المتَخلِّف لهذه الجريمة التي تقْشعر لِهَوْلِها الأبدانُ.
وَظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً عَلَى النَّفْسِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ |
ولكن كيف يكون عزاؤنا لأنفسنا؟ ولولا تقاعسنا وأنانيتنا، ولولا رضاؤنا أن تداسَ كرامتنا يوميًّا في بلاد نَظنُّها حرة، ما دِيسَ جسدُك على أرض نعرف أنها ليست حرة.
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلُ الهَوَانُ عَلَيْهِ مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلاَمُ |
صدقت أيها الشاعر، ما الجديد؟! وما المهين أن يداسَ فِلَسْطيني بسيارة مغتصب، يذهب ويجيء بسيارته فوق جسده، دون أن يحس المسلمون أو العرب ضيمًا أو مهانة؟!
ما الجديد أن يعامل الفِلَسْطيني الذي لا يقاوم الاحتلال من دولة الكيان
الغاصب معاملة أفضل بكثير مما يلقاه في أقطار العالَم العربي بأكملها؟! ما
الجديد؟! ألا يستطيع الفِلَسْطيني في بلدٍ عربية - غير فِلَسطين - أنْ
يصرخَ بأعلى صوتِه على مرأى ومسمع من الجميع، مُنَدِّدًا بهذا المشْهد
البشع؟!
قلها في بيتك، أو بينك وبين مَن تثق
بهم كما تشاء ممن ما زالوا يملكون ضميرًا يؤنِّبهم، أو إنسانية تحركهم،
وإياك ثم إياك أن تضيفَ إلى ذلك علامة من علامات الإيمان: كالصلاة في
أوقاتها، أو إطلاق لحية، أو ارتداء قميص قصير؛ لأنك حينئذ بالتأكيد ستكون
أُصُوليًّا.
حقيقة أتساءل: لماذا نلوم اليهود على ما يفعلونه بنا، وقد فعلنا ببعضنا بعضًا أكثر بكثير مما صنعوه بنا؟! فبعض البلاد العربية تقهر شعوبها، وتقهر الفِلَسْطينيين على أراضيها أكثر
من قهْر اليهود لهم! انظر إلى تعامُلهم معهم في المعابِر والمطارات، وانظر
إلى تعامُل هذه الدول نفسها مع الصهاينة، ستدرك حينها مَن العدو بالنسبة
لهذه الدول.
والفلسطينيون الذين يعانُون اضطهادًا
في العراق، وَلَجَؤُوا إلى الحدود السورية، بقوا على الحدود حتى قامتْ بعض
دول أوربا أو أمريكا الجنوبية وأستراليا بالقبول باستضافتهم.
والفِلَسْطيني في جميع الدول العربية
لا يُسمح له بإقامة أية فعالية للتنديد بجرائم الاحتلال ضد إخوانه، وإن
سُمح بشيءٍ من هذا، فإنها تكون بلا أية تغطية إعلامية، وكأنها عيب يُدارونه
ويخفونه عن الأعيُن والأسْماع.
أما الفِلَسْطيني في دول الغرب، فيعامَل معاملة المواطن الغربي، أو كغيره من العرب على الأقل، ويسمح له بإقامة الفعاليات والتظاهُرات،
وكتابة المقالات، وغير ذلك مما يعبّر به عن تنديده وغضبه من دولة الكيان
الغاصب، بل ومِن الدول التي يقيم بها إن كانتْ تساعد دولة الكيان الغاصب،
والله المستعان.
لا أدري كيف حال أمه، وكل أم عربية رأتْ هذا المنْظر الذي وددتُ ألا أراه في عدو مهما بلغ إجرامه؟ فكيف
بي أراه في واحدٍ من بني وطني وقومي وديني، لا أقول ذلك من باب رهافة
الحسِّ، ولا من نُبلٍ أدَّعيه، أقول هذا وأنا لا أعرف شيئًا عن هذا الشاب؛
إذ لو كان كافرًا مجرمًا ما أحببت أن يُفعلَ به هذا، هذا الذي أسميه حقدًا
أسود أعمى بَشِعًا، وأسميه رغبة عارمة في الإهانة والإذْلال، هذا حال
الصهاينة السفلة المعتدين.
ما الذي يُمكن أن نعتذرَ به - نحن المليار والنصف مسلمًا - لهذه الأم المفْجُوعة المكلومة، وغيرها من أُمهات فِلَسْطين اللاتي لا تكاد عائلة تخلو من أم أو زوجة
معذبة مشقوقة الجسد، مذبوحة الروح، حيث هي إما أم، أو زوجة لأسير يرزح تحت
وطأة سنوات القَهْر والاعتقال الطويلة العذاب، أو لمطارد في جنبات وطن
يغلِّفه الحصار، حيث لا تأمن عليه جواسيس ليل، أو عيون نهار، أو لشهيد غيبه
الثَّرى بعد أن كان ملء السمع والأبصار، أو لملمته بعد قصف وهو أشلاء
نازفة، تعزف أبشع ذكرى يمكن أن تمر على قلب إنسان؟!
ما الذي يمكن أن أقولَه لآلاف الأمهات
اللاتي يرين كثيرًا من رجال وشباب الأمة الإسلامية يعيشون كما الأنعام،
وإخوانهم في أرض فِلَسْطين كلَّ يوم بين قتيل وأسير ومطارد، يَرَيْنهم
يتنافسون على شاشات الفضائيات، يتقاتلون لإحراز هدف في مباراة، أو يتنافسون
في إنقاص أوزانهم من تخمة الرفاهية، أو يتبارون أيهم أجمل صوتًا، وأفضل
رقصًا، وأما الفئة التي تتحدثُ عن الحق الفِلَسْطيني، فالتهمة جاهزة، وهي
أنها إما فئة مأجورة ذات أجندات خارجية، أو فئة محظورة، أو غير ذلك من
الأَوْصاف والنعوت التي تغدق بها كثيرٌ مِن حكوماتنا ووسائل إعلامنا
العربية؟!
ما الذي يُمكن قوله لأكثر من عشرة آلاف أسير أحسنوا بنا الظن، وحسبوا أننا لن نهدأ حتى نخرجهم، صدَّقوا حمية قولنا، وحماسة خطبائنا،
وعزم المتسامرون في المجالس المغلقة، أو التظاهُرات، من أننا سنفديهم
بالروح والدم، والحقيقة أننا نُضحي بأرواحهم ودمائهم حين نسهر أمام
الإنترنت؛ لا لنستفيد منها علمًا، أو فائدة، أو حكمة، وإنما لأشياء أخرى
يعرفها الكثيرون، أما علوم الإنترنت وثماره المعرفية، فما أزهدنا فيها،
وأبعدنا عنها، تكفينا غرَف الشات، وكلٌّ يُغنِّي على ليلاه؟!
منَ الطريف أن كثيرين يسْهرُون على الأفلام، ومنها أفلام الرعب، لكن العجيب
أن تسأل الكثيرين فتجدهم لا يعرفون شيئًا عن هذا الفيلم الذي أحكيه!