السؤالأنا
فتاةٌ أُعاني من "الترانسكس"، مع أنَّ جسدي كامل الأنوثة، ولكني متأكِّدة
من أني رجل! فبداخلي شابٌّ يكبر كل يوم، وهذا ما جعل أحلامي وطموحاتي
تتوقَّف.أصبحتُ أقول: ماذا سأكون في المستقبل؟ ماذا سأدرس؟ هل سألتَحِق في الجامعةِ بتخصُّص الفتيات، وأكمل حياتي في هذا الجسد وأنا رجل؟اتخذتُ
قرارًا خاطئًا بأن اخترتُ القسمَ العلمي، وكان هذا أسوأ قرار اتخذتُه؛
لأني لا أجيد الفهم، فأنا من عائلة تُتقن الحفظ؛ إذ يمكنني حفظ صفحة بمجرد
قراءتها أكثر مِن مرة، وأكره الموادَّ العلميَّة، ولا أجيد فهمَها، لا أعرف
لم اخترتُ المجال العلمي بإرادتي، وقد حاولت المثابَرة، لكني لا أستطيع
حتى النظَر في الكُتُب؛ لأن المواد تفوق قدراتي بكثيرٍ، أمور كثيرة لا أعرف
ماذا أفعل فيها؟أريد أن أذهب لفحص هرموناتي، ولكن لا أستطيع، أفكِّر في الانتحار دائمًا والخلاص من هذا التشتُّت؛ لأن مستقبلي مجهول. أرجو المساعدة، ماذا أفعل؟ الجواببسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان
أيتها العزيزة، بعد أن فرغتُ من قراءة مشكلتكِ نظرتُ إلى "الجنس" الذي اخترتِه لنفسكِ في بياناتكِ الشخصيَّة! فقرأتُ هذه:
فتبسمتْ عيناي لهذه "الأنثى"
الحاضرة عندكِ، الغائبة عنكِ، وتذكرتُ قول الله – تعالى - حكايةً عن أم
مريم - عليهما السلام - حين وضعت الصدِّيقة مريم: ﴿
رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]؛ فمهما اختلطتْ عليكِ الأدوار، وأزعجكِ ذلك الصراع
العنيف في داخلك بين الأنوثة والذكورة؛ ستظل الحقيقة قائمة أبد الدهر "ليس
الذكرُ كالأنثى"!
لقد خلقكِ الله - سبحانه وتعالى
- امرأةً كاملةَ الأنوثة، وهيَّأك لولادةِ "الرجل" وتربيته! لا لتمثِّل
أدواره الذكورية! ولو شاء - سبحانه - أن يجعلكِ ذكرًا لم يعجزه ذلك، ولكنه -
سبحانه - قضى أن تكوني أنثى، وأن تُصبِحي يومًا ما زوجةَ أحدهم وسكنًا له!
كلامي هذا لا يعني أبدًا أنني
أنكر مُعاناتك النفسية، بل أدرك حقيقة معنى كلِّ كلمة متألمة كتبتِها،
وأتفهَّم طبيعة صراعاتكِ الدائرة حول هُوِيَّتكِ الجنسيَّة.
سيكولوجيًّا تصنَّف حالتكِ ضمن اضطرابات الهُوِيَّة الجنسيَّة
Gender Identity Disorders؛
حيث يشعر الشخص المصاب بهذا النوع من الاضطرابات بعدم التلاؤُم بين
هُوِيَّته الجنسية من الناحية العضوية التشريحية، وهُوِيَّته الجنسية من
الناحية النفسية.
وفي الحقيقة ليس ثَمَّة سببٌ
هرموني أو جِيني وراثي وراء هذا النوع من الاضطرابات؛ فقد خلَق الله -
سبحانه وتعالى - الإنسانَ - ذكرًا وأنثى - في أحسن تقويم: ﴿
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، وعلى الفطرة السليمة؛ ففي "
الصحيحين"
- واللفظ لمسلم - عن أبي هريرة أنه كان يقول: "قال رسولُ الله - صلى الله
عليه وسلم -: ((ما مِن مولود إلا يولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه،
وينصِّرانه، ويمجِّسانه، كما تُنْتج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تحسُّون
فيها من جدعاء؟))، ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: ﴿
فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30]"؛ من أجل ذلك أقول لك: اطمئنِّي! فلستِ بحاجة إلى قياس
مستوى الهرمونات لديكِ؛ فالدراساتُ الحديثة تُثبِت اليوم أن مستوى
الهرمونات لدى هذه الفئة طبيعي جدًّا!
تدور مُعظم الأسباب التي تهيِّئ
للإصابة بهذا النوع من الاضطرابات حول العوامل الاجتماعية والتربوية
والنفسية في الأسرة؛ فالوالدان اللذان يشجِّعان ابنهما على التكسر والتثني،
واللعب بعرائس البنات؛ يهيئان ابنهما للإصابة بهذا الاضطراب! والأسرة التي
ترَبِّي الابنة الوحيدة أو الكبيرة لتكون "رجل الأسرة"؛ تربي في داخلها في
الوقت عينه بذور اضطراب الهُوية الجنسيَّة!
أما العلاجُ فيتمثل في تقويم
نظرتكِ لهُوِيَّتك الجنسية، وتقبُّل فكرة أنكِ أنثى بإيمانٍ راسخٍ، ورضا
تامٍّ بالقدَر؛ لقوله - تعالى -: ﴿
وَلَا
تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا
اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 32]؛ فلستُ أنصحكِ بأيِّ علاج
هرموني، ولا بإجراء عمليَّة جراحية تصحيحية، بل أحثكِ على قوة الإيمان
والصبر، حتى يأذن الله بأمر، فاصبري، واسأليه - تعالى - أن يمنَّ عليكِ من
فضله بالإحساس بالأنوثة، ولا تستسلمي لأفكاركِ الذكوريَّة، بل حاربيها
بتمثيل كلِّ الأدوار الأنثوية التي تُعرَف بها المرأة؛ كالاهتمام بجمالكِ،
ولبس أحسن ثيابكِ التي تُبدِي محاسنك، ووضْع الزينة على وجهكِ، وتسريح
شعركِ، والتطيُّب بالمؤنث مِن الطِّيب والعطور، وتعلُّم الطبخ... إلخ؛ فمن
شأن هذه الأمور أن تعزِّز بداخلكِ الإحساس بالأنوثة، وزجر "الرجل الذي يكبر
بداخلك" عن الظهور، وتهيئكِ للدخول في مرحلة فارقة من حياتكِ - بإذن الله
عز وجل - حين يخطبكِ إلى أهلكِ رجلٌ يحب فيكِ الأنثى الرقيقة، ويعظم فيكِ
المرأة الصالحة، وتشعركِ رجولتُه بأنوثتكِ، فلا تدعي هذه الأمور آيسة من
الاستفادة منها، فالإحساس بالأنوثة كامنٌ في داخل كل أنثى، إلا أنه قد
يحتاج في بعض الأحيان إلى عواملَ تثيره سواء مِن جهة الفتاة نفسها، أم من
جهة الرجل الذي يحبها.
أمَّا ما ذكرتِ مِن أمر دراستكِ، فلستُ أدري الآن ما نتيجتُكِ؟ هل نجحتِ في الثانوية العامة وتجاوزتِ مادة الرياضيات؟ آمل ذلك.
جُلُّ ما يمكنني أن أقوله لك
الآن: إن كنتِ تتمتعين بملكةِ الحفظ وأنتِ من طالبات القسم العلمي، فلعل
فروعَ علم الأحياء "علم الحيوان، وعلم النبات، والأحياء الدقيقة"؛ هي التي
تُناسبكِ - بمشيئة الله عز وجل - كما أرجو منكِ أن تزوِّديني باسم الجامعة
التي ستلتحقين أو التحقتِ بها.
والله أسأل أن يوفِّقكِ في
دراستكِ، ويسهل ما تعسَّر مِن أمركِ، وأن يحبِّبكِ إلى جنسكِ ونفسكِ، وأن
يكرِّه إليك كلَّ ما وسوستْ به نفسُكِ من الانحراف عن الفطرة والكذب
والانتحار، آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المصير .