اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الحقوق الزوجية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
 الحقوق الزوجية Oooo14
 الحقوق الزوجية User_o10

 الحقوق الزوجية Empty
مُساهمةموضوع: الحقوق الزوجية    الحقوق الزوجية Emptyالخميس 2 مايو 2013 - 4:57

الحقوق الزوجية

اهتمَّ الإسلام بالأسرة اهتمامًا عظيمًا، اهتمَّ بإنشائها على أُسس ثابتة راسخة، وأمَرَ بالمحافظة عليها وعلى استقرارها، ومنع كل ما من شأْنه خلخلة كِيانها، وزلزلة أركانها، وما ذاك إلاَّ لأن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع الإسلامي، وهي مصنع الرجال، ومنتجة أُمهات الأجيال، وأبطال الأمة.


ولقد امتنَّ اللهُ على عباده المسلمين بنعمة الزواج، فهو منَّةٌ من أجَلِّ مِنن الله، جعَله الله آية شاهدةً بوحدانيَّته، دالةً على عَظَمته وألوهيَّته؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].


لكنَّه إنما يكون نعمة حقيقية إذا ترسَّم كلا الزوجين هدْي الكتاب والسُّنة، وسارَا على طريق الشريعة والملَّة، عندها تَضرب السعادة أطنابَها في رحاب ذلك البيت المسلم المبارَك، ولكن ما إن يتنكب الزوجان أو يتنكب واحدٌ منهما عن صراط الله، حتى تُفْتَح أبواب المشكلات، وعندها تعظُم الخلافات والنزاعات، ويدخل الزوج إلى بيته حزينًا كسيرًا، وتخرج المرأة من بيتها حزينةً مهانةً ذليلةً، عندها يعظُم الشقاق، ويعظم الخلاف والنزاع، فيفرح الأعداء ويَشمت الحُسَّاد والأعداء، عندها - عباد الله - يتفرَّق شمْلُ المؤمنين، وتُقَطَّّع أواصرُ المحبِّين، وينقلب البيت السكن إلى جحيم لا يُطاق.


أيها المسلمون، إن بناء الأسرة واستقامة الحياة الزوجية أمرٌ عظيم، فقد جعَل الله عقد الزواج ميثاقًا غليظًا - اهتمَّ به الإسلام وحرَصَ على ديمومته وتوجيه المؤمنَ بما يكون سببًا لبقائه - غير قابل للهدْم أو التصدُّع.


من هنا، فقد حدَّد الإسلام مكانة كلٍّ من الرجل والمرأة، وبيَّن حقوق وواجبات كلِّ طرف؛ يقول الله - جل وعلا - مُبيِّنًا: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228].


فبيَّن - تعالى - أنَّ على الزوج واجبًا نحو امرأته، وأنَّ على المرأة واجبًا نحو زوجها، ومرجع الحقوق بين الزوجين يرجع إلى المعروف، وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال، والأشخاص والعوائد، وفي هذا دليلٌ على أنَّ النفقة والكسوة، والمعاشرة، والمسكن، وكذلك الوطء، الكل يرجع إلى المعروف.


﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾؛ أي: رِفعة ورياسة، وزيادة حقٍّ عليها؛ كما قال - تعالى -: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34].


فالقوامة والرياسة في البيت للرجل؛ بما له من الإمكانات التي فضَّله الله بها على المرأة، وباعتباره هو الذي يُنفق على المرأة وأولادها، ولا يُمكن لأيِّ مَرْكب أن يسير بقائدين اثنين، وإلاَّ فسَدَ أمرُه، وهلَك أهله.


قال ابنُ كثير عند هذه الآية؛ أي: "الرجل قَيِّم على المرأة؛ أي: هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدِّبها إذا اعوجَّت، ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾؛ أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خيرٌ من المرأة؛ ولهذا كانت النبوَّة مختصة بالرجال، وكذلك المُلْك الأعظم؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لن يُفلِح قومٌ وَلَّوا أمْرَهم امرأة))؛ رواه البخاري".


"ومنصب النبوة والقضاء، والإمامة الصغرى والكبرى، وسائر الولايات، مختص بالرجال، وله ضِعْفُ ما لها في كثيرٍ من الأمور، كالميراث ونحوه"؛ ا.هـ؛ انظر تفسير السعدي.


فهذا شرْعُ الله الذي خلَق الذكَر والأنثى، وهو أعلم بما يَصْلُح لهما؛ ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ﴾ [الملك: 14].


وما على المسلم والمسلمة إلاَّ التسليم لحُكمه، وعدم الالتفات إلى وساوس شياطين الإنس الذين يَظهرون بمظهر المشفِق على المرأة، والحريص عليها من ظُلم الرجل وتحكُّمه، والداعين إلى تحرُّرها من أغلال العادات والتقاليد التي حرَمتْها - زعموا - من حقوقها، وما هم في الحقيقة إلاَّ دُعاة فتنة، ومفسدون في الأرض، يحبون أن تَشيعَ الفاحشة في الذين آمنوا، فيعبثون بالمرأة كما يحلو لهم، ويجعلونها سِلعة رخيصة بعد أن كرَّمها الإسلام؛ زوجة وأُمًّا وأُختًا أيَّما تكريم.


أما المرأة المسلمة: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ ﴾ [النساء: 34]؛ أي: مُطيعات لله - تعالى - ﴿ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ﴾؛ أي: مُطِيعات لأزواجهنَّ حتى في الغيب، تحفظ بعْلها في نفسها وماله، وذلك بحِفْظ الله لهنَّ وتوفيقه لهنَّ، لا من أنفسهنَّ؛ فإن النفس أمَّارة بالسوء، ولكن مَن توكَّل على الله، كفَاه ما أهمَّه من أمْر دينه ودُنياه.


عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا صلَّت المرأة خَمسها، وحصَّنَت فرْجَها، وأطاعَت بعْلها، دخلَت من أيِّ أبواب الجنة شاءَت))؛ حسن، صحيح ابن حِبَّان.


أتَت امرأة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال لها: ((أذات زوج أنت؟))، قالت: نعم، قال: ((فأين أنتِ منه؟))، قالت: ما آلوه إلاَّ ما عجَزت عنه؛ أي: لا أُقَصِّر في خدمته وطاعته، قال: ((فكيف أنتِ له؟ فإنه جنَّتك ونارك))؛ أحمد، وصحَّحه الألباني.


فيجب على المرأة أن تتصوَّر هذا الواقع، فتعلم أن بعقد النكاح أصبحتْ تبعًا لزوجها، وأن الواجب عليها القيامُ بحقِّه، والسمعُ والطاعة له بالمعروف، فهو سبيلُها إلى مَرضاة الله والفوز بدار كرامته.


قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو كنت أمرْتُ أحدًا أن يسجدَ لأحدٍ، لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حقَّ الله - عزَّ وجلَّ - عليها كلَّه، حتى تؤدِّي حقَّ زوجها عليها كله)).


ويجب على المرأة أن تكون قانعة راضية شاكرة لزوجها عن كلِّ ما يُنفقه ويُقدِّمه لأُسرتها، حتى لو كان قليلاً، لا أن تكون متأفِّفة ساخطة؛ فالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه)).


فكُفران الزوج والتسخُّط عليه فيما يبذُل من أهمِّ أسباب دخول النساء النارَ؛ كما روى البخاري عن ابن عباس، قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أُرِيتُ النار، فإذا أكثر أهلها النساء يَكْفرن))، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: ((يَكْفُرْنَ العشير، ويكفرْنَ الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنَّ الدَّهْر، ثم رأتْ منك شيئًا، قالتْ: ما رأيتُ منك خيرًا قطُّ)).


عندما يتصوَّر كلٌّ من الزوجين هذه الواجبات حقَّ التصوُّر، ويؤدي كلٌّ منهما الواجب الذي عليه نحو صاحبه، عندئذٍ تستقيم الحياة الزوجية، وينتظم البيت، وتعيش الأسرة هناءً وطمأنينةً وسكينة، ويَغمر البيتَ جوُّ السَّعادة والأُنس.


• فالرجل عندما يتصوَّر حقًّا أنه راعٍ على امرأته والله سائِله عنها، وأنها أمانة عنده والله سائله عن تِلْكم الأمانة، وأنَّ المرأة بمنزلة الأسير عنده، فهو مطالَب بواجب النفقة؛ سُكنى وكسوة، وسائر النفقات، وهي مخلوق ضعيف، فيها جوانب من النقْص، ومطلوب منه أن يعاشِرَها ويعاملها بالمعروف؛ من حُسْن خُلق، ولِين جانب، وخَفْض جَناح.


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلِقت من ضِلَع، وإن أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَع أعلاه، فإنْ ذهبتَ تُقيمه، كسرتَه، وإن تركتَه، لَم يَزَل أعوجَ؛ فاستوصوا بالنساء)).


وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أكملُ المؤمنين إيمانًا، أحسنهم خُلقًا، وخياركم خياركم لأهله))؛ رواه أبو داود، والترمذي.


أجَل، ليس الخُلق الحسن ما تُعامِل به الناس والآخرين؛ من لين القول، وطيب المعشر، إن كان أهل بيتك لا يرون إلاَّ الغِلظة والفَظاظة منك، إن دخَلْتَ بيتك، فكأنَّ شُرطيًّا دخَل عليهم، لا يرونك إلاَّ مُقطّب الجَبين، عابسَ الوجْه.


لقد كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُداعب أهل بيته، ويلاعبهم ويُمازحهم، بل ويكون في خِدمة أهله وهو إمام الدنيا؛ سُئِلت عائشة: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قالتْ: "كان يكون في مِهْنة أهله - تَعني خدمة أهله - فإذا حضَرت الصلاة، خرَج إلى الصلاة".


وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))؛ صحيح.


فإذا عرَف كلٌّ واجبه، وأدَّى ما عليه، فإن الحياة الزوجيَّة تكون حياة طيِّبة مُطمئنة، تسودها المحبَّة والمودَّة والوئام، وينشأ النشء في ظلِّ ذلك التعاون المبارَك.


وإنَّما تُصاب الحياة الزوجية بما تُصاب به، عندما يَضْعُف أداء كلٍّ من الزوجين عن تحقيق الواجبِ المفروض عليه، فيقصِّر الرجل في حقِّ المرأة؛ يقصِّر في كسوتها، في مسكنها، في النفقة عليها، يُسيء عِشرتها، يتطاوَل على أهلها وأقاربها، يخاطبها بأسوأ خطاب، لا يتحمَّل خطأها، يتوقَّف عند كلِّ زَلة، ويعاقب عند كلِّ هفوة، فهو لا يعرف جميلاً، ولا يحتفظ بأعمال طيِّبة، والنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول فيما رواه عنه أبو هريرة: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إنْ كَرِه منها خُلقًا، رضِيَ منها آخر))، أو قال: ((غيره))؛ أي: لا يبغضها، فلا يرى إلاَّ قبيحَ فعالها، بل ينظر إليها بإنصاف، فإنْ ساءَته في أمْرٍ، فهي تسرُّه في أمور، وإن نكَّدتْ عليه أحيانًا، فهي تُسعده أحيانًا أخرى.


إنَّ النسيم لا يهب عليلاً داخل البيت على الدوام، فقد يتعكَّر الجو، وقد تثور الزوابع، وإن ارتقابَ الراحة الكاملة نوعُ وهْمٍ، ومن العقل توطينُ النفس على قَبول بعض المضايقات، وترْك التعليق المرير عليها؛ ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].


والمعاشرة بالمعروف: قيل هي أن يتصنَّع لها كما تتصنَّع له؛ ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾.


قال ابن عباس: هو الولد الصالح، المرأة تكون عند زوجٍ تؤذيه وتسبُّه وتُهينه وتؤلِمه، فيصبر لوجْه الله، ويحتسب أجرَه عند الله، ويعلم أنَّ الله معه، فما هي إلا أعوامٌ حتى يقر الله عينه بذريَّةٍ صالحة، وما يُدريك؟ فلعلَّ هذه المرأة التي تكون عليك اليوم جحيمًا، لعلَّها تكون بعد أيام سلامًا ونعيمًا، وما يُدريك؟ فلعلَّها تَحفظك في آخر عُمرك، فالصبر عواقبه حميدةٌ، وإن مع العُسر يُسرًا.


أيها المسلم، إن الإسلام حريص على انتظام الحياة الزوجية واستمراريَّتها، وعندما يكون من المرأة شيءٌ من سوء الخُلق، فلا تسمع ولا تطيع، بل تخالف وتُشاكس، ويتدخَّل الأهل من قِبَل الزوجة أو الزوج، فإنَّ تدخُّلهما بدعوى الإصلاح، من أكثر ما يقوِّض سلامة البيت وطمأنينته، ويُشعل نارَ الفتنة بين الزوجين.


فقد أرشدَ الإسلام الزوجَ عندما يشعر من المرأة بتقصير أو نشوز وعصيان لزوجها، وعدم القيام بحقوقه عليها، أرشده عندئذٍ أنْ يُعالِجَها بما في القرآن والسُّنة من علاج ناجع، وأن يتدرَّجَ في الأسلوب معها؛ قال - تعالى -: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].


يقول الإمامُ القرطبي - رحمه الله - عند هذه الآية: "اعلم أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لَم يأمر في شيء من كتابه بالضرْب صُراحًا إلاَّ هنا، وفي الحدود العِظام، كالزنا والقذف، فساوَى معصية المرأة لزوجها بمعصية الكبائر"؛ ا. هـ.


فإذا عصت ونشَزَتْ، فإنه يبدأ بوعْظها وتخويفها بالله - عزَّ وجلَّ - والآخرة والحساب، ويذكر لها ما أوجَب الله له عليها من حقوق وطاعة، وما يلحقها من الإثم بمخالفته وعِصيانه، ويذكِّرها بفضْل الزوجة الصالحة، وما لها من الأجْر عند الله؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خير النساء التي تَسرُّه إذا نظَر، وتُطيعه إذا أمَر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يَكره)).


- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأتِه فبات غضبان عليها، لعنتْها الملائكة حتى تُصبح)).


كل هذا مِن وعْظها وتذكيرها بالله، فإن ارعوتْ وأطاعتْ وإلاَّ هجَرَها، بأن يأوِي إلى فراشها ولا يُقبِل عليها، بل يوليها ظهْره، ولا يُضاجعها، وهذا الهجر غايته شهر عند العلماء، فالنبي - - صلَّى الله عليه وسلَّم - اعتزَل نساءه شهرًا في مشربته، وإن رأى ألاَّ يُحادثها ولا يُكلِّمها، فله ذلك، ولكن دون ثلاثة أيام؛ لقوله: ((لا يحلُّ لمسلم أن يَهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ))، وللزوج أن يختارَ من الهجْر ما يراه مناسبًا، ما لَم يُحْدِث مَفسدةً أعظم.


فإن انْصلَح حالها ولاَنَ قيادُها، فالحمد لله، وإلاَّ فليضربْها ضرْبًا غير مُبرِّح، مما لا يُدمي ولا يُخشَى معه تلفُ نفْسٍ أو عضو، أو كسر أو تشويه أو جروح أو إصابات؛ تأديبًا لا عقوبة وتعذيبًا، وليتجنَّب الوجْه؛ فإن الضرْب عليه لا يجوز، فالضرب غير المبرِّح هو الضرب الخفيف المقصود منه الإصلاح لا الانتقام، كاللكزة ونحوها؛ كما قال ابن عباس: "بالسواك ونحوه".


ولا يُلْجَأ للضرب إلاَّ عند الضرورة، وعند تعذُّر الإصلاح بالوعظ والهجر، وإذا لجأ إليه الزوج، فليكن بعيدًا عن الأبناء؛ مراعاة لمشاعرهم ومشاعر أُمِّهم، وليكن بعيدًا عن سَمْع الجيران أيضًا، ثم إننا نقول لأولئك الذين يتأفَّفون من تشريع تأديب الزوجة؛ سواء بالهجْر أو الضرب، نقول كما قال - تعالى -: ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 140]؟


هل من كرامة الرجل أن يَهرع إلى طلب محاكمة زوجته كلَّما انحرفَتْ أو عصت أو خالَفَت؟! المرأة العاقلة لا ترضَى أن ينشر زوجها سرَّها، ويكشِف للناس أفعالَها، ويفضحها في المحاكم أو حتى عند أبيها، والضرب أهونُ عليها من شيءٍ من ذلك.


إذًا هل تُترك الأسرة بمشكلاتها؛ حتى يتصدَّع البيت ويتشرَّد الأولاد بسبب الطلاق، أو تَقبَل المرأة وهي هادئة راضية أن يردَّها زوجُها إلى رشدها بشيءٍ من التأديب المادي الذي لا يتجاوز المألوف في تربيتها هي لأبنائها وصغارها؟!


إن المتأفِّفين من التشريع الربَّاني في تأديب الزوجة الناشز، يحاولون دائمًا إثارة هذه القضية في الصحف والمجلات ونحوها، لماذا؟ لكسْب وُدِّ النساء لأغراض لهم سيِّئة، فتجدهم يستكبرون مشروعية التأديب، ولا يستكبرون أن تنشزَ الزوجة على زوجها، وتترفَّع عليه وتُحقِّره، فكيف يريد هؤلاء أن تعالَجَ مثل هذه الناشز؟!


إننا نقول لهؤلاء المغرضين المعجبين بحضارة الغرب، وبالمرأة الغربية وما تتمتع به من حريَّة مزعومة:

ألَم تسمعوا عن حال المرأة المتحضِّرة في دول الغرب، تِلْكُم التي تدعون نساءَنا أن يحذَيْنَ حذوها؟! نُشِر بالولايات المتحدة الأمريكية في مجلة "التايم" تحقيقٌ عن حوادث الضرْب التي تتعرَّض لها الزوجة الأمريكية في العصر الحديث بدرجة هائلة، وتُشير الإحصائيات إلى أنَّ ستة ملايين امرأة يتعرَّضْنَ لحوادث الضرْب من أزواجهن كلَّ عام، وأنَّ ما بين ألْفَين إلى أربعة آلاف زوجة يتعرَّضْنَ للضرب الذي يُفضي إلى الموت كلَّ عام، ويَضيع ثُلُث وقت رجال الشرطة في الردِّ على المكالمات الهاتفية؛ للإبلاغ عن حوادث العُنف المنزلي، وكشفَتْ دراسة جرَتْ في أحد المستشفيات الكبرى بالعاصمة الأمريكية، واستغرقَت الدراسة أربع سنوات، وتَمَّ الانتهاء منها قبل أعوام قليلة، وذلك سنة 1992م.


ولقد بَيَّنت الدراسة أنَّ 25 بالمائة من حالات الانتحار التي تُقْدِم عليها الزوجات، يَسبقها تاريخ من حوادث الضرْب من الزوج، ووُجِد أن ضرْبَ الزوجة من زوجها هو السبب الرئيس والوحيد في حدوث إصابات لهنَّ أكثر من حوادث السيارات أو الاغتصاب، أو السرقة ونحوها، وبيَّنت أيضًا أنَّ 50 في المائة من اللاتي تعرَّضْنَ للقتْل، قام بقتْلهِنَّ أزواجُهنَّ؛ إمَّا الحاليون، أو السابقون.


ولكم أن تَعرِفوا أن ما تَلْقاه الزوجة الغربية - من ضرْبٍ مُبرِّح - يشمل الكدمات والخدوش والجروح، وكدمات حول العين، أو صدمة أو ارتجاج في المخ، وكسور في العظام، وأحيانًا فَقْد للسمع أو البصر.


هذه نماذج مما تُعانيه المرأة الغربية من زوجها، وما خَفِي كان أعظم، فهي مجتمعات تَعيش العنف بكلِّ صُوَره وألوانه، فهل من مُدَّكِر؟! هل من حامدٍ لله على شرعه القويم، ودينه الحكيم؟! فالحمد لله الذي جعلَنا مسلمين.


أيها الإخوة المسلمون، ليس حديثنا عن ضرْب الزوجة دعوة إليه أو استحبابًا له، لا، ولكنه دفاعٌ عن أمرٍ من أوامر الشرْع والدين، تعدَّى عليه بعضُ مَن لا يقدرون الله حقَّ قَدْره.


ثم إنه وللأسف يوجد جَهَلة من الناس يتصوَّرون أنَّ ضرْبَ المرأة من علامات الرجولة والكمال، فلا يتورَّع أحدُهم عن جلْد امرأته جلْدَ العبد دون ذنبٍ يستدعي، والمرأة مسكينة وليس أمامها إلاَّ الصبر والسكوت والرضوخ؛ لأن أباها أقسى وأشدُّ عليها من زوجها، وهذا ظُلم للمرأة أيَّما ظُلم، وعلى الزوج الغليظ المضراب لأهله أن يتذكَّر أن قُدرة الله عليه أعظمُ من قدرته على مَن تحت يده.


يقول القرطبي عند ختام آية تأديب النساء: "قوله - تعالى- : ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].


﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ ﴾؛ أي: تركوا النشوز.


﴿ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾؛ أي: لا تَجنوا عليهنَّ بقوْلٍ أو فعْلٍ، وهذا نَهْي عن ظُلمهنَّ بعد تقرير الفضْل عليهنَّ والتمكين من أدبهنَّ.


﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾: إشارة إلى الأزواج بخفْض الجَناح، ولِين الجانب؛ أي: إنْ كنتم تقدرون عليهنَّ، فتذكَّروا قُدرة الله، فيدُه بالقُدرة فوق كلِّ يدٍ.


فلا يستعلي أحد على امرأته، فالله بالمرصاد؛ فلذلك حَسُن الاتصاف هنا بالعُلو والكبر.


أيها الإخوة في الله، هذه هي وسائل علاج النشوز من الزوجة، وعْظ بلا هجر ولا ضرْب، ثم هجْر بلا ضرْب، ثم ضَرْب غير مُبرِّح، فإن استحالت المعيشة مع الزوجة أو مع الزوج، فالفراق قد يكون فيه مصلحة الزوجين؛ ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 130].


وهذا يكون بالطلاق أو الخُلع، وله أحكام مفصَّلة في شريعتنا الغرَّاء، نأتي عليها إن شاء الله - تعالى.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحقوق الزوجية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  مختصر الحقوق الزوجية
» الحقوق المالية للمطلقة
»  حل الخلافات الزوجية
» شبهة (إجحاف الإسلام للمرأة في الحقوق المالية)
»  كود إزالة الحقوق من عارضة أحلى منتدى بدون تومبيلات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: