اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  المحبة بين المؤمنين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100245
 المحبة بين المؤمنين Oooo14
 المحبة بين المؤمنين User_o10

 المحبة بين المؤمنين Empty
مُساهمةموضوع: المحبة بين المؤمنين    المحبة بين المؤمنين Emptyالأحد 5 مايو 2013 - 15:17

المحبة بين المؤمنين

الحمد لله الذي جعل المؤمنين بنعمته إخوانًا، وعلى الخير والتقوى أنصارًا وأعوانًا، بالإسلام تجمَّعوا وعلى هديه تآلَفوا، يرجونَ من اللهِ المثوبةَ والرَّحْمَة، ويحاذرونَ المقْتَ والنقمة، فلهم البُشْرى بالذِّكرِ الجميل، والنَّعِيمِ المُقِيم.


يا أخا الإسلام:
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا
وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانا
وَنَهْجُو ذَا الزَّمَانَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ
وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنا هَجَانَا
وَلَيْسَ الذِّئْبُ يَأْكُلُ لَحْمَ ذِئْبٍ
وَيَأْكُلُ بَعْضُنَا بَعْضًا عَيَانَا



وأشهد أنْ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له، المَلِكُ الحَقُّ المبين، جعل المتحابِّين في جلاله من أهل الرحمات، وبشَّرَهُم بأعطرِ البُشْريات، ومنحهم جزيلَ المثُوبَةِ وأعْلَى الدَّرَجات.


وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وحبيبه، قد جمع الله به القلوب بعد شتاتها، وألَّف بدعوته أقوامًا كانوا يَلُجُّونَ في غَيَاهِبِ الفُرْقَةِ والأحقاد، فصاروا من أطيب الخلق وأكرم العباد.


اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأحبابه وزوجاته الطَّاهرات أُمَّهات المؤمنين.


أما بعد:

فإنَّ المحبة هي رأس مال المجتمع المسلم، وأجمل صُوَره تلك التي تُنْبِئُ عن الوئام والتلاقي بين أفراده المؤمنين، وهي أغلى من لقمة الخبز وجرعة الماء، إنها طبيعة العلاقةِ المنشودةِ في ظلال هذا الدِّين الذي يأمرنا بها، ويُحذِّرنا من التباغض والتنافر، ويرصد الحوافز من عطاءِ الثَّوَابِ للمتحابِّين في جلال الله رب العالمين في الدُّنيا والآخرة، وفي الحديث القدسي: قال الله - تبارك وتعالى -: ((وجبَتْ محبَّتي للمتحابِّين فيَّ، وللمتجالسين فيَّ، وللمتزاورين فيَّ، وللمتباذلين فيَّ))؛ المنذري في "الترغيب والترهيب" 3 / 328 بإسنادٍ صحيح عن معاذ بن جبلٍ - رضي الله تعالى عنه.


إن طبيعة الحب المقسوم بين قلوب المؤمنين ما هو إلا رزقٌ موهوبٌ من الله الوهَّابِ، القَائِلِ في كِتابِهِ الكريم: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63]، وقال - تعالى -: ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، والإيمان هو رابط القلوب بالمحبة، قال الله - تعالى -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].


بقاء المحبة بين المؤمنين


إن كلَّ ما يبذله الناس من علامات الحب بينهم زائلةٌ إذا لم تكن مؤسَّسةً على الحب في الله تعالى، فقد تَنْصرم عُرى المودَّة بين الشُّركاء بمجرد فضِّ الشراكةِ التجارية، وتنتهي العلاقة بين الجيران بالتحوُّلِ إلى مَسْكنٍ بعيدٍ ولو بُعدًا يسيرًا، والزمالةُ في العمل تنقطع أواصرها بانقطاع أحدهم عن دَوَامِهِ، فالناس في لجَّةِ سَفَرٍ لا تستقرُّ بهم مراكِبُهُمْ في أمر المشاعر على شواطئ السلامة والاطمئنان.


وعلى ذلك، فالمحَبَّة بين الناس مقطوعةٌ إلاَّ ما كان منها لله تعالى، فهذا هو الحبُّ الباقي بين قلوب المحبِّينَ؛ ذلك لأنَّ أسباب هذا الحُبِّ لا تزول لا في الدُّنيا ولا في الآخرة، وهذا هو المَذاق الأثير الذي لا يعرفه إلاَّ أهل الإيمان، قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلَّم -: ((... وأن يُحبَّ المرء، لا يحبُّه إلا لله...))؛ "صحيح البخاري" 6941 بسندٍ صحيحٍ عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه.


ومن المعلوم والمنقول على الألسنة: "ما كان لله دام واتَّصَل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل"، وقد قعَّد النبيُّ الكريم - صلى الله عليه وسلَّم - هذه القاعدةَ الأصيلةَ من سُنَن الله رَبِّ العالمين حين قال: ((أتاني جبريل، فقال: يا محمد، عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّت، وأحبب مَن شئتَ فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجْزيٌّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعِزُّه استغناؤه عن الناس))؛ الألباني في "صحيح الجامع" 73 بسندٍ حسنٍ عن سهل بن عبدالله، وجابر بن عبدالله - رضي الله تعالى عنهما.


وأسمى العلاقات الإنسانية ما كان منها مجرَّدًا بعيدًا عن المصالحِ والمآربِ والرغائبِ، وهو تعبيرٌ صادقٌ عن عمق المودَّة وبقائها، وعن كونها مثالاً من الوصلِ الجميلِ الذي يُعدُّ في الآفاق قدوةً لأهل الإيمان.


والمُعْضلة التي يُصوِّرها الواقع في الإطار السلبي أنَّ كثيرًا من الناس قد تعوَّدوا أنْ يصلوا غيرهم لأسبابٍ قد لا تَدوم، بل وينصرم هذا الوصل مع غياب أسبابه في السفر أو الحضر، إلاَّ أن الإيمان له في حياة القلب مَنْطقٌ آخر، فقد أسفر الحُبُّ عن وجهه الأغَرِّ بين أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في خير القرون، بعد هذه المؤاخاة الإيمانية التي لم يَعرف لها التَّاريخ مثيلاً إلاَّ في عالم الخيال، لقد كان الحب في الله رائدَ هذه العلاقات التي سَمَتْ في ذُراها، حتى تشابهَتْ في بعض صُوَرِها بِنُعوتِ الملائكِ الأطْهار.


حاجتنا الماسَّة إلى المحبة


إن المؤمنين في هذا الزمان في أمسِّ الحاجة إلى المحَبَّة أكثرَ من أيِّ وقتٍ مَضى؛ ففي ظلِّ هذا الجوِّ الذي جفَّتْ فيه المشاعرُ، وتعالَتْ فيه أصواتُ الشهواتِ والشبهاتِ، ومع شدَّة احتكاك النفس البشريَّةِ بعواملِ ضجرٍ وضيقٍ نفسيٍّ قد باشر القلوب بجيوشٍ مُسلَّحةٍ بِالهَمِّ والاختناقِ، ورغم ذلك فأصوات الْمُدَّعِين زورًا احتواء المحبَّة بين قلوبهم قد عجَّت بهم الآفاق، وضجرت منهم النفوسُ من أصواتٍ زاحفةٍ نابحةٍ إلى الأسماع من القيناتِ والمُخنَّثينَ، فما أكثَرَ ما نُغنِّي للحب! ويكرِّرُ الكثير من شبابنا وفتياتِنَا كلماتِ هؤلاء الفتَّانين دون أن يمَسَّ شغافَ القلوبِ منه رِيٌّ يشفي عطشَ الأرواح إلى نسماتِ الحبِ الصَّادِقِ!


في ظل هذا الجو المُفْعَم بالكلمات دون المعاني، تشتاق الرُّوحُ فيه إلى سلامتها وهُداهَا بتذوُّق المحبة الرائقة بين القلوب المؤمنة، فيتجدَّد بذلك شبابُهَا، وتستقيم بهِ حَياتُها.


ونحن بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى المحبة بيننا؛ حتى نُطَبِّقَ الصورةَ الجميلةَ التي رسمها لنا النبيُّ العظيم - صلى الله عليه وسلَّم - في بيانه الواصف لكلِّ المؤمنين حين يقول: ((المُؤْمن إلْفٌ مأْلوفٌ، ولا خيْر في مَن لا يُؤْلَف، وخير الناس أنفَعُهمْ للناس))؛ الشهاب القضاعي في "مسنده" 123 عن جابر بن عبدالله - رضي الله تعالى عنه - بسندٍ ضعيفٍ وقال: يحسن إذا توبع.


لأنَّ المجتمع بدون هذا الحب سيتحوَّلُ إلى مجتمع غابةٍ، يأكل القوي فيه الضعيف، وتذوب فيه أجمل الأواصر الحافظة لأسباب تماسُكه، بل أسباب بقائه؛ ذلك حينما تعصف أهواء الكراهية بمجامع القلوب، فتُرْديها إلى مواطن تهْلُكَتِها كما قال نبيُّنا الأعظم - صلى الله عليه وسلَّم -: ((دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم؛ الحسد، والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشَّعر، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده، لا تَدْخلوا الجَنَّة حتى تُؤْمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحَابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يُثبت ذلك لكم؟ أَفْشوا السَّلام بينكم))؛ الألباني في "صحيح الترمذي" 2510 بسندٍ حسَن عن الزُّبير بن العوَّام - رضي الله تعالى عنه.


وتخيَّل طعم العلاقات بين الناس بلا مشاعر طيِّبة من الإحساس الراقي الصادق بفيض المحبَّة، إنه بلا شكٍّ سيكون في غاية المرارة، وهناك من الناس من تنطبق عليهم هذه الصُّورة السَّلبية التي لم يَرْضَها لنا رسولُنا الكريم - صلى الله عليه وسلَّم.


ونحن بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى المحبَّة بيننا كمجتمعٍ مسلم؛ لأننا نطمع في دخول الجنة، فعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي الكريم - صلى الله عليه وسلَّم - يقول: ((والذي نفسي بيده، لا تَدْخلوا الجنة حتى تُؤْمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))؛ الألباني في "صحيح ابن ماجه" 57 بسندٍ صحيح، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنهما - أنه قيل: يا رسول الله، أيُّ الناس أفضل؟ قال: ((كلُّ مخموم القلب، صَدوق اللِّسان))، قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: ((هو التَّقيُّ النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد))؛ المنذري في "الترغيب والترهيب" 4/33 بسندٍ صحيح.


ونحن بحاجةٍ ماسةٍ إلى المحبة؛ لينهض كلٌّ منا بالآخر، وليكون سببًا في ترقيته الإيمانية والاجتماعية؛ فإن الرُّقيَّ والتحضُّرَ لن يدركنا قِطارُه ونحن متباغضون، والحب أعظم شعارات المؤمنين.


ومن أصدق الصُّور الناطقة بالمحبة بين الناس تلك التي ترى فيها تنفيذ هذا المبدأ الإسلامي الرائع، والذي يفيض عدلاً وحُسْنَ تعاملٍ، قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا يؤمن أحَدُكم حتى يحب لأخيه ما يحبُّ لنفسه))؛ "صحيح البخاري" 13 بسندٍ صحيحٍ عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه.


فإذا أحبَّ الإنسان لأخيه مثل ما يحب لنفسه، فقد أنصفَ في مشاعره، وابتعد عن الأنانية والأَثَرَةِ التي تكتوي بها جنوبُ أهلها.


ومن هذه الصُّور أيضًا التعاطفُ والتساندُ والائتلافُ بين أهل الإيمانِ، مِصْداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((مَثَل المؤْمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطُفهم مَثَل الجسَد؛ إذا اشْتكى منْه شيءٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى))؛ "مسند أحمد بن حنبل" 18000 عن النُّعْمان بْن بَشِيرٍ - رضي الله تعالى عنه - وإسناده متصلٌ، ورجاله ثقات على شرط الشيخين البخاري ومسلم.


فلا تكاد ترى إلا مجتمعًا حانيًا على بعضه من فَرْط المحبة وقت الأزمات والغِيَر والمُلِمَّات، فيأْرِزُ بعضهم إلى بعضٍ في صورٍ أخَّاذَةٍ تَسْتَدِر المدامعَ من المساندة والبذل، والإيثار والعطاء، وسَدِّ الفاقات ودفع الأخطار، كأنهم من شدة الحب بينهم جسد واحد.


وقد أشرق وجهُ التاريخ العامِّ للبشرية بعدما منحَهُ الأنصارُ أجْلى الصُّورِ؛ ليُحَدِّثَ فيها عن أطْهَرِ ثُلَّة عرفها العالم في هذا الجانب الذي يفيض حبًّا، فقد تنازل الأنصار طائعين عن بعض ما يمتلكون من ضِياعٍ وعقارٍ وأنعامٍ، وهذه دلالة الحب الصادق لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلَّم - وللمؤمنين.


تدريب القلوب على المحبة


ومن المعلوم أن كلَّ شيء في هذه الحياة يحتاج إلى دُرْبةٍ خَاصَّةٍ ومتابعةٍ؛ حتى ينتج ثمارًا مباركةً ونافعةً، ومع أن هناك من الحب نوعًا فطريًّا لا يُباع ولا يشترى ولا يُوهَب، وهو مركوزٌ في القلب بأمْرِ مَن سوَّاه؛ ومع ذلك ففي استطاعة الإنسان أن ينمي المعنى الصغير أو الدقيق من المحبَّة، أو يستجلب رصيدًا جديدًا من هذا الحب بأشياء بسيطةٍ، والتي منها على سبيل الاختيار والاختصار:

• الإخبار، فقد ورد في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أحبَّ أحدُكم صاحبه فلْيَأته في مَنْزِله، فليخبره أنه يحبُّه لله - عزَّ وجلَّ -))؛ الألباني في "السِّلسلة الصحيحة" 1/777 عن أبي ذر الغفاري - رضي الله تعالى عنه - وقال: إسناده حسنٌ أو أعلى.


وقد مارس النبيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - ذلك مع صحابته؛ فهو الذي كان يقول لسيدنا معاذ: ((يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك))، فقال: ((أوصيك يا معاذ، لا تدعَنَّ في دبُرِ كُلِّ صلاة تقول: اللَّهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))؛ الوادعي في "المسند الصحيح" 1117 بسندٍ صحيحٍ عن معاذ بن جبلٍ - رضي الله تعالى عنه.


• ومنها إفشاء السلام، وقد ورد فيما سبق قولُه - صلى الله عليه وسلَّم -: ((أفشوا السَّلام بينكم)).


• ومنها الهَديَّة، وفيها قوله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((تهادوا تحابُّوا))؛ ابن حجر العسقلاني في "بلوغ المرام" 277 عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وإسناده حسَن.


• ومنها الزُّهد والترفُّع عمَّا في أيدي الناس؛ فإنَّ الناس بفِطْرتهِم لا يستريحون لمن يتطلَّع إلى ما في أيديهم، ولا يميلون بالحُبِّ إلاَّ لمن تنقطع آماله عن ما يمتلكونه، وقد جاء رجلٌ إلى النبي الكريم - صلى الله عليه وسلَّم - فقال له: يا رسول الله، دُلَّني على عمل إذا أنا عملته أحبَّني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ازْهَد في الدُّنيا يُحِبَّك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبُّوك))؛ الألباني في "صحيح ابن ماجه" 3326 بسندٍ صحيحٍ عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله تعالى عنه.


• وحتى بعد الشِّقاق لا يجوز للإنسان أن يستمرئ معاني البَغْضاء حتى تكون جزءًا من تكوينه الذي يتعامل به بين الناس، فقد قال الله - تعالى -: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 7].


• ومنها عدم الإصغاء إلى الذين يُفْسِدون علاقات الناس بنقل الكلام بينهم؛ لأن هذه الفتنة تطيح بأصول المحبة في القلوب، وقد كره النبي الكريم - صلى الله عليه وسلَّم - مجرد الاستماع إلى ناقلي الكلام الشانئ بين الناس، فضلاً عن الاقتناع به، فقد قال - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا يُبلغني أحدٌ شيئًا عن أصحابي؛ فأنا أُحِبُّ أن أخرج إليهم وأنا سليم الصَّدر))؛ الترمذي في "سُننه" 3869 عن عبدالله بن مسعودٍ - رضي الله تعالى عنه.


الحب السَّلْبِي


وحينما تستبدُّ العاطفة بالناس، تراهم يبتعدون عن مواطن الصواب في المحبة، ويجنحون إلى الحب السلبي الذي يضرُّ أكثر مما ينفع، مع أنه على الحقيقة لن يدوم، ومن صور الحب السلبي:

• الْتِماس العذر للمحبوب في جميع الأحوال كأنه معصومٌ أبَدَ الدَّهر لا يخطئ على الإطلاق، وبهذه الطريقة تجد المُحِبَّ مدافعًا أبدًا عمَّن يحب، ويدير الحوار عنه وعن شمائله، وطيب أصْلِه، وكريم مَحْتده؛ لأنَّه وقع في الخُلَّة التي تجعله لا يميِّز بين الصواب والخطأ أحيانًا من فَرْط المحبة، وهذا لونٌ من الأسر الذي وقع فيه المحبُّون لبعضهم، وقد رفضه النبي - صلى الله عليه وسلَّم - حين قال: ((لو كنت مُتَّخِذًا خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكر خليلاً، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتَّخذ الله - عزَّ وجلَّ - صاحِبَكم خليلاً))؛ "صحيح مسلم" 2383 بسندٍ صحيحٍ عن عبدالله بن مسعودٍ - رضي الله تعالى عنه - وذلك لأنَّ الخليل لا يرى لخليله عيبًا، كما قال القائل:
وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ
وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا



وأمَّا بين الله وبين عباده، فهو أعلم بمن خلَق؛ ولذلك اتَّخذ منهم أَخِلاَّء، كإبراهيم - عليه السَّلام - قال الله - تعالى -: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ [النساء: 125]؛ لأنَّ هذه الخلة ليس من ورائها إلا كل خير، بل هي مناط التكريم كُلِّه، أمَّا الخُلَّة بين الناس فبعض نتائجها قد تكون مُرَّةً، كما قال الله - تعالى -: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، ومن الطبيعي أن يتأثَّر الخليل بخليله، كما قال النبي العظيم - صلى الله عليه وسلَّم -: ((المرء على دين خليله، فلْيَنظر أحدُكم مَن يُخالِل)).


• ومن صور الحب السلبي ترك تربية الصِّغار باسْم المحبَّة، فترى كثيرًا من الآباء والأمهات قد أهملوا أولادهم في طور التَّربية الأول، ودَلَّلوهم غاية التدليل المُفْضي إلى الخواء الرُّوحي، وفَقْد منظومة القيم والأخلاق، والخلوِّ من أيِّ موهبةٍ حقيقيةٍ بسبب هذا الحب.


وهذه بَلْوى ابْتُلي بها بعض الآباء والأُمَّهات، فوقع الأولاد في بلايا المعاصي والمُخَدِّرات وغير ذلك، والمفروض أن يستشعر الوالد والوالدة حجم المسؤولية الكبرى المُلْقاة على العاتق، ومِن ثَمَّ يُحاول أن يقوم بحمله فيها، وقد يُضطر - أحيانًا - إلى إظهار بعض القسوة التي يَظُنُّها البعض من أسباب الأذى، ولكنها على الحقيقة من أسباب العافية، فالطَّبيب الذي يبضع جسم المريض ويكسر له بعض العظام، ما دفعه إلى ذلك إلاَّ مصلحةُ المريض والحرص عليه، وكذلك الوالد أو الوالدة عليهما إظهار بعض القسوة، والأخذ بمبدأ الثواب والعقاب في التربية على حدِّ قول مَن قال:
فَقَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا
فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ



• ومن الحب السلبي ذَيَّاك الحب الذي يدفع إلى المعاصي بين المُدَّعِين هذا المعنى بينهم، فلا تراهم مجتمعين متآلفين إلاَّ على مجلسِ خمرٍ، أو زنا، أو شهادة زورٍ، أو التَّخطيط الماكرِ لخرابِ البيوتِ، بينما لا يجمعهم في الخير رائدٌ من تَقْوى أو عملٍ صالحٍ، فهؤلاء أعدى النَّاس لبعضهم يوم القيامة، وتأمَّل قول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [فصلت: 29]، ولعل هذا البيان هو المنطقُ الموعودُ لأهل المعاصي من مدعي المحبة في كل زمانٍ ومكان.


وأخيرًا:

إن القلوب المليئة بالحبِّ لَهِيَ قلوبٌ قد احتوت الطُّهر من مَنابعه، وإنَّ القلوب التي تحنَّ إلى البَغْضاء والكراهية لهي قلوبُ ذئابٍ لا يتأتَّى من صوْبِهَا إلاَّ الخراب، والمؤمنُ متآلفٌ مع الكوْنِ كلِّهِ، متفاعلٌ بمشاعره مع كلِّ حَبَّة رملٍ أو قطرة مطَرٍ، يرى فيها مشاعر من الوصل الطَّهور معها؛ لأنها تسبِّح بحمد رب الأكوان، وهكذا كان - صلى الله عليه وسلَّم - انْظُر إليه وهو يتحدَّث عن جبلٍ مُكوَّنٍ من صخرٍ قد نظنُّه ميت الإحساس، وإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - يقول عن جبل أُحُد: ((إنَّ أُحُدًا جبلٌ يحبُّنا ونحبه))؛ "صحيح مسلم" 1393 بسندٍ صحيحٍ عن أنس بن مالكٍ - رضي الله تعالى عنه.


ونسأل الله - تعالى - أن يملأ قلوبنا حُبًّا ورحمةً لكل المؤمنين.


والحمد لله في بدءٍ وفي ختمٍ.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المحبة بين المؤمنين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المحبة
» سلسلة مكارم الأخلاق (6) المحبة (1)
» من أغرب قصص المحبة في الله
» الوفاء نبض القلوب المحبة
» سلسلة مكارم الأخلاق (7) المحبة (2)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: