السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله كل خير.
أذكر أنني كنت إنسانا طبيعيا, أحب السفر مع أصدقائي, وأحب الخروج, وأتميز بشخصية قوية, حتى جاء ذلك الوقت المشؤوم الذي انقلبت فيه حياتي رأسا على عقب.
ففي سنة 2007, وفي إحدى الليالي أخذت مخدر المعجون -وهو مخدر متواجد عندنا بكثرة في المغرب- وذهبت بعدها للنوم، وبعد لحظات وجيزة أحسست بصوت قوي يصرخ داخل جسدي, ففزعت فزعا شديدا, وأحسست كأني سأموت, أوسأجن, وأحسست كأن الكهرباء صعقتني في رأسي, ثم هرعت للحمام وبدأت أصب الماء على رأسي وأقول لا, لا, لن يصيبني شيء إنما هو المخدر، وبقيت الليلة كاملة وأنا أعاني الخوف والفزع الشديد.
وفي اليوم التالي أحسست بدوخة شديدة, وبألم في رأسي, وبأحاسيس غريبة كأنني لست أنا, واشتدت حالتي النفسية, وأصبحت طريح الفراش.
استمرت معي هذه الحالة حوالي شهرين كاملين, وأنا لا أخرج من المنزل, وأنام بصعوبة شديدة, ولا آكل شيئا, فنقص وزني كثيرا, وبدأت أحس كأنني سأجن, وأنني سأموت.
ذهبت إلى طبيب نفسي فوصف لي دواء (سوليان 200) استخدمته مدة شهر واحد فقط نظرا للضروف المادية, تحملت الآلام الجسيمة, والمعاناة النفسية مدة طويلة, لم آخد خلالها أي أدوية, ولم أستطع أن أبوح لأحد بأسراري، وخلال هذه المدة خفّت الأعراض نسبيا, وأصبحت أشعر بنوع من التحسن.
مارست الرياضة -كمال الأجسام- وحصلت على وضيفة، وتحسنت ضروفي المادية جدا, والحمد لله, وأصبحت أحس كأنني تحسنت نوعا ما مع وجود إحساس غريب من وقت لآخر أحس كأنني لست أنا, وبعض الرهاب الذي تعودت عليه, وبعض التوتر النفسي.
إلا أنه خلال الأسبوع الماضي وأنا عائد من العمل إلى البيت أحسست بنوبة من الهلع مفاجئة, وكأنّ الموت في جسدي, وخفت خوفا شديدا, وقاومت الخوف حتى وصلت للمنزل, وفي اليوم التالي ساءت حالتي النفسية مرة ثانية؛ مما دفعني أن أكتب هذه الرسالة.
والأعراض هي:
أحس كأنني لست أنا, كأن وجهي ليس ملكي, وكأن جسدي يتحرك من تلقاء نفسه، لا أستطيع أن أنظر في عين الناس, وإذا نظرت إليهم أحس بالابتسامة, ولا أستطيع أن أجلس أمام أي شخص في القطار, أحس بالتوتر الشديد، لا أستطيع انتظار الحافلة, أشعر بالتوتر والدوخة وضيق النفس، أشعر أحيانا كأنني سأفقد السيطرة.
أحيانا إذا جاءنا ضيف وجلست معه أحس بالتوتر، أحس ببعض الراحة عندما أتابع برنامجا, أو ألهي نفسي بشيء ما, استمرت معي الأعراض أسبوعا كاملا, وأحس ببعض الراحة من وقت إلى آخر.
أرجوكم ساعدوني, فقد انقلبت حياتي إلى جحيم, وأقسم بالله إنني ندمت ندما شديدا, والسبب هو مخدر المعجون الذي أصبحت لا أطيق حتى ذكره.
للإفادة فأنا أبلغ من العمر 28 عاما, والغريب أنه خلال هذا اليوم الذي أكتب فيه هذه الاستشارة أحسست أن حالتي تحسنت بنسبة 60 في المئة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هشام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب.
أعراضك كلها تدور في محيط ما يعرف بقلق المخاوف الوسواسي، وكانت نقطة البداية هي الإثارة التي حدثت لجسدك نفسياً وفسيولوجياً بعد تناول مخدر المعجون، ومن الواضح أن تبعات هذا التعاطي نتجت عنها هلاوس مختلفة, وتغير كبير في آليات الجسد الفسيولوجية, وكذلك النفسية, ويعرف أن مخدر المعجون يثير مادة تعرف باسم الدوبمين في الدماغ, وهذه تؤدي إلى التغيرات والتجربة السخيفة التي مررت بها.
قابليتك للقلق والخوف والوساوس أصلاً موجودة, وكانت نقطة الإثارة كما ذكرت لك هي مخدر المعجون, والآن أنت حالتك لا بأس بها, لكن قطعا لديك جوانب وسواسية.
فمثلا أنت ذكرت أنك لا تستطيع أن تنظر في أعين الناس, وإذا نظرت إليهم تحس بالابتسامة، هذه مشاعرة وسواسية ولا شك في ذلك، والقلق هو الذي يحركها, وأنت ذكرت أيضا أنك مررت بما يمكن أن تصفه بحالة من حالات الفزع, أو بنوبات الهرع المحدودة, ولديك أيضا ما يعرف باضطراب الأنية، إحساسك بأنك ليس أنت هذا نوع من القلق الخاص.
أيها الفاضل الكريم: كل الذي بك جزئيات مختلفة لعلة القلق، العلاج بالطبع تجربتك القاسية مع المخدر -أيا كان نوعه- فيها درس عظيم لك بأن لا تغوص في هذا البحث مرة أخرى.
ثانيا: اصرف انتباهك عن القلق والوساوس من خلال تحقيرها وإدارة الوقت بصورة جيدة, وأن تكون لك أهداف, وتضع الآليات التي توصلك إلى هذا الأهداف, وأن تتواصل اجتماعيا, والحمد لله لديك عمل, وظروفك المادية تحسنت, وهذا -إن شاء الله تعالى- فيه خير كثير لك.
ممارسة الرياضة من أهم مصارف القلق والتوتر، كما أن التعبير عن الذات, وعدم الكتمان فيه متنفس نفسي كبير جدا، الجزء الأخير في العلاج هو العلاج الدوائي، أنت أعطاك الطبيب السليان لمدة شهر, وهو دواء جيد؛ لأنه ينظم إفراز مادة الدوبمين في الدماغ, وأتفق معك أنه مكلف بعض الشيء, ولا أعتقد إنك الآن في حاجة إليه.
الدواء الذي تحتاجه الآن أنت هو عقار فافرين, والذي يعرف باسم فلوفكسمين, وسعره معقول, والجرعة المطلوبة هي خمسون مليجراما, تناولها ليلا بعد الأكل, وبعد شعر اجعلها مائة مليجراما ليلا, واستمر عليها لمدة أربعة أشهر, ثم خفضها إلى خمسين مليجراما ليلا لمدة ثلاثة أشهر, ثم اجعلها خمسين مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهر, ثم توقف عن تناول الفافرين.
وهنالك دواء .آخر يعرف -شبيه للسليان- بدرجة كبيرة, ونحن نعتبره دواء إضافيا, ومدعما في حالتك، الدواء يعرف باسم رزبريادالRisporidal, والاسم العلمي هو رزبريادون Risperidone, أرجو أن تناوله بجرعة واحد مليجراما فقط, تناول هذه الجرعة ليلا لمدة شهرين, ثم توقف عن تناوله في تناول الفافرين بنفس الكيفية والمدة التي ذكرتها.
إحساسك بالتحسن الآن والذي وصل إلى نسبة (60%) هو أمر مبشر جدا, وهذه الحالات لا شك أنها متأرجحة ما بين التحسن وعدمه، لكن إن شاء الله تعالى المآل النهائي في حالتك ممتاز جدا.
أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.