السؤالزوجي يُعاملني بسوءٍ، ويُهدِّدني دائمًا بالطلاق،
ويكرهني، ولا يُعِيرني أي اهتمام، ودائمًا يقول لي: أنا غيرُ راغب في
الزواج منك؛ لأنك غير جميلة، وقصيرة، ويفعل معي أشياء عجيبة وغريبة تمنعني
مِن الحَمْل، فيجبرني مثلًا على مُمارَسة الرياضة العنيفة، والضَّرْب على
بطني وظهري، وحمل الأشياء الثقيلة بعد انتهاء عمليَّة الجِماع، ويتفوَّه
بأبشع الألفاظ والكلمات الجارحة في حقِّي وحق أهلي، ويعيِّرني بالطعام الذي
آكلُه في بيته! كما أنه كثير الشكِّ مِن ناحية النظافة، وأنا أريد الاستمرار في حياتي معه، فكيف لي أن أغيِّر مِن طبْعِه الغريب؟! الجوابأيتها الفاضلة، حياكِ الله.* عن
أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((لا يَفرَك مؤمنٌ مؤمنةً, إن كَرِه منها خلقًا رَضِي منها آخر))؛ رواه
مسلم، وتقولين: إن زوجكِ "يكرهكِ تمامًا - غير راغب في الزواج منكِ".
* يقول القرطبي - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [البقرة: 229]: "وذلك توفيةُ حقِّها مِن المهر والنفقة، وألَّا يعبسَ في
وجهها بغير ذنبٍ، وأن يكونَ مُنطلقًا في القول, لا فظًّا ولا غليظًا، ولا
مُظهِرًا ميلًا إلى غيرها"، وتقولين: "يتفوَّه بأبشع الألفاظ والكلمات
الجارحة في حقي وحق أهلي".
* ويقول فيها ابن كثير - رحمه الله -: "طيِّبُوا أقوالكم لهنَّ، وحَسِّنُوا
أفعالَكم وهيئاتكم بحسب قدرتِكم، كما تحبُّ ذلك منها", ويقول لكِ: "غير
جميلة، وقصيرة"!
* وفي "
تفسير البغَوي": "المعاشَرة بالمعروف: هي الإجمال في القول، والمَبِيت، والنفقة", وفي قول الله تعالى: ﴿
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34] دليلُ وجوبِ نفقةِ المرأة على زوجها, وأنها حقٌّ مشروع
لها, وفي حديث مُعاوية بن حَيْدَة - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول
الله، ما حق زوجِ أحدنا عليه؟ قال
(أن تطعمَها إذا طعمتَ, وتكسوَها إذا
اكتسيتَ, ولا تضرب الوجه ولا تُقَبِّح, ولا تهجرْ إلا في البيت)), وتقولين:
"يعيِّرني بالطعام الذي آكلُه في بيته".
* وفي "
صحيح البخاري"،
عن عبدالله بن مسعود، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بمَ يضربُ أحدُكم
امرأتَه ضربَ الفحل، ثم لعله يُعانقُها)), وتقولين: "يجبرني على ممارسة
الرياضة العنيفة والضرب على بطني وظهري"!
* ذكر
أهلُ العلم أنَّ للمرأة حقًّا في الولد, وليس للزوجِ العزل عنها إلا
بإذنها, وتقولين: "يفعل معي أشياء عجيبة وغريبة تمنعني مِن الحمل... وحمل
الأشياء الثقيلة"!
فبأيِّ عقلٍ تُفكِّرين، وعلى أيِّ منطق تسيرين؟! كلُّ ذلك ليس بعجيبٍ, وليس مثله
بدعًا مِن الرجال؛ فللأخلاقِ الحميدةِ أهلُها، وللذميمة أهلُها, وإنما
العجيبُ أنكِ لم تفكِّري إلا في إصلاح كلِّ ذلك منه, وتحسبينه هينًا,
وترغبين في الاستمرار؛ "وأنا أريد الاستمرار في حياتي معه"!
وأقول لكِ - أيتها الفاضلة -:
إن كنتِ تُسمِّين هذه حياةً، وترغبين في الاستمرار؛ فعليكِ أن تؤمِّني
نفسَكِ وتحميَها مِن تلك المعامَلة القاسية، وهذا السلوك الوحشي؛ فمهما
أبغضَ الرجلُ زوجَه، أو شعر بالنفور منها؛ لا يحقُّ له بحال أن يضربَها
بتلك البشاعة، أو أن يُهِينَها ويحتقرها، ويحرمها أبسط الحقوق الآدمية،
بَلْه الشرعية أو العُرفيَّة!
أيتها الكريمة, أخشى أنَّ
رِضاكِ بكلِّ ذلك، وسكوتكِ عن حُقوقكِ؛ زاد مِن نفور زوجكِ وبُغضه لكِ,
وقبَّح صورتكِ الداخلية كما الخارجية في عينيه! فتنبَّهي - رعاكِ الله -
لأنكِ بشرٌ، وعليكِ احترام نفسكِ وتقديرها، ومنحها ما شرع الله لها مِن
حُقوق؛ ((إن لنفسِكَ عليكَ حقًّا)), والإنسانُ إن لم يستشعرْ أنه مُكرَّم
مِن قِبْل أن يُولَد، ومُفضَّل على كثيرٍ مِن مخلوقات الله، ﴿
وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ
مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]؛ ستدكُّه الأرجل، وتسحقه الأقدامُ!
لستُ أدري كيف لَم يتبينْ طولكِ
قبل الزواج, أو يرَ مَلامح وجهكِ التي لا تُرضِيه؟! ألم تكن ثَمَّة رؤية
شرعية كما يحدُث في غالب المجتَمَعات اليوم؟!
على كلِّ حال ما دُمْتِ آثرتِ البقاء رغم كلِّ ما ذكرتِ, فأنصحكِ بالآتي:1- لا تُذلِّي نفسكِ له، ولا تُظهري جزعًا مِن احتقاره وازدرائه, بل تعامَلي
بأدبٍ مقرونٍ بقوة؛ فإن ألمح لكِ بمنٍّ يمنُّه على إطعامكِ، فمِن حقِّكِ أن
تُخبِريه أن ذلك حق شرعي لك، وأنه ليس له عليكِ مِنَّة فيه, واذكري الحديث
السالفَ حول وُجُوب إطعام المرأة شرعًا، وأنه واجبٌ شرعيٌّ فَرَضه الله
على الأزواج.
2- انشغلي
بنفسكِ عنه قليلًا؛ فأنتِ امرأةٌ ولو نعتَكِ العالمُ أجمعُ بالقُبح،
فلتعلمي أن لديكِ مِن مُقوِّمات الجمال ما لم تتمكَّني من إظهاره
واستغلاله, وما أشد تأثير أدوات التجميل، وطريقة تصفيفِ الشعر، وحُسن
اختيار الملابس على شكل المرأة الخارجي؛ فابتاعي لنفسكِ - إن قدرتِ -
اليسير مِن أدوات الزينة، والعناية بالمرأة، وجرِّبي استعمالها، وتفنَّني
في إبرازِ نقاطِ الجمال لديكِ, وتذكَّري أن الجمال والأنوثة لا تكون في
مَلامح الوجهِ فقط, بل في الحركات، والصوت، وطريقة السير، والضَّحِك،
وغيرها مما يميِّز الأنثى، ويجعلها مُثِيرة، ولو لم يكن لديها رصيدٌ كبيرٌ
مِن جمال الوجهِ, وأرجو ألَّا تُسَارِعي بالذَّهاب إليه تترجينه أن يُثنِي
عليكِ، أو يمتدح أمرًا, بل افعلي ذلك بصمتٍ ولإمداد نفسكِ بعض الثقة التي
سلبكِ إيَّاها كاملة, كما أرى.
3- يبقى
لزوجكِ عليكِ حقُّ الطاعة في المعروف، فكلُّ ما أنصحكِ به مِن رعاية
نفسكِ، وتذكر حقوقها؛ لا يسلبه حقَّه الأول في الطاعة، وحُسن البر، وتجنُّب
بذيء القول والفعل, فراعي ذلك - حفظكِ الله.
4- الإنجاب حقٌّ مشروعٌ لك, وليس له أن يمنعكِ إيَّاه, فإن وجدتِه صافي
البال، رائق المزاج, ففاتحيه في الأمر، وناقشيه بودٍّ وعقلٍ: إلى متى يريدُ
أن يبقى الحال على ذلك؟ وإن كان لا يريدُ الإنجاب خشية الطلاق - أو أن
تسوِّل له نفسه التخلي عنكِ وقتما يشاء - فليس له الإمساك بك حتى ذلك الحين
على سبيل الضرر بك؛ ﴿
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]، وإن كان يفعل ذلك راجيًا أن تبدئي أنتِ بطلَب الطلاق،
فتبيَّني الأمر, فلعل هناك ما يعوقُه مِن مهرٍ أو غيره, وتذكَّري - عزيزتي -
أن الحياة على نحوِ ما ذكرتِ لن تستقيمَ, ولن يلبث وقود صبرك أن ينفدَ
مهما بدا لكِ الأمر هينًا، ومهما بَدَتِ التضحيات في نظركِ ممكنة!
5- إن كان لديك مِن المال ما يطمع فيه, أو يرغب في شيء منه, فلكِ أن تعطيَه
ما تشائين كنوعٍ من المساعدة, فما زلتُ أتعجَّب مِن سلوكه السيِّئ، وأتوقع
الأسباب المُفْضِية إليه, لكن تذكَّري أنه غالبًا لن يكفَّ عن طلب المزيد,
فوَطِّني نفسكِ على ذلك، وقرِّري أمركِ من البداية, فلن يلبثَ المال أن
ينفدَ، والنبع أن يجفَّ, ولن يجد ناكحُ المرأة لمالها إلا ظلَّها!
أسأل الله أن ييسِّر أمركِ، ويأجركِ بعظيم صبركِ، وأن يعوضكِ خيرًا
والله الموفِّق, وهو الهادي إلى سواء السبيل