنَّ رسول الله
- صلَّى الله عليه وسلَّم - هو دافعُ البلاء، ومانح العطاء"، ويقول أيضًا:
"إنَّ جبرائيل - عليه السلام - قاضي الحاجاتِ، وإنَّ رسول الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - قاضي قُضاةِ الحاجات حيثُ إنَّه - عليه السلام - يَقضي
حوائجَ جبرائيل أيضًا"!!
وقَد سبقتِ الإشارةُ إلى قبيح معتقدهم في عليٍّ - رضي الله عنه - في شِعر
يحفظونه ويَتداولونَه، خُلاصتُه: أنَّ عليًّا مظهر العجائب، وأنَّ مَن
ناداه وجَده عونًا له في النوائب، وأنَّ كلَّ همٍّ وغم سينجلي بولايتك يا
علي.
كما كَذَبوا على الشيخ عبدالقادر
الجيلاني - رحمه الله - فادَّعوا أنَّه قال: "مَن استغاث بي في كُربة كشفتُ
عنه، ومَن ناداني في كُربة كشفتُ عنه، ومَن نادى باسمي في شِدَّة فرَّجتُ
عنه، ومَن توسَّل بي إلى الله في حاجة قُضيت حاجتُه".
كما أنَّ عندهم صلاةً غوثيَّةً، صورتها أن يُصلِّي ركعتين، ثم يخطو إلى
بغداد إحدى عشرة خُطوة، وكلَّما وضع قدمَه استغاث بالغَوْث الأعظم عندهم -
والمقصود به الشيخ عبدالقادر الجيلاني - وناداه باسمه، وقدَّم حاجتَه
قارئًا هذين البيتين:
أَيُدْرِكُنِي ضَيْمٌ وَأَنْتَ ذَخِيرتِي وَأُظْلَمُ فِي الدُّنْيَا وَأَنْتَ نَصِيرِي وَعَارٌ عَلَى حَامِي الْحِمَى وَهْوَ مُنْجِدِي إِذَا ضَاعَ فِي الْبَيْدَا عِقَالُ بَعِيرِي |
وكان (البريلوي) يقول: "يا ظِلَّ إله شيخ
عبدالقادر، شيئًا لله شيخ عبدالقادر، عطفًا عطفًا عطوف عبدالقادر، اصرفْ
عنَّا الصروف عبدالقادر".
كما كَتَب يقول: "إنَّ لأهل الدِّين مغيثًا هو عبدالقادر"، وقال أيضًا:
"إنني لم أستعنْ في حياتي أحدًا، ولم أستغث غيرَ الشيخ عبدالقادر، كلما
أطلب المددَ أطلب منه، وكلَّما أستغيث أستغيث به، ومرَّة حاولتُ أن أستغيث
وأستعين بوليِّ آخر (حضرة محبوب إلهي)، وعندما أردتُ النطقَ باسمه
للاستغاثة والاستعانة، ما نطقتُ إلاَّ بيا غَوْثاه، فإنَّ لساني يأبَى أن
ينطق الاستغاثة بغيره".
وممن يعتقدون فيهم ويستغيثون بهم أيضًا: أحمد رزوق، الذي يزعمون أنَّه قال في قصيدة له:
أَنَا لِمُرِيدِي جَامِعٌ لِشَتَاتِهِ إِذَا مَا سَطَا جَوْرُ الزَّمَانِ بِنَكْبَةِ وَإِنْ كُنْتَ فِي ضِيقٍ وَكَرْبٍ وَوَحْشَةٍ فَنَادِ بِيَا رَزُوقُ آتِ بِسُرْعَةِ |
وكذلك (ابن علوان) يعتقدون فيه أنَّه يردُّ
الضالَّة، وأنَّ الإنسان إذا ضاع له شيء، وأراد أن يردَّه الله، فليقفْ
على مكانٍ عالٍ مستقبلَ القبلة، ويقرأ الفاتحة، ويُهدي ثوابَها للنبي -
عليه السلام - ثم يُهدي ثوابها لسيدي أحمد بن علوان، ثم يقول: "يا سيِّدي
يا أحمد بن علوان، إن لم تردَّ عليَّ ضالَّتي، وإلاَّ نزعتك من ديوان
الأولياء".
كما يعتقدون في شخص آخَرَ يُسمُّونه
محمدًا الحنفيَّ، ويَرْوُون عنه خزعبلاتٍ لا يُصدِّقها المجانين، فضلاً عن
العقلاء، كقولهم: إنَّه كان يتوضَّأ في خلوته في يوم مِن الأيَّام، فخلع
نعلَه ورماها في الفضاء، وأعطى الثانية لخادمِه، وقال له: ضعها عندَك، حتى
يأتي بالثانية أحدٌ، وبعد مدَّة طويلة جاء شخص من الشام، ومعه تلك النعل
التي رماها الشيخ، وغابت في الفضاء، وقال: "مرشدي وشيخي إنَّ ناهبًا جاء
لينهبني، ورَكِب على صدري ليذبَحني، فناديتُ يا سيِّدي محمد حنفي، فحضرتِ
النعل من الغيب، وضَربتْ صدر ذلك الناهب، فأغمي عليه، فنجوتُ منه".
ويقول أحدهم لأحمد البدوي: "يا سيِّدي أحمد بدوي خاطرْ معي"، ويزعمون أنَّ
البدوي قال: "مَن كانت له حاجةٌ، فليأتِ إلى قبري، ويطلب حاجةً أقضِ
حاجته".
ولدَيْهم شخصٌ آخَرُ يُسمَّى أبا عمران موسى، يقولون عنه: "كان إذا ناداه
مريدُه أجابه من مسيرة سنة أو أكثر"، ومن جملة معتقداتهم الشركية الخبيثة
قولُهم: "كلُّ مَن كان متعلقًا بنبي أو رسول أو ولي، فلا بدَّ له أن يحضره،
ويأخذ بيده في الشدائد".
وهم في استغاثتهم واستعانتهم بغير الله لا يُفرِّقون بين الحيِّ والميِّت؛
بل هم لديهم سواءٌ في القُدرة على الإجابة والمسارعة إلى إغاثةِ المستغيث،
وإعانة المستعين.
استمعْ إلى "البريلوي" رأس ضلالتهم يقول: "إذا تحيَّرتم في الأمور
فاستعينوا بأصحاب القبور"، كما قال أحدهم: "إنَّ زيارة القبور تنفعُ
وتُفيد، وإنَّ أصحاب القبور يُعينون الزوار"، وكذلك يقولون: "إنَّ المقصود
من زيارة القبور أن يُستفاد من أهلها".
وقال البريلوي: "إنَّ محمد بن الفرغل كان يقول: أنا مِن المتصرِّفين في
القبور، فمَن كانت له حاجةٌ، فليأتِ إلى قبالة وجهي، ويذكر حاجتَه أَقضِها
له".
فهذه عقيدةُ القوم: شِرْك وضلال ووثنيَّة، تعدَّت حدودَ شِركَ مشركي العرب
الذين بُعِث فيهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنزل الله عليه
فيهم قوله – تعالى -: {
قُلِ ادْعُوا
الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ
شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ: 22].
وقوله – تعالى -: {
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ *
إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا
اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ
يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير} [فاطر: 13 - 14].
وقوله - سبحانه -: {
قُلْ أَرَأَيْتُمْ
شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا
خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ
آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ
الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} [فاطر: 40].
وقوله - عَزَّ مِن قائل -: {
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} [الأعراف: 197]، وقوله: {
وَالَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا
كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ
بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلاَلٍ} [الرعد: 14]، وقوله - تبارك وتعالى -: {
وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة: 107].
وأَمَر نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يسألَهم قائلاً: {
أَفَرَأَيْتُمْ
مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ
هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ
مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [الزمر: 38].
وقرَّر - سبحانه - في وضوح وجَلاء حقيقةً لا تخفى إلاَّ على مَن أعمى الله
بصيرتَه، فصار يتقلَّب في ظلمات الشِّرك، وهي أنَّ جميع مدعوِّيهم من دون
الله عبادٌ أمثالهم، مخلوقون لا يملكون لأنفسِهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا
موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا، وذلك قوله - جلَّ ثناؤه -: {
إِنَّ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ
فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: 194].
وقوله - تبارك وتعالى -: {
قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا} [الرعد: 16].
وحكم عليهم - سبحانه وتعالى- بالضلال، بل بأنَّه لا أضلَّ منهم، حيث بلغوا في الضلال غايتَه القُصوى، وذلك في قوله تقدَّست أسماؤه: {
وَمَنْ
أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُون} [الأحقاف: 5].
فأين عقيدةُ تلك الفِرقة المنحرِفة من آيات الله البيِّنات؟! إنَّها عقيدة
مناقضة لتلك الآيات، معارضة لمبدأِ التوحيد الذي تُقرِّره تلك الآيات في
وضوح وجلاء تامَّيْن؛ فالله - تبارك وتعالى - يُقرِّر في تلك الآيات
وحدانيتَه المطلقة؛ خَلْقًا وإحياءً وإماتةً، ورزقًا إعطاءً، ومنعًا
وتصرُّفًا، فلا شـريكَ له - سبحانه - في ذلـك كلِّه، ولا منازع، بلِ الأمرُ
أمرُه، والحُكم حُكمه، والكون كلُّه بما فيه ومَن فيه خاضعٌ لمشيئته،
مُؤتِمر بأمره؛ كما قال - تعالى -: {
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40].
وأولئك الضُلاَّل يقولون تلك المقولات الشِّركيَّة التي مرَّ بك كثيرٌ
منها، ويعتقدون في الرُّسل والأنبياء - عليهم السلام - والصالحين النفعَ
والضرَّ، والإعطاءَ والمنع، بل والإحياءَ والإماتة، وسائرَ الشؤون الأخرى،
إنَّهم يقولون - قبَّحهم الله -: "إنَّ جميع العالَم للأولياء ككِفَّة يدٍ
ينظرون إليها، وإن ناداهم أحدٌ واستغاث بهم من أيَّة بُقعة كان، يُغيثونه
ويَقضون حوائجَه".
ليس هذا فحسب، وإنَّما تَناهَى شِركُهم إلى درجة اعتقادهم أنَّ لله
نُوَّابًا في التصرُّف في شؤون الكون كلِّها، هم الرسلُ والأنبياء - عليهم
السلام - والأولياء والصالحون، فيعتقدون - قاتَلَهم الله - أنَّ الأنبياء
والأولياء قد أخذوا زمامَ الأمر في أيديهم، وأنَّهم مُلاَّك الأرض ومَن
فيها وما فيها، وأنَّهم حُكَّام السَّماء، ولهم الكلمةُ النافذة، والإرادة
المطلقة في الكونَيْن، ويتصرَّفون فيهما بما يشاؤون، وهم الذين يَخلقون،
وهم الذين يَرزقُون، وهم الذين يُعطون ويَمنعون، وهم الذين يُحيون
ويُميتون، وهم الذين يُدبِّرون الأمرَ، ومنهم النصر والمدد، ومنهم الشِّفاء
والعطاء، ومِن عندِهم كلُّ شيء، وليس لله إلاَّ العبادات، وهم شركاءُ له
فيها أيضًا، هذا كلُّه مبثوث في كتبهم، مسطورٌ في رسائلهم، مرقوم في
صحائِفهم.
وسنُورد - بعون الله - بعضَ نصوصهم في ذلك، غيرَ أنَّنا قبلَ ذلك نودُّ أن
نؤكِّد مَرَّة أخرى أنَّ شِرْك هؤلاء القوم، وضلالَ هذه الفرقة المارقة
تعدَّى شِرْك العرب قبلَ الإسلام، وتجاوز ضلالَ الجاهلية الأولى، فما كان
أولئك يعتقدون في أصنامِهم وآلهتهم مِعشارَ ما يعتقده هؤلاءِ في الرسل
والأنبياء - عليهم السـلام - والصالحين، فقد حَكَى الله - جلَّ ثناؤه - عن
أولئـك قولهم: {
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}
[الزمر: 3]، فالله لدَيْهم هو الغاية، والقُرْب إليه هو المرتجى، وإنَّما
اتَّخذوا أصنامَهم وآلهتهم واسطةً بينهم وبين الله لِتُقرِّبَهم إليه
بزعمهم، ومع ذلك شنَّع الله عليهم، وبيَّن ضلالهم، وأنَّ ما ذهبوا إليه هو
الشِّرْك بعينه، مهما سَمَّوْه بغير ذلك.
فكيف يكون حالُ هؤلاء اليوم، وقد زادوا شِركًا على شِرْك أولئك، وضلالاً
على ضلالهم؛ فاعتقدوا في معبودِيهم مِن دون الله مطلقَ التصرُّف والخَلق،
والإعطاء والمنع، مع أنَّ أولئك قد حَكَى الله عنهم اعترافَهم لله بالخلقِ
والإيجاد، والإحياءِ والإماتةِ، والرزق والأمر والتدبير؛ يقول الله – تعالى
-: {
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]، ويقول عنهم - سبحانه -: {
قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84 - 89].
فتأمَّلِ الفارق بين هؤلاء وأولئك، فأولئك
المشركون القُدامى يعترفون لله بالخلق والإيجاد، وأنَّ الأرض ومَن فيها له
- سبحانه - وأنَّه وحده ربُّ السَّموات السبع، وربُّ العرش العظيم، وأنَّه
وحدَه - سبحانه - الذي بيده ملكوتُ كلِّ شيء، وأنَّه - سبحانه - المُجير؛
أي: الملجئ والمنقذ، وكاشف الكرب والغم، بينما المشركون الجُدُد من
البريلوية وأشباههم يُنكِرون لله ذلكَ كلَّه، ويُعطِّلونه - سبحانه - عن
التصرُّف في خلقه، ويرَوْن أنَّ الأنبياء والصالحين هم نُوَّابُه في
التصرُّف، وأنَّه قد فوَّض إليهم أمورَه، فأصبحت بأيديهم أزمَّةُ الأمور،
تعالى الله عمَّا يقـولون علوًّا كبيرًا.
إنهم يقولون - قاتلهم الله -: "إنَّ كلَّ مفاتيح الكون في يدِ رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو مالكُ الكلِّ، وإنَّه النائب الأكبر للقادر،
وهو الذي يَملك كلمةَ "كن"، هذا قول البريلوي المؤسِّس والمبتدع لهذه
النِّحلة الضَّالَّة، ويكتب ابنُه تحت هذا الكلام الشركي الآثم - تأييدًا
لأبيه على ضلاله، وموافقةً له على مذهبه - قائلاً: "كلُّ ما ظهر في العالَم
فإنَّما يُعطيه سيِّدُنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي بيدِه
المفاتيحُ، فلا يخرج من الخزائن الإلهيَّة شيء إلاَّ على يديه، وإنَّه -
صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رام الأمرَ لا يكون خِلافُه، وليس لذلك الأمر
في الكون صارف".
ويقول البريلوي أيضًا: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو
المُبرِئ من السُّقم والآلام، والكاشف عن الأمَّة كلَّ خَطْب، وهو المحيي،
وهو الدافع عن المعضلات، والنافع للخلق، والدافع للمراتب، وهو الحافظُ
والناصر، وهو دافع البلاء أيضًا، وهو الذي برَّد على الخليل النارَ، وهو
الذي يَهَبُ ويُعطي، وحُكمه نافذٌ، وأمرُه جارٍ في الكونين".
وقال أيضًا - ناقلاً عن أحد أئمته -: "وهو - صلَّى الله عليه وسلَّم -
خزانةُ السِّرِّ، وموضع نفوذ الأمر، فلا ينفذ أمرٌ إلاَّ منه، ولا يُنقل
خبرٌ إلاَّ عنه".
وقال أيضًا:
مِنْهُ الرَّجَا مِنْهُ الْعَطَا مِنْهُ الْمَدَدْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالُاخْرَى لِلْأَبَدْ |
وقال أحد البريلويين: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سيِّد
الكونين، سخيٌّ رزَّاق، ونحن محتاجون إليه"، وقال أيضًا: "إنَّ اسمه مكتوبٌ
على العرش؛ ليعلمَ أنَّ العرش ملكُه وهو مالكه".
وكذلك قالوا: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - متصرِّف في كل
مكان"، ومثل ذلك قول البريلوي: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
خليفةُ الله الأعظم، وإنَّه متصرِّف في الأرض والسماء"، ونَقَل عنه أحدُ
أتباعه أنَّه قال أيضًا: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مالك
الأَرَضين، ومالك الناس، ومالك الأُمم، ومالك الخلائق، وبِيَده مفاتيح
النصر والمدد، وبيده مفاتيح الجَنَّة والنار، وهو الذي يُعِزُّ في الآخرة،
ويكون صاحب القُدرة والاختيار يومَ القيامة، وهو الذي يَكشِف الكروبَ،
ويدفع البلاء، وهو حافظٌ لأمَّته، وناصرٌ لها، وإليه تُرفع الأيدي
بالاستجداء".
وقال آخر: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نائِبُ الربِّ يُعطي
ما يشاء مَن يشاء، وينزع ما يشاء مِمَّن يشاء، وإنَّ الأرض في قبضته
وتصرُّفه، وإنَّ الجنَّة سلطنته ورياسته، وإنَّه هو قسَّام الأرزاق"، ولم
يقتصرِ الأمرُ على الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فحسبُ، بل تعدَّى
تأليهُهم للمخلوقين مقامَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى مقامِ
غيره؛ فأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -يُدخلانِ مُحبيهما الجنَّةَ،
ويُدخلان مبغضيهما النارَ، وعليُّ بن أبي طالب كذلك، يُدخل أولياءَه
الجنةَ، وأعداءَه النار.
أمَّا عبدالقادر الجيلاني، فإنَّه عندهم غوثُ المغيثين، وغِياثُ
المستغيثين، يقول فيه البريلوي: "إنَّ الشيخ عبدالقادر متصرِّف في العالَم،
ومأذونٌ له، ومختار، وهو المدبِّر لأمور العالَم"، ويقول فيه أيضًا: "يا
غوثي أنت المحيي، وأنت المميت، والنبي هو القاسم، وأنت الموصل"، ويناديه
قائلاً:
يا ظلَّ إله عبدالقادرِ، ويا ملجأَ العباد عبدالقادر، إنَّنا لمحتاجون وفقراء، وأنت ذو التاجِ والكــرم، شيئًا لله يا شيخ عبدالقادر.
وقال فيه في قصيدته العربية:
حَمْدًا يَا مُفَضِّلَ عَبْدِالْقَادِرِ يَا ذَا الْأَفْضَالْ مَوْلاَي بِمَا مَنَنْتَ بِالْجُودِ عَلِيَّ مِنْ دُونِ سُؤَالْ يَا مُنْعِمُ يَا مُجْمِلُ عَبْدِالْقَادِرِ أَنْتَ الْمَتَعَالْ امْنُنْ وَأَجِبِ السَّائِلَ عَبْدالْقَادِرِ جُدْ بِالْآمَالْ |
وقال فيه كذلك: "إنَّ عبدالقادر فرش فراشه
على العَرْش، وأنزل العرش على الفرش"، وأيضًا: "إنَّ الشيخ الجيلانيَّ هو
الغَوْثُ الذي حصلت له قُدرةُ كلمة (كن فيكون)"، وقال فيه أحدهم: "الجيلاني
هو غَوثُ الأغواث، وإن له حقَّ التثبيت في اللَّوح المحفوظ، وإنَّه يملك
أن يجعل المرأة رجلاً".
وقالوا فيه: "إنَّه أزال موتَ شخص كان مكتوبًا في اللَّوْح المحفوظ بأنَّه
يموت، وهكذا غيَّر قضاءَه وقدَرَه"، ويقول البريلوي - في بيان حدود ملك
وتصرُّف كلٍّ من (البدل) و(العارف)؛ وهُمَا مرتبتانِ من مراتب الشِّرْك
والضلال عندَهم -: "إنَّ مُلك البدل من السَّماء إلى الأرض، وإنَّ ملك
العارف مِن العَرْش إلى الفرش".
وهؤلاء الذين يُؤلِّهون المخلوقين، ويخلعون عليهم صِفاتِ الربِّ - تبارك
وتعالى - وخصائِصَه - عزَّ وجلَّ - لم ينسوا زعيمَهم ومؤسِّسَ نِحلتهم
الخبيثة، فأضَفَوْا عليه من الألقاب والنعـوت أكثرَ ممَّا أضفوا على غيره،
حيث قالوا فيه:
"إنَّه مالك ورزاق، وسيِّد ومرشد، ومالك وشافع ومغيث".
وكذلك قالوا فيه أيضًا: "إنْ تَركْنا بابك يا أحمد رضا، فمِن أين نسأل
ونستجدي؟! لم يَخِب أحدٌ من بابك، فإنَّك يا أحمد رضا تُعطي السائلين كلَّ
ما يطلبونه".
وقالوا أيضًا: "إنَّ المرضى كانوا يستشفون من عيسى - عليه السلام - ولكن أحمد رضا يُحيي الأموات".
وكذلك قالوا: "إنَّ قبرَه ومزارَه دارُ الشِّفاء للمرضى، وإنَّه حلاَّل المشاكل، ومُسهِّل الأمور، وقاضي الحاجات".
وقالوا فيه كذلك: "إنَّ أحمد رضا هو المبصِر للقلوب والأعين، وهو معطي الإيمان، وهو المنجِّي في الكونين".
وأخيرًا: قال أحدُ أتباعه ممَّن
يعبدونه من دون الله مناديًا له: "يا سيِّدي، يا رَزَّاقُ، أعطني مِن
نوالك؛ لأنَّ "كلبَك" هذا راجٍ لعطائك منذُ مدَّة، فانظر إلى "عُبَيْدِكَ"
هذا بنظرة الكرم؛ لأنَّه مهما ارتكب مِن الأخطاء والذنوب فإنَّه "كلبُك".
نعوذ بالله مِن زَيْغ القلوب، وضلالِ العقول، وانتكاس الأفهامِ، وعَمَى البصائر - قاتَلَهم الله أنَّى يؤفكون.
فماذا بَقِي لله - تبارك وتعالى؟! ماذا
أبقَوْا لِجبَّار السموات والأرض، إله الأوَّلين والآخِرين، وقيُّوم
السموات والأَرَضين - عزَّ شأنُه، وتقدَّست أسماؤه وجلَّ ثناؤه؟!ولا حاجةَ بنا إلى مزيدٍ من النُّقول عنهم؛ لإثباتِ
شِرْكهم الأكبر، وكُفرِهم الأعظم، وضلالهم المبين الذي لا ضلال بعده، نسأل
اللهَ العافيةَ والسلامة مِن زيغ القلوب، وانتكاسِ العقول، واتِّباع
الأهواء.
ففيما نقلناه عنهم كفايةٌ، ودليلٌ واضح، وبرهان صريح على وُلوغِهم في قعْر
الشِّرْك الأكبر المخـرِج من الملَّة، المـؤدِّي بصاحبه - لو مات عليه -
إلى العذاب الأليم في نار الجحيم - نعوذ بالله منها.
فعلى المسلمين جميعًا الحذرُ من هذه
الفِرقة الخبيثة المتلبِّسة بلبوس الإسلام، والإسلامُ منها بَراء، المنتسبة
إليه زُورًا وبهتانًا، والعملُ على كشفها وبيان ضلالها وإيضاحُ معتقداتها
الباطلة للناس، حتى يحذرَها الجميعُ، فلا ينخدع بها أحدٌ ولا يغترَّ بها من
المسلمين إنسانٌ، فهي نِحلةٌ فاجِرة، وفِرقة ضالَّة، قامت على الشركيات
والوثنيات التي جاء الإسلام لطَمْسِها ولمحاربتها، وللقضاء عليها.
وهم في سبيل ترويجِ باطلهم، ونشْر
ضلالاتهم يبدؤون غيرَهم بالهجوم، فالجميع لديهم كُفَّار، إلاَّ مَن كان على
طريقتهم ومذهبهم في الشِّرْك والوثنية، والضلال والانحراف عن جادَّةِ
الحق، وطريق الهُدى، وصراط الله المستقيم، وخاصَّة من يُسمُّونهم هم
بـ(الوهَّابيِّين)، ويعنون بهم: أهلَ التوحيد والاستقامة على شَرْع الله
والأخْذ عن الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن طريق كتاب الله -
عزَّ وجلَّ - وسُنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - الثابتة الصحيحة،
الذين يرفضون شركياتِهم ووثنياتِهم، ويَعرِفون لله حقَّه، ويَقْدُرونَه
حقَّ قَدْرِه - سبحانه وتعالى - ويَعرِفون للنبي الكريم - صلَّى الله عليه
وسلَّم - قَدرَه كذلك، فلا يرفعونَه فوقَ منزلته التي أنزله الله إيَّاها،
وإنَّما يُوقِّرونه التوقيرَ الواجـب له - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلا
غلوٍّ ولا إفراط، ويَعرِفون له فضلَه وخيريتَه، ويعتقدون أنَّه أفضل خَلْق
الله على الإطلاق، لكنَّهم لا يُؤلِّهونه، ولا يمنحونه مِن خصائص
الألوهيَّة شيئًا مهما كان؛ لأنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو الذي
أَمَر بذلك، وجاء بتوحيد الله، وإفرادِه بالعبادة، ونفْيِ الشريك عنه -
سبحانه وتعالى - وأمَرَه الله أن يقول للناس: {أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ
يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110].
وأن يقول لهم أيضًا: {
وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ
الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ
أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188].
وأن يقول للناس كذلك: {
إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 15].
وأن يقول لهم أيضًا: {
أَغَيْرَ اللَّهِ
أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ
وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ
وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 14].
وأخبَرَه ربُّه أنَّه - سبحانه - هو وحدَه كاشفُ الضر، وأنَّه - سبحانه -
هو القاهر فوقَ عباده، الحكيم في تصريف أمورهم وشؤونهم، الخبير بكلِّ دقيق
وجليل من أحوالهم، وذلك في قوله - تعالى -: {
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17].
وقد أَمَر الله - سبحانه - نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يقول للناس أيضًا: {
لاَ
أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ
أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50].
وأن يقول لهم كذلك: {
إِنِّي نُهِيتُ أَنْ
أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لاَ أَتَّبِعُ
أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: 56].
وأن يقول لهم كذلك: {
إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ
الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57].
وأن يقول لهم أيضًا: {
لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ}
[الأنعام: 58]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي يُبيِّن فيها الله -
سبحانه وتعالى - خصائصَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحدودَ منزلتِه
ومكانته، التي لا يُقلِّل منها أبدًا عدمُ مشاركته لربِّه في خصائص
ربوبيَّته وإلوهيته، بل يَزيده شرفًا ورفعةً ومكانةً طاعتُه لربه، وخالقه
ومولاه، وائتماره بأمره، وانتهاؤه عن نهيِه، ووقوفه عندَ حدوده، فهو أعرفُ
الخلق به - سبحانه - ومَن كان بالله أعرفَ كان منه أخوفَ، فهو إمامُ
الأنبياء - عليهم السلام - وسيِّد الأتقياء، ولو خرج - عليه الصلاة والسلام
- من قبرِه - ولن يخرج إلاَّ يوم القيامة - لقاتَلَ أوَّل ما قاتل هؤلاء
المشركين الذين أشركوه مع الله في الحُكم والتدبير، والخلق والإماتة،
والمَنْع والإعطاء، مما هو من خصائص الله - سبحانه وتعالى - التي لا يشترك
فيها معه مَلَكٌ مقرَّب، ولا نبيٌّ مرسَلٌ، ولا أحد مِن خلقه كائنًا من
كان.
أقول: إنَّ هذه الفِرقة الضالَّة
المضلِّة تُهاجِم أهلَ الحق والاستقامة؛ لتلاقيَ بسلاح الباطل سلاحَ
الحقِّ، فتوهِم السُّذجَ والبسطاءَ والعوامَّ أنَّ أولئك (الوهابيين)
ينتقِصون قدرَ الرسل والأنبياء - عليهم السلام - والصالحين، وخاصَّة رسول
الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيمنعون الاستغاثةَ بهم، والالتجاء إليهم،
والتوسُّل بهم، وطلبَ المدد منهم، وقصدُهم من ذلك ألا يستمعَ أولئك
العامَّةُ لأهل الحق في تفنيدهم لشِركيَّات تلك الفِرقة، أو نقضهم لباطلهم،
وردِّهم على ضلالاتهم؛ لأنَّ أهل الحق يكونون في نظر العامَّة حينذاك
كُفَّارًا فُسَّاقًا، لا يعرفون للأنبياء والأولياء والصالحين قدرَهم،
فينتقصونهم ويهينونهم... إلى غير ذلك ممَّا يُفرِّخه دعاةُ الشِّرك والضلال
في أذهان أولئك العامَّة ضدَّ أهلِ التوحيد؛ أهلِ السُّنة والجماعة
الحقيقيِّين، فلا يستمعون منهم آنذاكَ إلى قول، ولا يُصغون منهم إلى بيان،
ولا يَقبلون منهم نقاشًا ولا كلامًا، ولو كان هو الحقَّ، وما سواه هو
الباطل.
هذا هو قصْد البريلويِّين وأشباههم من تكفير مَن يُسمُّونهم (الوهابيين)،
والتشنيع عليهم، والإساءة إلى سُمعتهم، وإلاَّ فهم أولى بالتكفير، وأحقُّ
بالتشنيع، وأجدرُ بالوصف بأبشعِ الصِّفات من ضلال العقول، وزَيْغ القلوب،
واتباع الأهواء - نعوذ بالله من ذلك كلِّه - لأنَّهم أشركوا مع الله غيرَه،
بل عَبَدوا الأنبياء والأولياء والصالحين من دون الله، ومنحوهم ما لَم
يمنحوه لله مِن الصِّفات والخصائص، وقد مرَّ بك طَرَفٌ من نصوصهم
الشِّركيَّة، ومقولاتهم الكُفريَّة التي تدلُّ على ضلال العقول، وانعكاس
الأفهام، وزَيْغ القلوب - ولا حَولَ ولا قُوَّة إلاَّ بالله.
فإذا قال البريلوي مؤسِّس فرقتهم: "إنَّ الوهابيَّة وزعماءَهم كَفرةٌ لوجوه
كثيرة، ونطقهم بالشهادة ليس بنافٍ عنهم الكفر"، أو قال: "إنَّ الوهابيِّين
أرذلُ من إبليس، وأفسدُ منه وأضلُّ؛ لأنَّ الشيطان لا يكذب، وهؤلاء
يكذبون"، أو أفتى "بأنَّ صلاتهم لا تُعدُّ صلاةً، ولا أذانهم أذانًا"،
وبـ"أنَّ الوهابيِّين وغير المقلدين لا حقَّ لهم في مساجدِ المسلمين"،
ويقصد: البريلويين فقط، ودخولهم يُسبِّب الفساد، وإن لم يمتنعوا منها،
فيُمنعون رَسميًّا"
[8].
فإن ذلك كله قيء يتقيؤه البريلوي وأتباعُه؛ كراهيةً للتوحيد، وبغضًا
للحقِّ، ونفورًا من الإسلام الصحيح القائِمِ على توحيد الله، وعدم
الإشْرِاك معه غيره، أو صرْف شيء من العبادة لغيرِه دونَه أو معه.
فقد فرَّخ الشيطانُ في عقولهم، واستحوذَ
على قلوبهم، وصاروا في الضلال والفَساد أئمَّةً له ودعاة، حيث اعترَفَ
الشيطان لربِّه بالقُدرة التامَّة والمشيئة النافذة، وأنَّه - سبحانه -
المتصرِّف في الكون بما يشاء، كيف يشاء متى شاءَ - عزَّ وجلَّ - وعَرف قدرَ
نفسِه، وأنَّه مخلوق من مخلوقات الله، ولم يُشرِك مع الله غيرَه، بل حَلَف
به وطَلَب منه - سبحانه - الإنظارَ إلى يوم البعث؛ لأنَّه يعلم أنَّه لا
يملك ذلك غيرُه - سبحانه.
أمَّا هؤلاءِ الْمَرَدَةُ، فقد
تجاوزوا في الضلال، حتى الشيطان، وأساؤوا الأدب مع الله - سبحانه - فعبدوا
غيرَه دونه، واتَّجهوا إلى المخلوقين، وتَركوا الخالِق ممَّا لم يحدث، حتى
مِن الشيطان نفسِه - فقاتلهم الله أني يؤفكون.
فليحذرِ المسلمون شرَّ أولئك
الضالِّين المضلِّين، ولْيتبرَّؤوا منهم ومِن أفعالهم، وليتقرَّبوا إلى
الله ببُغضهِم وعداوتهم؛ لأنَّهم على الشِّرْك الأكبر المخرج من الملة
مقيمون، وإليه يدعون، ولأعدائه كارهون ومكفّرون.
لا يَزيدهم بيانُ الحق لهم إلاَّ ضلالاً، ولا مجادلتهم بالتي هي أحسنُ
إلاَّ عنادًا وإصرارًا على باطلِهم، فليس كضلالهم ضلالٌ، وليس كعماهم عَمى،
وصَدَق الله العظيم إذ يقول فيهم وفي أمثالهم: {
وَمَنْ
أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5 - 6].
ونقـول: لا أحدَ يا ربَّنا أضلُّ من أولئك.
إنَّ هذه الفِرقةَ - أيُّها الإخوة
المسلمون - من شَرِّ الفِرق، وأشدِّها عن جادة الحقِّ بُعْدًا، وأطولها في
حمأة الشِّرك باعًا، قد زَيَّن لهم الشيطان أعمالَهم، وصَدَّهم عن السبيل
فهم لا يهتدون.
فالحذرَ الحذرَ من الانخداع بأقوالها،
أو الرِّضا بأفعالها، فإنها متنكِّبة طريقَ الإسلام، وحائدةٌ عن صراطه
المستقيم، مائلةٌ عن دَرْب توحيد ربِّ العالمين، خارجةٌ عن هُدَى قيُّوم
السموات والأَرَضين، بما ثَبتْ عن مؤسِّسها وأتباعه مِن الأقوال والأفعال
الشِّركيَّة المُخرِجة من الملَّة، مما هو مبثوثٌ في كتبهم ورسائِلهم، مما
أثبَتْنا منه في هذه الرِّسالة طرفًا، ولا يتَّسع المقام لإثبات كلِّ ما
تمتلئ به صحائِفُهم من سموم القول، وخبيثِ الاعتقاد، ورديء البضاعة.
فنسأل اللهَ - سبحانه وتعالى - العفوَ
والعافية، والسلامةَ من الزَّيْغ والضلال، والحفظَ عن الانحراف عن جادَّةِ
الهدى، وأن يحفظَ علينا دِيننا، ويثبِّتَنا على الحقِّ حتى نلقاه، وأن
يَهديَ ضالَّ المسلمين، وي