السؤالالسلام عليكم ور حمة الله وبركاته.بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف خلقه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعدُ:فلدي عدة مشكلات، أرجو أن يكون لها حلٌّ لديكم، بارك الله فيكم.المشكلة الأولى: أننا
نعيش في بيتٍ مليء بالصراعات، والدي طلَّق والدتي، وتزوَّج بأخرى،
والمشكلةُ الكبرى أن أمي ليس لها مأوى ولا مكانٌ غير هذا البيت؛ لذا فهي لم
تخرجْ من البيت حتى بعد الطلاق!لا نُحبُّ أبانا لمعامَلتِه السيئة لنا ولأمي، وفي نفس الوقت لا نُعامله معاملةً سيئةً، ونُحاول تطبيق قوله تعالى: ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا
﴾ [لقمان: 15]، يُحاول بشتى الطرُق أن يخرجَنا من البيت، ولكننا نقف في
وجهه، ولا نترك له الفرصة لفِعْل ذلك! ولولا أنَّ الرِّبا مُحَرَّم لأخذتُ
قرضًا واشتريتُ شقةً لنا لنعيش فيها!المشكلة الثانية:
تكمُن في أختي، فلا نتفق على شيء مُطلقًا، تتعاطف مع صديقاتها، وتتعامل مع
إخوتها مُعاملةً سيئة جدًّا، لا تتقبَّل نقدًا ولا كلمةً مني، وليس هي فقط
بل جميع إخوتي كذلك، وصل بنا الحال إلى أننا لا نطيق بعضنا في البيت، لا
أعلم لِـمَ يحدث ذلك؟ هل نذهب لطبيبٍ نفسيٍّ؟المشكلة الثالثة:
تتعلق بي، فأنا فتاةٌ أحتاج للعاطفة، وأميل للرِّجال، وأسأل عمَّن يعمل
معي منهم، وفي عملي وجدتُ مُديري يطلب مني علاقةً غير شرعية في السِّرِّ،
حاولتُ إقناعه بخطأِ ما يَطْلُب، وأخاف أن يُلَوِّثَ سمعتي وسط زملائي في
العَمَل. الجواببسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان
أيتها العزيزة، ألهمكِ الله
الحِكمة، وأرشدكِ إلى طريق السلامة والعافية، وأصلحَ بكِ وعلى يدَيكِ حالَ
أُسرتكِ الكريمة، وأعانكِ بلُطفِه على ما ابتلاكِ به في بيتِ أهلِكِ،
ومقرِّ عملك، آمين.
وبعدُ، فالذي أفتى به الإمامُ مالك - رحمه الله، ورَضِي عنه - في مسألة سُكنى المطلَّقة أن السُّكنى تلزم الزوج، جاء في "
المدوَّنة"
ما نصُّه: "في نفقة المطلَّقة وسُكناها قلتُ: أرأيتَ المطَلَّقة واحدةً أو
اثنتين أو ثلاثًا، أيَلْزَمُها السُّكنى والنفقةُ في قول مالكٍ أم لا؟
قال: قال مالكٌ: السُّكنى تلزَمُه لهنَّ كلهنَّ، فأما النفقةُ فلا تلزَم
الزوجَ في المَبتوتة ثلاثًا، كان طلاقُه إياها أو صلحًا، إلَّا أن تكونَ
حاملًا فتلزمه النفقة".
أمَّا أن تسكنَ والدتكِ مع
والدكِ في بيتٍ واحدٍ بعد أن بانَتْ منه، وعلى تلك الصفة التي ذكرتِها في
استشارتكِ، وكأنه ليس بأجنبيٍّ عنها! فهذا الذي لم يقلْ به الإمامُ مالكٌ،
ولا أحدٌ مِن الأئمة - رضي الله عنهم؛ لِعُموم قولِه - صلى الله عليه وسلم
-: ((ألا لا يَبيتنَّ رجلٌ عند امرأة ثيِّب إلَّا أن يكونَ ناكحًا أو ذا
محرَم))؛ رواه مسلم، بل شدَّد المالكيةُ على مسألة دُخول الرجل على
مُطلَّقتِه الرجعية، ولم يُجيزوا له السُّكنى معها، فما ظنُّك بالمطلقة
البائنة مثل والدتكِ العزيزة؟!
جاء في "
الموسوعة الفقهية"
ما نصُّه: "وقال المالكيةُ: لا يجوز للرجل الدخول على مطلقتِه الرجعية ولو
كان معها مَن يَحفَظُها، ولا يُباح له السكنُ معها في دار جامِعةٍ لها
وللناس، وحُجتُهم في تحريم الاختلاء بها أنَّ الطلاقَ مُضادٌّ للنِّكاح
الذي قد سبَّب الإباحة".
إذًا، لا تجوز المُساكَنة بين والدَيكِ بعد الطلاق، إلَّا بضوابطَ محدَّدةٍ، كما وردتْ في "
الموسوعة الفقهية":
"فلو كانت دار المطلِّق مُتَّسعةً لهما، وأمْكَنَها السُّكنى في غرفة
مُنفرِدة، وبينهما بابٌ مغلق - أي: بمَرافِقها - وسكن الزوجُ في الباقي،
جاز، فإن لم يكنْ بينهما بابٌ مُغلَق، ووُجِد معها محرمٌ تتحفَّظ به جاز،
وإلَّا لم يَجزْ".
مِن هنا، يُمكن حصرُ الحلول المتاحة لسَكنِ والدتكم في الخيارات التالية:1) أن يَخرجَ والدكم من البيت، ويَسكُنَ في شقةٍ أخرى.
2) أن يَكتري والدُكم شقةً لوالدتِكم لتَسكُنَ فيها.
3) أن تَكتروا شقةً لوالدتكم، وتَنتقِلوا للسُّكنى معها، مع مُراعاة واجب البرِّ والصِّلَة لوالدكم.
ويبدو أن الخيار الثالثَ هو
الأنسب في ظِلِّ هذه العقلية التي يُفكِّر بها والدُكِ - هداه الله تعالى -
ومع ذلك فلا بد مِن مُناقَشة هذه الحلول مع والدكم بحِكمةٍ ولطْفٍ، على أن
تتذكَّري أن للأسلوب الحكيم والمؤثِّر والمُقنِع والمشفوع بالأدلة الشرعية
أثرًا بالغًا في حلِّ هذه المشكلة بشكلٍ وُدِّي، فإن قابل والدكم هذه
الحلول بالتعنُّت، وكنتِ قادرةً على دفع كراء الشقَّة، فلْيُوفِّقكِ الله -
تعالى - لهذا الأمر، مع إفهام والدتك العزيزة أنَّ بقاءَها مع أبيك في
مسكنٍ واحدٍ لا يجوز لها، ما دام والدُكِ لا يُراعي الضوابطَ الشرعية للسكن
مع المطلَّقة، وسيُعوِّضها اللهُ خيرًا مما أخذ منها - بإذنه تعالى؛ ﴿
إِنْ
يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا
أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 70].
أما ما ذكرتِ مِن أمر أختكِ،
وعصبيتها وسرعة انفعالها، فإن كان ذلك جُزءًا مِن شخصيتها، فلا بدَّ مِن
عرْضِها على مختصَّة نفسيةٍ؛ لتشخيص حالتها، ومُسانَدتها نفسيًّا، أما إن
كانتْ عصبيَّتُها طارئةً، وعلى غير طبيعتها؛ نتيجةً للضغوط النفسية داخل
المنزل، فيُمكنك التعامل معها بالحُسنى والمُداراة، ومُحادَثتها حين تسْكُن
نفسُها، ويقرُّ غليانها، ويَرتد إليها ذهنُها عن أثر عصبيَّتها على
علاقتكما معًا، وإرشادها إلى كيفية ضبْطِ نفْسِها، وإسكات غضبها بما
تَقرَئِينَه لدينا في قسم الاستشارات من نصائحَ نافعةٍ في هذا الباب، على
أن تتذكَّري أنَّ في تركيب النفوس بُغضًا للنقد، ونفورًا من الحقيقة، فإن
وَجَّهتِ إلى أختكِ بعضَ النقد بطريقةٍ مُستَفِزَّة، ولسانٍ لاذِعٍ؛ فلا
تَنتظري ترحيبًا بنقدِك، ولا تقبُّلًا لتوجيهاتكِ! فتلطَّفي في كلماتك
وعباراتك، وتخيَّري الوقت المناسِبَ، والمكان المناسبَ، بعيدًا عنْ مرأى
ومسمع إخوتكِ، وبإذن الله تتقبل نُصحَكِ إرشادكِ.
وبنفس الطريقة صارحيها بما
يُضايقك مِن أمر مُلاطفتها لصديقاتكِ، وعدم مُراعاتها لأخواتها، وادْفَعي
سوء خلُقِها بأليَن السُّبُل، وألْطَف الوجوه، بعيدًا عن الألفاظ الخَشِنة،
والجِدال العقيم، وعسى أن يُغيِّر انتِقالكم إلى بيتٍ جديد مِن
نفسيَّاتكم، ويُحسِّن من علاقاتكم ببعضكم - بإذن الله.
أمَّا علاقتكِ بمُديركِ، فأنا
أتفهَّم حاجتكِ إلى عاطفةِ رجلٍ يُمثِّل دَوْر الأبِ في حياتك، إلا أنَّ
هذه الحاجة لا تُبرِّر إطلاقًا إلقاء نفسِك في مواضع الريب! فاحذري أشدَّ
الحذَر مِن الانسياق وراء مَشاعِرك، وإياك أن تُعامِلي مُديرَكِ بالعاطِفة
والمُلاطَفة، بل بالاحترام، والحزْم في الكلام، وحُسن المُناصَحة، ولا
تَردِّي على اتِّصالاته في غير أوقات العمل، ولا تخضعي بالقول؛ فيطمع الذي
في قلْبِه مرَضٌ، ولا تتكسَّري في مِشيتكِ، ولا تجتمعي معه خلوةً في مكتبٍ
واحد! فإن كان مُعجبًا بك، وكنتِ مُعجبةً به، فالطريقُ الذي يُؤدِّي إلى
الحلال واحدٌ؛ وهو طريقُ الزواج، أما طرُق الحرام على كثرتها، فلا تؤدِّي
إلا إلى الخزْي والعار والنَّدامة!
قال ابنُ القيِّم - رحمه الله - في "
بدائع الفوائد": "ولما كانت الظُّلمة بمنزلة طُرُق الباطل، والنورُ بمنزلة طريق الحقِّ، فقد أُفرِد النور، وجُمِعت الظُّلمات، وعلى هذا جاء قوله﴿
:
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ
يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾ [البقرة: 257]).
أما سؤالكِ بشأن صحَّتكِ
النفسية، فلا ريب أنَّ لهذه الضغوط النفسية والعصَبية والاجتماعية التي
تتعرَّضين لها - دورًا كبيرًا في توتُّرك، وتشتُّت ذِهنك، الأمر الذي
يُفقِدك القدرة على ضبط نفسك، والتفكير بشكلٍ منطقيٍّ، فاسترخي - عُوفيتِ -
وأَكثِري مِن شُرْب المشروبات المهدِّئة للقَلق؛ كالشاي الأخضر،
والبابونج، وتناوُل كبسولات أوميغا - 3 الزيتية، مع الحرص على التنفيس
الانفعالي بشكلٍ مُستمر، مِن خلال الرياضة، والكتابة، أو الرسم، ومحادثة
صديقة حميمة، وأطيلي التضرُّع إلى الله - سبحانه وتعالى - والرغبة إليه في
رفْع سخطِه، وإنزال رحمته، وعسى الله أن يرزقكِ وأخواتك الأزواجَ
الصالِحين، وأن يَصرِفَ عنكنَّ شرَّ كلِّ ذي شرٍّ.
كان الله لكم ومعكم، وسلَّمكم، آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب