أ.د. محمد أمحزون
ملخص البحث
لله جلا علاه سنن في هذا الكون يجريها على واقع المجتمعات
البشرية وحركة سيرها وتغيرها وتبدلها، كما تجري القوانين الثابتة المطردة
في عالم الطبيعة.
وهذا الأمر يؤكد لنا حقيقة بديهية وهي: أن هذا
الكون بعالميه المتحرك والجامد، الإنسي والطبيعي، يسير وفق تدبير الحكيم
العليم، الذي لم يخلق الخلق عبثا وسدى، وإنما لأجل غايات حكيمة بينها في
الوحي المنزل للبشر من خلال الرسل، كما نراها في آفاق هذا الكون الفسيح.
ونحن
المسلمين يحق لنا أن نفخر بأن السنن عندنا يقينية؛ لأنها ليست من وضع
الإنسان، وإنما نستمدها من الوحي، من علم الله تعالى المطلق الذي لا يخطئ.
وقد بسطها القرآن الكريم، وبينتها السنة الشريفة. والمطلوب منا هو السير في
الأرض بالبصر والبصيرة لندركها ونفهمها ونعتبر بها:
]قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيــــف كان عــــــاقبة المكذبين[[آل عمران: 137].
ووجه الإعجاز في هذا الجانب: أن المفهوم
القرآني للسنن الاجتماعية يعتبر فتحا عظيما للقرآن الكريم، لأنه أول كتاب
عرفه الإنسان أكد على وجود علاقات وروابط بين الأسباب والمسببات، والمقدمات
والنتائج، التي تعد في الحقيقة تعبيرا عن حكمة الله تعالى وحسن تقديره
وبنائه التكويني للساحة التاريخية والاجتماعية.
بينما كان الإنسان
قديما يخضع للنظرة العفوية أو النظرية الخرافية الاستسلامية في تفسير
الأحداث التاريخية وحركة المجتمع بوصفها كومة متراكمة من الأحداث والوقائع؛
فيفسرها تارة على أساس الصدفة، وتارة على أساس القضاء والقدر بدون إدراك
مغزاها الحقيقي، وبدون التمييز بين أمر الله القدري الكوني وأمره القدري
الشرعي. كما أن التفسير اللاهوتي الكنسي للتاريخ والمجتمع يتناول الحادثة
نفسها، ويربطها بإرادة الله سبحانه وتعالى قاطعا صلتها بقانون الأسباب.
وهكذا لأول مرة في التاريخي الإنساني، نبه القرآن الكريم العقل البشري إلى أن حركة أي مجتمع محكومة بسنن ثابتة وشاملة ومطردة.
على
أن الغربيين المعاصرين وإن اكتشفوا كثيرا من السنن الطبيعية ووظفوها
لعمارة الأرض في المجلات العسكرية والمدنية المختلفة. إلا أنهم ذهلوا عن
السنن الاجتماعية والتاريخية، ولم يدركوا إلى الآن ولم يفهموا كيف تعمل هذه
السنن في واقع المجتمعات البشرية؛ لأنهم قطعوا صلتهم بالوحي، مما جعلهم
غير قادرين على فهم حقيقة النفس الإنسانية وطبيعتها ودروبها وتشعباتها
ووسائل علاجها، ومن ثم لم يحالفهم النجاح في ضبط بنية العلاقات الإنسانية
النفسية والمجتمعية في صيرورتها.
وبالتالي فمنهم من لم يؤمن أصلا
بالسنن الربانية وأثرها في المجتمعات البشرية في الماضي والحاضر والمستقبل،
ومنهم من يخلط بين السنن الطبيعية والسنن الاجتماعية، ولا يعلم بأن الأولى
مجالها الظواهر الكونية، والثانية مجالها المجتمعات الإنسانية.
البحث كاملاًلتحميل الملف على جهازك ضع المؤشر على عبارة "البحث كاملا" ثم اضغط على الزر الأيمن للفأرة واختر Save target as