الوصية بالمحافظة على الصلوات
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى في سائر الحالات، وحافظوا على الصلوات في الأوقات، واحذروا تركها والسهو عنها فإنهما من المهلكات، ومن إضاعتها المتوعد عليه بشديد الوعيد في محكم الآيات، وما ثبت عن نبيكم صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصريحة الصحيحان قال تعالى ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﴾ [1]، وثبت عن نبيكم صلى الله عليه وسلم قوله في صحيح الخبر: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، وكان أصحاب نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة.
أيها المسلمون:
إذا كان الله تعالى قد توعد على تضييع الصلاة بغي وهو الهلاك والخسران أو هو وادي في جهنم "جنبنا الله وإياكم إياها" شديد حره بعيد قعره عظيم هوله وشره فإنما ذلكم لأن التضييع وسيلة الترك وسببه فإن التضييع هو تأخير الصلاة عن الوقت أي الكسل عنها وتأخيرها حتى يخرج وقتها وأما تركها فهو عدم إقامتها بالكلية أي أن لا يصليها أصلاً عمداً، قال ابن مسعود رضي الله عنه:"وليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية أي أن لا يصليها أصلاً عمداً، قال ابن مسعود رضي الله عنه
وليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية، ولكن أخروها عن أوقاتها)، وقال إمام التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله:"هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر، ولا يصلي العصر إلى المغرب، ولا يصلي المغرب إلى العشاء ولا يصلي العشاء إلى الفجر ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس، فمن مات وهو مصر على هذه الحالة ولم يتب أوعده الله بغيٍ وهي وادٍ في جهنم بعيد قعره، شديد عقابه"، وقال محمد بن كعب القرضي رضي الله عنه:"إضاعتها هي إضاعة أوقاتها وعدم القيام بحقوقها".
عباد الله:
والسهو عن الصلاة الذي توعد الله تعالى أهله بويل لما قاله تعالى ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾[2] فهو أيضاً إضاعة وقت الصلاة أي إخراج الصلاة عن وقتها الذي شرعه الله بأن تؤدى بعد مضي الوقت، وقد اتفق على هذا جماعة من الصحابة رضي الله عنهم والذين هم أعلم الأمة بكتاب الله تبارك وتعالى وهدي نبيه المصطفى ورسوله المجتبى صلى الله عليه وسلم وبارك عليه ما ليل غسق وصبح فلق.
وقيل الساهي عن صلاته هو: الذي إن صلى لم يرج خير صلاته وإن تركها لم يخف ربه "أي لم يخشى عقوبة تركه لغفلة قلبه".
معشر المسلمين:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:"لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، وإن إثمه عند الله تعالى أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة"، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى عماله على الآفاق:"إن أهم أموركم عندي الصلاة فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع" "ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة".
معشر المسلمين:
الصلاة أول فروض الإسلام بعد التوحيد، وآخر ما يفقد منه بالتحديد والشيء إذا ذهب أوله وآخره فقد ذهب كله، فإذا ضيعت الصلاة فقد ضيع الدين كله فإنها علامة الدين وبرهانه، وثانية أركانه وعنوانه ولذا كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر، قال أيوب رحمه الله:"ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه".
معشر المؤمنين:
كيف يطمئن مضيع الصلاة على مستقبله والله تعالى قال عن المجرمين ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾[3] وسقر هي النار أو دركة من دركاتها فأي وعيد أصرح وأخطر من هذا الوعيد من ذي البطش الشديد القائل ﴿ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ﴾[4]، ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾[5]، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾[6].
أمة الإسلام:
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تُشركوا بالله شيئاً وإن قطعتم أو حرقتم، ولا تتركوا الصلاة متعمدين فمن تركها متعمداً فقد خرج من الملة، وثبت في صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاث: من ترك واحدة منهنَّ فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان"، وعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما لما ذهب بصره قيل له نداويك وتدع الصلاة أياماً قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان"، وقال علي رضي الله عنه:"من ترك صلاة واحدة متعمداً فقد برئ من الله وبرئ الله منه"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه:"من ترك الصلاة فلا دين له"، وقال علي رضي الله عنه:"من لم يصلي فهو كافر"، وقال الإمام أحمد رحمه الله:"كل شيء يذهب آخر فقد ذهب جميعه فإذا ذهبت صلاة المرء فقد ذهب دينه".
فاتقوا الله عباد الله وعظموا شأن الصلاة فإن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا ولا تضيعوها فتضيعوا دينكم وتتعرضوا لعقوبة ربكم وتخسروا دنياكم وأخرتكم فتكونوا من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ألا وإن الله تعالى قد وصف المحافظين على الصلاة بالهدى وشهد لهم بالسبق إلى الخيرات وواعدهم بالفردوس من الجنان في محكم الآيات ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[7].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعنا بما فيه من الهدى والبيان.
[1](مريم: 59 – 61).
[2](الماعون: 4).
[3] (المدثر: 42 – 43).
[4](ق: 28).
[5](ق: 30).
[6](ق: 37).
[7] (المؤمنون: 9 – 11).