بحُكم تجدُّد جذوة العلمانيِّين، وطموحهم
الكبير في استغلال الانتفاضات الشعبيَّة في البلدان العربية، بدؤوا يرفعون
شعاراتٍ لمحاولة دغدغة مشاعِر من عانوا ردحًا طويلاً من زمن الاستبداد
والطغيان، الذي مارسه الحكَّام العرَب، مِن هنا كان لزامًا علينا من هذا
المنبر الجاد، أن نجدِّد نحن أيضًا ردَّنا على هؤلاء؛ لكسر نزوتهم
المشلولة، الراغبة في ركوبِ عباب هذه الثورات.
في السِّياق نفْسه، بدأ الغربُ يتابع
باهتمام ما يجري في البلدان العربية، ويخشى مِن عاقبة تولِّي أبناء الصحوة
الإسلامية لمقاليدِ الحُكم فيها.
إذ إنَّ الغرْب يعتبر
أنَّ الصحوة الإسلامية - إذا ما تمَّ توجيهها بشكل إيجابي يعيدُ المسلمين
إلى دِينهم وأصالتهم الإسلامية - تؤدي إلى توحيدِ البلاد الإسلامية على
أساسِ الإسلام ومقوِّمات الهُويَّة، وبذلك تتهيأ الفرصة التاريخية لبناءِ
دولة مسلِمة قويَّة موحَّدة، وحضارة إسلامية مستقلَّة متميِّزة عن الحضارة
الغربية، بل ستحلُّ محل الحضارة الغربية الآيلة إلى الزوال، بعد أنْ بدأتْ
عوامل انهيارها تُهدِّد المجتمعات الغربية الفاسِدة، القائمة على المادية
الصِّرْفة، الفساد الأخلاقي والفراغ القِيَمي؛ ولذلك هم يعملون جاهدين على
وأدِ هذه الصحوة مِن خلال معرفة أسباب حياتها عن طريقِ الدِّراسات التي
يُسيِّر أغلبَ أشغالها كلٌّ من علمانيي العالَم الإسلامي ومفكِّري العالَم
الغربي[1].
ولا أدلَّ على ذلك مما نُلاحظه في الآونة
الأخيرة مِن إقبال ملفِت للنظر مِن قِبل المؤسَّسات الأكاديميَّة
والمنظَّمات غير الحكومية، ومراكز القرار السياسي، ومؤسَّسات الدِّراسات
والأبحاث الغربيَّة - مِن اهتمامها بمسألة التديُّن والقِيم داخلَ
المجتمعات المسلِمة.
كما يجب ألاَّ يخفَى عن أذهاننا أنَّ الإحساس بالدونيَّة والانهزامية تُجاهَ معارف الآخرين، دفعَتْ
ببعضِ مَن يسمُّون أنفسهم زُورًا: مفكِّرين إسلاميِّين - وهم في الأصل
أعداءُ هذا الفِكر وكل ما يمتُّ له بصلة - إلى ابتلاع سمومِ الانحلال
الثقافي.
مِن هنا تَمَّ تقديم المعارف الإنسانية
مِن المادية الديالكتيكيَّة (الجدليَّة) التاريخيَّة (ماركس) في مجال
البحوث الفلسفيَّة، والانتخاب الطبيعي في مجالِ أصْل الإنسان (داروين) ومع
نظريةِ التحليل النفْسي في مجال البحوث النفسيَّة (فرويد)، ومع العقل
الجَمْعي في مجال عِلم الاجتماع (دوركايم)، ومع الوجوديَّة في الأدب
(سارتر)، ومع الذرائعيَّة في مجال التربية (جان بياجي)، على أهمِّ المصادر
الإسلامية (الكتاب والسُّنة)؛ بدعْوَى قراءة معاصَرة للنصوص الدينيَّة!
فماذا كانتِ النتيجة؟!
ما
مقوِّمات وخصائص المشهَد الثقافي الفِكري الإسلامي في غزْو التيَّارات
الفِكريَّة مِن قوميَّة وعلمانيَّة وحداثيَّة التي عشَّشتْ في بيئة العالَم
العربي والإسلامي، والحملة الإسلاموفوبيَّة التي يقودها الغَرْبُ؟ وهلِ المشكلة في المنهج والخطِّ الإسلامي
الحالي المتَّسم بالتشرذم؟ وهل علينا أن نُطوِّر منهجًا بالاستفادة مِن
العلوم الغربيَّة مثلاً باعتبارِ القرآن الكريم مرْكز المشروع الإسلامي؟ أم
أنَّ هذه المناهجَ معاولُ هدْم وتفتيت؟
هل الفِكر الإسلامي تراثٌ محليٌّ محدود
بحدودِ البيئة الإقليميَّة، والقَبليَّة، والتقليديَّة، مضافًا إليها
المعتقد؟ أم إنَّه عقدي في أساسه، ينشد الشموليَّة، والعالمية دون إغفالِ
بعض الخصوصيات المحليَّة الصالحة (التبيئة)؟
هل الفِكر الإسلامي مروِّجٌ للإرهاب؟ أم
هي حماقاتُ الغرْب هي تقود إلى ردِّ فعْل كما تقول القاعدة: "لكلِّ فعْل
ردُّ فِعل مساوٍ له في القوَّة، ومضاد له في الاتجاه".
هل الفِكر الإسلامي قديمٌ يحتاج إلى
العلومِ الغربيَّة الأرضية لتطويره؟ أم بُعده عن الفَهْم السليم والالتزام
بالفَهْم السقيم هو الذي حدَا بهذا عن جادَّة الصواب ومسيرة التَّقَدُّم؛
وإلا كيف نفسِّر الازدهارَ الذي عاشتْه الأمة الإسلامية ردْحًا طويلاً مِن
الزمن في ظلال كتاب ربِّها وسُنة نبيها؟
أسئلة كثيرة - وغيرها - تفرِض نفسَها
للمراجعة، والرد المفحِم لكلِّ الشبهات التي تحاول بكلِّ ما أُوتيتْ من
قوَّة ودعْم داخلي وخارجي لنشْر أفكارها المسمومة.
في ظلِّ العَلاقة مع الواقع، ومع
التغيُّرات المتتالية في المنطقة العربيَّة والعالَم الإسلامي والعالَم
برُمَّته، نمَت ألوان مختلفة من التيارات الفكرية: علمانية وقومية،
وليبرالية وحداثية، في الجِهة المقابلة - التي ترصد تحرُّكَ العالَم
الإسلامي - ظهَر اتجاه لا يقلُّ أهميةً، بل الأكثر مِن هذا يمثِّل أحدَ
مراكز القرار السياسي؛ لهذا لا نعجب عندما نسمع عن الإسلاموفوبيا والفاشية
الإسلاميَّة في الغرْب، الذي يكتوي نارًا بالغلِّ والحِقد على عقيدة
المسلمين، التي لا تتزحزح رغمَ مصاعِب الدهور!
مفهوم الفِكر الإسلامي: وحتى
لا يختلط الحابلُ بالنابل، وحتى لا نردِّد تَردادَ الببغاء في غباءِ
النَّعَم؛ يجدر بنا أن نحدِّد مفهومَ الفِكر الإسلامي تحديدًا دقيقًا
بعيدًا عن تشويهات الغربيِّين الحاقدين وشُبهات الأدعياء المنافقين، مِن هنا يكون الفِكر إسلاميًّا في الحالات الآتية:
1- عندما يكون المفكِّر مؤمنًا بالإسلام ومقتنعًا بمبادئه.
2- عندما يُعمِل المسلمُ فكرَه في المصادر الإسلاميَّة، ويكون نتاجه الفِكري
مؤسَّسًا على هذه المصادر، والتي هي الأصول (القرآن والسُّنة بفَهْم السلف
الصالح)[2].
*من هم" المفكِّرون الإسلاميُّون الجُدد":منذُ أن رأتِ الدعوة الإسلامية النورَ،
وانطلقت في أرجاء الأرْض، تقْضي على الفساد وتَضع أُسس العدالة والمساواة
بيْن الناس، ظهَر مَن يتصدَّى لها ويُضيِّق عليها الخناق ويحاربها بكلِّ
الوسائل الممكِنة (الحروب، الاقتصاد، الموارد الطبيعيَّة، وغيرها)، لكنَّهم
وعلى مدار قرون لم يستطيعوا أن يُدمِّروا هذه الدعوةَ الطاهرة النقية حتى
القرن الأخير مِن الزمن، عندما وصلَ أعداءُ الإسلام إلى قناعة أنَّ تدمير
الإسلام لا يتحقَّق إلا عن طريق المراكز الثقافيَّة، وتمويل مفكِّريها
ومثقَّفيها شرقًا وغربًا لنشْر ثقافة ممجوجة بالانحلال بدعوى الحريَّة
والحداثة والليبراليَّة، وتدمير الشُّعوب الإسلاميَّة بدعوى الديمقراطيَّة،
هراء وكذِب انكشف زيفه واستبان عواره!
إنَّ قناعة أعداء الإسلام بضرورة ضرْب
الإسلام باستخدام الثقافة الإسلاميَّة لم تأتِ عبثًا وجزافًا، بل كانتْ
نتيجة بحوث ودراسات على مدار قرون قادَها المستشرِقون، ففي القِدم اشتهرت
مقولة اعتمدها عظامُ القادة في معاركهم وهي: "حارِب عدوَّك بسلاحه"؛ لذلك
اعتكف مفكِّرو أعداء الإسلام والمستشرقون على دراسة تاريخ الدعوة
الإسلاميَّة منذُ بدايتها؛ ليتعرَّفوا على أسلحة المسلمين وكيفية تصدِّيهم
للهجمات الخارجيَّة.
كما ظهرتْ في
الآونة الأخيرة مِن القرن العشرين وبداية القرْن الواحد والعشرين ثُلَّة
من "الباحثين" سواء العلمانيِّين أو الغربيِّين ركَّزتْ كلَّ دراستها على
الإسلام عمومًا، والدراسات القرآنية والفِكر الإسلامي المعاصِر والمسلمين
خصوصًا.وينكشِف
منهجها أكثرَ بإحالة مقاربة النُّصوص القرآنية انطِلاقًا مِن خلال التوسُّل
بالعلوم الإنسانية (عِلم الاجتماع وعلم اللسانيات والإنتربولوجيا وعِلم
النفْس والتاريخ المقارن للأديان) والأنظِمة الأرضية مِن ليبرالية
واشتراكية وبنيوية؛ وذلك سعيًا منهم لتوظيف ما اعوَجَّ منها لتحريفِ الكلِم
عن مواضعه! وفي هذا الباب، يمكن التمييزُ بيْن مجموعتين من
"الإسلامولوجيِّين" على حد تعبير خبير المجمع الفقهي الدكتور أحمد الريسوني، وهم في العُمق وجهان لعُملة التغريب والتشكيك:أ- المجموعة الأولى: (علمانيو الداخل)، وهي
أخطر مِن الثانية، التي تسعَى جاهدة بكلِّ ما أُوتيت من مهارة علمية -
زعموا - ودعْم مادي (الإعلام، مراكز البحوث)، إلى نشْر عاصفة الشُّبه بين
صفوف أبناء الأمَّة الإسلامية لتحييدهم عن هُويتهم وعقيدتهم، مِن خلال
التشكيك في القرآن الكريم تارةً، والسُّنة النبويَّة تارةً أخرى، وهي في
الأساس آليةٌ مِن آليات الاختراق الغرْبي، ولعلَّ كلام المستشرق الحاقد
صمويل زويمر أكثرُ فصاحةً بقوله: "ما دام المسلِمون ينفرون مِن المدارس
المسيحيَّة، فلا بدَّ أن ننشئ لهم المدارس العلمانيَّة، ونسهل التحاقَهم
بها، هذه المدارس التي تساعِدنا على القضاء على الرُّوح الإسلاميَّة عندَ
الطلاَّب!".وقدْ أخذتْ
هذه المجموعة حظَّها من الردِّ العلمي؛ لهذا سأركِّز على النخبة الموالية
التي تتستَّر وراءَ البحث العلمي وقنوات ثقافية لنشْر الانحلال الأخلاقي
والسُّفور، ونشْر كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا)، ويظهر ذلك جليًّا
لإحداهن التي روَّجتْها قناةُ الجزيرة القطرية؛ أنَّها حمَّالة حطَب هذا
العصر تتكلَّم بلساننا وتتكنَّى بأسمائنا الخائنة لدِينها ووطنها: وفاء
سلطان.ب- المجموعة الثانية: "المسلمون
بطبيعتهم متخلِّفون لا يُمكنهم أن يتقدَّموا ويصبحوا مثلَنا، سبب ذلك هو
دِينهم وكتابهم المقدَّس الذي يجعلهم يُراوحون مكانهم، أما الإرْهاب فهو
ملتصِقٌ بهم، وكل واحد منهم هو مشروعٌ انتحاري"، هذه الأفكار الحاقدة والتي
تمثِّل أرْقى أشكال الجهْل عنِ الإسلام والمسلمين؛ هي أفكار مَن يسمون
أنفسهم مفكِّرين في قضايا الإسلام والمسلمين؛ لهذا لا نعجب إذا صدرتْ بعض
التصرُّفات الغوغائيَّة والصبيانيَّة سواء مِن صحافييهم (الرسوم المسيئة)،
وساستهم (فيلم الفِتنة للنائب الهولندي)، بل الغريب أن يصدُر الأمر عن
مثقَّفين يتستَّرون وراءَ البحث العِلمي والفِكر الإسلامي، بل لا نستغرِب
إذا قامتْ مراكز القرار الأمريكي - الأوربي (المركز العولمي) بتمويلِ
هؤلاء، لتركيزِ كلِّ اهتمامها على دراسة الإسلام مِن جميع جوانبه؛ حتى
يسهلَ اختراقُه وتشويه معالمه، طبعًا أنَّى لهم ذلك حتى في المنام؟!وفي هذا
السِّياق، أركِّز على بعض شُبهات من يُسمون أنفسهم بالمفكِّرين
الإسلاميِّين الجُدد - التي وقفت على دراسات عديدة في هذه المجال، صدرتْ لي
بعضها في هذا المنبر العِلمي والشرعي الجاد الألوكة؛ التي يتبيَّن مِن
خلال عرضها أن لا حظ لهم مِن المعرفة الإسلاميَّة إلاَّ التشويه وبتْر
النصوص الشرعيَّة عن سياقاتها لخِدمة أهدافهم الإمبرياليَّة ومخطَّطاتهم
الاستئصاليَّة الصِّهيونيَّة. شبهات "المفكرين الإسلاميِّين الجدد" في الداخل والخارج: لتحقيقِ
هدفهم المنشود - ولن يتحقَّق بإذن الله - سعى المفكرون الإسلاميون الجدد
للجمع بين: التنقيص مِن أهمية الإسلام، وعدم مسايرته لمستجدَّات العصر
والعولمة الاقتصاديَّة، وفي الجهة الأخرى التحذير مِن خطورة الإسلام؛ بدعوى
أنه يُفرِّخ الإرهاب ويُغذيه!1- الشبهة التي تمثِّل البضاعة الرائجة عندَهم:
أنَّ الإسلام يشجِّع ويُغذي الإرْهاب، فالإسلامُ في العُمق دِين السلام،
فلا نحكُم على الإسلام مِن خلال تصرُّفات المسلمين، فحتى الحرْب الجهاديَّة
في الإسلام وُضِع لها شروط وضوابط، وهو ما صحَّ عن النبيِّ - صلَّى الله
عليه وسلَّم -: ((لا تقتلوا شيخًا كبيرًا..))؛ فعن أنس - رضي الله عنه -
أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((انطلقوا باسمِ اللهوبالله، وعلى مِلَّة رسولِ الله، لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً صغيرًا، ولا امرأة))؛ أبو داود، (3/86)، (رقم: 2614). وفي حديث آخر: ((سِيروا باسمِ الله وفي سبيلِ الله، قاتلوا مَن كفَر بالله، ولا تمثِّلوا، ولا تغدِروا، ولا تغلُّوا، ولا تقتلوا وليدًا))؛ سننابن ماجه، (2/ 953).كما كان ينهى - عليه الصلاة والسلام - عن التعرُّضِ للرُّهبان وأصحابالصوامع، وعن التمثيلِ والغلول؛ عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: كان رسولُ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا بعَث جيوشَه قال: ((اخرجوا باسم الله، قاتِلوا في سبيلِ الله مَنكفَر بالله، لا تعْتدوا، ولا تغلُّوا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا الولدانَ ولا أصحابالصوامع))؛ مسند أحمد، (1/200).وانظروا حاليًّا إلى ما تقوم به آلةُ التدمير الصِّهيونيَّة في فلسطين، وإنَّ
مَن ينعم النظر في أحوال العالَم يرى أنَّ قوات الاستكبار العالمي لا تحدق
عينيها في الإرهاب الصهيوني الحقيقي، بل يستحقُّ الصمت، ثم التفاهُم، ثم
الإدانة، ولله درُّ الشاعر إذ يقول:
قَتْلُ امْرِئٍ فِي غَابَةٍ جَرِيمَةٌ لاَ تُغْتَفَرْ وَقَتْلُ شَعْبٍ كَامِلٍ مَسْأَلَةٌ فِيهَا نَظَرْ!
|
بل الأكثر مِن ذلك؛ أنَّ الإرهاب صناعةٌ
غربيَّة، فلو عُدْنا إلى بعض محطَّاتها التاريخيَّة الدمويَّة لما وسعتْنا
صفحاتُ هذا المنبر الجاد، لكن الأوْلى الوقوف بشكلٍ مختصَر على بعضها:
ولعلَّ أبشعَ نماذج الإرهاب الغربي هو ما كان يُعرَف باسم: محاكِم التفتيش التي نشأتْ أولاً في إسبانيا،
وإبادة الهنود الحُمْر، ومِن أهمِّ الدراسات الجديَّة في هذا الباب ما
كتبه منير عكش في كتابه السامق "أمريكا والإبادات الجماعية"،
والذي روى فيه قصَّة أشهر إبادة في التاريخ؛ وكيف تَمَّ عبْر فصولها استبدالُ
شعب بشعب وثقافة بثقافة مِن خلال اختراع أفظع نظام تطهير عِرقي على وجه
الأرض[3].
كما تبنَّت بعضُ الدول الإرهابَ كجزء من
الخطَّة السياسيَّة للدولة، مثل دولة هتلر النازية في ألمانيا، وحُكم
ستالين في الاتِّحاد السوفيتي آنذاك، حيث تمَّتْ ممارسة إرْهاب الدولة تحتَ
غطاء أيديولوجي لتحقيقِ مآربَ سياسيَّة، واقتصاديَّة وثقافيَّة.
كما لا يَنبغي أن يختفي عن أذهاننا
الحركاتُ الإمبريالية التي قادتْها كلٌّ من فرنسا وبريطانيا، وحاليًّا
الولايات المتحدة الأمريكيَّة، التي حوَّلتِ العراق إلى العصر الحجري
القديم!
أما عن المنظمات الإرهابية في العالم الغربي فلا يمكن عدُّها: من
أشهرها جماعة (بادر-ماينهوف) الألمانية، ومنظمة (الألوية الحمراء)
الإيطالية، والجيش الأحمر الياباني، والجيش الجمهوري الأيرلندي، والدرْب
المضيء البيروية، ومنظَّمة (إيتا) الباسكيَّة، اعتبرتْ مِن أشهر المنظَّمات
الإرهابيَّة في تاريخ القرْن العشرين من منظور غربي، كما أنَّ الولايات
المتحدة الأمريكيَّة هي معقِل مئات مِن أخطر العصابات الإرهابيَّة في
العالَم؛ مثل: جماعة كوكوكس كلان، التي تخصَّصتْ في قتْل السود، وغيرها،
وإذا كان اليهود هم أوَّل مَن أسَّس منظَّمةً إرهابية في التاريخ، فقد
كوَّنوا بعد ذلك عددًا مِن أشهر المنظمات الإرهابية في العالم؛ مثل: عصابات
الهاجاناه، وأرجون، وشتيرن.
2- الشبهة المرتبطة بتحرير المرأة: لقد
استغلَّ أعداءُ الإسلام الفترةَ التي تعرَّضتْ فيها المرأةُ المسلمة إلى
ظُلم الرَّجل وتعسُّفه في إدارة الأُسرة وسلْبها لحقوقها التي منَحَها
إيَّاها الإسلامُ، وبدؤوها بدعوات تحرير المرأة مِن الظلم والاستعباد،
وإرجاع حقوقها إليها بعبارات ملوَّنة ومزخرَفة، لا شك أنَّ بداية هذه
الدعوة في أوروبا أو أمريكا، والتي انطلقتْ غداةَ الثورة الفرنسيَّة التي
تلاها إعلانُ منظَّمة حقوق الإنسان بأنَّ الناس يُولدون أحرارًا في 10
ديسمبر 1948، لاقتْ نجاحًا واسعًا مِن وجهة نظَر بعض المفكِّرين، وهذا ما
دفع البعض في الدول الإسلامية إلى تبنِّي هذه الأفكار المتطرِّفة، والتي
تخالف الإسلام.
من هنا ظهرتْ بعض المنظمات الحقوقيَّة ذات
التوجُّه الإسلامي في الضغط على حُكومتها لتغيير القواعد الأساسيَّة
للأسرة المسلِمة وتغييرها بأخرى غربيَّة وضعيَّة، في حين أنَّ الإسلام
أعْطى المرأة كافَّةَ حقوقها، وأعْلى من شأنها وكرَّمها وأعزَّها، ومِن
حقوقها التي منحها إيَّاها:
أ- حقها في الميراث والتملُّك.
ب- حقها في التعليم والعمل.
ج- حقها في اختيار الزوج.
د- حقها في الخروج مِن دارها بضوابطَ معروفة.
3- شبهة تعدد الزوجات: لقد استغلَّ أعداءُ الإسلام حقَّ تعدُّد الزوجات للرجُل الواحد، وأنه مدخل
قوي لهدْم المرأة ودفعها إلى الثورة ضدَّ الإسلام وتعاليمه، فادَّعَوا أن
الإسلام يظلم المرأة وينقصها حقَّها كزوجة، ويجعل لها من يشاركها في زوجها
ممَّا يدفعه لظلمها وإنقاصِ حقِّها فيه.
وادَّعَوا أنَّ الإسلام بفرْضه حقَّ
تعدُّد الزوجات أشبعَ رغباتِ الرجل على حسابِ كرامة المرأة، ومما يدْعو
للأسف أنَّ هذه الدعوات وجدتْ مَن يسمعها ويتبنَّى نشرَها في مجتمعنا
الإسلامي، والسبب في ذلك أنَّ بعض الرجال استخدموا هذا الحقَّ بتعسف وظلم،
ولم يطبقوا ما أمَر به الله - سبحانه وتعالى - وما وصَّى به نبيُّه -
صلَّى الله عليه وسلَّم.
يقول أ.د يوسف الكتَّاني: "لم يشرع
الإسلام تعدُّدَ الزوجات، بل وجَدَه نظامًا قائمًا وعادةً منتشرة، فعمد إلى
تنظيمه وتقنينه؛ انطلاقًا من مقاصده وغايته الحَكيمة، واعتبارًا لطبائع
الناس وما يُصلحهم ويزكِّيهم، ومراعاة ضرورات الفرْد والجماعة، والحِفاظ
عليها وهي المعتبَرة في الشريعة الإسلامية"[4].
4- شُبهة أنَّ الغرْب لم ينهضْ إلا بعد أن تخلَّص مِن سلطان الدِّين على العقول،
وحكَّم العقل في كلِّ أمور حياته، ومن ثَم يتوجَّب على المسلمين أن يفعلوا
الشيءَ نفسه، لقد أجْمع المفكِّرون الإسلاميون على رفْض تطبيق هذه المقولة
على الإسلام، والنهضة الإسلامية، مستندين إلى إقامة تفريقٍ حاسم بيْن
الإسلام والكَنيسة المسيحيَّة في الغرب، سواء أكان ذلك مِن ناحية وجود
سُلطان كَنسي رُوحي، أم مِن ناحية موقِف الكنيسة مِن العقل والعلوم
والمكتشفات، أم مِن ناحية موقِفها مِن الحياة الماديَّة والرُّوحيَّة
للإنسان.ويؤكِّد
الأستاذ كارم السيد غنيم احترامَ الإسلام للعلم، وتوقيرَ أهله، وإجلالهم
بكلِّ وسائل الإجلال، وذلك أنَّ (الإسلام لم ولن تدانيه شريعةٌ في عنايته
بالعِلم والمعرفة؛ ذلك الذي جعَل العلمَ والتأمُّل والبحث مِن أعظم
المقرِّبات إلى الله سبحانه). 5- شبهة أنَّ الإسلام أصبح شيئًا مِن الماضي، ولا يصلح للزمَن الحاضر:
وأنَّه سببُ تخلف المسلمين وانحطاطهم؛ لهذا صدرتْ كتابات إسلامية كثيرة
تردُّ على هذه المقولة، فأمَّا مالك بن نبي فيعتبر الإسلام (المنقذ مِن
الضلالين: الرأسمالي والشيوعي)، ويؤكِّد الشيخ عمر التلمسانيُّ فيقول:
"إنَّ الإسلام لا يرضَى بما نحن فيه، فلا داعي للتمحُّك بأنَّه سبب
تأخُّرنا وضعفنا، وكل ما في الإسلام يدْعو إلى العدل والإنصاف، والقوة
والمساواة، والجد والعمل وإتقان العمل، يدْعو إلى الفضيلة ومكارِمِ
الأخلاق". هكذا ترى
معي - أخي القارئ - أنَّ هذه الشُّبه لا يَنهض بها دليلٌ، ولا تقوم بها
حُجَّة، وهي ساقطة الاعتبار من كلِّ وجه، ولا تأثيرَ لها على شخصية الإنسان
المسلِم المتحصِّن بجُدر سميكة مِن كتاب الله وسُنة نبيِّه المصطفى -
صلَّى الله عليه وسلَّم.وفي ردٍّ لأحد المفكِّرين المسلِمين، ولا
أرى أفضلَ ردٍّ مِثل هذا: إنها الهزيمة النفسيَّة والفِكريَّة والرُّوحيَّة
لقِيم غربية بدأتْ تعلن الإفلاس والانتحار والغرق المحقَّق، إنَّهم
يُخطِّطون وينفقون القناطير المقنطرة مِن الأموال والخِبرات البشريَّة
القاصرة، ويُوظِّفون الترسانةَ العسكرية للتهديد، ويسهرون الليالي لتدبيرِ
الخطط الماكرة؛
فإذا بكُلِّ ذلك - بحول الله - يصير كرمادٍ اشتدَّتْ به الرِّيحُ في يوم عاصف!
يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿
إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ
يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ
اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى
بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأنفال: 36 - 37].
هذه إذًا
قطراتٌ مِن بحر مملوء بجيوش الحاقدين المشوهين لحقائقِ الإسلام، التي تبقَى
رصينةً كالجبال الرواسي، ولله در الشاعر إذ يقول:
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْمًا لِيُوهِنَهَا فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الْوَعِلُ
|
ختامًا:
أقول: في هذا الزمن الذي تغوَّل واستأسد فيه أهلُ الباطل، وتدجَّجوا بكلِّ
أنواع الأسلحة (التفوق العلمي، والعسكري، الإعلام، ومراكز البحث)، لا يصح
أن يكونَ أهلُ الإسلام - أهل الحق - مدجَّنِين ومهجنين في مواجهة
المدجَّجين. يقول المؤرخ
العراقي عماد الدين خليل: "إنَّ التحقق بالبديل، بالمعرفة الإيمانيَّة، لن
يتشكَّل في الفراغ، كما أنَّه لا يقوم على أُسس منحرِفة، أُحادية
الرُّؤية، كأنَّ العقل الغرْبي قد منحنا القناعة الخاطئة بها، أو ألْزمنا
بقَبولها، لا بدَّ مِن خلخلة هذه القَناعات، وإلْغاء الخرائط الخاطِئة،
وتسوية الأُسس الملتوية، وإعادة هندستها مِن جديد، والخلخلة وحْدَها لا
تكفي، إنها مجرَّد جهدٍ سلبي يجب أن يوازيه الطرَف الآخر: الإيجاب،
متمثِّلاً بإقامة معمار معرفي في هذا الفرْع، أو ذاك، يقوم على أُسسٍ
إسلامية، ويُبنى بالموادِّ الإسلامية، وتتشكَّل ملامحه في رحِم الإسلام،
ويَمضي إلى الهدف الواحد، الذي لا هدفَ قبْله أو معه، أو بعده: ابتغاء
رِضوان الله، والتحقُّق بحياة متوازنة سليمة يخفق فيها العقلُ ويُعطي،
متوافقًا مع كلمةِ الله، وليس متضادًّا معها[5].
[1]
نبيل غزال وإبراهيم بيدون: "المرجعية الفكرية لمعدِّي دراسة القيم
والممارسات الدِّينيَّة في المغرب"، جريدة السبيل العدد - 32، بتصرف يسير.
[2]
للتوسع في هذا الباب الرجوع لكتابي: محسن عبدالحميد "تجديد الفكر
الإسلامي" دار الصحوة، وأحمد حسن فرحات: "مصطلح الفكر الإسلامي"، ضمن ندوة
"الدراسة المصطلحية والعلوم الإسلامية" (ج 2/معهد الدراسات المصطلحية -
بكلية الآداب ظهر المهراز - بفاس - ط 1- 1996.
[3]
فهمي هويدي: استدعاء سيناريو إبادة الهنود الحُمر، الشرق الأوسط العدد 23/01/2008.
[4]
المرأة المسلمة والتحديات المعاصرة، أ.د يوسف الكتاني، جامعة القرويين المغرب، (ص: 3).[5] -
د.عماد الدين خليل: "النظر بعيون غربية"، جريدة المحجَّة، العدد 291 (ص: 16).