اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 المصيبة وأنواعها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100245
المصيبة وأنواعها Oooo14
المصيبة وأنواعها User_o10

المصيبة وأنواعها Empty
مُساهمةموضوع: المصيبة وأنواعها   المصيبة وأنواعها Emptyالجمعة 8 مارس 2013 - 17:43

خطبة الجمعة
الخطبة 1180 : خ 1 -المصيبة وأنواعها ، خ 2 - كل شيء أراده الله وقع.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2011-01-14
بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.

الدنيا دار تكليف وعمل و الآخرة دار تشريف وجزاء :

أخوتنا الكرام، عظمة هذا الدين أنه قدم للإنسان تصوراً، أو فلسفة، أو عقيدة، أسماء لمسمى واحد، قدم له تصوراً عن الكون، والحياة، والإنسان، الحياة الدنيا حياة إعداد لحياة أخرى، المسلم عنده تصور صحيح أن الحياة الدنيا هي حياة إعداد لحياة أخرى، لذلك الدنيا دار تكليف بينما الآخرة دار تشريف، الدنيا دار عمل لكن الآخرة دار جزاء.
أيها الأخوة، لأن الله رحيم ولأنه خلقنا ليرحمنا، والدليل:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]
خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليسعدنا، خلقنا ليعطينا، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض، من مقتضيات رحمته أننا إذا غفلنا في الدنيا، أو قصرنا، أو خالفنا، هناك تدابير تربوية، للتقريب: كيف أن الأب حينما يرى ابنه مقصراً في الدراسة يشدد عليه، يحاسبه أشد المحاسبة، وقد يضربه، فإذا تفوق هذا الابن في مستقبل حياته، وعاش حياة كريمة رغيدة، تذكر فضل أبيه عليه.

أنواع المصائب :

لذلك أيها الأخوة، أعظم شيء في حياة المؤمن أنه يفهم على الله حكمته من المصيبة، المصائب لها خمسة أنواع، مصائب الأنبياء مصائب كشف ليس غير، الأنبياء ينطوون على كمال يفوق الشيء المألوف، لذلك مصائبهم مصائب كشف.
ذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى الطائف مشياً على قدميه، ثمانون كيلو متراً، ولما وصل إليها دعاهم إلى الإسلام فكفروا به، و كذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم بضربه، والدماء سالت من قدمه الشريف، جاءه ملك الجبال، و قال له يا محمد:

(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))

[ متفق عليه عن عائشة]
المصائب هي للكافر قصم
مصائب الأنبياء مصائب كشف، أي هناك كمال كبير جداً، هذا الكمال يظهر بشكل صارخ بمصيبة، لكن مصائب المؤمنين، مصائب دفعٍ أو رفع: أي سرعته بطيئة، عباداته غير متقنة، عطاؤه قليل، طلبه للعلم غير مقبول، ضعيف، يسوق الله له شدة يدفعه إلى المزيد، إلى أن يطور عبادته، إلى أن يطور طلبه للعلم، إلى أن يزداد ورعاً، مصائب المؤمنين مصائب دفع، سرعة بطيئة يحتاج إلى دفع، أو قبل عملاً صالحاً وبإمكانه أن يفعل عملاً أكبر، مصائب رفع، مركبة الطن بمئة ألف، بإمكانها أن تحمل عشرين طناً، حمّل طناً واحداً، نقول له: لا أنت عندك مركبة عندها إمكانية كبيرة جداً، فلماذا تقبل مبلغاً بسيطاً؟ خذ عشرة أضعافه.
مصائب المؤمنين، مصائب دفع أو رفع، لكن مصائب الكفار أو المشركين مصائب ردع أو قصم، إذا كان فيه خير واحد بالمليار، يسوق الله له مصيبة ردع، فإن لم يرتدع قصمه الله، الأنبياء كشف، المؤمنون دفع أو رفع، الكفار والمشركون ردع أو قصم.
لذلك نحن في دار ابتلاء، نحن في دار التواء لا دار استواء، وفي منزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، لأنه مؤقت، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.

من ساق الله له مصيبة فصبر فله أجر بغير حساب :

الآية الأولى في هذا اللقاء وهذه الخطبة قوله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة الزمر:10 ]
ما معنى بغير حساب؟ أحياناً يعطيك إنسان سنداً، هذا السند مضبوط بمبلغ معين، لك عندي مئة ألف، لك عندي مليون، لك عندي مئة مليون، لكن ما قولك أن تأخذ سنداً موقعاً و اكتب أي مبلغ تريد، إن كتبت ألف مليون تأخذهم، هذا معنى قول الله عز وجل:

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة الزمر:10 ]
هذه الآية الوحيدة بغير حساب، هذا الذي ساق الله له مصيبة فصبر، النبي عليه الصلاة والسلام عنده صحابي جليل، له ابن جميل الصورة، كان يحبه حباً لا حدود له، من شدة تعلقه بابنه كان يضعه على كتفه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي الكريم سأله مرة أتحبه؟ فهذا الصحابي قال له كلمة رائعة، قال له: أحبك الله كما أحبه، بعد أيام افتقد النبي هذا الصحابي، فسأل عنه، فقيل له: لقد مات ابنه، فاستدعاه وعزاه، لكن الذي يلفت النظر أنه قال له: أيهما أحب إليك أن تمتع به عمرك- معك دائماً كظلك، في خدمتك، ولد بار، لم يفارقك، مطواع لك، بار بك- أم أن يسبقك إلى الجنة، فأي أبوابها فتحها لك؟ قال له: بل الثانية، قال له: هي لك.

أنواع الصبر :

الوضوء لصلاة الصبح هو صبر على الطاعة
أخواننا الكرام: يجب أن نؤمن أن الله عز وجل إذا ساق لعبد مؤمن مصيبة فليكون عطاؤه على صبره لهذه المصيبة بغير حساب، هذه الآية الأولى:

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة الزمر:10 ]
الصبر على ماذا؟ العلماء أجمعوا على أن الصبر ثلاثة أنواع، صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على المصيبة، قد تكون صلاة الفجر في أيام الصيف، الساعة الثالثة، وأنت متأخر حتى نمت، والنهوض من الفراش صعب جداً، لكنك آثرت طاعة الله، فقمت إلى الصلاة، هذا صبر على الطاعة، وأحياناً تمر فتاة بارعة الجمال، وأنت شاب في مقتبل حياتك، ولك أن تنظر إليها ولا أحد على وجه الأرض يحاسبك، لكنك خوفاً من الله غضضت بصرك عن محارم الله، وقلت: إني أخاف الله رب العالمين، هذا صبر عن المعصية، وأحياناً يسوق الله للإنسان مرضاً، فيصبر عليه، صبر على البلاء، فللصبر ثلاثة أنواع، صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على قضاء الله وقدره.

الصبر عند الصدمة الأولى :

الصبر عند الصدمة الأولى
مرّ النبي عليه الصلاة والسلام على امرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري، هي لا تعرفه، قالت له إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، لكنها بعد أن عرفت أنه النبي عليه الصلاة والسلام، قال لها: إنما الصبر عند الصدمة الأولى.
أحياناً تأني مصيبة يضجر وقد يشتم وقد وقد وقد، لكن بعد ذلك يصبر، ليس هذا هو الصبر، إنما الصبر عند الصدمة الأولى، الصبر عند تلقي الخبر أول مرة، الحمد لله، لذلك من أروع ما قاله سيدنا عمر، كان إذا أصابته مصيبة، قال: الحمد لله ثلاث مرات، الحمد لله إذ لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها. أي حادث سيارة، أضرار بشرية لا يوجد، هذا يصلح، هناك ضرر بشري لكن خفيف، كسر يجبر، لذلك كان إذا أصابته مصيبة، قال: الحمد لله ثلاث مرات، الحمد لله إذ لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها.
إذاً الصبر بكلام النبي عليه الصلاة والسلام عند الصدمة الأولى، البطولة هنا، لذلك قال الإمام علي رضي الله عنه: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، أي أن ترضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين.
حديث آخر: أنا أعرف عالماً أظنه صالحاً وأحترمه كثيراً، ليس من دمشق من الشمال، له ابن درس الطب، ثم دخل كلية الشريعة، ثم حفظ كتاب الله كله، ثم أدى الخدمة الإلزامية، ثم خطب له، كان عرسه بعد أسبوع، مات بحادث سير، ذهبنا مع بعض الأخوة العلماء من دمشق إلى الشمال كي نعزيه، أنا فوجئت أنه كان في أعلى درجات الرضا عن الله، ابنه الوحيد طبيب على شرعي على حفظ كتاب الله على زواج، رأيت الصبر بشكل واضح جداً عندما زرناه في مدينته، هذا هو المؤمن.

(( عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له ))

[ مسلم عن صهيب الرومي ]

على الإنسان التحلي بالحكمة في إبلاغ الأخبار السيئة :

حديث آخر:

((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ))

[ البخاري عن أبي هريرة ]
شخص يحبه كثيراً، قد يكون ابنه، زوجته أحياناً، صديقه، أخوه، إنسان تحبه حباً جماً، وأكثر شيء هذا واضح في الأبناء، لذلك هذا الصحابي الذي جاء إلى البيت وابنه مريض، وسأل زوجته عن ابنها المريض، قالت له: هو في أهنأ حال وقد مات، لم ترد أن تبلغه، يبدو أنه كان في الجهاد، وهي كنّت عن موته أنه في أهدأ حال، في الصباح أبلغته، فذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقصّ عليه ما فعلت زوجته، فالنبي أثنى عليها كثيراً، أحياناً إبلاغ الخبر من دون حكمة، من دون دقة، قد يصيب الإنسان بصدمة كبيرة جداً، سمعت عن مريض أصيب بمرض خبيث، الطبيب دارس ببلد يبلغون المريض المرض من دون أي مواربة، قال له: معك سرطان تعيش أربعة أشهر بالتمام والكمال، فمات في اليوم الثاني، لم يتحمل، النبي عليه الصلاة والسلام قال :

((إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي الْأَجَلِ ))

[ ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري ]
أبلغ أهله، دعك منه، فلذلك:

((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ))

[ البخاري عن أبي هريرة ]

(( عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا ))

[ البخاري عن عطاء بن أبي رباح ]
الحديث بالبخاري أيضاً :

(( مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ))

[ البخاري عن أبي سعيد الخدري]

(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه))

[ ورد في الأثر ]

أكبر كسب للمؤمن أن تنتهي به الدنيا وقد غفر الله له كل ذنوبه :

أخواننا الكرام، إذا تفضل الله علينا وعالجنا في الدنيا، وانتهى بنا الأمر إلى أننا إذا وصلنا إلى شفير القبر ليس علينا شيء، هذا أكبر كسب للمؤمن، أن تنتهي به الدنيا وقد غفر الله كل ذنوبه:

(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه))

[ ورد في الأثر ]
طاهر من الذنوب، وهناك حديث آخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ))

[ البخاري عن أبي هريرة]
يسوق له مصيبة، للتقريب، إنسان معه التهاب معدة حاد، و إنسان معه ورم خبيث منتشر، فالأول سأل الطبيب ماذا يأكل، فأعطاه حمية شديدة جداً، على الحليب فقط، وتوعده الطبيب أنه إذا خالف هذه الحمية سوف يتفاقم مرضه، وقد يحتاج إلى عمل جراحي، هذه حالة، جاء مريض آخر معه مرض خبيث منتشر، فسأل الطبيب ماذا آكل؟ قال: كُلْ ما شئت، أيهما أفضل؟ هذا الذي خضع لحمية شديدة جداً أم هذا الذي قيل له كُلْ ما شئت؟ لذلك لا تنسى هذه الآية:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]
دنيا، ومال، وجاه، ومكانة، وبيوت، ومركبات:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

الصبر عادة الأنبياء والمتقين وحلية أولياء الله المخلصين :

أما المؤمنون:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 155-157 ]

(( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ))

[ البخاري عن أبي هريرة]
حديث آخر في الصحاح:

((إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ))

[ أن ماجه عن أنس بن مالك]
لذلك أيها الأخوة الكرام، الصبر عادة الأنبياء، والمتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهو من أهم ما نحتاج إليه في هذا العصر، الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقل معها صبر الناس عليها.

الصبر ضياء :

أيها الأخوة، الصبر ضياء، بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، الصبر ليس جبناً، ولا يأساً، ولا ذلاً، بل الصبر حبس النفس عن الوقوع في سخط الله عز وجل، وتحمل الأمور بحزم وتدبر، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب:

﴿ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾

[ سورة الفرقان: 75 ]

من يرضى بقضاء الله و قدره سيخلفه الله خيراً من كل الذي أصابه :

وعن أهل الجنة قال تعالى:

((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهمّ أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيراً منها ))
هذا الحديث عن من؟ عن أم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام:

(( قالت: ولما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله))

[مسلم عن أم سلمة ]
كان زوجها رجلاً عظيماً، فلما توفي دعت بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام، لكنها تساءلت ومن سيأتيني بعده؟ أبو سلمة رجل لا كالرجال، من أصحاب النبي الأوائل، قالت: فتزوجت رسول الله.
صدق ولا أبالغ أنت حينما ترضى بقضاء الله وقدره يخلفك الله خيراً من هذا كله:

(( مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ))

[ البخاري عن أبي سعيد الخدري]
وليعلم المؤمن الصادق أنه كما قال الله عز وجل :

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ*لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾

[سورة الحديد : 22-23]

المؤمن صابر شاكر :

أيها الأخوة الكرام:

(( فلاَ تَقُلْ : لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ فإنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ ))

[مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه ]
وطن نفسك واعلم يقيناً أن كل مصيبة تأتي إنما هي بإذن الله، وقضائه وقدره، فإن الأمر له وحده، لذلك استعن على الصبر باعتقادك أن هذا الشيء ساقه الله إليك رحمة منه، وعدلاً:

(( لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ))

[الطبراني عن أبي الدرداء ]
أيها الأخوة، أرجو الله عز وجل أن نكون قد انتفعنا من هذه الآيات والأحاديث التي تعيننا على الصبر، الحياة فيها متاعب كثيرة، فيها بلاء، فيها شدائد، ولا سيما في آخر الزمان:

((اشتقت لأحبابي، قالوا: لسنا أحبابك؟ قال : لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجره كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))

[ الترمذي عن أنس]
لذلك الصبر من صفات المؤمن، المؤمن صابر شاكر، في الرخاء شكور، وفي البلاء صبور، هذه حالة مهمة جداً، لكن أنت حينما تصبر ابتغاءً لمرضاة الله يلقي الله في قلبك حلاوة لا تقل عن الذي فاتك مما لو لم تكن صابراً.
أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل على كل شيء قدير، قادر أن يسعدك وأنت في أصعب الحالات، وقادر وأنت في أقوى درجة في الدنيا أن تكون أشقى الناس.
إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

كلُّ شيء وقعَ أرادهُ الله وكلُّ شيء أراده الله وقعَ وإرادةُ الله متعلِّقةٌ بالحكمة المطلقة :

أيها الأخوة، وطن نفسك أن كلُّ شيء وقعَ أرادهُ الله، أي سمح به، ولا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، كل شيء وقع أراده الله، بالمقابل: وكلُّ شيء أراده الله وقعَ، تحصيل حاصل، كل شيء وقعَ أرادهُ الله، وكلُّ شيء أراده الله وقعَ، وإرادةُ الله متعلِّقةٌ بالحكمة المطلقة، الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، وكل شيء وقع متعلق بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، أي لا يوجد بالكون شر مطلق، هناك شر موظف للخير، أوضح مثل:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِف طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾

[ سورة القصص: 4]
الآن دقق:

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

[ سورة القصص:5-6]
ليس في الأرض شر مطلق، هناك شر نسبي، شر موظف للخير، لذلك اطمئنوا على التاريخ القديم والحديث، ما من طاغية على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين، علم هذا من علم وجهل هذا من جهل، من دون أن يشعر، ومن دون أن يريد، وبلا أجر، وبلا ثواب، اعتقد يقيناً أن كل شيء وقع أراده الله، معنى أراده سمح به، ومعنى سمح به أي هذا شر نسبي، شر موظف للخير، لذلك كل شيء تراه عينك مما يؤلم هو علاج، أو تدريب، أو تهيئة للخير، المؤمن يعتقد يقيناً أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، من هنا ورد:

(( ما من عثرةً، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عودٍ، إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر))

[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ]
هذه قضية أساسية في عقيدة المسلم.

النعم الباطنة :

كل شيء وقع من الشر الظاهر هو في الحقيقة خير مبطن، قال تعالى:

﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾

[ سورة لقمان: 20 ]
ما هي النعم الباطنة؟ المصائب، والله أعرف شخصاً يموت و لا يفكر أن يصلي بحياته، مال وفير، ومكانة كبيرة، كافر بكل الأديان، ساق الله له شدة لم يستطع تحملها، هذه الشدة سبب إيمانه، وسبب استقامته، أعرف امرأة متفلتة تفلتاً غير معقول، ساق الله لها مرضاً فالنتيجة أنها تحجبت، الله عز وجل كل إنسان عندما يصر على معصية، يسوق له شدة، هذه الشدة تزاح عنه إذا تاب إلى الله عز وجل، فربنا حكيم، فكل شيء وقعَ أرادهُ الله، وكلُّ شيء أراده الله وقعَ، وإرادةُ الله متعلِّقةٌ بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المصيبة وأنواعها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الصدقة فضائلها وأنواعها
» الصدقة فضائلها وأنواعها
» الدعاء عند نزول المصيبة
»  مصيبة تلو المصيبة - كيف أجد السعادة !
» جزاء الصبر على البلاء و المصيبة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: