السؤالبسم الله الرحمن الرحيم
مشكلتي مع بنت الجيران.مشكلةُ
بنتِ الجيران هذه: أنَّ الله كوَّر ودوَّر منها ما كور ودوَّر، وأكعب منها
ما أكعب، وضمر ما ضمر، ودقَّق ما دقَّق، وضخم ما ضخم، وصغر ما صغر، وطول
ما طول، وسود ما سود، وصفر ما صفر، وبيض ما بيض، وزهر ما زهر؛ فكأنه خلَقها
على غيرِ مثالٍ سابق إلا فيما قلَّ وندر! فسبحان مَن خلَقها وخلقني! وقال
للقلم: اكتب؛ فجرى بما قَضَى وقدَّر! على أنها في الأدب الغاية، وفي الكمال
النهاية، ولكن - وهذا كتمانُه عَيَايَة - ربما غلبتْها ملكةُ الشوق ووَجْد
الغواية، ففعلتْ ما هو في حق مثلها مخزاة، وإن لم يتركْ في حق غيرها أثرًا
على وجه المِرْآة؛ لأنها نالتْ من التربية كمال العِنَايَة، ومن الصون
والإشراف تمام الوِصاية، وذلك أنها ربما رأتْني فطربتْ طربًا شديدًا، ظهر
منه على وجهِها ما ينتشر انتشارَ الشمس في الآفاق، واضطربتْ معه مِشْيتُها،
وتسمَّرتْ عيناها على وجهِها، وربما رجعتْ طفلةً، وذاك ما لا أرتضيه لها!
فقالت على مرأى ومَسْمَع من العالَمين - على حداثةِ سنِّها، ومكانة أسرتها
-: أَلَا عِمْ صباحًا أيها الرجلُ الغالي، فأُجِيبها متحفظًا - وفي القلب
جواب آخر، فيه من امرئ القيس ومنواله -:
..... ....... ....... وهل يَعِمَنْ مَن كان في العُصُر الخالِ؟!
وهل يَعِمَنْ إلا سعيدٌ منعَّمُ قليلُ الهموم ما يَبِيتُ بأَوْجالِ؟!
وهل يَعِمَنْ مَن كان أصغرُ حالِه ثلاثينَ حوْلًا في ثلاثةِ أحوالِ؟!
وهل يَعِمَنْ مَن كان مضجعُه الغَضَا ويعطش دهرًا ليس يسقى على حالِ؟!
وهل يَعِمَنْ مَن كان فردًا بقَعْرِها وكل الورَى وسط الفراديسِ جِذَّالِ؟!
|
وهل
يَعِمَنْ مَن كان حبُّك حظَّه = قليل الحظوظِ ليس يحظَى بأموالِ؟! عَرَفتُ
الهوَى، لكن وما إن لمثلِ ذا = عرفْتُ مثيلًا في الحَكايا والَامْثالِ؟!أما
مشكلتي أنا بعد عشر سنين مِن حبِّنا، فهي أنها تزوَّجتْ، وما زالتْ
تحبُّني وأحبُّها، فما التدبير لهذا الأمر الخطير؟ وكيف الإقلاع بعد طول
التطماع؟ وكيف الهجْر والإدبار بعد طول القُرْب والإسرار؟ وكيف الجفاء بعد
تعوُّد لذَّة الصَّفاء، والقلب قد ملكتْه الوضاءة والنقاء؟ وهل في الزواج
مِن أُخَيَّتها الصغرى بديل؟ وهل يصلح مِن سبيل؟ وهل فيه من خطر جسيم، نعوذ
بالله العظيم؟ أجيبونا جزاكم الله خير الجزاء، وأجزل لكم المثوبة والعطاء، وبالسلام يحسن الختام. الجواببسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان
أيها الأديب الكريم، إن ما صدَّرتَ به استشارتَك مِن تشبيبٍ ببنت الجيران التي لا تحلُّ لك - أمرٌ محرَّم بلا خلاف؛ جاء في "
الموسوعة الفقهية"
ما نصه: "يحرمُ التشبيبُ بامرأة معيَّنة محرَّمة على المشبِّب، أو بغلامٍ
أمرد، ولا يعرف خلافٌ بين الفقهاء في حرمة ذِكْر المُثِير على الفُحْش من
الصفات الحسيَّة والمعنوية لامرأةٍ أجنبية محرَّمة عليه، ويستوي في ذلك
ذِكْر الصفات الظاهرة والباطنة؛ لما في ذلك مِن الإيذاء لها ولذويها،
وهَتْك الستر والتشهير بمسلمة"!
وقد كانتِ العربُ قديمًا وحديثًا لا تنكح المرأة مِن رجلٍ شبَّب بها! فكيف بمَن يشبب بامرأة ذاتِ بَعْل؟!
لقد كانتِ ابنةُ الجيران على مرأى ومسمع منك، فلم لم تَخطِبْها كلَّ هذه السنين التي تزعم فيها أنها سنو حبِّك لها؟!
أَتَبْكِي عَلَى لُبْنَى وَأَنْتَ تَرَكْتَهَا وَكُنْتَ عَلَيْهَا بِالْمَلَا أَنْتَ أَقْدَرُ؟!
|
ما أعجبَ الرجلَ الذي يتوهَّم
من نفسِه أنه يحبُّ امرأةً تحبُّه، ثم لا يتحرَّك خطوةً واحدةً للظفر بها!
لقد ذهبتْ بنتُ الجيران، وأصبحتِ امرأةً ذات بعل! فاتَّقِ الله - تعالى -
ولا تُفسِد على المرأةِ دينها وبيتها وزوجها!
إِنْ كُنْتَ ذَا حَاجَةٍ فَاطْلُبْ لَهَا بَدَلًا إِنَّ الْغَزَالَ الَّذِي ضَيَّعْتَ مَشْغُولُ!
|
وابنةُ الجيران لو أحبَّتْك
بصِدقٍ لانتظرتْك حتى تيئِّسَها منك بزواجِك بأخرى! ولو أحببتَها أنت بصدقٍ
لخطبتَها من أهلها! ولكنك لم تفعلْ غير التشبيب والنسيب! واسمحْ لي أن
أقول: إن هذا التغزُّل الفاحشَ لا يسمَّى رجولةً ولا حبًّا! فالحبُّ قبل
زواج المحبوبةِ بغير حبيبِها لا يترجمه غير خِطْبتها من أهلها، والظفر بها
جسَدًا وروحًا! أما بعد تزويجها بآخر، فأسمى الوفاء أن تغيِّب وجهَك عنها
وعن الحيِّ الذي جمعَك بها، أما الزواجُ مِن أختِها، فمفسدةٌ أيما مفسدة،
فاصرفْ تفكيرَك عن ذلك، وعن كل ما مِن شأنِه أن يقرِّبك منها، واطلبْ مِن
الله تعالى أن يَربِطَ على قلبِك، ويرزقَك حبَّه وحبَّ مَن ينفعك حبُّه
عنده، وأن يجعلَ ما رزقك مما تحب قوةً لك فيما يحب - سبحانه - وما زوى عنكَ
مما تحبُّ فراغًا فيما يحب، وأن يرزقك زوجةً صالحةً تحبها وتحبك، تكون لك
رضًا وقرة عين، اللهم آمين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة