السؤالأنا
امرأة مُطلَّقة ولديَّ أولاد، وهم بعيدون عني، فكيف أزرَع في أبنائي
الوازعَ الدينيَّ؟ وكيف أجعلهم متعاونين ومتحابِّين؟ كيف أزرع الثقة فيهم،
وأُنمِّي شخصيَّاتهم؟أخاف عليهم منَ التحرُّش الجنسيِّ، فكيف أحميهم وأجعلهم يختارون مَن يثقون فيهم؟ كذلك أرجو أن تُخبروني بأساليبَ وطرقٍ جديدةٍ، أستطيع استخدامها مع أبنائي؟ وجزاكم الله خيرًا. الجواببسم الله الرحمن الرحيم
أختي الكريمة، أشكركِ على ثقتكِ بنا، وأُرحِّب بكِ في قسم الاستشارات.بدايةً، أسأل اللهَ العظيم أن يَحفَظَ لكِ أبناءَكِ، وأن يكونوا قرَّة عينٍ لكِ.الأبناء - أختي - نعمةٌ مِنَ
الله تعالى، وهم نواة المجتمع، وعليهم يتركَّز أملُ الأمة؛ لذا كان
الاهتمامُ بهم وبتربيتهم مِن أفضل الأعمالِ، ولقد حثَّ الإسلامُ على تربيةِ
الأولاد، ومحاولةِ وقايتهم من النارِ؛ فقال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، وقال تعالى: ﴿
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾[طه: 132]، وقال - عز وجل -: ﴿
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11].
ومدَح عبادَ الرحمن بأنَّهم يقولون: ﴿
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
وقد قال رسولُ الله - صلى الله
عليه وسلم -: ((الرجلُ راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأةُ راعيةٌ
في بيتِ زوجِها ومسؤولةٌ عنْ رعيتها))، و((مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء
سبْع)).
وحرَص السلَفُ على تربية أبنائهم، وكانوا يتَّخذون لهم المُربِّين المتخصِّصين في ذلك، وأخبارُهم في ذلك كثيرةٌ.
ولا شكَّ أنَّ للتربيةِ أثرًا
كبيرًا في صلاح الأولاد؛ فالأولادُ يُولَدون على الفطرة، ثم يأتي دورُ
التربية في المحافَظة على هذه الفطرة أو انحرافِها؛ ((كلُّ مولودٍ يُولدُ
على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يُمجسِّانه)).
والولدُ على ما عوَّده والداه، فإن عوَّداه الخيرَ اعتادَه، وإن عوَّداهُ الشرَّ اعتادَه.
ولأنَّنا في زمنِ التطوُّر
والانفتاحِ، هذا الانفتاحُ الذي وضَع عثرات في وجْهِ التربية، فباتَ
طريقُها صعبًا، وبات طريقُ الانفِلات معبَّدًا مزيَّنًا بألْفِ زينة،
وألْفِ لَونٍ، وهذا ما جعل المسؤوليةَ التي تقع على عاتق الأهل أشدَّ
وأصعب، فهُمُ الحِصنُ المَنِيعُ الذي يحمي أولادَهم مِن كلِّ ما يُحيط بهم
مِن الفتَن والفسادِ الذي غلَّف مجتمعاتنا.
والتربيةُ أختي الفاضِلة عمَلٌ
شاقٌّ، وجُهدٌ يحتاجُ إلى وقتٍ، ولظُروفكِ أختي فالوضعُ أصعبُ، فأبناؤُكِ
بعيدون عنكِ، يفْصِلهم عنكِ مدينةٌ؛ لذا يصعب مُراقبتهم، ولكنها لا
تتعذَّر، فالحمدُ لله أننا في زمنٍ بات التواصُل فيه متاحًا وميسَّرًا، ليس
فقط بين مدينة وأخرى، بل بين قارةٍ وقارةٍ، والحمد لله أنه صار بالإمكان
تتبُّع أخبارهم أولًا بأوَّل، من خلال الهاتف والإنترنت، وبرامج التواصُل
الاجتماعي التي تؤمِّن تواصُلًا دائمًا بكلفة ضئيلةٍ.
لذا أختي الفاضلة، أهم
ما يُمكنكِ فعْله هو التواصُل المستمِر مع أبنائكِ، اجعلي نفسكِ جزءًا مِن
حياتهم، عوِّديهم على الصراحة، وأن يُصارِحوكِ بكلِّ ما يمرُّ معهم خلال
اليوم، مهما كان صغيرًا، واسمعي لهم وناقِشيهم فيها، وأثْني على الجيِّد
منها، وشجِّعيهم عليها، وأضِيئي على السَّيِّئ منها، وانصحيهم وعِظِيهم،
وازرعي فيهم الوازعَ الدِّينيَّ، من خلال حضِّهم على إتيان الفرائض - من
صلاة وحجاب - وعلى الصِّدق والترفُّع عن الآثام، حبِّبي إليهم حلقات تحفيظ
القرآن، وتابعي تقدُّمهم فيها.
علِّميهم الإيثارَ، ودرِّبيهم
على أن يُؤثِرَ بعضُهم بعضًا، وأن يُدافِعوا عن بعضِهم البعض، وأخبريهم
أنهم أقوياء مُجتَمعين، ضُعفاء إن تفرَّقوا.
اسألي ابنكِ في كل جمعة عن الخُطبة، وعما دارَتْ، وأشْعِريه أنكِ تنتظرين عودته؛ ليحكيَ لكِ عنها.
اشرَحي لابنتكِ معنى البلوغ والدورة الشهريَّة، وتحدَّثي معهما حول معنى الاعتداء الجنسيِّ، وأورِدي لها قصصًا في هذا الموضوع.
حذِّريها مِن:- الخروج مع السائق وحدها.
- الاختلاط بالأجانب، حتى ابن العم، وابن الخال.
- دخول أماكن يوجد بها العُمال والصبَّاغون، والخدَم والطباخون الرجال.
كلِّميها عن الحياء والنظرة
الحلال، وحضِّيهما على عدم مُشاهَدة محطات التلفاز المحتوية على لقطات
مُخلة بالآداب، اطلُبي منها عدم لُبْس القصير والعاري في المنزل، حتى أمام
والدها وأخيها.
وأفْهميها ضرورة الابتِعاد عن الفتيات في المدرسة اللاتي يُكرِّرن محاولة الالتصاق الجسدي، أو مسْك اليد أو الاحتضان.
وبيِّني لها أنَّ مِن صفات الفتاة المسلمة صاحبة الأخلاق الراقية: عدم حديثِها مع أي شابٍّ لا تَعرفه، ويحاول التعرُّف عليها.
ازرَعي في أبنائكِ الثقةَ
بالنفس والاعتماد عليها، والقدرة على صُنع القرار، ودرِّبيهم على أن يصنعوا
القرارَ بأنفسهم بترْك الاختيار لهم، ومنْحهم الحرية في صُنع قراراتهم
المناسبة لهم.
وهناك أمرٌ مهم جدًّا أختي، وهو
القدوة الحسنة، فأنتِ لهم المثَل الأعلى؛ فكوني قدوةً حسنةً لهم، ولا
تَطلبي منهم أمورًا أنتِ لا تقومين بها، ولا تَمنعيهم عنْ أمور أنتِ
تفعلينها.
وأخيرًا أنصحكِ أختي الكريمة بقراءة كُتب عن التربية السليمة، وعن أهم الأساليب والطرُق الناجعة.
أسأل الله العظيم أن يَحفظَ لكِ أبناءَك وأبناء المسلمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته