السؤالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أختكم في حاجة ماسَّة لمساعدتكم. لديَّ
طفلةٌ كانتْ تُعاني مِن فقدان السمع العصبي، وبمساعدة المعينات السمعية
أصبحتْ بخير، والحمد لله رب العالمين، ولكن مؤخرًا اكتشفنا أنها تُعاني من
مشكلةٍ صحية أخرى صَدَمَتْني، وجعلتْ حياتي جحيمًا، وجحيمًا لا يُطاق، إذ
لم يجد الأطباءُ علاجًا لمرضِها، فأُصِبْتُ باكتئابٍ شديدٍ، وأصبحتُ أعيش
على المهدئات، وزوجي المسكين يُعاني مني، أريد الموت ليلًا ونهارًا، وأحس
أن حياتي انتهتْ - أستغفر الله - ولكن الأَلَم شديدٌ جدًّا! أرجو مُساعدتي رجاء، وجزاكم اللهُ خيرًا. الجواببسم الله الموفق للصواب
وهو المستعان
أيتها العزيزة، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17]، والمرضُ من الضر الذي لا كاشف له إلا الله - سبحانه
وتعالى، فافزعي إلى ربك بصدقٍ من نيتك، ولا تلجئي إلا إليه سبحانه.
أوصيكِ لمصلحتكِ ومصلحة
المسلمين: لا يكنْ حُسن ظنكم بالألوكة أوثق مِن حسن ظنكم بالله - عز وجل،
فإن نحن إلا بشرٌ مثلكم؛ لا ننفع أحدًا ولا نضره إلا بإذنه - تعالى - فاتقي
الله واصبري؛ ففي مواطن الابتلاء تُقاس حقيقة التقوى، والصدق مع الله -
سبحانه وتعالى؛ ﴿
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]، ولا يستزلكِ الشيطان بمكره وخِداعِه، فيفسد عليكِ دينكِ ودنياكِ، ويضيع عليكِ ثواب صبركِ، وتجلدكِ في هذه المحنة.
إِذَا أَبْقَتِ الدُّنْيَا عَلَى المَرْءِ دِينَهُ فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَلَيْسِ بِضَائِرِ
|
وانظري إلى مَن هم دونك؛ لتعرفي
نعمة الله عليكِ، وعلى ابنتك، واذكري كيف ابتلي الأنبياء - عليهم الصلاة
والسلام - في أبنائهم من قبلُ؛ فقد مات الحبيب إبراهيم - عليه السلام - ابن
الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - طفلًا قبل الفطام - فقال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: ((تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب،
لولا أنه وعدٌ صادقٌ وموعودٌ جامعٌ، وأن الآخر تابعٌ للأول، لوجدنا عليك يا
إبراهيم أفضل مما وجدنا، وإنا بك لمحزونون))؛ رواه ابن ماجه، وحسنه
الألباني، وأُبعد الكريم يوسف عن عيني أبيه الكريم يعقوب - عليهما الصلاة
والسلام - ﴿
وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84]، وأغرق الله - سبحانه وتعالى - ابن نوحٍ - عليه الصلاة والسلام - وقال له: ﴿
يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾ [هود: 46].
ووالله قد رأيتُ أطفالًا قد
ابتلوا بما هو آلم مِن مرض ابنتك، ولا يزالون يضحكون، لا يبالون بالوجع،
ولا يعانون مما يُعانيه ذووهم من الحزن والألم، فعلمتُ أن رحمات الله - جل
وعز - تغمر هؤلاء الأطفال، وملائكته تحيط بهم، وتخفف عنهم.
ولا تنسي أن تداوي ابنتك -
عافاها الله تعالى - بالصدقة؛ ففي الأثر: ((داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا
أموالكم بالزكاة، وأعدوا للبلاء الدعاء))، قال ابن مفلح في "
الفروع": "وجماعةٌ من أصحابنا وغيرهم يفعلون هذا، وهو حسنٌ، ومعناه صحيحٌ".
وفي "
منح الجليل شرح مختصر خليل"؛
للشيخ محمد عليش ما نصه: "سئل ابن رشدٍ عن حديث: ((داووا مرضاكم
بالصدَقة))، فأجاب بأني لستُ أذكره في نص من المصنفات الصحيحة، ولو صحَّ
فمعناه الحثُّ على عيادة المرضى؛ لأنها مِن المعروف، وكل معروفٍ صدقةٌ،
فيحصل له السرور والدعاء له، ولا شك في رجاء الإجابة له والشفاء فينفعه في
الدواء. البُرزلي: حمله بعض شيوخنا على ظاهره، وأنه إذا تصدق عنه وطلب له
الدعاء من المتصدق عليه يرجى له الشفاء، والحديث أخرجه الطبراني والبيهقي،
وقال العراقي في "
تخريج أحاديث الإحياء": حديث: الصدقة تسد سبعين بابًا من السوء؛ رواه ابن المبارك في "
البر"، من حديث أنسٍ بسندٍ ضعيفٍ: ((إن الله ليرد بالصدقة سبعين بابًا من ميتة السوء))، والله أعلم".
ولا بأس بزيارة طبيبة نفسية،
وتناول مضاد للاكتئاب؛ كي يساعدكِ على استعادة اتزانكِ النفسي، وتتمكني من
الاهتمام بنفسكِ وبابنتكِ وزوجكِ، وضعي كفكِ على كف زوجك الكريم؛ فهذه
ابنته مثلما هي ابنتكِ، وليس معنى أن تكوني امرأة أنك تتألمين وحدكِ،
فكلاكما يقاسي المعاناة نفسها، وإنما الفرق بينكما في قدرة كل واحدٍ منكما
على التعبير عن ألمه، فأنتِ تعبِّرين عن حزنكِ وهو أمرٌ صحيٌّ يساعدكِ على
التنفيس الانفعالي، بينما يكتم زوجكِ حزنه ما يضاعف عليه ألم المعاناة!
وعسى الله أن يشفي ابنتكما
الغالية شفاءً تامًّا لا يُغادر سقمًا، وأن ينزلَ عليكِ وعلى زوجكِ السكينة
والصبر، وأن يكلل حياتكما بالسعادة والهناء والعافية، آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب