السؤال
كنت قد سألت موقعكم الموقر عن حديث الرسول صلوات الله عليه الذي نصه : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) وقد كان ردكم في الفتوى (رقم الفتوى: 2336612 ) ولكن كان ضمن إجابتكم هذه العبارة
قال ابن قدامة: حتى لو أن امرأة أتت بولد وزوجها غائب عنها منذ عشرين سنة لحقه ولدها) والآن أود أن أضيف بعض الأمور للكلام المنسوب إلى ابن قدامة رحمه الله تعالى : خلال مدة العشرين سنة تكون المرأة قد حاضت أكثر من 200 حيضه. فهل يمكن أن تبقى في رحمها أية نطفة منوية لزوجها الغائب عنها لمدة عشرين سنة ليحدث الحمل لها بهذه النطفة المنوية لزوجها ؟ و لأن الله تعالى يخلق الإنسان من نطفة منوية واحدة لقول الحق تبارك وتعالى: ( ألم يك نظفة من مني يمنى ) والآيات كثيرة حول خلق الإنسان من نطفة منوية واحدة في القرآن الكريم. فكيف يمكن أن تبقى هذه النطفة المنوية للزوج في رحم زوجته مدة عشرين عاما وقد حاضت أكثر من 200 حيضة ؟ نحن نعلم فقط هناك معجزة واحدة وهي معجزة خلق الله تعالى سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام في بطن أمه من غير أب ومن غير وجود النطفة المنوية للرجل، ولكن هذه لا يمكن أن تبنى عليها القاعدة، لأن هذه كانت معجزة الله تعالى ليؤمن الناس جميعا . فكيف يمكن أن تحمل المرأة بعد عشرين سنة من فراق زوجها لها من نطفة هذا الزوج وتكون وكما كتبت حاضت هذه المرأة أكثر من 200 حيضة خلال مدة العشرين سنة ؟ يا إخوان ويا أحبتي في الله : إن نشر مثل هذا الكلام الذي هو بعيد عن المنطق والواقع يستغله أعداء الإسلام في الطعن بالإسلام، ونحن نعلم أن المطلقة وكذلك المتوفى عنها زوجها يجب أن تعتد قبل أن تتزوج برجل آخر، والعدة ما هي إلا للتأكد من خلو الرحم من النطف المنوية للزوج الأول أو لاستبراء الرحم من النطف المنوية للزوج الأول. لهذا فان الحامل عدتها وضع الحمل لأن رحمها يكون خاليا من النطف المنوية للزوج الأول، وعند ذلك يحق لها الزواج بدون عدة حتى ولو كانت وفاة زوجها الأول قبل أن تضع الحمل بيوم واحد . لهذا فإن حديث: الولد للفراش وللعاهر الحجر. ربما يكون ضعيفا ولا يوافق هذا الحديث المسائل إذا كان الزوج غائبا عن زوجته ويعيش في بلد آخر أكثر من سنة، لأن النطف المنوية التي تحدث الحمل للزوجة لا يمكن أن تبقى فعالة ونشطة في الرحم إذا حاضت المرأة أكثر من ثلاث حيضات متتالية، والدليل عدة المتوفى عنها زوجها وعدة المطلقة. فكيف يمكن أن يحدث الحمل للزوجة بدون وجود نطف منوية فعالة في رحمها ؟ هذه حصلت مرة واحدة وهي معجزة من الله تعالى للسيدة مريم ابنة عمران عليها السلام عندما حملت بسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام من غير أب ومن غير وجود النطفة المنوية، وهي معجزة من الله تعالى لكل البشر إلى يوم القيامة . أؤكد أن هذا الحديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ضعيف، ولا يمكن العمل به إذا كان الزوج غائبا عن زوجته لأكثر من سنة . لأنه لا يمكن أن يحدث الحمل للزوجة بدون وجود نطف منوية في رحمها، وبما أنها تكون قد حاضت أكثر من حيضة خلال تلك الفترة فلا يمكن أن تبقى في رحمها النطف المنوية لزوجها والتي تحدث الحمل لديها بالجنين وهكذا لا يمكن أن ينسب هذا الولد للزوج الغائب عن زوجته لأكثر من سنة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور صحيح بلا ريب ولا إشكال فيما دل عليه من الأحكام ، فحكمه –كسائر أحكام الشرع- غاية في الحكمة والعدل والرحمة ، ولا يمكن أن يتعارض بحال مع العقل الصحيح أو الفطرة السليمة بل هو موافق لهما ومحقق لمصالح العباد في الدارين على أكمل الوجوه. وحتى يتضح لك الأمر فلابد أن تعلم أن الحديث لا يعني إلحاق النسب بالزوج على كل حال حتى ولو كان حصول الحمل بين الزوجين مستحيلا ، وإنما المراد أن الأصل في المولود على فراش الزوجية أن ينسب للزوج ، أما إذا كان هناك ما يمنع من احتمال حصول الحمل من الزوج فلا يلحق به النسب حينئذ.
قال الشوكاني: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا يُلْحَقُ بِالْأَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ إمْكَانِ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ.
وقال ابن قدامة : وإذا ولدت امرأة غلام، سنه دون ذلك (عشر سنين)، لم يلحق به، ومن كان مجبوباً مقطوع الذكر والأنثيين، لم يلحق به نسب. الكافي في فقه الإمام أحمد.
أما إذا لم يكن هناك مانع من حصول الحمل ولم ينف الزوج الولد باللعان فالولد لاحق به ، وذلك لأن أمر الأنساب خطير وضياع النسب مفسدة عظيمة وبلية كبيرة لا تخفى على عاقل آثارها الاجتماعية والنفسية ، فاحتاط الشرع لإثبات النسب دفعا لتلك المفاسد.
قال ابن قدامة : والحكم بإلحاقه بالزوج والسيد في هذه الصور إنما كان احتياطا للنسب، فإنه يلحق بمجرد الاحتمال وإن كان بعيدا " المغني لابن قدامة.
وعليه فالصورة المذكورة في كلام ابن قدامة (رحمه الله) من لحوق النسب بالزوج وإن غاب عن زوجته عشرين سنة ليس المراد منها إثبات النسب ولو تيقنا من امتناع حصول الجماع بين الزوجين ، وإنما المراد أن لحوق النسب في هذه الحال ممكن لاحتمال أن يكون الزوج قد التقى بامرأته خلال تلك المدة مع كون الزوج لم ينف الولد باللعان، وإذا كان هذا الاحتمال قائما في الأزمان الماضية فقيامه في زماننا أقوى حيث أصبح من اليسير أن يسافر الرجل بالطائرة فيقطع المسافات البعيدة ويرجع في وقت قصير، وأما إذا قطعنا بانتفاء هذا الاحتمال فلا يلحق به الولد، ولذلك قيد بعض الشراح كلام ابن قدامة بإمكان وصول الزوج لزوجته.
قال الرحيباني : وَقَالَ فِي " الْمُبْدِعِ " وَالْمُرَادُ وَيَخْفَى مَسِيرُهُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ وَفِي الْوَسِيلَةِ " وَ " الِانْتِصَارِ " وَلَوْ أَمْكَنَ وَلَا يَخْفَى السَّيْرُ كَأَمِيرٍ وَتَاجِرٍ كَبِيرٍ وَمَثَّلَ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " بِالسُّلْطَانِ وَالْحَاكِمِ نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ مِثْلُهُ لَمْ يُقْضَ بِالْفِرَاشِ وَهُوَ مِثْلُهُ، وَنَقَلَ حَرْبٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي وَالٍ وَقَاضٍ لَا يُمْكِنُ يَدَعُ عَمَلَهُ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ لَحِقَهُ. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى.
والله أعلم