اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  رد الشبه والافتراءات عن السيدة عائشة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
 رد الشبه والافتراءات عن السيدة عائشة Oooo14
 رد الشبه والافتراءات عن السيدة عائشة User_o10

 رد الشبه والافتراءات عن السيدة عائشة Empty
مُساهمةموضوع: رد الشبه والافتراءات عن السيدة عائشة    رد الشبه والافتراءات عن السيدة عائشة Emptyالأحد 12 مايو 2013 - 16:10

إنَّ أعداءَ الإسلام -
من الشيعة الروافض - لا يفتؤون في نصْب شِباكهم الدنيَّة تجاه أصحاب النبي
- صلَّى الله عليه وسلَّم - عمومًا، وأزواج النبي - صلَّى الله عليه
وسلَّم - خصوصًا؛ حتى يُشكِّكوا الناسَ في قُدواتهم، ويزعزِعوا عقيدتهم في
أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيذْكُرون شُبهًا؛ حتى يُلبسوا على
المسلمين، والناس في زمن الغُربة الثانية بعيدون عن دينهم؛ مِصداقًا لقول
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بدأَ الإسلامُ غريبًا وسيعود غريبًا
كما بدأَ؛ فطُوبَى للغُرباء))؛ رواه مسلم.




لذا
يجبُ على المسلم أنْ يصونَ دينَه عن الشُّبهات فلا يستمع إليها؛ لأن
الشبهة قد تستقرُّ في قلبه، ولا يستطيع دَفْعَها؛ لضَعف إيمانه، أو قِلَّة
عِلمه، أو هما معًا، ولا شكَّ ولا ريبَ أنَّ المسلمَ مأمورٌ باجتباب مواقع
الشُّبهات، ومواطن الفِتن،
لماذا؟ لأنَّ الحُكماء من هذه الأُمَّة قالوا: "القلوبُ ضعيفة، والشُّبَه خَطَّافة"، ولا ينبغي لعاقلٍ أن يجعلَ قلبَه عُرضة للشُّبهات تستحكمُ قلبَه، ثم يقول: أدفعُها، وأدحضُها، وأكشفُ زيفَ القوم وباطلَهم.



ومَن نظَرَ للواقع عَلِم حقيقةَ الحال، فمن نَجَا من الشهوة، وقَعَ في الشُّبهة، والقليل مَن وفَّقه الله للاعتصام بالكتاب والسُّنة.



قال ابنُ القَيِّم في "مفتاح دار السعادة": وقوله - أي عَلِي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "ينقدحُ الشكُّ في قلبه بأوَّلِ عارضٍ مِن شُبهة"؛
هذا لضَعف عِلْمه، وقِلَّة بصيرته، إذا وردتْ على قلبِه أدنى شُبهة قدحتْ
فيه الشكَّ والريبَ، بخلاف الراسخ في العِلم، لو وردَ عليه من الشُّبَه
عددُ أمواج البحر، ما أزالَ يقينَه، ولا قدحَ فيه شكًّا؛ لأنه قد رسَخَ في
العِلم، فلا تستفزُّه الشُّبهات، بل إذا وردتْ عليه ردَّها حَرَسُ العلم
وجيشُه؛ مغلولةً مغلوبةً.




والشُّبهة واردٌ يَرِدُ على القلب،
يحول بينه وبين انكشافِ الحقِّ له، فمتى باشَرَ القلبُ حقيقةَ العلم، لم
تؤثِّر تلك الشبهةُ فيه، بل يقوى عِلمُه ويقينه بردِّها ومعرفة بُطْلانها،
ومتى لَمْ يُباشرْ حقيقةَ العلم بالحقِّ قلبُه، قدحتْ فيه الشكَّ بأوَّل
وهْلة، فإنْ تداركَها وإلاَّ تتابعتْ على قلبه أمثالُها، حتى يصيرَ شاكًّا
مُرتابًا.




والقلبُ
يتواردُه جيشان من الباطل: جيشُ شهوات الغَي، وجيشُ شبهات الباطل، فأَيُّما
قلبٍ صغَى إليها، وركَنَ إليها تشرَّبها، وامتلأ بها، فينضح لسانُه
وجوارحُه بموجبها، فإنْ أُشْربَ شبهاتِ الباطل، تفجَّرتْ على لسانه الشكوكُ
والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهلُ أنَّ ذلك لسعة عِلمه، وإنَّما ذلك من
عدمِ عِلمه ويقينه.




وقال لي شيخُ
الاسلام - رضي الله عنه - وقد جعلتُ أُورِدُ عليه إيرادًا بعد إيراد: لا
تجعلْ قلبَك للإيرادات والشُّبهات مثل السفنجة فيتشربَها، فلا ينضح إلا
بِها، ولكنِ اجعلْه كالزجاجة المصمتة، تمرُّ الشبهات بظاهرِها ولا تستقرُّ
فيها، فيراها بصفائه، ويدفعُها بصلابته، وإلاَّ فإذا أَشْرَبْتَ قلبَك
كُلَّ شُبهةٍ تمرُّ عليها، صارَ مُقرًّا للشُّبهات، أو كما قال.




فما أعلمُ أنِّي انتفعتُ بوصيَّة في دَفْع الشُّبهات كانتفاعي بذلك.



وإنما سُمِّيَت الشبهة شبهةً؛
لاشتباه الحقِّ بالباطل فيها؛ فإنَّها تَلْبَس ثوبَ الحقِّ على جِسم
الباطل، وأكثرُ الناس أصحاب حُسنٍ ظاهر، فينظر الناظر فيما أُلْبِسَتْهُ من
اللباس، فيعتقد صِحَّتَها.




وأمَّا صاحبُ
العِلم واليقين، فإنَّه لا يغترُّ بذلك، بل يجاوزُ نظرَه إلى باطنها، وما
تحتَ لباسِها، فينكشف له حقيقَتُها، ومثال هذا: الدرهم الزائف، فإنَّه
يغترُّ به الجاهل بالنقْد؛ نظرًا لِمَا عليه مِن لباس الفضَّة، والناقد
البصير يجاوزُ نظرَه إلى ما وراء ذلك، فيطَّلعُ على زَيفه
"؛ اهـ، (1 /140).



والله المرجو والمأمول أنْ يعصمَنا من الشهوات والشبهات، وأنْ يجعلَنا مُعتصمين بكتابه وبسُنة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم.



ثم اعْلم -
أخي الكريم - أنَّ الروافضَ - قبَّحهم الله - أكثروا الطعْنَ في أُمِّ
المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بأمورٍ ظنُّوها حقائقَ، وهي في الحقيقة
شُبَه أوْهَى من خيوط العنكبوت، وتأثَّر بكلامهم بعضُ بَني جِلْدتنا من
الكُتَّاب والصحفيين، بل حتى مَن يعملون في الساحة الإسلاميَّة؛ ممَّن ليس
له نصيبٌ من العلم،
اغتروا بكلامهم وَوَقَعُوا في شِباكهم بحُسن نيَّة، والله حسيبُهم، وهو المطلع على بواطن الأمور.



ولَمَّا كان
كلامي دائرًا على دَفْع الشُّبهات عن أُمِّنا عائشة - رضي الله عنها -
رأيتُ مِن واجبي أنْ أبدأَ بهذه المقدِّمة؛ تَبْصِرةً لذَوي العقول
والألباب.




فمن هذه الشبه والمطاعن:

المطعْن الأول: قول الرافضة - قبَّحهم الله -: إنَّ عائشة وحَفْصة تآمَرَتا؛
لاغتيال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد وضَعَتا السُّمَّ في فَمِ
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنَّه ماتَ نتيجةً لذلك!



الجواب:

اعْلمْ أنَّ الرافضة أكذبُ الفِرَق
المنتسبة إلى الإسلام، وأنَّ دينَهم بُني على ذلك الكَذب، وأنَّه ليس لهم
أعداء يَحْقدون عليهم، ويسبُّونهم في الليل والنهار أكثر منَ الصحابة - رضي
الله عنهم.



قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله: وقد
اتَّفقَ أهْلُ العلم بالنقْل والرواية والإسناد على أنَّ الرافضة أكذبُ
الطوائف، والكَذب فيهم قديمٌ؛ ولهذا كان أئمةُ الإسلام يعلمون امتيازَهم
بكثرة الكَذب.



قال الشافعي: لم أرَ أحدًا أشْهَدَ بالزور من الرافضة.



وقال محمد بن سعيد الأصبهاني: سمعتُ
شُرَيْكًا يقول: احْمِلِ العلمَ عن كلِّ مَن لقِيتَ إلاَّ الرافضة؛ فإنهم
يضعون الحديثَ، ويتَّخِذونه دِينًا؛ "منهاج السُّنَّة" (1 / 59).



وهذا نص الرواية وكلام العلماء فيها، وأوجهُ الردِّ على الرافضة في زعمهم الكاذب:

عن عَائِشَة قالتْ: لَدَدْنا رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - في مَرضه، وجعَلَ يُشير إلينا: ((لا
تَلُدُّوني))، قالت: فقلْنا: كراهية المريض بالدواء، فلمَّا أفاقَ، قال:
((ألَمْ أنْهَكم أن تَلُدُّوني))، قُلنا: كراهيةً للدواء، فقال رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَبقى منكم أحدٌ إلاَّ لُدَّ وأنا أنظر
إلاَّ العبَّاس؛ فإنَّه لم يشهدْكم))؛ رواه البخاري، (6501)، ومسلم (2213).



عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحرث بن
هشام، عن أسماء بنت عُميس، قالتْ: "أوَّل ما اشْتَكى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - في بيت ميمونة، فاشتدَّ مرضُه؛ حتى أُغْمِي عليه، فتشاوَرَ
نساؤه في لَدِّه، فلَدُّوه، فلمَّا أفاقَ، قال: ((ما هذا؟))، فقُلْنا: هذا
فِعْل نساءٍ جِئْنَ مِن ها هنا، وأشار إلى أرض الحبشة، وكانتْ أسماء بنت
عُميس فيهنَّ، قالوا: كنا نتَّهمُ فيك ذاتَ الْجَنْب يا رسول الله، قال:
((إنَّ ذلك لداءٌ ما كان الله - عز وجل - ليَقْرَفُني به؛ لا يَبْقَيَنَّ
في هذا البيت أحدٌ إلاَّ الْتَدَّ، إلاَّ عَمُّ رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يَعنى: العبَّاس))، قال: فلقد الْتَدَّتْ ميمونة يومئذٍ وإنَّها
لصائمةٌ، لعَزْمَة رسول الله - صلى الله عليه وسلم"؛ رواه أحمد، (45 /
460)، وصحَّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة"، (3339).



اللَّدُود:
هو الدواء الذي يُصبُّ في أحَدِ جانبي فمِ المريض، أو يُدْخَلُ فيه بأصبع
وغيرها ويحنَّك به، وأمَّا الوُجُور: فهو إدخالُ الدواء في وسط الفم،
والسَّعُوط: إدخالُه عن طريق الأنف.



وذات الجَنْب:
ورمٌ حارٌّ يَعْرِضُ في نواحى الجَنْب في الغِشاء الْمُستبطِن للأضلاع،
ويَلزم ذاتَ الْجَنْب الحقيقى خمسةُ أعراضٍ، وهى: الحُمَّى، والسُّعَال،
والوَجَع الناخِس، وضِيق النَّفَس، والنبضُ الْمِنْشَاري؛ يُنظر: "زاد المعاد في هَدي خير العباد"، (4 / 81 - 83).



هناك ثَمَّة وقفات مع هاتين الروايتين:

1- إنَّ مَن نقَلَ هذه الحادثة للعالَم هو عائشة - رضي الله عنها - فكيف تنقل للناس قتْلَها لنبيِّها، وزوجها، وحبيبها - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
وكذلك رَوَتِ الحادثةَ أُمُّ سَلَمة، وأسماءُ بنت عُمَيس - رضي الله عنهما
- وكلُّ أولئك مُتَّهَمات في دينهنَّ عند الرافضة، ومُشَارِكات في قَتْله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - ومع ذلك قَبِلوا روايتهنَّ لهذا الحديث؛
فاعْجَبوا أيُّها العُقلاء!



2- كيف عَرَف الرافضة المجوس مكوِّنات الدواء الذي وضعَتْه عائشة للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!



3-
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمرَ بأنْ يُوضَعَ الدواء نفسُه في فمِ
كلِّ مَن كان في الغُرفة، إلاَّ العبَّاس - رضي الله عنه - فلماذا ماتَ هو - صلَّى الله عليه وسلَّم - منه، وهنَّ لم يَمُتْنَ؟!



4- لماذا
لم يُخْبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عمَّه العباس - رضي الله عنه -
بما فعَلوه مِن وضْعِ السُّمِّ في فمه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى
يقتصَّ ممن قَتَلَه؟! إذا قُلْتُم أخبرَه: فأين الدَّليل على إخباره؟! وإنْ
قُلتُم: لم يخبرْه، فكيف عَلِمتُم أنَّه سمٌّ وليس دواءً، والعباس نفسُه
لم يعلم؟!




5-
السُّم الذي وضعتْه اليهوديَّة في الطعام الذي قُدِّم للنبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم - كُشِفَ أمرُه من الله - تعالى - وأخبرتِ الشاةُ النبيَّ -
صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّها مسمومةٌ، فلماذا لم يحصلْ معه - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأمرُ نفسُه في السُّمِّ الذي وضعتْه عائشة في فمه؟!



6- لم يُعطَ الدواءُ للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من غير عِلَّة، بل أُعْطِيَه مِن مَرضٍ ألَمَّ به.




7- لم يُعطَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الدواءَ إلاَّ بعد أن تشاورَ نساؤه - رضي الله عنهنَّ - في ذلك الإعطاء.



8 - لا ننكر أنْ يكونَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ماتَ بأثَر السُّم! لكن أيُّ سُمٍّ هذا؟
إنَّه السُّم الذي وضعتْه اليهوديَّة للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -
في طعام دَعَتْه لأكْله عندها، وقد لفَظَ - صلَّى الله عليه وسلَّم -
اللُّقمة؛ لإخبار الله - تعالى - بوجود السُّم في الطعام، فأخبرَ النبي -
صلَّى الله عليه وسلَّم - في آخر أيَّامه أنَّه يجدُ أثَرَ تلك اللُّقمة
على بَدَنه، ومِن هنا قال مَن قال مِن سَلف هذه الأُمة: إنَّ الله - تعالى -
جمَعَ له بين النبوَّة والشهادة.



والعجيبُ أنَّ بعضَ الرافضة يُنكرون هذه
الرواية، ويبرِّئون اليهود من تلك الفَعْلة الدنيئَة؛ مع تواتُر الرواية،
وصحَّة أسانيدها، ومع إخبار الله - تعالى - أنَّ اليهودَ يَقتلون
النبيِّين، ومع ذلك برَّأتْهم الرافضةُ! وغيرُ خافٍ على المطلع لسببِ ذلك
الدفاع عن اليهود مِن قِبَل الرافضة - أنَّ مُؤسِّسَ هذا المذهب هو "عبدالله بن سبأ اليهودي"، فصارَ من الطبيعي أنْ يُبرَّأَ اليهود مع صحة الرواية، وتُلْصَق التهمة بأجِلاَّء الصحابة، مع عدم وجود مُستند صحيحٍ ولا ضعيف!




9-
من الواضح في الرواية أنَّ نساءَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم
يَفْهَمْنَ مِن نَهْي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعدم لَدِّه أنَّه
نَهْيٌ شَرْعي، بل فَهِموا أنَّه من كراهية المريض للدواء، وفَهْمُهم هذا
ليس بمستنكرٍ في الظاهر، وقد صرَّحوا بأنهم - وإنْ لم يكنْ لهم عذرٌ عند
النبي، صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ الأصْلَ هو الاستجابة لأمرِه، صلَّى
الله عليه وسلَّم - قد أخطؤوا في تشخيص دَائه - صلَّى الله عليه وسلَّم -
لذا فقد ناوَلوه دواءً لا يُناسب عِلَّته.



قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله: "وإنَّما
أنْكَرَ التداوي؛ لأنَّه كان غيرَ ملائمٍ لدائه؛ لأنهم ظنُّوا أنَّ به
"ذات الْجَنْب"، فداووه بما يلائمها، ولم يكنْ به ذلك؛ كما هو ظاهر في سياق
الخبر كما ترى"؛
"فتح الباري"، (8 / 147- 148).



10- وهل اقتصَّ منهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو أرادَ تأديبَهم؟
الظاهرُ أنَّ ما فعَلَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن إلزامهم بتناول
ذلك اللَّدُود أنَّه مِن باب التأديب، ومما يدلُّ على أنَّه ليس مِن باب
القِصاص، أنَّه لم يُلزمْهم بالكميَّة؛ وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله: "والذي يظهرُ أنَّه أرادَ بذلك تأديبهم؛ لئلا يعودوا، فكان ذلك تأديبًا، لا قِصاصًا، ولا انتقامًا"؛ "فتح الباري"، (8 / 147).



11- الاشتباه بنوع مَرضه - صلَّى الله عليه وسلَّم - محتملٌ؛ لأنَّ كلاًّ منهما - أي ما كان فيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن مرضٍ، وما ظنُّوه - له الاسم نفسه؛ فكلاهما يُطلق عليه: "ذات الْجَنْب"، وكلاهما له مكان الألم نفسه، وهو "الْجَنْب".



قال ابنُ القَيِّم - رحمه الله -: "وذاتُ
الْجَنْب عند الأطبَّاء نوعان؛ حقيقي، وغير حقيقي، فالحقيقي: ورمٌ حارٌّ
يَعْرِضُ في نواحي الجَنْب في الغِشاء المستبطن للأضلاع، وغير الحقيقي:
ألَمٌ يُشْبِهه يَعْرِضُ في نواحي الْجَنْبِ عن رياحٍ غليظة، مُؤْذيةٍ،
تحتقِن بين الصِّفاقات - وهي الأغشية التي تُغلِّف أعضاءَ البطن - فتُحْدِث
وجَعًا قريبًا من وجَعِ ذات الْجَنْب الحقيقي، إلاَّ أنَّ الوجَعَ في هذا
القسم ممدودٌ، وفي الحقيقي ناخسٌ".




وقال:
"والعلاج الموجود في الحديث ليس هو لهذا القسم، لكن للقسم الثاني الكائن عن
الريح الغليظة، فإنَّ القسطَ البحري - وهو العودُ الهندي على ما جاء
مُفسَّرًا في أحاديث أُخَر - صِنفٌ من القُسْط، إذا دُقَّ دقًّا ناعِمًا،
وخُلِط بالزيت المسخَّن، ودُلك به مكانُ الريح المذكور، أو لُعِقَ، كان
دواءً موافِقًا لذلك، نافعًا له، مُحلِّلًا لمادته، مُذْهِبًا لها،
مُقويًّا للأعضاء الباطنة، مفتِّحًا للسُّدد، والعودُ المذكور في منافعه
كذلك"؛ "زاد المعاد في هَدي خير العباد"،
(4 / 81 - 82).



فهنَّ - رضي الله عنهنَّ - اعتقدْنَ أن
مرضَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو الأوَّل الحقيقي، وهو الذي استبعدَ
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يَبْتليه الله به، وقد نَاوَلْنَه
دواءَ المرض الآخَر، وكان الدواء هو "القُسط الهندي"،
وقد دَقَقْنَه وخَلْطْنَه بزيتٍ - كما في رواية الطبراني - وهو مُفيد
لِمَن تناوله حتى لو لم يكنْ به مرضٌ؛ لذا فقد أمَرَ النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم - كلَّ مَن شارَك في إعطائه له، ومَن رَضِي به أمر أنْ يلَدَّ
به! ولو كان فيه ضررٌ لَمَا أمَرَ بذلك - صلَّى الله عليه وسلَّم.



المطعن الثاني:
ادِّعاء بعض الكتاب والصحفيين أنَّ العمر الحقيقي للسيدة عائشة - رضي الله
عنها - حين بَنَى بها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان 18 سنة،
وليس 9 سنين، واتَّهامها بعدم رشادها ورجَاحة عَقْلِها، فكيف يكون لها زواج؟!



الجواب:

جاءت الأحاديث الصحيحة بأنَّ النبي -
صلَّى الله عليه وسلَّم - عقَدَ على عائشة - رضي الله عنها - وهي بنت ستِّ
سنين، ودخَلَ بها وهي بنت تسعِ سنين، ومن ذلك:



عن عائشة - رضي الله عنها - قالتْ:
"تزوَّجني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنتُ ستِّ سنين، فقَدِمْنا
المدينة، فنزَلْنا في بني الحارث بن خزرج، فوُعِكْتُ؛ أي: أصابتْها حُمَّى،
فأتتْني أُمِّي أُمُّ رُومان وإنِّي لفي أرجوحة ومعي صواحبُ لي، فصَرَخَتْ
بي فأتيتُها لا أدري ما تريد بي، فأخذتْ بيدي حتى أوقفتْني على باب الدار
وإني لأنْهَجُ حتى سَكَنَ بعضُ نفسي، ثم أخذتْ شيئًا من ماءٍ فمسحتْ به
وجْهي ورأْسي، ثم أدْخَلتْني الدارَ، فإذا نسوة من الأنصار في البيت،
فقُلْنَ: على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسْلَمَتْني إليهنَّ،
فأصْلَحْنَ مِن شأْني، فلم يَرُعْنِي إلاَّ رسولُ الله - صلى الله عليه
وسلم - ضحًى، فأسْلَمَتْني إليه - وأنا يومئذٍ بنت تسع سنين"؛ رواه
البخاري، (3894)، ومسلم (1422).



وعنها - رضي الله عنها - قالتْ: "كنتُ
ألعبُ بالبنات عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان لي صواحبُ يَلْعَبْنَ
معي، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخَلَ يَتَقَمَّعْنَ؛ أي:
يَتَخَفَّيْنَ منه، فيُسَرِّبُهُنَّ إليّ، فيْلَعَبْنَ معي"؛ رواه البخاري
(7130)، ومسلم (2440).



وروى أبو داود (4932) عنها - رضي الله عنها - قالتْ: "قَدِم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة "تبوك أو خيبر"،
وفي سَهْوَتها سِتْرٌ، فهبَّتْ ريحٌ فكشفتْ ناحيةَ السِّتْر عن بنات -
لعائشة - لُعَبٍ، فقال: ((ما هذا يا عائشة؟)) قالتْ: بناتي، ورأى بينهُنَّ
فَرَسًا له جَناحان مِن رِقَاع، فقال: ((ما هذا الذي أرى وسطهُنَّ؟))
قالتْ: فَرَس، قال: ((وما هذا الذي عليه؟)) قالتْ: جَناحان، قال: ((فرس له
جناحان؟)) قالتْ: أما سمعتَ أنَّ لسليمان خَيْلاً لها أجْنِحة؟ قالتْ:
فضَحِك حتى رأيتُ نواجِذَه"؛ وصحَّحه الألباني في "آداب الزفاف"، (ص203).



قال الحافظ:
"قال الخَطَّابي: وإنَّما أرْخَصَ لعائشة فيها؛ أي: اللُّعَب؛ لأنها إذْ
ذاك كانت غيرَ بالغٍ، قلتُ: وفي الجزم به نظرٌ لكنَّه مُحتملٌ؛ لأن عائشة
كانتْ في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة؛ إمَّا أكملَتْها أو جاوزَتْها أو
قاربَتْها، وأمَّا في غزوة تبوك فكانتْ قد بلغتْ قَطْعًا؛ فيترجَّح رواية
مَن قال في خَيْبَر"
؛ انتهى.



وخَيْبَر كانتْ سنة سبعٍ.



وروى مسلم (1422) عن عائشة - رضي الله عنه
- أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوَّجها وهي بنت سبعِ سنين،
وزُفَّتْ إليه وهي بنت تسعِ سنين، ولُعَبُها معها، وماتَ عنها وهي بنت ثمان
عشرة".



قال النووي: "المرادُ هذه اللُّعَب المسمَّاة بالبنات - العرائس - التي تلعبُ بها الجواري الصِّغار، ومعناه التنبيه على صِغَر سنِّها"؛ انتهى.



وفي هذه الرواية قالتْ: (وأنا بنت سبعِ
سنين)، وفي أكثر الروايات: (بنت سِت)، والجمع بينهما أنَّه كان لها ستٌّ
وكَسْر، فمرَّة اقتصرتْ على السنين، ومرة عَدَّتِ السنة التي دخلتْ فيها؛
أفادَه النووي في شرْح مسلم.



وقد نقَل ابنُ كثير - رحمه الله - أنَّ هذا أمرٌ مُتَّفقٌ عليه بين العلماء، ولم يُذكرْ عن أحدٍ منهم خلافُه، فقال - رحمه الله: "قوله:
(تزوَّجَها وهي ابنة ست سنين، وبَنَى بها وهي ابنة تسع)، مما لا خِلافَ
فيه بين الناس - وقد ثبتَ في الصِّحاح وغيرها - وكان بناؤه بها - عليه
السلام - في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة"
؛ انتهى من "البداية والنهاية"، (3 / 161).



ومن المعلوم أنَّ الإجماع معصومٌ من الخطأ؛
فإنَّ الأُمَّة لا تجتمعُ على ضَلالة؛ فقد روى الترمذي (2167) عن ابنِ
عُمر - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
((إنَّ الله لا يجْمعُ أُمَّتِي على ضَلالة))، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع"، (1848).



أما مسألة صِغَر سنِّها - رضي الله عنها -
واستشكالك لهذا، فاعْلم أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - نشأ في
بلاد حارَّة - وهي أرض الجزيرة - وغالبُ البلاد الحارَّة يكون فيها البلوغ
مُبكِّرًا، ويكونُ الزواج المبكِّر، وهكذا كانُ الناس في أرض الجزيرة إلى
عهْد قريبٍ، كما أنَّ النساء يَخْتَلِفْنَ؛ من حيث البِنْيَة والاستعداد
الجِسْمي لهذا الأمر، وبينهُنَّ تفاوتٌ كبيرٌ في ذلك.



المطعن الثالث: إنْ كانت عائشة خرجتْ تقاتِلُ عَليًّا، فلماذا لم يسبها في معركة الجَمَل؟



الجواب:

أولًا:
إنَّ مُعتقَد أهْلِ السُّنة والجماعة الإمساكُ عمَّا جَرَى بين أصحاب
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والترضِّي عنهم جميعًا، واعتقادُ أنهم
مجتهدون في طلب الحقِّ؛ للمصِيب منهم أجران، وللمُخْطِئ أجرٌ واحد.



ولَمَّا كانتْ كُتب التاريخ مَشحونة
بكثيرٍ من الأخبار المكذوبة التي تحطُّ من قَدْر هؤلاء الأصحاب الأخيار،
وتصوِّرُ ما جَرَى بينهم على أنَّه نزاعٌ شخصي أو دُنيوي، فإليك جُملة من
الأخبار الصحيحة حول هذه المعركة، وبيان الدافع الذي أدَّى إلى اقْتِتال
الصحابة الأخيار - رضي الله عنهم.



أولًا:
بُويع عَلِي - رضي الله عنه - بالخلافة بعد مَقتل عثمان - رضي الله عنه -
وكان كارهًا لهذه البيعة رافضًا لها، وما قَبِلَها إلاَّ لإلحاح الصحابة
عليه، وفي ذلك يقول - رضي الله عنه -: "ولقد طاشَ عقْلِي يوم قُتِل عثمان،
وأنكرت نفسي، وجاؤوني للبيعة فقلتُ: والله إني لأستحيي مِن الله أنْ
أُبايعَ قومًا قتَلوا رجلاً قال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة))، وإنِّي لأستحيي مِن الله أنْ
أُبايعَ وعثمانُ قتيلٌ على الأرض لم يُدْفَنْ بعدُ، فانْصِرفوا، فلمَّا
دُفِن رجَعَ الناس فسألوني البيعةَ، فقلتُ: اللهمَّ إنِّي مُشفقٌ مما
أقْدِم عليه، ثم جاءتْ عزيمة فبايعتُ، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين،
فكأنَّما صُدِعَ قلبي، وقلتُ: اللهمَّ خُذْ منِّي لعثمان حتى ترضَى"؛ رواه
الحاكم، وصحَّحه على شرْط الشيخين، ووافَقَه الذهبي.



ثانيًا:
لم يكنْ عَلِي - رضي الله عنه - قادرًا على تنفيذ القِصاص في قَتَلة عثمان
- رضي الله عنه - لعدم عِلْمه بأعيانهم، ولاختلاط هؤلاء الخوارج بجيشه، مع
كثرتهم واستعدادِهم للقِتال، وقد بلَغَ عددُهم ألْفَي مقاتل كما في بعض
الروايات؛ كما أنَّ بعضَهم ترَكَ المدينة إلى الأمصار عقب بيعة عَلِي.



وقد كان كثيرٌ من الصحابة خارج المدينة في
ذلك الوقت، ومنهم أُمَّهات المؤمنين - رضي الله عنهنَّ - لانشغال الجميع
بالحجِّ، وقد كان مَقتلُ عثمان - رضي الله عنه - يوم الجمعة لثمان عشرة
خَلَتْ من ذي الحجة، سنة خمسة وثلاثين على المشهور.



ثالثًا:
لَمَّا مَضَتْ أربعة أشهر على بيعة عَلِي دون أنْ ينفِّذَ القِصاصَ، خرَجَ
طلحة والزبير إلى مكة، والْتَقوا بأُمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -
واتَّفقَ رأيُهم على الخروج إلى البصرة؛ ليقفوا بِمَن فيها من الخيل
والرجال - ليس لهم غرضٌ في القتال - وذلك تمهيدًا للقبْض على قَتَلة عثمان -
رضي الله عنه - وإنفاذِ القِصاص فيهم.



ويدلُّ على ذلك ما أخرجَه أحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك": أنَّ عائشة - رضي الله عنها - لما بلغَتْ مياه بَني عامر ليلًا، نبحتِ الكلاب، قالتْ: أيُّ ماء هذا؟
قالوا: ماء الحَوْأَب، قالتْ: ما أظنُّني إلا راجعة؛ إنَّ رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لنا: ((كيف بإحداكُنَّ تنبحُ عليها كلابُ
الحَوْأَب))؛ فقال لها الزبير: ترجعينَ! عسى الله - عزَّ وجلَّ - أن يُصلحَ
بكِ بين الناس.



قال الألباني: إسنادُه صحيح جدًّا، صحَّحه خمسة من كبار أئمة الحديث هم: ابن حِبَّان، والحاكم، والذهبي، وابن كَثير، وابن حَجر؛ "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، رقم (474).



رابعًا:
وقد اعتبرَ عَلِي - رضي الله عنه - خروجَهم إلى البصرة واستيلاءَهم عليها
نوعًا من الخروج عن الطاعة، وخَشِي تمزُّق الدولة الإسلاميَّة، فسَارَ
إليهم - رضي الله عنه - وكان أمرُ الله قدْرًا مَقْدورًا.



خامسًا:
وقد أرَسَلَ علي - رضي الله عنه - القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير
يدعوهما إلى الأُلْفة والجماعة، فبدأ بعائشة - رضي الله عنها - فقال: أي
أُمَّاه، ما أقْدَمَك هذا البلد؟ فقالتْ: أي بُنَي، الإصلاحُ بين الناس.



قال ابنُ كَثير - رحمه الله - في "البداية والنهاية":
"فرجَعَ إلى علي فأخبرَه، فأعجبَه ذلك، وأشرفَ القومُ على الصُّلْح؛ كَرِه
ذلك مَن كَرِهه، ورَضِيه مَن رَضِيه، وأَرْسَلتْ عائشة إلى علي تُعْلِمه
أنَّها إنَّما جاءتْ للصلح، ففرِحَ هؤلاء وهؤلاء، وقامَ عَلِي في الناس
خطيبًا، فذكَرَ الجاهليَّة وشقاءَها وأعمالَها، وذَكَر الإسلام وسعادة
أهْله بالأُلفة والجماعة، وأنَّ الله جمعَهم بعد نبيِّه - صلَّى الله عليه
وسلَّم - على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على
عثمان، ثم حدَثَ هذا الحدَث الذي جرَّه على الأُمَّة أقوامٌ طلبوا الدنيا،
وحسدوا مَن أنعمَ الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي مَنَّ الله بها،
وأرادوا ردَّ الإسلام والأشياء على أدْبارها، والله بالغُ أمرِه، ثم قال:
ألا إنِّي مُرتحلٌ غدًا فارتحلوا، ولا يرتحلُ معي أحدٌ أعانَ على قتْلِ
عثمان بشيءٍ من أمور الناس، فلمَّا قال هذا، اجتمَعَ مِن رؤوسهم جماعة
كالأشتر النخعي، وشُريح بن أوْفى، وعبدالله بن سبأ المعروف بابن السوداء،
وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا: ما هذا الرأْي؟
وعلي - والله - أعلمُ بكتاب الله مِمَّن يَطْلب قَتَلة عثمان، وأقربُ إلى
العمل بذلك، وقد قال ما سمعتُم، غدًا يَجمع عليكم الناس، وإنَّما يريدُ
القومُ كلُّهم أنتم، فكيف بكم وعددُكم قليلٌ في كثرتهم.



فقال الأشتر: قد عرَفْنا رأْي طلحةَ
والزبير فينا، وأمَّا رأْي عَلِي، فلمْ نعرفْه إلاَّ اليوم، فإنْ كان قد
اصْطَلحَ معهم، فإنَّما اصْطَلح على دمائِنا، ثم قال ابنُ السوداء - قبَّحه
الله -: يا قوم، إنَّ عِيرَكم في خلطة الناس، فإذا الْتَقَى الناسُ،
فانشبوا الحربَ والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون"؛ انتهى كلام ابن
كثير.



وذكَرَ ابنُ كثير أنَّ عَليًّا وصَلَ إلى
البصرة، ومكَثَ ثلاثة أيَّامٍ، والرُّسل بينه وبين طلحةَ والزبير، وأشارَ
بعضُ الناس على طلحةَ والزبير بانتهاز الفرصة مِن قتَلَة عثمان، فقالا:
إنَّ عَليًّا أشارَ بتسكين هذا الأمرِ، وقد بعثْنا إليه بالمصالحة على ذلك.



ثم قال ابنُ كثير: "وباتَ الناسُ بخير
ليلة، وباتَ قَتَلة عثمان بشرِّ ليلة، وباتوا يتشاورن، وأجمعوا على أنْ
يُثيروا الحربَ من الغَلَس، فنَهَضُوا من قبل طلوع الفجر، وهم قريبٌ من
ألْفَي رجلٍ، فانصرَفَ كلُّ فريقٍ إلى قَراباتهم، فهَجَمُوا عليهم بالسيوف،
فثارتْ كلُّ طائفة إلى قومِهم ليمنعوهم، وقامَ الناس من مَنامهم إلى
السلاح، فقالوا: طَرَقَتْنا أهْلُ الكوفة ليلًا، وبيَّتونا وغَدروا بنا،
وظنُّوا أنَّ هذا عن ملأٍ من أصحاب عَلِي، فبلَغَ الأمر عَليًّا، فقال: ما للناس؟
فقالوا: بيَّتنا أهْلُ البصرة، فثارَ كلُّ فريقٍ إلى سلاحه، ولَبِسوا
اللأمة، ورَكِبوا الخيول، ولا يَشْعر أحدٌ منهم بما وقَعَ الأمرَ عليه في
نفْس الأمر، وكان أمرُ الله قدرًا مَقدَّرًا، وقامتْ الحربُ على ساق وقدم،
وتبارَزَ الفرسان، وجالتِ الشُّجعان، فنشبتِ الحرب، وتواقَفَ الفريقان، وقد
اجتمعَ مع عَلِي عشرون ألفًا، والتفَّ على عائشة ومَن معها نحو من ثلاثين
ألفًا، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.



والسابئة أصحاب ابن السوداء - قبَّحه الله
- لا يفترون عن القتْل، ومنادي علي ينادي: ألا كُفُّوا ألا كُفُّوا، فلا
يسمعُ أحدٌ"؛ انتهى كلام ابن كثير - رحمه الله.



سادسًا: وإنَّ
أهمَّ ما ينبغي بيانُه هنا، ما كان عليه هؤلاء الصحابة الأخيار من
الصِّدْق والوفاء والحبِّ لله - عزَّ وجلَّ - رغم اقتتالهم، وإليك بعضَ
النماذج الدالَّة على ذلك:


1- روى ابنُ أبي شيبة في مصنَّفه بسندٍ صحيح عن الحسن بن علي قال: "لقد رأيتُه - يَعني عَليًّا - حين اشتدَّ القتال يلوذُ بي ويقول: يا حَسن، لوَدِدْتُ أنِّي مِتُّ قبل هذا بعشرين حِجَّة أو سنة".



2-
وقد تركَ الزبير القتال ونزلَ واديًا، فتَبِعه عمرو بن جُرْمُوز، فقتلَه
وهو نائم غِيلة، وحين جاء الخبرُ إلى عَلِي - رضي الله عنه - قال: بشِّرْ
قاتلَ ابن صفيَّة بالنار، وجاء ابنُ جُرْمُوز معه سيف الزبير، فقال عَلِي:
إنَّ هذا السيف طالَ ما فرَّجَ الكربَ عن وجْه رسول الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم.



3-
وأمَّا طلحة - رضي الله عنه - فقد أُصيبَ بسهْمٍ في رُكْبته فماتَ منه، وقد
وقَفَ عليه علي - رضي الله عنه - فجعَلَ يمسحُ عن وجْهه التراب، وقال: "رحمة
الله عليك أبا محمد، يعزُّ علي أن أراك مُجدولًا تحتَ نجوم السماء، ثم
قال: إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري، والله لوَدِدْتُ أنِّي كنتُ مِتُّ قبل
هذا اليوم بعشرين سنة"
.

وقد رُوي عن علي من غير وجْه أنَّه قال: إنِّي لأرجو أنْ أكونَ أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله فيهم: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحج: 47].



4-
وقيل لعَلي: إنَّ على الباب رَجُلين ينالان من عائشة، فأمَرَ القعقاع بن
عمرو أن يَجْلِدَ كلَّ واحدٍ منهما مائةً، وأنْ يُخْرِجَهما من ثيابها.



5-
وقد سألتْ عائشة - رضي الله عنه - عمَّن قُتِل معها من المسلمين، ومِن
قُتِل مِن عسكر علي، فجعلتْ كلَّما ذُكِر لها واحدٌ منهم، ترحَّمتْ عليه
ودَعَتْ له.



6-
ولَمَّا أرادتِ الخروج من البصرة، بعثَ إليها عَلِي بكلِّ ما ينبغي من
مَركبٍ وزادٍ ومَتاعٍ، واختارَ لها أرْبَعين امرأة من نساء أهل البصرة
المعروفات، وسيَّرَ معها أخاها محمد بن أبي بكر - وكان في جيش عَلِي -
وسارَ عَلِي معها؛ مُودِّعًا، ومُشيِّعًا أميالًا، وسرَّحَ بَنِيه معها
بقيَّة ذلك اليوم.



7-
وودَّعَتْ عائشة الناسَ وقالتْ: يا بَني لا يعتبْ بعضُنا على بعضٍ؛ إنَّه
والله ما كان بيني وبين عَلِي في القِدَم إلاَّ ما يكون بين المرأة
وأحمائها، وإنَّه على معتبتي لمن الأخْيَار، فقال عَلِي: صَدَقْتِ، والله
ما كان بيني وبينها إلاَّ ذاك، وإنَّها لزوجة نبيِّكم - صلَّى الله عليه
وسلَّم - في الدنيا والآخرة.



8- ونادَى منادٍ لعلي: "لا يُقْتَل مُدْبر، ولا يُذَفف على جريح، ومَن أغلقَ باب داره فهو آمِن، ومَن طرَحَ السلاح فهو آمِن"،
وأمَرَ علي بجمْعِ ما وجَدَ لأصحاب عائشة - رضي الله عنها - في العسكر،
وأنْ يُحْملَ إلى مسجد البصرة، فمَن عَرَف شيئًا هو لأهْلهم، فليَأْخذه.



فهذا - وغيره - يدلُّ على فضْل هؤلاء
الصحابة الأخيَار، ونُبلِهم واجتهادهم في طلب الحقِّ، وسلامة صدورِهم من
الغِلِّ والحِقْد والهوى، فرَضِي الله عنهم أجمعين.



فعائشة - رضي الله عنه - ما خرجتْ إلاَّ للإصلاح بين الناس، وأنْ يراها الناس، فيكفُّوا عن القتال.



وأما وقوع عائشة - رضي الله عنها - في
السَّبْي في هذه الموقِعة، فلم يحدثْ؛ فقد كان مما أخَذَ الخوارج على عَلِي
- رضي الله عنه - أنَّه قاتَلَ ولم يأْخُذ السَّبْي أو الغنائم، فقد ذَكَر
أهْلُ السِّيَر والتاريخ - في المناظرة التي جرتْ بين ابن عباس - رضي الله
عنهما - والخوارج - أنَّهم قالوا عن عليٍّ - رضي الله عنه -: إنَّه قاتَلَ
ولم يَسبِ ولم يَغْنم، فإنْ حلَّتْ له دماؤهم، فقد حلَّتْ له أموالُهم،
وإنْ حَرُمتْ عليه أموالهُم، فقد حَرُمَتْ عليه دماؤهم، فقال لهم ابن عباس -
رضي الله عنهما -: أفتَسْبون أُمَّكم؟ يَعني عائشة - رضي الله عنها - أم تستحلُّون منها ما تستحلُّون مِن غيرها؟!
فإنْ قلتُم: ليستْ أُمَّكم فقد كفرْتُم، وإنْ قلتُم: إنَّها أُمُّكم
واستحلَلْتُم سَبْيَها، فقد كفرْتُم، إلى آخر ما ورَدَ في هذه المناظرة.



المطعن الرابع:
قول الراوفض - قبَّحهم الله - أنَّها - أي: عائشة - أذاعتْ سِرَّ رسول
الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال لها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم
-: ((إنَّك تقاتلين عَلِيًّا وأنتِ ظالمة له، ثم إنَّها خالفتْ أمرَ الله
في قوله - تعالى -: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
[الأحزاب: 33]، وخرجتْ في ملأ الناس؛ لتقاتِلَ عَليًّا على غير ذنبٍ؛
لأنَّ المسلمين أجمعوا على قتْل عثمان، وكانتْ هي في كلِّ وقتٍ تأمُرُ
بقتْلِه، وتقول: اقتلوا نعثلًا، قتَلَ الله نعثلًا، ولما بلَغَها قتْلُه،
فَرِحتْ بذلك، ثم سألتْ: مَن تولَّى الخلافة؟ فقالوا: عَلِي، فخرجَتْ لقتاله على دمِ عثمان، فأيُّ ذنبٍ كان لعليّ على ذلك؟!



الجواب:

يقول شيخُ الإسلام ابن تيميَّة: أمَّا أهل
السُّنَّة، فإنَّهم في هذا الباب وغيره قائمون بالقِسْط شهداءُ لله،
وقولُهم حقٌّ وعَدْلٌ لا يَتناقض، وأمَّا الرافضة وغيرُهم من أهْل البِدَع،
أهْلُ كَذب وافتراءاتٍ وضلال.



وإذا كان هذا أصْلُهم،
فنقول: إنَّ ما يُذكَرُ عن الصحابة من السيِّئات كثيرٌ منه كَذب، وكثيرٌ
منه كانوا مجتهدين فيه، ولكنْ لم يعرفْ كثيرٌ من الناس وجْه اجتهادِهم، وما
قُدِّر أنَّه كان فيه ذنبٌ من الذنوب لهم، فهو مغفور لهم؛ إمَّا بتوبة،
وإمَّا بحسنات ماحِية، وإمَّا بمصائب مُكَفِّرة، وإمَّا بغير ذلك، فإنَّه
قد قامَ الدليلُ الذي يجبُ القول بموجبه أنَّهم مِن أهْل الجنة، فامتنعَ
أنْ يفعلوا ما يُوجبُ النارَ لا محالةَ، وإذا لم يمتْ أحدٌ منهم على موجبِ
النار، لم يقدحْ ما سوى ذلك في استحقاقهم للجنة.



أما قوله: "وأذاعتْ سِرَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"، فلا ريبَ أنَّ الله - تعالى - يقول: ﴿وَإِذْ
أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ
بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن
بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ
نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ
﴾ [التحريم: 3]، وقد ثبتَ في الصحيح عن عُمر أنَّهما عائشة وحَفْصة.



فيُقال أولًا:
هؤلاء يَعمدون إلى نصوص القرآن التي فيها ذِكْر ذنوبٍ ومعاصٍ بيِّنة لِمَن
نصَّتْ عنه من المتقدِّمين يتأوَّلون النصوصَ بأنواع التأويلات، وأهْل
السُّنة يقولون: بل أصحاب الذنوب تابوا منها، ورفعَ الله درجاتهم بالتوبة.



وهذه الآية ليستْ بأَوْلى في دَلالتها على
الذنوب من تلك الآيات، فإنْ كان تأويل تلك سائغًا، كان تأويل هذه كذلك،
وإنْ كان تأويلُ هذه باطلًا، فتأويل تلك أبْطل.



ويُقال ثانيًا: بتقدير أنْ يكونَ هناك ذنبٌ لعائشة وحَفْصة، فيكونان قد تابتا منه، وهذا ظاهرٌ؛ لقوله - تعالى -: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: 4].



فدعاهما الله - تعالى - إلى التوبة، فلا
يُظنُّ بهما أنَّهما لم يتوبا، مع ما ثبتَ من عُلوِّ درجتهما، وأنَّهما
زوْجتا نبيِّنا في الجنة، وأنَّ الله خيَّرهُنَّ بين الحياة الدنيا
وزينتها، وبين الله ورسوله والدارِ الآخرة، فاخْتَرْنَ الله ورسولَه
والدارَ الآخرة؛ ولذلك حرَّم الله عليه أنْ يتبدَّلَ بهنَّ غيرهُنَّ،
وحرَّم عليه أن يتزوَّج عليهنَّ، واختُلِفَ في إباحة ذلك له بعد ذلك، وماتَ
عنهنَّ وهُنَّ أُمَّهات المؤمنين بنصِّ القرآن، ثم قد تقدَّمَ أنَّ الذنبَ
يُغفر ويُعفى عنه؛ بالتوبة، وبالحسنات الماحية، وبالمصائب المكَفِّرة.



ويُقال ثالثًا:
المذكورُ عن أزواجه كالمذكور عمَّن شَهِد له بالجنة من أهْل بيته وغيرهم
من الصحابة، فإن عَليًّا لما خَطَبَ ابنة أبي جهْل عَلى فاطمة، وقامَ النبي
- صلَّى الله عليه وسلَّم - خطيبًا، فقال: ((إنَّ بَنِي المغيرة استأذنوني
أن يُنكِحوا عَلِيًّا ابنتهم، وإني لا آذنُ ثم لا آذنُ ثم لا آذن، إلاَّ
أنْ يريدَ ابن أبي طالب أن يُطَلِّق ابنتي ويتزوَّج ابنتهم، إنما فاطمة
بِضْعَةٌ منِّي يُريبُني ما أرابَها، ويُؤذيني ما آذاها))؛ رواه البخاري،
(4829).



فلا يُظنُّ بعليٍّ - رضي الله عنه - أنه ترَكَ الخِطبة في الظاهر فقط، بل ترَكَها بقلبه وتابَ بقلبه عمَّا كان طلبَه وسَعَى فيه.



وأمَّا الحديث الذي رواه وهو قوله لها:
(تُقاتلين عَلِيًّا وأنتِ ظالمة له)، فهذا لا يُعرف في شيءٍ من كتب العلم
المعتمدَة، وليس له إسنادٌ معروف، وهو بالموضوعات المكذوبات أشبه منه
بالأحاديث الصحيحة، بل هو كَذبٌ قَطعًا؛ فإنَّ عائشة لم تُقاتِلْ ولم تخرجْ
لقتالٍ، وإنما خرجتْ لقصدِ الإصلاح بين المسلمين، وظنَّتْ أنَّ في خروجِها
مصلحة للمسلمين، ثم تبيَّنَ لها فيما بعد أنَّ ترْكَ الخروج كان أَوْلَى،
فكانتْ إذا ذَكَرتْ خروجَها، تَبكي حتى تَبُلَّ خِمارَها.



وهكذا عامَّة السابقين نَدِموا على ما دخلوا فيه من القتال، فنَدِم طلحةُ والزبير وعَلِيّ - رضي الله عنهم أجمعين - ولم يكنْ يومَ "الجَمَل"
لهؤلاء قصْدٌ في الاقتتال، ولكنْ وقَعَ الاقْتتال بغير اختيارهم؛ فإنَّه
لَمَّا تراسَلَ عليّ وطلحة والزبير، وقصدُوا الاتفاقَ على المصلحة، وأنهم
إذا تمكَّنوا طلَبُوا قَتَلَة عثمان أهْل الفتنة، وكان عليّ غيرَ راضٍ
بقتْل عثمان ولا مُعينًا عليه، كما كان يحلفُ، فيقول: والله ما قتلتُ
عثمان، ولا مالأْتُ على قتْلِه، وهو الصادق البارُّ في يَمينه، فخَشِي
القَتَلَة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير، فظنَّ طلحة والزبير أنَّ
عَلِيًّا حمَلَ عليهم، فحملوا دِفاعًا عن أنفسهم، فظنَّ عليّ أنَّهم حملوا
عليه، فحمَلَ دِفاعًا عن نفسه، فوقعتِ الفتنة بغير اختيارهم، وعائشة - رضي
الله عنها - راكبة؛ لا قاتلتْ، ولا أمرتْ بقتالٍ، هكذا ذَكَره غيرُ واحدٍ
من أهْل المعرفة بالأخبار.



وأمَّا قولُه: "وخالفتْ أمرَ الله في قوله - تعالى -: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى
[الأحزاب: 33]، فهي - رضي الله عنها - لم تتبرَّجْ تبرُّجَ الجاهلية
الأولى، والأمرُ بالقَرار في البيوت لا يُنافي الخروج لمصلحة مأمورٍ بها،
كما لو خرجتْ للحج والعُمرة، أو خرجتْ مع زوجها في سَفْرَة، فإنَّ هذه
الآية قد نزلتْ في حياة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد سافَرَ بهنَّ
رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد ذلك، كما سافرَ في حَجة الوداع
بعائشة - رضي الله عنها - وغيرها، وأرْسَلَها مع عبدالرحمن أخيها،
فأرْدَفَها خَلْفَه، وأعمرها من التنعيم، وحَجة الوداع كانتْ قبل وفاة
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأقلِّ من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه
الآية، ولهذا كان أزواجُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَحْجُجْنَ -
كما كنَّ يَحْجُجْنَ معه - في خِلافة عُمر - رضي الله عنه - وغيره، وكان
عُمر يُوكِّلُ بقطارهنَّ عثمان أو عبدالرحمن بن عوف، وإذا كان سَفَرُهنَّ
لمصلحة جائزًا، فعائشة اعتقدتْ أنَّ ذلك السفر مصلحةً للمسلمين، فتأوَّلتْ
في ذلك.



وأما قوله: "إنها خرجتْ في ملأٍ من الناس تقاتِلُ عليًّا على غير ذنبٍ"،
فهذا أولًا كذبٌ عليها؛ فإنَّها لم تخرجْ لقصْد القتال، ولا كان أيضًا
طلحة والزبير قصْدهما قتال عليّ، ولو قُدِّرَ أنَّهم قَصَدوا القتال، فهذا
القتال المذكور في قوله - تعالى -: ﴿وَإِن
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
﴾ [الحجرات: 9-10].



فجعَلَهم إخوةً مع الاقتتال، وإذا كان هذا ثابتًا لمن هو دون أولئك المؤمنين، فهم به أَوْلَى وأحْرَى!



وأمَّا قوله: "إنَّ المسلمين أجمعوا على قتْل عثمان".



فجوابه أنْ يُقالَ: هذا من أظهر الكذب وأبْيَنه؛ فإنَّ جماهير المسلمين لم يأمروا بقتْلِه، ولا شارَكوا في قتْلِه، ولا رَضوا بقتْلِه.



أمَّا أولًا؛ فلأنَّ أكثر المسلمين لم يكونوا في المدينة، بل كانوا بمكة واليمن والشام، والكوفة والبصرة وخُراسان، وأهلُ المدينة بعضُ المسلمين.



وأمَّا ثانيًا؛
فلأنَّ خيار المسلمين لم يدخلْ واحدٌ منهم في دَمِ عثمان؛ لا قَتَل ولا
أمَرَ بقتْلِه، وإنما قتَلَه طائفة من المفْسِدين في الأرض مِن أوباش
القبائل وأهْل الفِتَن، وكان عليّ - رضي الله عنه - يحلف دائمًا: "إنِّي ما قتلتُ عثمان، ولا مالأْتُ على قتْلِه"، ويقول: "اللهم الْعَنْ قتَلَة عثمان في البَرِّ والبحر، والسهل والجبل".



ثالثًا: مَن هو الذي نقَلَ هذا الإجماع من أهْل العلم؟ أم أنَّه يَكفي أنْ يأتي أحدُ الزنادقة ويخترعَ إجماعًا على أمرٍ يُدلل به على صِحَّة زَنْدَقَته وضَلاله، وما علينا إلا أن نُصدِّقَ ونتَّبِع؟



وأما قولُه: "إنَّ
عائشة كانتْ في كلِّ وقتٍ تأمُرُ بقتْل عثمان، وتقولُ في كلِّ وقتٍ:
اقتلوا نعثلًا، قتَلَ الله نعثلًا، ولَمَّا بلَغَها قتْلُه، فَرِحَتْ بذلك"
.



كان أعداءُ عثمان يسمُّونه: نعثلًا؛
تشبيهًا برجل من مصر، كان طويل اللِّحْية، اسمُه نَعْثَل، وقيل:
النَّعْثَل: الشيخ الأحْمَقُ، وذَكَرُ الضِباع؛ "النهاية في غريب الحديث"، (5/ 177).



ثم يُقال للردِّ على هذا الكلام أولًا: أين النقلُ الثابت عن عائشة بذلك؟!



ويُقال ثانيًا:
المنقول الثابت عنها يُكذِّب ذلك، ويُبيِّن أنَّها أنكرتْ قتْلَه، وذمَّتْ
مَن قتَلَه، ودَعَتْ على أخيها محمد وغيره؛ لمشاركته في ذلك.



ويُقال ثالثًا:
هبْ أنَّ أحدًا من الصحابة - عائشة أو غيرها - قال في ذلك على وجْه الغضب؛
لإنكاره بعضَ ما يُنكر، فليس قولُه حُجة، ولا يَقْدح ذلك في إيمان القائل
ولا المقول له، بل قد يكون كلاهما وليًّا لله - تعالى - مِن أهْل الجنة،
ويظنُّ أحدُهما جوازَ قتْلِ الآخر، بل يظنُّ كفْرَه، وهو مُخْطِئ في هذا
الظنِّ.



ويُقال رابعًا: إنَّ هذا المنقول عن عائشة من القدْح في عثمان إنْ كان صحيحًا، فإمَّا أنْ يكون صوابًا أو خطَأً، فإنْ كان صوابًا، لم يُذْكرْ في مساوئ عائشة، وإنْ كان خطَأًلم يُذْكَر في مساوئ عثمان، والجمْعُ بين نقْص عائشة وعثمان باطلٌ قطعًا.



وأيضًا فعائشة
ظهَرَ منها - مِن التألُّم لقتْل عثمان، والذمِّ لقَتَلَته، وطلبِ
الانتقام منهم - ما يَقتضي الندمَ على ما يُنافي ذلك إنْ وجِد، كما ظهَرَ
منها الندمُ على مَسيرها إ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رد الشبه والافتراءات عن السيدة عائشة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الحصون المنيعة في براءة السيدة عائشة
» السيدة عائشة تلعن الصحابى عمرو بن العاص
» بعض الشبه المثارة حول السلفية
» رد السهام الطائشة للذب عن أمنا السيدة عائشة
» أحاديث السيدة عائشة رضي الله عنها في سنن النسائي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: