اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  انتكاس منتسب للسلفية من السلفية إلى الكفر: الدروس والعبر والرد على المغرضين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
 انتكاس منتسب للسلفية من السلفية إلى الكفر: الدروس والعبر والرد على المغرضين Oooo14
 انتكاس منتسب للسلفية من السلفية إلى الكفر: الدروس والعبر والرد على المغرضين User_o10

 انتكاس منتسب للسلفية من السلفية إلى الكفر: الدروس والعبر والرد على المغرضين Empty
مُساهمةموضوع: انتكاس منتسب للسلفية من السلفية إلى الكفر: الدروس والعبر والرد على المغرضين    انتكاس منتسب للسلفية من السلفية إلى الكفر: الدروس والعبر والرد على المغرضين Emptyالخميس 9 مايو 2013 - 16:07

انتكاس منتسب للسلفية من السلفية إلى الكفر: الدروس والعبر
والرد على المغرضين


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:



فخلال مناقشة لي مع أحد اللادينيِّين - هداه الله للحق والإسلام - ادَّعى أنه كان يدرس العقيدة السلفية، ويعرفها جيدًا، وتعلمها على أيدي مشايخَ، ثم انتكس وكفر، قلت له: يصعب على مَن عرف الحق حقَّ المعرفة أن يَحيدَ عنه، مهما كانت المؤثِّرات، فكان من ردِّه أن هناك مِن السلفيين والمدافعين عن السلفية مَن خرج عن السلفية والإسلام بعد أن كان مدافعًا عن السلفية، وضرب المَثَل بعبدالله القصيمي، واستدل بهذا على فساد الإسلام.


ويمكن للبعض أن يقول: كيف لشخصٍ يدافع عن السلفية ينتكس حتى يخرج من الدين؟ فهذا دليل على فساد السلفية!

والجواب: المدافع عن السلفية لا يشترط أن يكونَ من أتباع السلف حق الاتباع، ولا يستلزم من دفاعِ شخصٍ عن الحق أن يكونَ من أهل الحق، ولا يستلزم من دفاع شخص عن الإسلام أن يكونَ من أهل الإسلام، والنصرةُ والتأييد للإسلام ليست خاصةً بالمؤمنين، وإن الله ينصر هذا الدينَ بالرجل الفاجر - مسلمًا أو غير مسلم - والرجال يُعرَفون بالحقِّ، والحق لا يُعرف بالرجال؛ فالرجال يُعرَفون بما يحملونه ويعتقدونه من الحق، وليس العكس.



وقد أيَّد اللهُ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بعمِّه أبي طالب وهو على دين قومه بمكة المكرمة، وأيد الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أيضًا بعد موت عمه أبي طالب لَمَّا رجع إلى مكة المكرمة من دعوته أهلَ الطائف بالمُطعِم بن عديٍّ وهو كافر على دين قومه[1].


وفي الصحيحين عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قال: شهدْنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لرجلٍ ممن يدَّعي الإسلام: ((هذا من أهل النار))، فلما حضر القتالُ، قاتل الرجل قتالاً شديدًا فأصابته جراحةٌ، فقيل: يا رسولَ الله، الذي قلت له: ((إنه من أهل النار))، فإنه قد قاتل اليوم قتالاً شديدًا وقد مات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إلى النار))، قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب، فبينما هم على ذلك، إذ قيل: إنه لم يمتْ، ولكنَّ به جراحًا شديدًا، فلما كان من الليل لم يصبِرْ على الجراح فقتل نفسه، فأُخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: ((الله أكبر، أشهد أني عبدُ الله ورسوله))، ثم أمر بلالاً فنادى بالناس: ((إنه لا يدخُلُ الجنةَ إلا نفسٌ مسلمةٌ، وإن اللهَ ليؤيِّدُ هذا الدين بالرجل الفاجر))[2].


وكم سمعنا عن أناسٍ غير مسلمين يدافعون عن الإسلام، ومع ذلك لم يُسلموا.



وضرب المثل بعبدالله القصيمي على فساد الإسلام - أو حتى فساد السلفية - لا يصح - والإسلامُ حقٌّ، وإن أنكره المبطلون - فهذا الشخص قد عَرَف الحق، ولم يعمل به؛ فلم يكن يعرف الحقَّ حقَّ المعرفة، وفرْقٌ بين المعرفة وحق المعرفة، فهناك من يعرف فقط، ومن يعرف ويعمل بما عرف ظاهرًا وباطنًا.


وما حدث لعبدالله القصيمي من باب سوء الخاتمة، ويبعد على من عرف الحق حق المعرفة وعمل به أن يُختَمَ له بسوءِ الخاتمة، وكما قيل: من لم يتعاهد عِلْمَه في الخلاء، فضحه في الملأ، ومَن صدق مع الله قرارُه، صدق إلى الله فرارُه؛ فالله أعدل من أن يضلَّ مَن أخلص له.



وكما قيل: آفة العلم تركُ العمل به، وتمامُ العلم استعماله، والعالم مَن شهدت بصحة أقوالِه أفعالُه.


ويصدق في عبدالله القصيمي قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الرجُلَ لَيعملُ عمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجُلَ لَيعملُ عمل أهل النار، فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة))[3]؛ أي: عمل المختوم له بالشقاوة إذا ظهر صلاحُه إنما هو فيما يبدو للناس[4].


و"قال عبدالحق الإشبيلي: "إن سوءَ الخاتمة لا يكون لمن استقام ظاهرُه، وصلح باطنُه، ما سُمع بهذا قط، ولا علِم به، والحمد لله؛ وإنما يكون لمن كان له فسادٌ في العقد، أو إصرارٌ على الكبائر، وإقدامٌ على العظائم، أو لمن كان مستقيمًا ثم تغيَّرت حالُه وخرج عن سَننه، وأخذ في طريقٍ غير طريقه، فيكون عمله ذلك سببًا لسوء خاتمتِه، وسوءِ عاقبته، والعياذ بالله".


قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].


وقد سمعت بقصة بلعام بن باعوراء؛ حيث آتاه اللهُ آياته: ﴿ فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ ﴾ [الأعراف: 175] إلى آخر الآيات"[5].


وقال ابن القيم - رحمه الله -: "وأما كونُ الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتابُ، فإن هذا عمل أهل الجنة فيما يظهر للناس، ولو كان عملاً صالحًا مقبولاً للجنة قد أحبه اللهُ ورضِيَه، لم يُبطِلْه عليه.


وقوله: ((لم يَبْقَ بينه وبينها إلا ذراعٌ)) يُشكِل على هذا التأويل، فيقال: لَمَّا كان العملُ بآخره وخاتمته، لم يصبِرْ هذا العاملُ على عمله حتى يتمَّ له، بل كان فيه آفةٌ كامنة، ونكتة خُذِل بها في آخر عمره، فخانتْه تلك الآفةُ والداهية الباطنة في وقت الحاجة، فرجع إلى موجبِها، وعملت عملها، ولو لم يكن هناك غشٌّ وآفة، لم يقلب اللهُ إيمانَه كفرًا وردَّةً مع صِدقه فيه وإخلاصه بغير سببٍ منه يقتضي إفسادَه عليه، والله يعلم من سائر العباد ما لا يعلمه بعضُهم من بعض.


وأما شأن إبليس، فإن الله - سبحانه - قال للملائكة: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]؛ فالرب - تعالى - كان يعلم ما في قلب إبليس من الكفر والكِبر والحسد ما لا يعلمه الملائكة، فلما أُمروا بالسجود، ظَهَر ما في قلوبهم من الطاعةِ والمحبة والخشية والانقياد، فبادروا إلى الامتثال، وظهر ما في قلب عدوِّه من الكِبْر والغش والحسد، فأبى واستكبر، وكان من الكافرين"[6].


وقال الشيخ عبدالكريم الخضير - حفظه الله -: "مَن كان على الحق ثم تركه، هذا إما أن يكونَ هذا الحقُّ لم يثبت ولم يرسخْ في قلبه، أو يكونَ عنده دخيلة وطوية ينطوي عليها قلبُه، تخونه في أحوجِ ما يكون إلى التثبيت"[7].



ويصدق في عبدالله القصيمي قوله - تعالى -:

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 175، 176].


"فهذا نبأ عظيمٌ، أَمَر اللهُ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يتلوَه على أمته، ويقصَّه عليهم؛ رجاءَ أن يتفكروا فيه وينتفعوا به.


فهذه قصة رجل آتاه اللهُ العلمَ والآيات البيِّنات، وكان حقه أن يتولاه اللهُ ويزيدَه هدًى لو عمل بموجب ذلك العلم، كما قال: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾ [المائدة: 16].


لكنه انسلخ من العمل بموجب تلك الآيات، وأَخلد إلى الأرض، واتبع هواه، فتخلَّى اللهُ عنه، وتسلَّط عليه الشيطان؛ فكان من الغاوين، ففيه أكبرُ الدلالة على أن اتباعَ الهوى ثغرة في القلب يتسلَّل منها المفسدون.


وهو مَثَل مضروب لكل مَن تعلم العلم ووعاه، لكنه لم ينتفعْ به، ولم يعمل بموجبه، بل أخلد إلى متاعٍ من متاع الدنيا، وسار خلف شهواته، وما تهواه نفسه، دون ما يُرضِي ربَّه، فهو ملازم لغيِّه وضلاله حال جهله، وحال تعلُّمه، لم ينتفعْ بالعلم فيترك الغيَّ، فهو في ذلك أشبهُ بالكلب الذي لا ينتفع بالراحة، فيترك اللهثَ، فهو ملازم للهثِ حال راحته وحال تعبه، أعاذنا اللهُ من الخِذلان، وأسباب الضلال والحرمان"[8].


ويصدق في عبدالله القصيمي قولُه - تعالى -:

﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].



ولو كان مؤمنًا بالله حقَّ الإيمان، ولو كان متبعًا للسلف حقَّ الاتباع، لَمَا كفَر بعد إيمان، وألحد بعد توحيدٍ؛ قال - تعالى -: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27].



ويصدق في عبدالله القصيمي قوله - تعالى -:

﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14]، ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا ﴾؛ أي: كفروا بآيات اللهِ جاحدين لها، ﴿ وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ﴾؛ أي: ليس جَحْدُهم مستندًا إلى الشك والريب؛ وإنما جَحْدهم مع علمِهم ويقينِهم بصحتِها، ﴿ ظُلْمًا ﴾ منهم لحقِّ ربهم ولأنفسهم، ﴿ وَعُلُوًّا ﴾ على الحقِّ، وعلى العباد، وعلى الانقيادِ للرُّسل[9].


ومما يستفادُ من الآية أن الكِبْرَ والعلوَّ في الأرض صاحبُهما يجحد الحقَّ ولا يقرُّ به، وهو يعلم أنه حق[10].


ويصدق في عبدالله القصيمي قوله - تعالى -:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة: 5]؛ أي: كمثل الحمارِ إذا حمل كتبًا لا يدري ما فيها، فهو يحملها حملاً حسيًّا ولا يدري ما عليه، وكذلك هؤلاء في حَمْلهم الكتابَ الذي أُوتوه، حفِظوه لفظًا ولم يتفهموه، ولا عملوا بمقتضاه، فهم أسوأُ حالاً مِن الحمار؛ لأن الحمارَ لا فَهْمَ له، وهؤلاء لهم فُهومٌ لم يستعملوها[11].


وقال السعدي - رحمه الله -: "الذين حَمَّلهم اللهُ التوراةَ من اليهود وكذا النصارى، وأمرهم أن يتعلَّموها، ويعملوا بما فيها، وأنهم لم يَحْمِلوها ولم يقوموا بما حمِّلوا به، أنهم لا فضيلةَ لهم، وأن مَثَلَهم كمَثَل الحمارِ الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا مِن كتب العلم، فهل يستفيدُ ذلك الحمارُ من تلك الكتبِ التي فوق ظهره؟


وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك؟ أم حظُّه منها حَمْلُها فقط؟ فهذا مثل علماء اليهود الذين لم يعملوا بما في التوراة، الذي من أجلِّه وأعظمِه الأمرُ باتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - والبشارة به، والإيمان بما جاء به من القرآن، فهل استفاد مَن هذا وصفُه من التوراة إلا الخيبةَ والخسران وإقامة الحجة عليه؟ فهذا المَثَلُ مطابِق لأحوالهم.


بئس مَثَل القوم الذين كذبوا بآياتِ الله الدالةِ على صدقِ رسولِنا، وصِدْقِ ما جاء به"[12].


ولو كان عبدالله القصيمي مهتديًا بالله حقَّ الهداية، لَمَا انتكس؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76]؛ أي: مَن كان في الضلالةِ زاده اللهُ ضلالة، ومَن اهتدى زاده اللهُ هدًى، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة[13].



ومخالفة الحق لا تكون إلا عن جهل أو هوى، وقد يُبتلى الإنسانُ بشبهة في الدين لا يستطيع صَرْفها عن نفسه، ولا يستعيذ بالله - تعالى - من شرِّها، ولا يلجأ إلى مَن هو أعلم منه ليفنِّدَها له - استكبارًا أو استحياءً - فتتمكَّن مِن قلبه، ثم ينقلب على عقبيه، خسِر الدنيا والآخرة، وقد يُبتلى بشهوة؛ كحُبِّ الظهور والعظمة والعُجْب، فيغتر بنفسه، ثم ينتكس.


والمتتبع لكتب عبدالله القصيمي قبل الرِّدة والإلحاد وبعد الرِّدة والإلحاد، يجدُ أنه مُعجَبٌ بنفسه، محبٌّ للظهور، يُثني على نفسه كثيرًا، وهذا ليس من هَدْيِ السلف، بل ذمَّ السلفُ العُجْبَ والكبرياء وحبَّ الظهور.



ومن أمثلة ذمِّ السلف للعُجب قولُ أبي الدرداء - رضي الله عنه -: "علامة الجهل ثلاث: العُجب، وكثرةُ المنطق فيما لا يَعنيه، وأن ينهى عن شيءٍ ويأتيه"[14]، وقول مسروق - رحمه الله -: "كفى بالمرء علمًا أن يخشى اللهَ، وكفى بالمرء جهلاً أن يُعجَبَ بعلمِهِ"[15].



والمتتبع لكتبِ القصيمي يجد عدم ذِكره لأي مرجعٍ يرجع إليه رغم كِبَر بعضِ الكتب، وهذا دليلٌ على سرقاته العلمية؛ مما يوحي بعدم أمانته، وهذا ليس من هدي السلف.


وعلى التسليم الجدلي أن عبدالله القصيمي ألحد لشكِّه في الدين، وليس من أجل هوى؛ فهذا قد شذ عن الكثرة الكاثرة التي لم تشكَّ في الدين؛ فاحتمال خطئه أَولى من احتمال خطأ الكثرة الكاثرة، والعيب في الغالب يكونُ في الشاذِّ؛ فهو لم يَرَ الحقَّ الذي عند الأكثرين، وهذا ليس عيبًا في الدين، لكن عيبٌ فيه أنه لم يقدِرْ أن يحكمَ نفسَه بالدين، وعينُه أبت أن ترى نورَ الدِّين، فانفلت من الدِّين، وخسِر الخسران المبين.



وعدم رؤية البعض للشمس ليس عيبًا في الشمسِ، بل عيبٌ فيمن لم يَرَها، وعدم تذوق شخصٍ لحلاوة العسل ليس عيبًا في حلاوة العسلِ، بل عيبٌ فيمن لم يتذوقْ حلاوةَ العسلِ.



والشك في الدين مرض له بوادر لم يعبأ بها عبدالله القصيمي حتى كبرت وفحشت، فانقلب بعد إيمان، وحارب الإسلام والرحمن.



اللهم ثبتنا على الحق، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.



[1] - مجموع الفتاوى؛ لابن باز 7/370.

[2] - رواه البخاري في صحيحه 4/72، حديث رقم 3062 ، ورواه مسلم في صحيحه 1/105، حديث رقم 111، واللفظ للبخاري.

[3] - رواه البخاري في صحيحه 4/37، حديث رقم 2898، ورواه مسلم في صحيحه 1/106، حديث رقم 112.

[4] - معارج القبول بشرح سلَّم الوصول إلى علم الأصول 3/923.

[5] - الاعتصام للشاطبي 1/170.

[6] - الفوائد لابن القيم ص 163.

[7] - شرح لامية شيخ الإسلام، الدرس رقم 2 مفرغ.

[8] - أثر الإيمان في تحصين الأمَّة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة 1/390 .

[9] - تفسير السعدي ص 602.

[10] - أيسر التفاسير؛ لأبي بكر الجزائري 4/10.

[11] - تفسير ابن كثير 8/ 117.

[12] - تفسير السعدي ص 862 .

[13] - أضواء البيان للشنقيطي 3/490.

[14] - رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله 1/569.

[15] - رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله 1/143.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
انتكاس منتسب للسلفية من السلفية إلى الكفر: الدروس والعبر والرد على المغرضين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: شبهـات حــول الاسـلام-
انتقل الى: