د. فهمي مصطفى محمود
ملخص البحث
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وهو عالم بكل ما يصلح له وما لا يصلح
له، ما يضره وما ينفعه. وأنزل الحق تبارك وتعالى الشرائع كلها لحفظ مصالح
الناس في دنياهم، ولسعادتهم في أخراهم. وهدفت هذه الشرائع السماوية إلى حفظ
الضرورات الخمس: الدين والنفس والعرض والمال والعقل.
إنّ دين
الإسلام هو خاتم هذه الشرائع السماوية وأعظمها. ففاق جميع ما سبقه من
شرائع، وبلغ الذروة في كل تشريعاته. وأكد الإسلام على حفظ الضرورات الخمس،
وحرص كل الحرص على صحة الإنسان وحمايته من كل ما يضر جسده ويفسد روحه.
لقد
بينت النصوص القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، ما يحل وما
يحرم من الأطعمة والأشربة. وأكّد الحق جل وعلى في كتابه العزيز، حقيقة
أزلية خالدة إلى يوم الدين، مؤداها أنّ كل طيب حلال، وأنّ كل حرام خبيث.
قال المولى تبارك وتعالى في الطيبات: ]
يسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لكم الطيبات[ (سورة المائدة : الآية 4.) . وقال أيضاً: ]
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً[ (سورة المؤمنون : الآية 2.). وقال آمراً جميع البشر بأكل الطيب (الحلال)
من الأطعمة، ومنفراً إياهم من خلاف ذلك: ]يا أيها الناس كلوا مما في الأرض
حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنـهّ لكم عدو مبين[ سورة البقرة :
الآية 168
وقال تعالى محذراً المؤمنين من الخبائث، ومنفراً أصحاب الطبع السليم منها: ]
قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث[ (سورة المائدة : الآية 100). وقال أيضاً: ]
ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه[ (سورة البقرة : الآية 268).
وجمع الله تبارك وتعالى الأمرين معاً
(الترغيب في الطيبات والتنفير من المحرمات)، في جزء من آية واحدة، فبين
-سبحانه- بذلك جانباً من جوانب إعجاز هذا القرآن التي لا تعدّ ولا تحصى،
حين قال: ]
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث[ سورة الأعراف: الآية157
بهذه الكلمات الست المعجزات، وضع المشرع سبحانه وتعالى للبشرية
جمعاء, قانوناً ثابتاً وميزاناً دقيقاً، يمكّنهم من أن يزِنوا به كل
المستجدات التي طرأت بعد زمن الرسول الكريم r وحتى قيام الساعة, ليعرفوا
طيبها من خبيثها, ونافعها من ضارها, فيُقبلوا على الطيبات ويبتعدوا عن
الخبائث المحرمات، فأكّد بكل وضوح وجلاء أنّ شريعة الإسلام صالحة لكل زمان
ومكان.
وسنتناول في هذا البحث بعضاً من الأسباب العديدة التي من
أجلها حرم الله تعالى الخنزير، مؤكدين في هذا الصدد أنّ الدراسات
المنشورة-على كثرتها-لا تظهر إلاّ نزراً يسيراً من مضار أكل لحم الخنزير،
والتعايش مع هذا الحيوان الموغل في القذارة. ونحن على يقين تام بأنّ
السنوات القادمة ستكشف للناس مزيداً من جوانب الإعجاز التشريعي في تحريم
الخنـزير. لكن مهما بلغ التقدم العلمي, فسيبقى علم البشر قاصراً, وإدراكهم
محدوداً, والله هو العليم الحكيم.