السؤالبسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أَسعَدَ اللهُ أوقاتكم بكلِّ خيرٍ وسرورٍ، أما بعد:فأنا عندي مشكلة نفسية، عجزتُ عن أن أُسَيطِر عليها، وتعبت منها.مُشكلتي
أني حسَّاس بصورةٍ مُبَالَغ فيها، وأتعبتْني التصرفاتُ اللاإرادية مِن
الأشخاص المحيطين بي، وأنا ألخِّص لكم الموضوع الذي أُعَانِي منه في نقاطٍ:1-
عندي حساسية من كلام أو تصرُّف الشخص الذي أمامي؛ فعندما أكلِّم شخصًا ما
على الجوال عن طريق "الوتس آب"، وأعلمُ أنه موجود ولا يرد عليَّ؛ أقولُ في
نفسي: إنه لا يريد أن يكلمني... إلخ!2-
عندما أفْقِدُ أشخاصًا أعزَّاء - وخاصة إن كانتْ أنثى - مِن خلال البرامج
الاجتماعية، وعند صدورِ تصرُّف غير مبرَّر مِن شخص ما تُجَاهي؛ أكون
حسَّاسًا جدًّا، وأبدأ في مهاجمة هذا الشخص، وأُحَاوِل أن أُضايقه مثلما
تضايقتُ!3-
عند تكوين عَلاقة بيني وبين أنثى، وبعد استمرار عَلاقة الحب عبر النت
مثلًا؛ أشكُّ فيها، وأن لها عَلاقاتٍ، وأنها تتواصَل مع غيري (تخونني)،
وهذا ما سبَّب لي مشاكل أدَّتْ إلى تركِ كلِّ فتاة أعرفها!أنا
أحكي لكم حالي قبل ترْكِ هذه الأمور، وأنا الآن مُقبِلٌ على الزواج، وقد
تخلَّصتُ مِن كُلِّ هذه الأمور، وتركتُها توبةً لله؛ لكن إلى الآن نفسيتي
لم تتخلَّص من هذه الأمور: (الحساسية - العُزلة - الشك - الشعور بالكرهِ
والخيانة).أنا إنسانٌ طيِّب جدًّا، ومحترم، وحَنون، لكن تعامُلي وحساسيتي هي التي تُبعِد الناسَ عني. سؤالي: كيف
أستطيع التخلُّص من هذه النفسية؟! لأني فعلًا أصبحتُ معقَّدًا من هذه
الأمور، وأرى أنها بدأتْ تنعكسُ على حياتي، وقد حاولتُ أن أُبعِدها عن
نفسي، وأجاهِد نفسي؛ لكني لم أقدر! الجوابالأخ الكريم - حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.نشكركم على تواصلِكم معنا، وثقتِكم في شبكتنا .ونبدأ معك من طرفِ الخيط الذي
به بدأتَ علاجَ نفسِك! عند عبارتِك: "وأنا الآن مُقبِلٌ على الزواج، وقد
تخلَّصتُ مِن كُلِّ هذه الأمور، وتركتُها توبةً لله".
ونقول لك: عَرَفت فالزمْ! نشدُّ
على يدِك في اتخاذِ هذه الخطوة الرائعة، والتي لو وصفناها لك تربويًّا،
لعَلِمتَ أنك اتَّخذتَ العلاج المناسب الذي يرتكز على مبدأ: (التخلية
والتحلية)، أو ما يمكن أن يُطلَق عليه: العلاج بالسلب والإيجاب، فلا بدَّ
من (التخلية)؛ بأن تتخلَّى عن تلك العَلاقات التي تعلم في قرارة نفسك أنها
غير مَشْروعة، وقد أحسنتَ صُنعًا الابتعاد عنها.
وكذلك بـ(التحلية)؛ بالتحصين
بالزواج، مُوافقة منك لتوجيهِ النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم :
((يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءةَ فليتزوَّج...))الحديث.
إذًا فقد قطعتَ شوطًا كبيرًا في
العلاجِ، ولم يتبقَّ إلا شيءٌ يَسِير يتعلَّق بهواجسِك النفسية
الانسحابية، جرَّاء التجارب العاطفية السابقة معك، والتي يُمكِن إجمال
خطوات علاجها في أمور:
1- عدم إنشاء أيِّ عَلاقات جديدة خارج إطار الزواج، مع الاستمرار في قطع العَلاقات السابقة.
2- التبصُّر المعرفي بطبيعةِ هذه الحياة، وما تحمل مِن متناقضات، وما تحمل
مِن خير وشرٍّ، وسلوكك يومًا ما في إحدى هذه الطرُق، وتكوين عَلاقات مع
الجنس الآخر لا يعني أن كلَّ النساء كذلك، فهناك المتَعفِّفات التي لا
تَرضَى بأن تسلكَ هذا الدرْب، كما أن مَن سلكتْ معك منهنَّ هذا الدرب قد
تتوبُ كما تبتَ أنتَ، وتعودُ إلى حياتها بشكل طبيعيٍّ.
3- إحسان الظن بالآخر - لا سيما إن كانتْ زوجة المستقبل - هو الأمرُ
المتَعيَّن والمطلوب، فإذا كان المسلمُ مأمورًا بالسترِ على أخطاء الآخرين؛
فكيف يظنُّ بهم سوءًا لمجرد الظنِّ والشبهة! لذلك لا يجوزُ للزوج أن
يتجسَّس على زوجته، أو يظن فيها سوءًا لمجرد الشك والظن؛ ﴿
وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات: 12]
4- بَقِي موضوع: (الشك في الآخرين)، والتحسُّس الناتج عن هذا الشك، يقال فيه
ما قيل سابقًا مِن وجوبِ إحسان الظن في الآخر، وإن أخطأ في حقِّك أخوك؛
فالتمسْ له سبعين عذرًا، فكيف وهو لم يخطئ أصلًا؟!
وأما مجرَّد عدم الرد على
رسائلِك في (الواتساب) وغيره، فقد يكون مشغولًا - وهذا عذرٌ شائع لدينا
جميعًا - كما قد يكون مزْحومًا برسائلَ كثيرةٍ، لا يستطيع مُلاحقتَها ولا
تدارُكها كلها.
5- حتى تقطعَ على نفسِك سبيلَ الوَسْوَسة بكرهِ الأصدقاء لك؛ عليك بمُمارسة
(التعرض للحدَث السلبي)، وذلك بأن تُجبِر نفسك على التعرُّض لممارسات
(الكره الفعلي) من الأصدقاء، ولو تطلَّب ذلك عقد اتفاقٍ بينك وبين أحد
أصدقائك كأن تقول له: إذا اتصلتُ بك فلا تردَّ عليَّ، أو أَغْلقِ السماعة،
أو لا تفتحْ لي الباب، وهكذا.
وهذا المبدأ - (التعرض للحدَث
السلبي) - له أصلٌ في كتاب الله تعالى يُشِير إليه؛ يقول الله - عز وجل -
في سورة النور (آية 28) بخصوص الاستئذان: ﴿
وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ﴾ [النور: 28]!
وقد كان بعضُ الصالحين إذا قيل
له: (ارْجِع)، رَجَع من عند باب الشخص الذي قصدَه؛ فرحًا بتطبيق هذه
السُّنَّة القرآنية المهجورة؛ يرجع فرِحًا منشرحَ الصدر، فتأمَّل كيف حوَّل
الحدث السلبي إلى إيجابي، مع حصول الأجر والثواب على ذلك!
سائلين المولى أن يرزقنا وإياكم حسنَ الاقتداء والعمل