السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهأنا
شابة عمري 23 عامًا, نشأتُ بين أسرةٍ مُحترمة ومُحافظة في دول الخليج, عند
إنهائي للثانوية العامة أرْسَلَنِي والداي إلى بلدي الأصلي؛ لدِراسة
الجامعة، ولَيْتَنِي لَم أذهب!قابلْتُ
أشخاصًا ظننتهم أصدقاء لي، إلاَّ أنني مع الوقت اكتشفْتُ أنَّه تَمّ
استغلالي مِن أجْل المال ومصالح أخرى؛ حيث تَرَكني جميع أصدقائي بعد فراغ
حاجتهم منِّي! وجدْتُ
نفسي وحيدة في مكان لا أعرف فيه أحدًا، ولا أفْقَه فيه شيئًا, وجدْتُ نفسي
خائفة وضعيفة لا حيلة لي، فالْتَقَيْتُ بشابٍّ بدا لي طيبًا صادقًا، يُريد
مساعدتي، إلا أن حدسي خانني بعد فوات الأوان! فقد أصبح يجُرني معه للمحظور، ويُهَدّدني بترْكي وحيدة مجددًا كما وَجَدَنِي إن لَم ألَبِّي له رغباته! حقيقة
أنا شخصية انطوائية غير اجتماعية، وقد كنتُ بعيدة شديدة البُعد عن أي شخص
وخاصة ربي وديني, نسيت ديني وإسلامي, إلى أنْ أصْبَحْت حاملاً منه! فأظْهَر عدم اهتمام ولا مبالاة بي, حاولْتُ الإجهاض ولَم أجِد طريقةً, فشلْتُ في دراستي, ندمي ولومي لنفسي يقتلانني. أعيش
ظُلمة لا أستطيع الخُرُوج منها, أحتقر نفسي وأكرهها، وأشْعُر أنِّي قذرة،
وأحسد الآخرين لأنهم أفْضل منِّي، ولَم يفعلوا مثل ما فعلْتُ. أصبحْتُ
أُفكِّر في أن الطريق الوحيد للخلاص هو الموت, أريد أن أُصَحِّح أخطائي،
أريد الرجوع للطريق الصحيح؛ لكنِّي لا أدري ماذا أفعل؟ الجوابأختي العزيزة، غفر الله لكِ.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لقد أسرفت كثيرًا على نفسك
وأهلكِ، لكن رحمة الله أوْسع وتسْبق غضبه؛ ((إن الله لما قضى الخلق، كتب
عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقتْ غَضَبي))؛ رواه البخاري، أَجَل رحْمةُ الله
أكبر من كل جُرم، وأعظم من كل ذنب، وأجلُّ من كل خطيئة، متى ما تاب الإنسان
منها وعمل صالحًا قبل الموت، أليس الله هو القائل: ﴿
قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]؟ بلى.
عِنْدِي يَقِينٌ أَنَّ رَحْمَةَ خَالِقِي سَتَكُونُ أَكْبَرَ مِنْ ذُنُوبِ حَيَاتِي
|
فاستغفري الله؛ إنَّ الله ﴿
لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]، ﴿
وَلَوْ
أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 64].
عودي إلى الله الذي لا ملْجَا ولا منْجَا منْه إِلا إليْه، وتُوبي توْبة نصوحًا؛ ﴿
إِنَّمَا
التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ
ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 17].
بادري بالأعمال الصالحة، وأكثري
من الاستغفار والصلاة والصدَقة وتلاوة القرآن والدعاء؛ عسى الله أن يغفر
ذنبك، ويفرجَ عنك ما أهمك، ويزيلَ عنك كربك، ويشرحَ لك صدرك، ويُيَسِّر لك
أمرك، ويسترَ عليك فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض؛ ﴿
أَلَمْ
يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ
وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 104].
صدقيني لو كان هذا الجُرم في حق
بشَر ما نفعتك فيه توبة ولا ندم، ولكنك أخطأتِ في حدٍّ من حدود الله، ولله
في حدودِه أحكام ماضية وعادلة ورحيمة، أليس الله هو القائل: ﴿
وَالَّذِينَ
لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ
الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا
صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ
يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 68 -71]؟
أليس هو القائل: ﴿
وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ
جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136]؟
فالحمدُ لله أن كنَّا عبيدًا وعبادًا لربٍّ غفور رحيم.
عزيزتي:تعلمين أن مشكلتك كبيرة،
فالمنتهك فيها كبيرة من الكبائر، ومع ذلك لَم تكتبي التفاصيل المفترض منكِ
أن تكتبيها لنعطيك الحلول الشرعية والقانونيَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة
التي تُناسبك، كنتُ أتمنَّى أن تخبريني في أي أسبوع من أسابيع الحمل أنت
الآن؟ ومن أيِّ بلد عربي تكتبين لنا؟ منذ متى وأنت هناك بمفردك؟ وفي أي سنة
دراسية أصبحتِ الآن؟!
أحكام كثيرةٌ ومسائل مترابطة
تتعلق بموضوعك، ولست هنا بصدد وضع حلول لمشكلة ناقصة المعطيات، إنما أمنحكِ
شموعًا تُضيء لكِ هذا الطريق المظلم الذي تسيرين عليه بمفردك، سائلة
المولَى العلي القدير أن ينورَ بصيرتك، ويهديك للحق، ويعينك على مصيبتك،
ويحل عقدها من عنده، آمين.
أولاً: أهلك:
لا بد من إخبار أحد عقلاء أهلك
المتفهمين بموضوعك، فالموضوع متشعِّب، ويحتاج إلى دعم ومساندة، لا بد من
تدخُّل رجل عاقل، وامرأة عاقلة؛ لاحتواء الموضوع، والنقاط التالية ستكشف
لكِ سبب ذلك، وستدركين أنه يصعب علينا في "الألوكة" أن نساعدكِ بالكلمات،
وسيصعب عليكِ التصرُّف بمفردك، وستفهمين الآن معنى قول الله تعالى: ﴿
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ﴾ [الإسراء: 32]، فالزِّنا كالذئب الجائع، مَن يَجْرؤ على القُرْب من ذئب جائع؟!
ثانيًا: الجنين:
- إذا كان الجنينُ لم يُنفخ فيه
الروح - أي: قبل مرور أربعة أشهر - فقد جوز بعض العلماء إجهاض الجنين على
الكراهة؛ درءًا للمفاسد المترتِّبة عليك وعلى أهلكِ، ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم.
- إذا كان الحملُ قد بلغ أربعة
أشهر، فلا يَجُوز الإجهاض مطلقًا، ويعتبر الإجهاض قتلاً لنفس بغير حق،
ولعلك تعرفين قصة الغامدية التي زنتْ على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -
وكانت حبلى، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسم - أن تذهب حتى تلد، ولم
يأمرها بإجهاض جنينها، أليس كذلك؟!
روى مسلم في كتاب الحدود باب "
من اعترف على نفسه بالزنا":
"فجاءت الغامدية فقالتْ: يا رسول الله، إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردَّها،
فلما كان الغد قالت: يا رسول الله، لِمَ تردُّني؟ لعلك أن تردني كما رددت
ماعزًا، فوالله إني لحبلى، قال: ((إما لا، فاذهبي حتى تلدي))، فلما ولدت
أتتْه بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: ((اذهبي فأرضعيه حتى
تفطميه))، فلما فطمته أتتْه بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا، يا نبي
الله، قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر
بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر،
فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد، فسبَّها، فسمع نبي الله - صلى الله
عليه وسلم - سبَّه إياها، فقال: ((مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده، لقد
تابتْ توبة، لو تابها صاحب مكس لغفر له))، ثم أمر بها فصلى عليها ودفنتْ.
- أن يحدثَ الإجهاض بقضاء الله وقدره دون تدخُّل الإرادة؛ ﴿
لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].
ثالثا: نسب المولود ونفقته:
يُنسب مولود الزنا للأم وأهلها
شرعًا، ولا ينسب للرجل الذي اقترف هذه الفاحشة، وبالتالي تصبح واجبات
النفقة والسكنى عليكِ لا على ذلك الرجل الخبيث في حال سلم الله الجنين وكتب
له الحياة.
كنت أتمنى لو أنكِ أخبرتني من
أي بلد عربي أنتِ، لأقفَ على قوانين البلد المتعلِّقة بحضانة الولد غير
الشرعي، وكيف هي أوضاع دور اللقطاء هناك؟ وكيف لكِ أن تتواصلي مع ابنكِ في
الدار في حال فضَّلْت تركه هناك، حقيقةً لا أريد الإسهاب في هذه النقطة إلى
أن تخبريني أين تعيشين الآن، كما أن الحديث في هذا الموضوع سابق لأوانه.
رابعًا: الزواج:
لقد دخل موضوع زواجكِ الشرعي
الآن في دائرة ضيقة؛ لأنه لا يجوز زواجك من رجل زانٍ إلا إذا تاب وصلح حاله
وصدقت توبتك أنت أيضًا، كما أن فرَص زواجك من رجل آخر قد ضاقتْ هي الأخرى؛
لأنكِ يا عزيزتي لم تعودي عذراء الآن! واعذريني إذ أجد نفسي مضطرة لقول
ذلك لكِ، أضيفي إلى ذلك أن أمر ولادتك أو حتى إجهاضك سيكشف كل الحجب،
وسيضعف كل أمل في إسدال الستر.
ونحن هنا لا نريد أن نغشَّ
الناس، ولا أن نخدع أنفسنا، ولا أن نشجع الغير على ذلك، فهذه تبعات الزنا،
ويجب أن تتحملي مسؤوليتها كاملة بنفسك من باب (التطهير)، أسأل الله أن يطهر
قلبك وجسدك ويحصنك برجل عفيف يتفهم وضعك، ويقدر ظرفك، ويعوضك خيرًا، قولي:
آمين.
خامسًا: الجامعة:
انتظمي في دراستكِ بصورةٍ
طبيعية، ولا تلتفتِي إلى مسألة حملك، خصوصًا وأنه ليس لديكِ صديقات يهمهنَّ
أمركِ، كما أن العلم هو سلاحك الآن لمحاربة الأَلَم، ومحاربة الجهل الذي
غمرت نفسك فيه، فلا تخيبي رجاء أهلكِ فيكِ مرتين، أرجوكِ!
سادسًا: ما بعد الجامعة:
بعد فراغك من الجامعة - إن شاء
الله، وهذا أمْر مُستقبلي - يجب أنْ تُفَكِّري فيه وتُخططي له من الآن،
ستكونين - إنْ عاش ابنك - أمًّا، فكيف لأم أن تجرؤ على مغادرة بلد وترك
طفلها اليتيم لقيطًا في أيدي الغرباء؟! إذا وجدت نفسك مضطرة لمغادرة بلدك،
فكيف ستتركين ابنك في دار الرعاية؟ بل كيف تتركينه في بلد وتقيمين أنتِ في
بلد آخر؟! إن كنتِ اليوم تموتين حية بذنب اقترفتِه بيديك، فما ذنب ابنك
ليعيش كالأموات؟!
أما ذلك الرجل الخائن - عليه من
الله ما يستحق – فاقطعي صلتكِ به نهائيًّا، وسيتولى الله العزيز الجبار
المنتقم أمره في الدنيا والآخرة، وإياك أن تثقي به مهما بلغت حاجتك.
لا تَأْمَنَنَّ عَلَى النِّسَاءِ وَلَوْ أَخًا مَا فِي الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَمِينُ كُلُّ الرِّجَالِ وَإِنْ تَعَفَّفَ جَهْدَهُ لاَ بُدَّ أَنَّ بِنَظْرَةٍ سَيَخُونُ
|
عيشي حياتك كأم، وسيسمو قلبكِ
عن غرائز نفسك، وإن ادخر الله لك زوجًا صالحًا، فكل مغاليق المستحيلات
ستنفك بكلمة "كن"؛ لتكون كما أراد الله أن تكون، فاجعلي الهم واحدًا لتهون
عليكِ كل الهموم، فقد قال عبدالله: سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم -
يقول: ((من جعل الهموم همًّا واحدًا، هم المعاد، كفاه الله همَّ دنياه، ومن
تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا، لم يبال الله في أي أوديته هلك))؛ رواه
ابن ماجه.
ختامًا:روى إسحاق في مُسْنده عن أمِّ
المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنَّها قالتْ: يا نساء المؤمنين أتعجز
إحداكن إذا أذنبت فستر الله عليها أن تستره على نفسها؟ فإن الناس يعيرون
ولا يغيرون، وإن الله يغير ولا يعير.
ستر الله عليكِ وعلى بنات المسلمين والمسلمات في الدنيا والآخرة.
دمتِ بألف خير، واعذريني كثيرًا على التأخير.