السؤالالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أرجو مشورتكم، والدعاء لي. تعرَّفتُ
على شابٍّ مِن خلال موقع إلكتروني, كانت العلاقةُ في البداية صداقةً فقط,
أخفيتُ عنه اسمي الحقيقي؛ وذلك لأنَّ العلاقات على المواقع تكون مؤقَّتة،
ولم أكنْ أعلم أنها ستأخذ حيزًا قلبيًّا وعقليًّا!بدأت
العلاقة تتطوَّر إلى أن أصبحتُ أكلِّمه هاتفيًّا، ونتبادل كلمات الحب
والعشق! بعد ذلك طلب أن يقابلني ورفضتُ، وحاول مرة أخرى ونجح في محاولته،
وخرجتُ معه، وشعرتُ في بادئ الأمر بخوفٍ ورهبة وضياع، خصوصًا أنها المرة
الأولى التي أخرج فيها مع غريبٍ باسم الحب!أحببتُه كثيرًا، وما زلتُ أحبه وأعشقه عشقًا لا يفوقه شيء، وهو كذلك أحبَّني، رغم أنه خاطب!حدثتْ
بيننا خلافات بسيطة، وابتعدنا عن بعضنا، ولكننا عدنا مرة أخرى؛ لأنني
بصراحة أعشقه، ولا أستطيع العيش بدونه، ومُستعدة أن أخرج معه مرة ومرتين
وثلاث وأكثر.لَم
أفاتحه في موضوع الزواج؛ لأني أعلم أنه صعب، أما هو فقد فاتحني، وقال: لو
أنكِ أتيت قبل ثلاث سنوات لتزوجتك، ولكن الآن لا أستطيع لأنني خطبتُ.أنا
في الحقيقة أشعر بضياع وفشلٍ، لا أريد أن أسلك هذا الطريق المظلم, ولا
أريد أن أغضب ربي، وأخون ثقة أهلي، وفي نفس الوقت أحبه، وأتمنى اللحظة التي
تجمعني به! أخبروني ماذا أفعل؟ الجوابأختي الفاضلة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.أهلًا ومرحبًا بكِ في شبكتنا الألوكة، أصلح الله شأنكِ، ورزقك التفكير وبُعد النظر. حبيبتي، كلُّ ما نقوم به في هذه الدنيا لا بد أن نرجعَه لمحكمتَيْن:محكمة العقل: فكيف
تسمح الفتاةُ الفاضلةُ لنفسها أن تتحدثَ إلى رجلٍ خاطب أو تخرج معه، وهو
على وشك بناء مؤسَّسته الزوجية، فتحدثه بالحبِّ والعشق؛ لتنغصَ عليه حياته،
وتزلزل قواعد مؤسسته؟! الحب حالة عقليَّة، وقرارٌ عقلي، قبل أن يكون
شعورًا قلبيًّا، وأن يأخذ الحب حيزًا مِن عقلنا وقلبنا يعني أننا سمحنا
لأنفسنا به، وقرَّرنا مشروعيته، وإن كنتِ تشعرين بالذنب أحيانًا، فهو صوت
الضمير الذي يرفض أن تحبي رجلًا مرتبطًا، فأين كان الضميرُ حين تجاوزت الخط
الأحمر فأحببتِه، وخرجت معه، وسمحتِ لقلبكِ أن يغوصَ في الحب؟! فهل المنطق
العقلي يُوافق أن نهدمَ حياة إنسانٍ إرضاء لرغباتنا؟ إذًا لا بدَّ من
تحييد الرغبات واللجوء للمحاكمة العقليَّة.
وهل تثقين في رجلٍ مرتبطٍ بأخرى
أهْمَلَها واهتم بكِ؟ ألا يعني لكِ هذا شيئًا؟! ألا يعني لكِ هذا أنَّ هذا
الرجل ليس بصادقٍ، وليس جديرًا بالثقة؟! ماذا يقول لمخطوبته؟! هل يدلِّس
عليها، ويدَّعي حبَّها أيضًا، ويسمعها من الكلام المعسول ما يخدع به قلبها؟
وإذا تزوجتْ اكتشفتْ أنه كان يعرفُ هذه وتلك، وتبدأ حياتها بسلسة من
المشكلات!
ومَن يؤكد لكِ أنه لا يعرف الآن غيركِ وغير خطيبته؟!
محكمة الشرع: فهل يجوز أن تُحادثي شابًّا كل هذه السنين بالحبِّ والعشق، أو تخرجي معه؟!
ألا يمكن أن يمسَّ يدك أو يُقبِّلك؟ فهل يجوز هذا؟! تقولين مستعدَّة أن
أخرج معه مرتين وثلاثة، أستغرب استعدادك! هل هذا هو الحب عزيزتي؟!
فالحبُّ الصادق الطيب المبارك
يرفعنا، لا يجعلنا ننحدر، هذا هو الطيش وإلغاء العقل، وهي الرغبات وليس
الحب! فالحبُّ أسمى مِن أن نطلقه على أيِّ رغبة تخالجنا، ألا تخشين على
نفسكِ أن ينفردَ بكِ هذا الشخص في لحظة طائشة، يغيب فيها العقلُ ليقعَ ما
لا يُحمَد عقباه!
فلا تجوز المحادثة مع رجلٍ أجنبي، سواء في
الهاتف أو وسائل المحادثة الحديثة، أو بالمشافهة، دون حاجةٍ ماسَّة لذلك، أو دون محرم؛ لما قد يجره على الفتاة أو الشاب من فتنٍ وانحرافات.
وأقصد بالحاجة؛ أي جواز أن تكلم الرجل الأجنبي للحاجة، إذا كانتْ تستفتي عالمًا، أو تصف مرضًا بها للطبيب، أو ترد على
الهاتف دون إطالة أو ميوعة!
وقد اشترط العلماء في هذه المحادثة المشروعة عدم ترقيق الصوت؛ لقوله تعالى: ﴿
يَا
نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي
قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾[الأحزاب: 32]، فهذا النَّهي لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، ولنساء الأمة عامَّة.
فما بالكِ والحوار الخاص الذي
يدور بين شابٍّ وفتاة، ولا رقيب عليهما؟ وليست معرفة بنية الزواج، ولديك
علم مسبق أنه مرتبط، ولن يكون لكِ يومًا!
وهكذا دائمًا تبدأ العلاقة
عاديَّة أو بريئة - كما يُقال، ولكنها حبائل الشيطان، الذي يأخذ الإنسان
خطوة خطوة، ولذلك مِن دقة التعبير القرآني: ﴿
وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ [البقرة: 168]، فهو يزيِّن القبيح من الأقوال والأعمال؛ حتى ينخدع الإنسان؛ ﴿
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [النمل: 24].
قال - صلى الله عليه وسلم -:
((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك))، إنها وصية جامعة ترشد المؤمن
أن يراعي حقوق الله تعالى، ويلتزم بأوامره، ويقف عند حدود الشرع فلا
يتعداه، ويمنع جوارحه من استخدامها في غير ما خلقتْ له، فإذا قام بذلك كان
الجزاءُ مِن جنس العمل؛ مِصْداقًا لما أخبرنا الله تعالى في كتابه حيث قال:
﴿
وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾[البقرة: 40].
ومِن حفظ الله للعبد أن يحميه من مضلات الفتن، وأن يُعينَه على حفظ جوارحه أن تقع في الحرام، بأن يرزقه الحلال الطيب.
وهذا يتطلَّب من المسلم تقوى
وإقبالًا حقيقيًّا على الله، وتضرعًا إليه سبحانه، أن يعيدَ قلبه إليه؛
يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن،
إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه)).
نصيحتي إليكِ أن تنقطعي تمامًا
عن محادثته؛ مَن ترك شيئًا لله عوَّضَه الله خيرًا منه، قولي كما كان رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم – يقول: ((يا مُقَلِّب القلوب، ثبِّت
قلوبنا على دينك)).
ضَعي أهدافًا لحياتكِ، وليكن
الزوج الصالح أحد الأهداف، وإلى حينه اشغَلي وقتك بالنافع من أمور الدنيا
والدين، كأن تَتَعَلَّمي علمًا، أو تحفظي كتاب الله تعالى، من خلال التسجيل
في مدرسة للتحفيظ، أو اعملي في مجال تتقنينه، أو التَحِقي بدورات، ومن كان
مع الله كان الله معه، وسوف يُعَوِّضك الله بمنه وكرمه مَن هو خير من هذا
الرجل وأكثر صدقًا وحبًّا لك.
وفَّقكِ الله وأصلح أمركِ