اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99980
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم  Oooo14
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم  User_o10

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم  Empty
مُساهمةموضوع: دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم    دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم  Emptyالأحد 24 نوفمبر 2013 - 17:32

شرح العلامة محمد علي بن محمد بن علان رحمه الله
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم


27 - باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم .

(باب تعظيم حرمات) بضمتين جمع حرمة بضم فسكون، وهي ما لا يحلّ انتهاكه من أهل ومال (المسلمين وبيان حقوقهم) على إخوانهم المسلمين (والشفقة) معطوف على تعظيم ويصح عطفه على حرمات أو حقوق (عليهم والرحمة) عطف تفسير (بهم) .
(قال الله تعالى: {ومن يعظم حرمات ا} ) أحكامه وسائر ما لا يحل هتكه أو المراد به الحرم أو ما يتعلق به الحج من التكاليف (فهو) أي فالتعظيم (خير) أي قربة وزيادة في الطاعة (له عند ربه) ثم قيل الظاهر أن خيراً هنا ليس أفعل تفضيل.
(وقال تعالى: {ومن يعظم شعائر ا} ) دين الله أو فرائض الحج ومواضع نسكه أو الهدايا لأنها من معالم الحج وهو أوفق لظاهر ما بعده، وعليه فتعظيمها أن يختارها سمانا غالية الأثمان. «روي أنه أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برّة من ذهب. وأن عمر أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار» ( {فإنها من تقوى القلوب} ) أي فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي القلوب فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من، وذكر القلوب لأنها منشأ التقوى والفجور والإمرة بهما.
(وقال تعالى) مخاطباً لنبيه: ( {واخفض جناحك للمؤمنين} ) وتواضع لهم

وارفق بهم.
(وقال تعالى {من قتل نفساً بغير نفس} ) أي بغير نفس توجب القصاص (أو) بغير (فساد في الأرض) كالشرك وقطع الطريق. وثبت بالسنة رجم الزاني المحصن وقتل تارك الصلاة (فكأنما قتل الناس جميعاً) من حيث أنه هتك حرمة الدماء وسن القتل وجرأ الناس عليه أو من حيث أن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استجلاب غضب الله والعذاب العظيم (ومن أحياها) أي تسبب لبقاء حياتها بعفو أو منع عن القتل أو استنفاذ من بعض أسباب الهلكة (فكأنما أحيا الناس جميعاً) أي كأنه فعل ذلك بهم جميعاً والمطلوب منه تعظيم قتل النفس وإحياؤها في القلوب ترهيباً من التعرض لها وترغيباً في المجافاة لها.

2221 - (وعن أبي موسى) الأشعري (رضي الله عنه قال: قال رسول الله: المؤمن للمؤمن كالبنيان) فالمؤمن مبتدأ، وقوله كالبنيان خبره، وقوله للمؤمن يصح كونه حالاً من المبتدأ وصفة له، لأن أل فيه جنسية، وقوله: (يشد بعضه بعضاً) جملة استئنافية لبيان وجه الشبه؛ قال القرطبي: هذا تمثيل يفيد الحض على معاونة المؤمن للمؤمن ونصرته، وأن ذلك أمر متأكد لا بد منه، فإن البناء لا يتم ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضاً ويقويه. وإن لم يكن ذلك انحلت أجزاؤه وخرب بناؤه، وكذا المؤمن لا يشتغل بأمر دنياه ودينه إلا بمعاونة أخيه ومعاضدته ومناصرته، فإن لم يكن ذلك عجز عن القيام بكل مصالحه وعن مقاومة مضادّه فحينئذٍ لا يتم له نظام دنيا ولا دين ويلحق بالهالكين (وشبك) يحتمل أن يكون النبي وأن يكون الراوي (بين أصابعه) وذلك تقريب لوجه التشبيه وبيان للتداخل (متفق عليه) أخرجه البخاري في الصلاة والأدب، ومسلم في الأدب من «صحيحهما» ورواه

الترمذي في الزهد وقال: صحيح غريب من حديث أبي موسى، والنسائي في الإيمان.
2232 - (وعنه) أي أبي موسى (قال: قال رسول الله: من مرّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا) قال الحافظ ابن حجر هو تنويع من الشارع وليس شكاً من الراوي (ومعه نبل) جملة في محل الحال من فاعل مرّ، والنبل بفتح النون وسكون الموحدة: السهام العربية وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها (فليمسك أو) شك من الراوي (ليقيض) بكسر اللام للأمر أيضاً (على نصالها) قيل: «على» فيه بمعنى الباء، وقيل ضمن العامل معنى الاستعلاء للمبالغة. والنصال: بكسر النون وبالمهملة الحديدة التي في رأس السهم (بكفه) متعلق بيمسك أو يقبض، مخافة (أن يصيب أحداً من المسلمين منها) أي بسبب النصال فمن تعليلية (شيء) فيتأذى به (متفق عليه) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، ومسلم في الأدب ورواه أبو داود في الجهاد، وابن ماجه في الأدب، كذا في «الأطراف» للمزي.
2243 - (وعن النعمان) بضم النون وسكون العين المهملة (ابن بشير) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة وسكون التحتية (رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: مثل) بفتح أوليه، ويقال فيه مثل ومثيل ومثلها شبه وشبه وشبيه: أي فصة (المؤمنين) وفي نسخة «المسلمين» والذي في الصحيحين «المؤمنين» : أي الكاملين الإيمان كما قال ابن أبي حمزة (في توادهم) بتشديد الدال والأصل تواددهم فأدغم، والتوادد تفاعل من المودة: وهي: تقرب شخص من آخر بما يحب. قال القرطبي: ووقع في رواية توادهم بغير «في» ويصح ذلك ويكون مخفوضاً على أنه بدل اشتمال من المؤمنين (وتراحمهم وتعاطفهم) قال ابن أبي جمرة: الذي يظهر أن التراحم والتوادد والتعاطف وإن كانت متقاربة في

المعنى لكن بينها فرق لطيف فالتراحم المراد به أن يرحم بعضهم بعضاً بأخوة الإيمان لا بسبب شيء آخر، والتوادد المراد به: التواصل الجالب للمحبة فالتزاور والتهادي، والتعاطف المراد به إعانة بعضهم بعضاً كما يعطف طرف الثوب عليه ليقويه اهـ ملخصاً (مثل الجسد) أي بالنسبة إلى جميع أعضائه، وجه الشبه فيه التوافق في التعب والراحة كما بينه بقوله (إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد) أي دعا باقيه بعضه إلى بعض إلى المشاركة في الألم، يقال تداعت الحيطان: أي تساقطت أو كادت (بالسهر والحمى) الظرف متعلق بتداعي، وتداعيه بالسهر لأن الألم يمنع النوم، وأما الحمى فلأن فقد النوم يثيرها. والحمى بضم المهملة وتشديد الميم عرّفها حذاق الأطباء بأنها حرارة غريبة تشتعل في القلب فتنبثّ منه في جميع البدن فيشتعل اشتعالاً يضرّ بالأفعال الطبيعية. قال ابن أبي جمرة، شبه الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء، لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف، فإذا أخل المرء بشيء من التكاليف شان ذلك الإخلال الأصل، وذلك الجسد أصل كالشجر وأعضاؤه كالأغصان، فإذا اشتكى عضو من جسد اشتكت الأعضاء كلها بالاهتزاز والاضطراب اهـ. قال القاضي عياض: وفي
الحديث تعظيم حقوق المسلمين والحضّ على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضاً (متفق عليه) . وفي رواية لمسلم عن النعمان مرفوعاً «المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله» .

2254 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل النبي) سبطه وريحانته (الحسن بن علي رضي الله عنهما) وجملة (وعنده الأقرع بن حابس) في محل الحال من فاعل قبل، واسم الأقرع فراس ولقب بذلك لقرع كان في رأسه وهو تميمي كان شريفاً في الجاهلية والإسلام، شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة وحنيناً وحصار الطائف. قال في «فتح الباري» : وهو من المؤلفة وممن حسن إسلامه (فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد)

بفتحتين أو بضم فسكون (ما قبلت أحداً منهم) وذلك لما في أهل البادية من الغلظ والجفاء كما في الحديث «من بدا فقد جفا» (فنظر إليه رسول الله) متعجباً من تلك الغلظة الناشىء عنها عدم الشفقة على الأولاد الناشىء عنها عدم تقبيلهم وحملهم وشمهم (فقال) عقب نظره إليه (من لا يرحم) بالبناء للفاعل وحذف المفعول للتعميم/ أو كنى به عن الفعل مع مفعوله: أي من لا يرحم الناس، ويقرب من هذا المعنى رواية جابر: «من لا يرحم الناس لا يرحمه ا» قاله الشيخ أكمل الدين في «شرح المشارق» ، لكن الحديث سيأتي عن جرير، ولعل قوله عن جابر من الكاتب أو من باب تنزيل المتعدى منزلة اللازم، ونحو: فلان يعطي ويمنع، أي موصوف بتينك الصفتين: أي من لا رحمة عنده (لا يرحم) بالبناء للمفعول: أي لا يرحمهالله. قال في «فتح الباري» : هو بالرفع فيهما على الخبر. قال عياض: هو الأكثر وقال أبو البقاء «من» موصولة ويجوز أن تكون شرطية فيقرأ مجزوماً. قال السهيلي: جعله على الخبر أشبه بسياق الكلام: أي الذي فعل هذا الفعل لا يرحم، ولو كانت شرطية لكان في الكلام بعض انقطاع لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف. قلت: وهو أولى من وجه آخر لأنه يصير كضرب المثل، ورجح
بعضهم كونها موصولة لكون الشرط إذا أعقبه نفي ينفى بلم لا بلا، كقوله: «ومن لم يؤمن» وإن كان الآخر جائزاً كقول زهير: «ومن لا يظلم الناس يظلم» وهذا لا يقتضي ترجيحاً إذا كان المقام لائقاً بكونها شرطية، وأجاز بعض شراح المشارق رفع الجزءين وجزمهما ورفع الأول وجزم الثاني أو عكسه، ويحصل منه أربعة أوجه استبعد ثالثها، ووجه أن يكون في الثاني بمعنى النهي: أي من لا يرحم الناس لا ترحموه، وتقدير الرابع: من لا يكون من أهل الرحمة فإنه لا يرحم اهـ. ملخصاً من «الفتح» . وشارح المشارق المشار إليه هو الشيخ أكمل الدين، وعبارته: روي بالسكون والرفع، أما السكون فيهما فعلى الشرط والجزاء، وأما الرفع في الأول فيجعل من موصولة وكذا في الثاني، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي فهو لا يرحم اهـ. وفاته ذكر الوجه الثالث، ومعنى هاتين الجملتين قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون من لا يرحم غيره بأيّ نوع من أنواع الإحسان لا يحصل له هذا الثواب كما قال تعالى:
{هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} (الرحمن: 60) ويحتمل أن يكون المراد من لا تكون فيه رحمة الإيمان في الدنيا لا يرحم في الآخرة، أو من لا يرحم نفسه بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه لا يرحمه الله لأنه ليس عنده عهد، فتكون الرحمة الأولى بمعنى الأعمال، والثانية

بمعنى الجزاء، أي لا يثاب إلا من عمل صالحاً، ويحتمل أن تكون الأولى الصدقة الثانية البلاء: أي لا يسلم من البلاء إلا من تصدق، ومن لا يرحم الرحمة التي ليس فيها شائبة أذى لا يرحم مطلقاً، أو لا ينظر الله بعين الرحمة إلا إلى من جعل في قلبه الرحمة ولو كان عمله صالحاً اهـ. ملخصاً. قال: وينبغي للمرء أن يتفقد نفسه في هذه الأوجه كلها، فما قصر فيه لجأ إلى الله تعالى في الإعانة عليه اهـ. وفي جواب النبي للأقرع إشارة إلى أن تقبيل الولد وغيره من الأهل والمحارم والأجانب إنما يكون للشفقة والرحمة، لا للشهوة واللذة، وكذا الضم والمعانقة والشم (متفق عليه) . قال في «الجامع الصغير» : ورواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة، ورواه الشيخان عن جرير. وروى أحمد والشيخان والترمذي عن جرير «من لا يرحم الناس لا يرحمه ا» ورواه بهذا اللفظ أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد، ورواه الطبراني بلفظ «من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء» عن جرير، ورواه أحمد بلفظ: «من لا يَرحم لا يُرحم/ ومن لا يَغفر لا يُغفر له» عن جرير، ورواه بهذا اللفظ الطبراني عن جرير وزاد «من لا يتب لا يتب عليه» اهـ.
2265 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم) بكسر الدال المهملة (ناس) اسم جنس قيل أصله أناس بضم الهمزة فحذفت حذفها في لوقه وعوض عنها حرف التعريف ولذلك لا يجمع بينهما، وهو اسم جمع كرجال إذ لم يثبت فعال في أبنية الجمع. وتقدم عن البيضاوي في التفسير أنه مأخوذ من أنس كفرح لأنهم يأنسون بأمثالهم، أو أنس كضرب لأنهم ظاهرون مبصرون ولذا سموا بشراَ كما سمي الجن جناً لاجتنانهم اهـ. وقيل قلب من نسي، وقيل بل أصله ناس ينوس إذا اضطرب. وكأن تعويض أل عن الهمزة ليس على وجه اللزوم فلذا قالته الفصيحة بالتنكير وأل فيه إذا عرف للجنس. وهؤلاء الناس يحتمل أن يكونوا من بني تميم الذين رئيسهم الأقرع فيكون الحديث وما قبله في قصة واحدة، ويحتمل أنهما قصتان (من الأعراب) هم سكان البوادي، وفي نسخة من العرب وهم ولد إسماعيل (على رسول الله) وفي رواية البخاري «جاء أعرابي إلى رسول الله» وهذا الرجل قال شيخ الإسلام زكريا نقلاً عن الحافظ: يحتمل كونه الأقرع. قلت: وحكى المصنف في مبهماته عن الخطيب قولاً: إنه عيينة بن حصن، قال: وقد جاء

في «الصحيحين» التصريح بأنه الأقرع فإن صح عن عيينة أيضاً فهما قصتان اهـ (فقالوا) وقد رأوا المسلمين يقبلون صغارهم (أتقبلون صبيانكم) بكسر الصاد وضمها جمع صبي ويجمع على صبية كما في (الصحاح) ، وفي رواية البخاري السابقة «تقبلون» بتقدير ألف الاستفهام (فقالوا) أي المسلمون وفي نسخة «فقال أي النبي (نعم قالوا) أي الأعراب أو العرب (لكنا) استدراك من قولهم نعم من حيث أن الجنس واحد وأنهم بشر فربما يتوهم أنهم كذلك، فقالوا (لكنا وا ما تقبل) من حذف المفعول للتعميم، أي صغارنا أو من تنزيل التعدي منزلة اللازم نحو {هل يستوي الذين يعملون} (الزمر: 9) (فقال رسول الله: أو أملك) بالهمزة للاستفهام الإنكاري، وهو بفتح الواو العاطفة على مقدر بعد الهمزة على رأي الزمخشري. وقيل: إن الهمزة من جملة المعطوف وإن الواو مؤخرة
من تقديم لصدارة الهمزة، والتقدير على الأول: تنزع الرحمة من قلبك وأملك؟: أي أقدر أن أجعلها في قلبك، فمفعول أملك محذوف، وقوله: (أن نزع الله من قلوبكم الرحمة) بفتح الهمزة تقليل لذلك: أي لا أملك وضعها في قلوبكم لأن الله نزعها منكم. وأشار صاحب المفاتيح إلى كون أن بفتح الهمزة ومدخولها مفعول أملك على تقدير مضاف: أو أملك عدم نزع الله منكم الرحمة: أي لأن ما نزعه الله تعالى لا يقدر أحد على وضعه. قال العاقولي: ويجوز كسر الهمزة على أنّ إن أداة شرط جزاؤها محذوف لدلالة الكلام السابق عليه: أي إن نزع الله الرحمة من قلبكم فلا أملك لم دفعه ومنعه (متفق عليه) وهذا لفظ مسلم. وهذا الحديث اقتصر المزي على عزوه للبخاري فقط، مع أنه بهذا اللفظ لمسلم في كتاب فضائل الأنبياء وأما البخاري فرواه في كتاب الأدب بنحوه.
2276 - (وعن جرير بن عبد الله) البجلي (رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: من لا يرحم الناس) خصوا بالذكر اهتماماً بهم، وإلا فالرحمة مطلوبة لسائر المخلوقات حتى الدوابّ والبهائم. ففي كل كبد حرّاً رطبة أجر (لا يرحمه ا) قال العاقولي: الرحمة بمعنى

التعطف والرقة، فهي من الخلق بالمعنى ومن الله بالمعنى الغائي وهو الرضى عنه وإيصال النعم إليه. قال الدماميني في مصابيح الجامع الصحيح: اعلم أنه يجوز عند المتكلمين في تأويل ما لا يسوغ نسبته إلى الله تعالى على حقيقته اللغوية وجهان: أحدهما الحمل على الإرادة فيكون من صفات الذات. والآخر الحمل الحمل على فعل الإكرام فيكون من صفات الأفعال كالرحمة فإنها في اللغة مشتقة من الرحم وحاصلها رقة طبيعية وميل جبلي وهذا مستحيل في حق الباري فمنهم من يحملها على إرادة الخير ومنهم من يحملها على فعله ثم بعد ذلك يتعين أحد التأويلين في بعض السياقات لمانع يمنع الآخر كحديث «خلق الله الرحمة يوم خلقها» فيتعين تأويل الرحمة بفعل الخير لتكون صفة فعل فتكون حادثة عند الأشعري فيتسلط عليها الخلق، ولا يصح تأويلها فيه بالإرادة لأنها إذ ذاك من صفات الذات فتكون قديمة فيمتنع تعلق الخلق بها، ويتعين تأويلها بالإرادة في قوله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} (هود: 43) لأنك لو حملتها على الفعل لكان العصمة بعينها فيكون استثناء الشيء من نفسه، وكأنك قلت: لا عاصم إلا العاصم فتكون الرحمة الإرادة، والعصمة على بابها لفعل المنع من المكروهات، كأنه قال: لا يمنع المحذور إلا من أراد له السلامة، فتأمل اهـ. (متفق عليه) اقتصر المزي في «الأطراف» على عزوه بهذا اللفظ عن جرير إلى مسلم والترمذي قال: قال الترمذي: حسن صحيح، وتقدم تخريجه من الصحيحين وغيرهما في الكلام على حديث أبي هريرة نقلاً عن «الجامع الصغير» .
2287 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا صلى أحدكم) إماماً (للناس) وفي رواية مسلم «إذا أمّ أحدكم» (فليحفف) بأن يقتصر على أواسط المفصل وصغاره، وفي التسبيح في الركوع والسجود على ثلاث مرات، ويأتي بكمال التشهد والصلاة

على النبي، وهذا في إمام العامة، أما إمام قوم محصورين لم يتعلق بعينهم حق، راضين بالتطويل في مسجد لا يطرقهم غيرهم فلا بأس به ومحل ذلك أيضاً في غير ما لم يرد فيه قراءة سورة معينة وإلا كـ {آلم تنزيل} (البقرة: 1) {وهل أتى} (الإنسان: 1) في صبح الجمعة، {وق} {واقتربت} في العيد، ونحو ذلك فيأتي به وإن لم يرض القوم اكتفاء بوروده من فعله. قال ابن دقيق العيد: التخفيف والتطويل من الأمور الإضافية، فقد يكون الشيء خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم، ذويلاً بالنسبة إلى عادة قوم آخرين. وقول الفقهاء: لا يزيد الإمام على ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود لا يخالف ما ورد عن النبي أنه كان يزيد على ذلك، لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلاً. قال الحافظ ابن حجر: وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص: «أن النبي قال له: أنت إمام قومك، وأقدر القوم بأضعفهم» إسناده حسن وأصله في مسلم (فإن فيهم الضعيف) أي في خلقته كالنحيف (والسقيم) من به مرض (والكبير) أي في السن والجملة تعليل للأمر المذكور، وقضيته أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضرّ التطويل، لكن قال ابن سيد الناس اليعمري: الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة، فينبغي للأئمة التخفيف مطلقاً، قال: وهذا كما شرع القصر في صلاة السفر، وعلل بالمشقة وهي مع ذلك تشرع «وإن لم يشق عملاً بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وكذلك هنا (وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء) ومسلم «فليصل كيف شاء» أي مخففاً أو مطولاً (متفق عليه) ورواه أبو داود والترمذي إلى
قوله: «والكبير» وفي «الجامع الصغير» من حديث أبي واقد «كان أخفّ الناس صلاة على الناس، وأطول الناس صلاة لنفسه» رواه أحمد (وفي رواية) أي في «الصحيحين» وهي عند أبي داود أيضاً (وذا الحاجة) أي صاحب حاجة يريد قضاءها عقب الصلاة.

2298 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن) مخففة من الثقيلة أي إنه (كان رسول الله) من كمال شفقته على أمته (ليدع) أي يترك (العمل) واللام هي الفارقة بين المخففة وإن النافية، وجملة (وهو يحب أن يعمل به) في محل الحال ومحبته للعمل لما فيه من التقرّب إلى الله عزّ وجلّ والتوسل إلى زيادة مراضيه، وقوله: (خشية) مفعول: أي خوف (أن يعمل به الناس) اتباعاً له إذا فعله وهم مقتدون به في سائر الأحوال (فيفرض عليهم) ومن ذلك ترك الخروج إلى قوم لصلاة الليل جماعة في الليلة الثالثة أو الرابعة من رمضان حتى طلع الفجر، فخرج عليهم وقال: «ما منعني إلا خشية أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها» (متفق عليه) .
2309 - (وعنها) أي عائشة (قالت: نهاهم) أي الصحابة (النبي عن الوصال) وهو أن لا يتناول مفطراً بين الصومين، وقيل استدامة أحوال الصائم، فعلى الثاني يخرج من الوصال بالجماع والتقيؤ دون الأول، والنهي فيه عندنا للتحريم (رحمة لهم) علة للنهي ولا يمنع من كونه على وجه التحريم ويكون سبب التحريم الشفقة عليهم لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم (فقالوا: إنك تواصل) أي وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، تفعل ذلك تقرّباً إلىالله، فنحن لكوننا لسنا معصومين أولى بفعل ما يكتسب به غفر الذنوب والتوصل إلى مرضاة الله تعالى (قال) مبيناً لاختصاص قربة الوصال به (إني لست كهيئتكم) أي على صفتكم ومنزلتكم من الله: أي إن له من القرب من الله تعالى وعلوّ المنزلة عنده ما ليس لهم وفي رواية للبخاري «وأيكم مثلي» وهذا الاستفهام يفيد التوبيخ المشعر بالاستبعاد (إنى يطعمني) بضم أوله (ربي ويسقيني) يجوز فتح أوله وضمه من سقى وأسقى إلا أن تصح رواية بأحدهما فيرجع إليها (متفق عليه)

أخرجه مسلم في كتاب الصوم وكذا البخاري فيه «وفي غيره ورواه مالك والنسائي (معناه) أي المعنى المراد من قوله يطعمني إلخ (يجعل فيّ) بتشديد الياء (قوة من أكل وشرب) كذا قاله الجمهور فهو مجاز من ذكر الملزوم وإرادة اللازم: أي يجعل فيّ القوة المذكورة ويفيض على ما يسد مسد الطعام والشراب، والقوّة على أنواع الطاعات من غير ضعف في القوة ولا كلال في الإحساس. 0 وقيل المعنى على المجاز أيضاً أنه يجعل فيه من الشبع والري ما يغني عن الطعام والشراب فلا يحس بجوع ولا عطش. والفرق بين القولين أنه على الأول يعطي القوة من غير شبع ولا ري، وعلى الثاني يعطي القوة مع ذلك، ورجح الأول بأن الثاني ينافي حال الصائم ويفوّت المقصود من الصيام والوصال لأن الجوع روح هذه العبادة بخصوصها. قال القرطبي: ويبعده أيضاً النظر إلى حاله فإنه كان يجوع أكثر مما كان يشبع ويربط على بطنه الحجارة من الجوع. وجنح
ابن القيم إلى أن المراد أنه يشغله بالتفكر في عظمته والتحلي بمشاهدته والتغذي بمعارفه وقرّة العين بمحبته والاستغراق في مناجاته والإقبال عليه عن الطعام والشراب/ قال: وقد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد، ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني اهـ. وقيل إن المراد منه حقيقته فإنه كان يؤتى بطعام وشراب من الجنة كرامة له، وذلك لا يفطره لأن المفطر طعام الدنيا، أما طعام الجنة: أي المأتي على وجه المعجزة فلا، وبه يردّ ردّ المصنف بقوله: لو كان حقيقة لم يكن مواصلاً. قال ابن المنيرّ: هو محمول على أن أكله في تلك الحالة كحال النائم الذي يحصل الشبع والريّ ويستمرّ له حتى يستيقظ فلا يبطل به صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص أجره. قال الحافظ: وحاصله أن يحمل ذلك على حالة استغراقه في أحواله الشريفة حتى لا يؤثر فيه حينئذٍ شيء من الأحوال البشرية اهـ. وقيل إنه كان يؤتى به في النوم فيستيقظ وهو يجد الشبع والري.

23110 - (وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي) الأنصاري (رضي الله عنه قال: قال

رسول الله: إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها) جملة حالية من فاعل أقوم أو معطوفة على جملة لأقوم، وإرادته التطويل فيها لما يناله من قرة عينه بمناجاته ربه ولذيد أنسه به كما قال: «وجعلت قرّة عيني في الصلاة» هذا هو الأصح، وإن احتمل أن المراد ما قاله ابن فورك: من أن تلك الصلاة هي قوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبيّ} (الأحزاب: 56) ذكره الشنواني في حاشية شرح خطبة «مختصر خليل» للقاني (فأسمع بكاء الطفل) قال في «الصحاح» : الطفل هو المولود، قال البدر الدماميني في «تحفة الغريب على مغني اللبيب» وقد كنت وقفت على فصل لبعض اللغويين ذكر فيه صفات الإنسان التي يختص بإطلاقها عليه بحسب الأزمنة المختلفة فقلت ناظماً لها:
أصخ لصفات الآدمي وضبطها
لتلتقط دراً تقتنيه بديعا
جنين إذا ما كان في بطن أمه
ومن بعد يدعى بالصبي رضيعا
وإن فطموه فالغلام لسبعة
كذا يافع للعشر قله مطيعا
إلى خمس عشر بالجزوّر سمه
لتحسن فيما تنتحيه صنيعا
فمد إلى خمس وعشرين حجة
بذاك دعاه الفاضلون جميعا
ومن بعد يدعي بالعطيطل لأنها
ثلاثين فاحفظ لا تعد مضيعا
صل لحد الأربعين وبعده
بكهل إلى الخمسين فادع سميعا
وشيخاً إلى حد الثمانين فادعه
بها ثم هما للممات سريعا
قال الحافظ ابن حجر في أواخر كتاب الهبة من «الفتح» : يطلق على الشخص قبل البلوغ أنه طفل وغلام، وتخصيص بعض اللغويين بما ذكر أغلبي (فأتجوز) أي أخفف (في صلاتي) بين مسلم في رواية له عن أنس محل التخفيف منها ولفظه «فيقرأ بالسورة القصيرة» وبين ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن سابط مقدارها ولفظه «أنه قرأ في الركعة الأولى سورة طويلة، فسمع بكاء صبيّ فقرأ في الثانية بثلاث آيات» وهذا مرسل (كراهية) بتخفيف الياء مصدر كره وهو مفعول له أي لكراهة (أن أشق على أمه) بدوامها

في الصلاة لتطويلها مع بكاء ابنها، وذكر الأم خرج مخرج الغالب، وإلا فمن في معناها ملحق بها، والتخفيف السابق في حديث أبي هريرة لحقّ المأمومين، وفي هذا لمصلحة غير المأمومين لكن بحيث يتعلق بمن يرجع إليه، وفي الحديث شفقته على الصحابة ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير (رواه البخاري) في كتاب الصلاة، وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
23211 - (وعن) أبي عبد الله (جندب) بضم الجيم والمهملة وبفتحها (ابن عبد ا) ابن صفيان البجلي العلقي (رضي الله عنه) وعلقة: بفتح المهملة واللام بطن من بجيلة، له صحبة ليست بالقديمة. وقال في «المشكاة» ، جندب القسري، بفتح أوليه، قال: وفي بعض نسخ المصابيح القشيري قال شارحها وهو غلط، قال ابن الأثير: والذي ذكره الكلبي أن جندب الخير هو جندب بن عبد الله بن الأحزم الأزدي الغامدي اهـ. روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة وأربعون حديثاً، أخرج له منها في «الصحيحين» اثني عشر حديثاً اتفقا على سبعة منها، والباقي لمسلم (قال: قال رسول الله: من صلى صلاة الصبح) أي جماعة كما في رواية أخرى لمسلم فتقيد بها هذه الرواية المعلقة (فهو في ذمة ا) أي أمانه وعهده وكأنها خصت بذلك لأنها أول النهار الذي هو وقت ابتداء انتشار الناس في حوائجهم المحتاجين فيه وفي دوامه إلى أمن بعضهم من بعض لا لأفضليتها. قيل وهذا أوضح مما قاله الطيبي من أنها خصت بالذكر لما فيها من الكلفة والمشقة، فكان أداؤها مظنة خلوص الرجل ومئنة إيمانه، ومن كان مؤمناً فهو في ذمة الله وعهده، وذلك لأن ما قاله الطيبي يجري في العصر، فكان ذكر ذلك فيها أولى لوجود هذا المعنى فيها مع كونها أفضل وفي العشاء بل المشقة فيها أكثر، فلم يبق ما يميز الصبح عن غيرها من الخمس إلا ما ذكرناه (فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته) أيالله. قال الطيبي: ويجوز أن يعود إلى من، وقيل يحتمل أن المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان فيكون المعنى لا تتركوا صلاة الصبح فينتقض به العهد الذي بينكم وبين ربكم فيطلبكم به (فإنه) أي الشأن (من يطلبه) أي الله (من ذمته) أي من عهده، بأن خفره فيه وتعرض لمن هو فيه ولو (بشيء) يسير (يدركه) إذ لا مهرب منه (ثم) بعد إدراكه (يكبه) بفتح حرف المضارعة وهو أحد

الأفعال التي ثلاثيها متعدّ وإذا زيدت فيه الهمزة صار قاصراً: أي يلقيه (على وجهه في نار جهنم)
قال الطيبي: قوله فلا يطلبنكم من باب لا أرينك هاهنا، وقع النهي عن مطالبة الله إياهم عن نقض العهد، والمراد نهيهم عن التعرض لما يوجب مطالبة الله إياهم، وفيه مبالغات لأن الأصل لا تخفروا ذمته فجيء بالنهي كما ترى وصرح بلفظ «ا» ووضع المنهي، الذي هو مسبب موضع التعرض الذي هو سبب فيه، ثم أعاد الطلب وكرر الذمة ورتب عليه الوعيد. والمعنى: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا تتعرضوا له بشيء يسير، فإنكم إن تعرضتم له يدرككم الله ولن تفوتوه فيحيط بكم من جوانبكم كما يحيط المحيط بالمحاط فيكبكم في نار جهنم. قال ابن حجر الهيتمي في «شرح المشكاة» : وفيه غاية التحذير من التعرّض بسوء لمن صلى الصبح المستلزمة لصلاة بقية الخمس وأن في التعرض له بسوء غاية الإهانة والعذاب. اهـ. ونقل الشعراني في كتاب الحوض المورود أن الحجاج كان مع شدة فجوره إذا أتى له بأحد يسأله هل صليت الصبح؟ فإن قال نعم ترك التعرّض له بسوء خوفاً من هذالوجه (رواه مسلم) في كتاب الصلاة، ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة ولفظه: «من صلى الصبح فهو في ذمةالله، فلا يتبعنكم الله بشيء من ذمته» وسيأتي فيه بسط في باب التحذير من إيذاء الصالحين.
23312 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: المسلم أخو المسلم) قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات: 10) قال البيضاوي: أي من حيث إنهم منسوبون إلى أصل وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية اهـ. ورتب على هذه الأخوة المقتضية لمزيد الشفقة والتناصر والتعاون قوله (لا يظلمه) بأن ينقصه من ماله أو من حقه بغصب أو نحوه، ولا يسلمه إلى عدوّ متعد عليه عدواناً، بل ينصره ويدفع الظلم عنه ويدفعه عن الظلم كما سيأتي في حديث «انصر أخاك ظالماً» (ولا يسلمه) إلى عدوه ومنه نفسه التي هي أمارة بالسوء والشيطان كما قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوّاً} (فاطر: 6) فيحول بينه

وبين دواعي النفس من الشهوات والدعة المقتضية للنزول عن مقام الأخيار والحلول في جملة الأشرار، وبينه وبين الشيطان الذي يأمر بالسوء والفحشاء، وبينه وبين العدو الباغي عليهم عليه بالظلم والاعتداء (من كان في حاجة أخيه) أي ما يحتاج إليه حالاً أو مآلاً (كان الله في حاجته) جزاء وفاقاً - {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} (الرحمن: 60) روى الطبراني مرفوعاً «أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، كسوت عورته، أو أشبعت جوعته، أو قضيت له حاجته» وورد مرفوعاً أيضاً «من سعى في حاجة أخيه المسلم قضيت له أو لم تقض غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق» وأوردهما في «الفتح المبين شرح الأربعين» (ومن فرج) بتشديد الراء (عن مسلم كربة) بضم الكاف: الهم الذي يأخذ النفس (فرج الله عنه بها) أي بتلك المرة من التفريج (كربة من كرب) بضم ففتح جمع كربة كقربة وقرب (يوم القيامة) ثم آثر التفريج على رديفه من وسع الوارد في رواية أخرى، لأنه أعظم من التنفيس لأنه إزالتها بالكلية، والتنفيس إنما فيه إرخاء وتهوين (ومن ستر مسلماً) من ذوي الهيئات ونحوهم ممن لم يعرف بأذى أو فساد بأن علم منه معصية فيما مضى
فلم يخبر بها حاكماً وهذا للندب، إذ لو لم يستره. ورفعه لحاكم لم يأثم إجماعاً، بل ارتكب خلاف الأولى أو مكروهاً، أما كشفها لغير الحاكم كالتحدث بها فذلك غيبة شديدة الإثم والوزر، ويندب لمن جاءه تائب وأقرّ بجد ولم يفسره أن لا يستفسره بل يأمره بستر نفسه كما أمر ما عزا، وكذا تندب الشفاعة فيمن ظهرت منه جريمة من ذوي الهيئات حتى لا يوصل إليه، ففي الحديث «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم» رواه أبو داود والنسائي، ومنه أخذ أصحابنا أن لا تعزيز لذوي الهيئة على هفوة أو زلة صدرت منه أو المراد بستر المسلم ستر المسلم ستر عورته الحسية والمعنوية بإعانته على ستر دينه، كأن يكون محتاجاً لنكاح فيتوصل له في التزوّج أو الكسب فيتوصل له إلى بضاعة يتجر فيها أو نحو ذلك (ستره الله يوم القيامة) بالمعنيين بأن لا يعاقبه على ما فرط منه لأنه تعالى حييّ كريم، وستر العورة من الحياء والكرم، ففيه تخلق بخلقالله، وا يحبّ المتخلق بأخلاقه، وخرج بنحو ذوي الهيئات من عرف بالأذى والفساد فيندب، بل قد يجب أن لا يستر عليه بل أن يظهر حاله للناس حتى يتوقوه أو يرفعه لوليّ الأمر حتى قيم عليه

واجبه من حدّ أو تعزير ما لم يخش مفسدة، لأن الستر عليه يطعمه في مزيد الأذى والفساد، وبقولنا فيما مضى ما لو رآه متلبساً بالمعصية فيلزمه المبادرة بمنعه منها بنفسه إن قدر وإلا فيرفعه للحاكم كما مرّ ما لم يترتب عليه مفسدة، والكلام في غير نحو الرواة والشهود والأمناء على نحو صدقة أو وقف أو يتيم فيجب بالإجماع جرحهم على من يعلم قادحاً فيهم/ وليس هذا من الغيبة المحرّمة بل من النصيحة الواجبة (متفق عليه) .

وسبب فضل ما ذكر في الخبر أن الخلق عيالالله، وتنفيس الكرب وستر العورة إحسان إليهم، والعادة أن السيد المالك يحبّ الإحسان لعياله وحاشيته، وفي الأثر «الخلق عيالالله، وأحبهم إلى الله أرفقهم لعياله» .
23413 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: المسلم أخو المسلم) كالتعليل للحكم المذكور بعده، لأن الأخوة مقتضية للشفقة داعية للمعروف والمنفعة (لا يخونه) من الخيانة ضد الأمانة، أو يخونه ينقصه حقه الذي له عليه من التعاون والتعاضد (ولا يكذبه) يجوز أن يكون بفتح الياء: أي يخبره خبراً كاذباً ومنه قوله تعالى: {كذبوا الله ورسوله} (التوبة: 90) ويجوز أن يقرأ ويجوز أن يقرأ بضم أوله وسكون ثانيه وتخفيف ثالثه: أي لا يلقيه للمخبر بفتح الباء كاذباً أو بتشديد الثالث: أي لا ينسبه إلى الكذب، ثم رأيت عن المصنف ضبطه بضم أوله وإسكان ثانيه، وفسره بأن لا يخبره بأمر على خلاف الواقع لغير مصلحة (ولا يخذله) بضم الذال المعجمة أي: لا يترك نصرته المشروعة سيما مع الاحتياج والاضطرار، قال الله تعالى: {وتعانوا على البرِّ والتقوى} (المائدة: 2) وقال تعالى: {واستنصروكم في الدين فعليكم النصر} (الأنفال: 72) فالخذلان محرم شديد التحريم، ودنيوياً كان كأن يقدر على نصرة مظلوم ودفع ظالمه عنه فلا يدفعه، أو دينياً كأن يقدر على نصحه عن نحو غيبة فيترك. وقد روى أبو داود «ما من مسلم يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله

الله في الدنيا والآخرة» (كل) مبتدأ (المسلم) فيه ردّ على من زعم منع إضافة كل للمعرفة (على المسلم حرام) خبر ويبدل من كل (عرضه) أي حسبه ومفاخرة ومفاخر آبائه بأن تنتهك بالسبّ والغيبة والبهت، ويمنع من حمل العرض هنا على النفس وإن كان يطلق عليها لغة أنه لو حمل عليها لكان تكراراً مع قوله: «ودمه» إذ هو عبارة عن النفس (وماله) بأن يغصب أو يخان فيه (ودمه) أي نفسه بأن يتعرض لها بقتل أو أطرافها وأدلة تحريم هذه الثلاثة مشهورة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وجعلها كل المسلم وحقيقته لشدة اضطراره إليها، أما الدم فلأن به حياته ومادته المال فهومادة الحياة، والعرض به قيام صورته المعنوية،
واقتصر عليها لأن ما سواها فرع عليها وراجع إليها، لأنها إذا قامت الصورة الحسية والمعنوية فلا حاجة إلى غير ذلك وقيامها بتلك الثلاثة لا غير، ولكن حرمتها هي الأصل لم يحتج إلى تقييدها بما إذا لم يعرض ما يبيحها شرعاً كالقتل قوداً وأخذ مال المرتد فيئاً وتوبيخ المسلم تعزيراً ونحو ذلك (التقوى ههنا) أي في القلب (بحسب) بإسكان السين والباء فيه مزيدة وهو مبتدأ: أي كافي (امرىء) أي شخص (من الشر) في أخلاقه ومعاشه ومعاده (أن يحقر أخاه المسلم) لأن الله إذا لم يحتقره إذ أحسن تقويم خلقه وسخر له ما في السموات والأرض كله لأجله ومشاركة غيره له فيه بطريق التبع وسماه مسلماً أو مؤمناً وعبداً، وجعل الأنبياء الذين هم أفضل المخلوقين من جنسه كان احتقاره احتقاراً لما عظمه الله وشرّفه، وهو من أعظم الذنوب والجرائم، قال: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرّة من كبر» وقد فسره في الحديث بقوله: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» أي احتقارهم ومنه أن لا يبدأه بالسلام احتقاراً له ولا يرده عليه (رواه الترمذي) ومعناه عند مسلم في الحديث الآتي عقبه. قال السخاوي فيتخريج الأربعين للمصنف: رواه الترمذي بجملته وذكر فيه بعد وعرضه «التقوى ههنا، ويشير بيده إلى صدره ثم قال: بحسب» ورواه أبو داود مقتصراً على «كل المسلم» إلخ دون قوله: «وأشار بيده إلى صدره» (وقال) أي الترمذي (حديث حسن) وزاد السخاوي عنه: حسن صحيح. وقال المصنف في «الأذكار» : وما أعظم نفعه وأكثر فوائده اهـ.

23514 - (وعنه) أي عن أبي هريرة (قال: قال رسول الله: لا تحاسدوا) أي: لا يحسد بعضكم بعضاً، وأصله تتحاسدوا بتاءين حذفت إحداهما تخفيفاً، وهل هي تاء المضارعة أو فاء الكلمة؟ فيه خلاف. وقد أجمع الناس من المتشرعين وغيرهم على حرمة الحسد وقبحه، ونصوص الشرع الواردة بذلك كثيرة في الكتاب والسنة. وهو لغة وشرعاً: تمني زوال نعمة المحسود، ويخالف الغبطة، فإنما هي تمني مثل تلك النعمة مع بقائها لصاحبها. ووجه ذم الحسد وقبحه أنه اعتراض على الله تعالى له حيث أنعم على غيره مع محاولته نقض فعله وإزالة فضله. ومما يوضح ظلمه أنه يلزمه أن يحبّ لمحسوده ما يحب لنفسه وهو لا يحبّ لها زوال نعمتها، فقد أسقط حق محسوده مع ما فيه من تعب النفس وحزنها من غير فائدة بطريق محرم فهو تصرف رديء. والحسد أقسام: فمنهم من يسعى بلسانه ويده في نقل نعمة المحسود لنفسه أو لغيره وهو أخبث أنواعه، ومنهم من لا يسعى في ذلك، فهذا غير آثم كما قال الحسن البصري بل ورد مرفوعاً من وجوه ضعيفة، وظاهر أن محله إن عجز عن إزالة الحسد من نفسه بأن جاهدها في تركه ما استطاع، بخلاف من يحدث نفسه به اختياراً مع تمني إزالة نعمة المحسود فهذا لا شك في تأثيمه بل تفسيقه. ومنهم من يسعى في حصول مثل المحسود عليه فهذا حسن إن كان في الأمور الدينية، فقد تمنى الشهادة في سبيل الله، ولا حسن فيه في الامور الدينية كذا لخص من الفتح المبين (ولا تناجشوا) أي لا ينجش بعضكم على بعض بأن يزيد في السلعة لا لرغبة فيها بل ليخدع غيره وهو حرام إجماعاً على العالم بالنهي سواء كان بمواطأة البائع أم لا، لأنه غش وخداع وهما محرّمان، لأنه ترك للنصح الواجب، ويصح تفسير النجش هنا بما هو أعم من ذلك، لأن النجش لغة، إثارة الشيء بالمكر والحيلة والخداع فالمعنى: لا تتخادعوا ولا يعامل بعضكم بعضاً بالمكر والاحتيال وإيصال الأذى إليه، قال تعالى: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} (فاطر: 43) فيدخل
فيه على هذا جميع أنواع المعاملات بالغش ونحوه كتدليس عيب وكتمه وخلط جيد برديء، ويجوز المكر بمن يحل أذاه وهو الحربي ومن ثم قال: «الحرب خدعة» (ولا تباغضوا) أي لا يبغض بعضكم بعضاً: أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأنه قهري كالحبّ لا قدرة للإنسان على اكتسابه ولا يملك التصرف فيه، وهو النفرة عن الشيء لمعنى فيه مستقبح وترادفه الكراهة،

ثم هو بين اثنين، إما من جانبيهما أو من جانب أحدهما، وعلى كل فهو لغير الله تعالى حرام وهو محمل الحديث، وله واجب ومندوب، قال: «من أحبّ وأبغض وأعطى فقد استكمل الإيمان» وبغض إنسان تعالى لمن خالفه المتجه أن مخالفة الغير له إن علم أنها نشأت عن اجتهاد لكونه من أهله لا يجوز له بغضه حينئذٍ لأنه ليس / إذ الذي له ما يكون لأجل المعصية، ولا معصية هنا لأن المجتهد مأجور وإن أخطأ، وإن علم أنها نشأت عن تعصب وهوى نفس أو تقصير في البحث جاز. ولشرف الألفة أمتنّ بها تعالى على عباده فقال:
{واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً} (آل عمران: 103) ولذا كانت حرمة النميمة أشد لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء وجاز الكذب للإصلاح (ولا تدابروا) أي لا يدبر بعضكم عن بعض: أي يعرض عما يجب له من حقوق الإسلام كالإعانة والنصر وعدم الهجران في الكلام أكثر من ثلاثة أيام إلا لعذر شرعي كرجاء صلاح أحدهما، ووجه مغايرته لما قبله أن الشخص قديبغض ويوفي الحق، وقد يعرض لنحو تهمة أو تأديب وهو محبّ (ولا يبع) نهى تحريم عندنا (بعضكم) معشر المكلفين من المسلمين والذميين، والتقييد بالمسلم في الأخبار لا مفهوم له (على بيع بعض) فلا يجوز لأحد بغير إذن البائع أن يقول لمشتري سلعة في زمن الخيار: افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه، وذلك لما فيه من الإيذاء الموجب للتنافر والبغض، ومن ثم ورد «ذلك بأنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم» ومثله الشراء بغير إذن المشتري، بأن يقول آخر لبائع زمن الخيار: افسخ البيع لأشتريه منك بأغلى أما بعد انقضاء الخيار فلا تحريم، إذ لا مقتضى له، وكونه يؤدي إلى الإلحاح عليه حتى يقبله فيؤدي إلى ضرر مردود بأنه متمكن من عدم الرد، فإن اختاره كان هو المضرّ بنفسه، والإلحاح إنما يقتضي تحريم ذاته لأنه إضرار بالملحوح عليه (وكونوا عباد ا) أي يا عباد الله (إخواناً) أاكتسبوا ما تصيرون به إخواناً مما سبق ذكره وغيره مما يدعو إلى الألفة ويمنع من النفرة: أي تعاونوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير مع صفاء القلب والنصيحة بكل حال، وهذا كالتعليل لما قبله كأنه قيل إذا تركتم التحاسد وما بعده كنتم إخواناً كالإخوان فيما مرّ،

ووجه طاعة الله في كونهم إخواناً التعاضد على إقامة وإظهار شعاره إذ بدون ائتلاف القلوب لا يتم ذلك كما قال تعالى: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم}
(الأنفال: 62، 63) الآية. (المسلم أخو المسلم) أي لأنهما لجمع دين واحد لهما أشبها الأخوين المجتمعين في ولادة من صلب أو رحم أو منهما، بل الأخوة الدينية أعظم من الأخوة الحقيقية لأن ثمرة هذه دنيوية وثمرة تلك أخروية (لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) بفتح أوله وبالمهملة والقاف المكسورة: أي لا يستصغر شأنه ويضع من قدره، لأن الله تعالى لما خلقه لم يحقره بل رفعه وخاطبه وكلفه، فاحتقاره تجاوز لحد الربوبية في الكبرياء وهو ذنب عظيم، ومن ثم ورد كما تقدم «بحسب امرىء من الشرّ» إلخ فالاحتقار ناشىء عن الكبر فهو بذلك يحتقر الغير ويراه بعين النقص ولا يراه أهلاً لأن يقوم بحقه. وروي بضم أوله وبالخاء المعجمة والفاء: أي لا يغدر عهده ولا ينقض أمانه. قال القاضي عياض: والمعروف الصواب هو الأول الموجود في كتاب مسلم، ويؤيده رواية «ولا يحتقره» ومعنى هذه الجملة أن من حق الإسلام وأخوته أن لا يظلم المسلم أخاه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، وللإسلام حقوق ذكرت في غير هذا الحديث وجمعت في حديث «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» وتخصيص ذلك بالمسلم لمزيد حرمته لا لاختصاص به من كل وجه/ لأن الذمي يشاركه في حرمة ظلمه وخذلانه بنحو ترك دفع عدوّه والكذب عليه واحتقاره: أي من غير حيثية الكفر القائم به أما من تلك الحيثية فجائز، قال تعالى:
{ومن يهن الله فما له من مكرم} (الحج: 18) (التقوى) وهي اجتناب عذاب الله بفعل المأمور وترك المحظور (وههنا ويشير) بيده (إلى صدره ثلاث مرات) أي محل مادتها من الخوف الحاصل عليها القلب الذي هو عند الصدر. قال: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم» أي إن الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى، إنما تحصل بما يقع في القلب من عظيم خشية الله ومراقبته، فمن ثم كان نظر الله بمعنى مجازاته ومحاسبته على ما في القلب من خير وشرّ دون الصور الظاهرة، إذ الاعتبار في ذلك كله بالقلب.
وفي الحديث دليل على أن العقل في القلب دون الرأس، وفيه خلاف،

الراجح منه هذا، ووجه مناسبة هذا لما قبله الإعلام بأن كرم الخلق إنما هو التقوى، فربّ حقير عند الناس أعظم قدراً عند الله من كثير من عظماء الدنيا (بحسب امرىء من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) تقدم الكلام عليه في الحديث قبله. وقدم هنا الدم أي النفس لأنها الأصل والمال لتعلق النفس به أتمّ لكونه قوامها فلم يظهر وجه تأخير العرض حينئذٍ، وحكمة تقديمه عليهما ثمة أن الابتلاء بالوقوع فيه أكثر منه فيهما، فابتدىء به اهتماماً به زيادة في التحذير منه والبعد عنه (رواه مسلم) .
قال الحافظ السخاوي في تخريج الأربعين التي جمعها المؤلف: هذا حديث صحيح رواه أحمد ومسلم في «صحيحه» ، وعنده في بعض طرقه من الزيادة «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم، وأشار بأصابعه إلى صدره» وأخرج ابن ماجه بعضه وأبو عوانة أيضاً وأبو نعيم بتمامه في «المستخرج» اهـ.
(النجش) بسكون الجيم لغة، إثارة الشيء بالمكر والخديعة، وشرعاً (أن يزيد في ثمن سلعة ينادى عليها في السوق ونحوه) من مواطن البيع (ولا رغبة له في شرائها بل يقصد أن يغرّ غيره) أما إذا كان المال لنحو يتيم ورآه يباع بأقل من ثمن المثل وقصد وصوله لثمن مثله الواجب فيه لا إضرار الغير، فلا (وهذا حرام) مع العلم. (والتدابر أن يعرض) أي الإنسان (عن الإنسان) احتقاراً له (ويهجره) فوق ثلاثة أيام (ويجعله كالشيء الذي وراء الظهر والدبر) في الاحتقار به وعدم الاهتمام بشأنه.
23615 - (وعن أنس رضي الله عنه عن النبي قال: لا يؤمن أحدكم) أي إيماناً كاملاً (حتى يحبّ لأخيه) أي المسلم فيجب على كل مسلم من حيث إنه مسلم أن لا يخص

أحداً منهم دون الآخر لأن إضافة المفرد تفيد العموم (ما يحبّ لنفسه) من الطاعات والمباحات أي ويبغض له مثل ما يبغضه لنفسه وسكت عنه مع كونه من كمال الإيمان اكتفاء بذكر ضده. قال العلماء في هذا الحديث من الفقه: أن المؤمن مع المؤمن كالنفس الواحدة، فينبغي أن يحبّ لها ما يحبّ لنفسه من حيث إنها نفس واحدة كما في الحديث «المسلمون كالجسد الواحد» الحديث.
وقال ابن العماد: الأولى أن يحمل على عموم الأخوة حتى يشمل الكافر فيحبّ لأخيه الكافر ما يحبُّ لنفسه من دخوله في الإسلام كما يحبّ للمسلم دوامه، ومن ثم كان الدعاء بالهداية مستحباً، وحتى هنا جارة لأن ما قبلها غير ما بعدها فإنه غاية لنفي الكمال. ثم ظاهر الخبر أن هذه المحبة كافية في كماله وإن لم يأت ببقية أركانه/ وليس مراداً بل إنما ورد تحريضاً على التواضع ومحاسن الأخلاق وترغيباً في محبة المسلمين بعضهم بعضاً وائتلافهم، ولا يخفى أن ذلك يؤدي إلى التعاضد والتناصر، وبه ينتظم شمل الإيمان وتتأيد شرائعه، كما علم مما مر في الحديث قبله، أو ورد مبالغة حتى كأن تلك المحبة ركنه الأعظم «كالحج عرفة» إذ هي مستلزمة لبقية أركانه ثم المكلف به مقدمات المحبة مما تقدم لا المحبة نفسها، لأنها ميل طبيعي لا يطاق تحت نطاق الاختيار والتكليف به تكليف بمحال، فالمراد إيثار ما يؤدي للمحبة مما يقتضي العقل اختياره وإن كان خلاف هوى الإنسان كالدواء فإنه يكرهه المريض طبعاً ويميل إليه اختياراً بحكم عقله لعلمه بأن صلاحه فيه، والمراد محبة الرحمة والإشفاق (متفق عليه) .
قال السخاوي في التخريج المذكور بعد تخريجه باللفظ المذكور: وشك غندر فقال لأخيه أو لجاره. قلت وكذلك هو عند مسلم بالشك فيهما، قال السخاوي ولفظ المعلم وهمام: «لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير» زاد المعلم أوله «والذي نفسي بيده» ما لفظه: هذا حديث صحيح. ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده والدارمي وعبد في مسنديهما وابن ماجه في «سننه» وأبو عوانة في «مستخرجه» ، وابن حبان في «صحيحه» وعند الترمذي حديث صحيح، وكذا اتفق عليه الشيخان من حديث يحيى بن سعيد القطان عن حسين المعلم لكن بدون قوله: «من الخير» وهي صحيحة لأنها خارجة من مخرج

الصحيحين بل هي على شرطهما وأخرجها ابن منده في كتاب الإيمان من حديث روح بن عبادة عن العلم ووافق المعلم عليها همام اهـ. وقد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب فضل قضاء حوائج المسلمين
» دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها
» دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في النصيحة
» دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في اليقين
» دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في الاستقامة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: السيره النبويه والحديث :: شرح الحديث المقروء-
انتقل الى: