السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مُشكلتي
كبيرةٌ جدًّا، فبَلائي غيرُ طبيعيٍّ، ومُصابي أكبر المصائب؛ أمي مريضة
جدًّا، وأُحاول برَّها والقيام بشؤونها، وأخاف فَقْدها في أيِّ وقت.
أما أبي فمتعسِّف جدًّا، وهو سببُ مرَضِها، كما أنه لا يُنفِق على البيت، ولا يهتم بأمرنا!
الأمر
الثاني: تعرَّفتُ على شابٍّ، أحببتُه حتى الجنون! إلا أنَّ لسانَه بذيءٌ،
ومُتطاول، وإذا غَضِب يسبُّني ويَضرِبني! ويدعو على أمي بالموتِ، وحينما
يهدأ يعتذر عنْ ذلك؛ لأنه طيِّب القلب جدًّا!
لستُ أدري، أحيانًا أودُّ تركه، لكني لا أستطيع! ولا أتحمل أن يقول أحدٌ: اتركيه وابتعدي عنه! دلوني، ماذا أفعل؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حدَّثتْني إحدى الأخوات أنها
شَكَتْ يومًا مثلما شكوتِ، وأصابها كالذي أصابكِ, فخرجتْ مِن بيتها تتلمَّس
نسمةً مِن الهواء؛ علَّها تُلطِّف حرَّ كَبِدها، وتُبرِّد سُخونة قلبها,
فمرَّتْ بصديقةٍ لم تَرَها منذ عام مضى, فتحدَّثتْ إليها، وأخذتْ كلُّ
واحدة تُخبِر عنْ حالها, ففوجئتْ تلك الفتاة بأن صاحبتها في هذا العام قد
أُصيبتْ بفشل كُلَويٍّ، وظهورِ بعض الأورام التي تمَّ استئصالها بعمليات
جراحيةٍ، وأصيبتْ إحدى بناتها في حريقٍ ألمَّ بدارِهم، وأَجْرَتْ ثلاث
عمليات فاشِلة, وأنها.. وأنها, حتى دهشتْ من حالها! وأيقنتْ أنها في نعيمٍ،
لا تُدرِك قدْرَه، وراحة لا تَعلم قيمتَها.
فقولكِ: "إن بلاءكِ غير طبيعي، وإن مُصابَكِ أكبر المصائب"، في غير محلِّه، وبعيد عنِ الواقع الذي يشهد بعكْسِ ذلك!
مُشكلة والدكِ الذي لا يُنفِق
على البيت كما الآباء، مشكلة مُتكرِّرة في بعض البيوت، وتُعاني منها
الكثيرُ من الفتيات وأمهاتهنَّ, وليس في مَقدُوركِ تغييرُ الوالد في هذا
العمر، أو توجيهه إلى ما يَنبغي فعله, وإنما عليكِ الدعاء له بالهِداية
وصلاح الحال، وأن يُرقِّق الله قلبَه، ويَرزقه الاستقامة.
وَلْتَذكُري أنكِ مأجورةٌ عظيم
الأجْرِ، ومُثَابة كبير الثواب على كلِّ ما تفعلينه مع الوالدة - حفظها
الله، وأنَّ أجر برِّها ستجدينَ أثرَه الطيِّب في الدنيا والآخِرة؛ فلا
تَسْتثقِلي منه شيئًا، ولا تَستكثِري ما تَفعلينه؛ فلقد ردَّتْ لكِ هذا
الجميل قبْلَ أن تَرَى عيناكِ النور.
أما مُصيبتكِ الحقيقية، وبلاؤكِ الفعليُّ، فمِن صُنعِ يديكِ!
الذي أعلمه أن النفوسَ جُبِلتْ
على حبِّ مَن يُحسِن إليها، وبُغْضِ مَن يُسيء إليها, وأن الإنسان السويَّ
لا يَرضى الذلَّ ولا يَقبل المهانة مِن بشرٍ، لا فضل له عليه ولا مِنَّة!
أنتِ تَقولين: "إنه مهما قالوا
لكِ لن تتمكَّني مِن ترْكِه", فماذا عسايَ أن أفعل؟ وهل لي بكلماتٍ جديدة
غير ما يُقال ها هنا في مِثْل هذه الحالات؟
ومَن قال: إني سأنصحكِ بتَرْكِه، أو أطلب منكِ إخراجَه مِن قلبكِ لمجرَّد أنه يَسبُّكِ، أو يُهينكِ، أو يدعو عليكِ وعلى والدتِك؟!
إنْ رضيتِ الزواجَ منه وقبلْتِ
بذلك - هذا ولم تُشيري إلى هذه الفِكرة، ولم يَعرِضها عليكِ - فهذه حياتكِ،
وإنْ قَبِلتِ الإساءة لنَفسكِ فذنبُ السُّكوت على غِيبةِ والدتكِ أو
ذِكرها بسوء لن يَناله وحدَه؛ لأنكِ مُقرَّةٌ له على ما يقول في حقِّها,
وإن لم تتألَّمي لنفسكِ، فمن حقِّ والدتكِ عليكِ أن تتألَّمي مِن أَجلِها،
وأن تُدافِعي عنها، وتَردّي عنها الإساءة!
والذي أَنصحُكِ به أن تكون
علاقتكِ به شرعية لا أكثر؛ أي: أن يتقدَّم لطلبكِ للزَّواج إن كان في قلبه
لكِ شيءٌ مما في قلبكِ, وإن قدَّر الله لكما الزواج، فربما يتبيَّن لكِ
أنَّ السكوت على تلك الإهانات لم تكنْ خطوة مُوفَّقة؛ إذ سيَعتاد الأبناءُ
إهانة والدتِهم، وسيَنظرون إليها نظرةَ ازدراء متى نَشؤوا على ذلك.
هذا في حالة أنه (تعطَّف)
وقَبِل أن يتقدَّم لخِطبتكِ! وإلا فتذكَّري أنَّ في علاقتكِ به معصيةً
لخالقِكِ، ومزيدًا مِن حياة الذلِّ والملَل، التي تَشكينها وتَنتحِبين
لأجلها!
وربما يكون كلُّ ما بكِ مِن
همٍّ وغمٍّ، وحزَنٍ وضيقٍ، بسبب ذنب واحد تُصرِّين عليه؛ كعَلاقتكِ به, وقد
يَبقى أثرُ الذنب الذي لا يُتاب منه طويلًا, فاختاري حياتكِ، وانتقي
طريقَكِ الذي تَسيرين عليه، وتذكَّري أنكِ ستَجدين أثره بالإيجاب أو
السلْب.
هداكِ الله، وأرشدكِ لما فيه صلاح دينكِ ودُنياكِ, والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.