شبهة (عدم المطابقة بين النعت والمنعوت)
توضيح الشبهة
زعم أصحاب هذه الشبهة أن القرآن قد خالف قاعدة المطابقة في النوع بين النعت والمنعوت, فأورد النعت مؤنثاً لمنعوت مذكر, واستشهدوا على ذلك بالآيتين التاليتين:
الأولى: قوله تعالى: { وأحيينا به بلدة ميتاً }(ق, 11).
حيث إن المنعوت مؤنث وهو كلمة( بلدة ) , ونعته مذكر وهو كلمة ( ميتاً ).
الرد على الشبهة
لقد جهل أصحاب هذه الشبهة أن لفظ ( ميت) مما يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ وذلك لأنه وصف على وزن من أوزان المصدر هو ( فعل), فلما شابه المصدر أخذ حكمه في بقائه على لفظه للمذكر والمؤنث.
يقول الرازي: ويستوي فيه المذكر والمؤنث, قال الله تعالى :{لنحيي به بلدة ميتا} ولم يقل ميتة.
كما أن كلمة (ميت ) في الآية تطلق على المكان , أي مكان ميت.
يقول القرطبي: (وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج) أي من القبور أي كما أحيا الله هذه الأرض الميتة فكذلك يخرجكم أحياء بعد موتكم، فالكاف في محل رفع على الابتداء, وقد مضى هذا المعنى في غير موضع, وقال (ميتا) لأن المقصود المكان ولو قال ميتة لجاز.
الثانية: قوله تعالى: {بريحٍ صرصرٍ } (الحاقة, 6).
حيث إن ( الريح ) وهي مؤنث قد وصفت بكلمة ( صرصر) , وهي مذكرة , والصواب - في زعم أصحاب هذه الشبهة - أن يقال : بريحٍ صرصرة .
ونرد عليهم :
بأنهم قد جهلوا أن لفظ (صرصر) لا يوصف به إلاّ الريح, وإذن فلا ضرورة لتأنيثه بالتاء , شأنه شأن الأوصاف الخاصة بالمؤنث مثل : حامل , مرضع, طامث.
وجاء في لسان العرب : قال الليث: الصر البرد الذي يضرب النبات ويحسنه, وفي الحديث : ( أنه صلى الله عليه وسلم نهى عما قتله الصر من الجراد), أي البرد, وريح وصرصر شديدة البرد , وقيل شديدة الصوت .
وفي قوله تعالى {بريح صرصر },قال الزجاج : الصر والصرة شدة البرد, وصرصر متكرر فيها الراء, كما يقال قلقلت الشيء وأقللته إذا رفعته من مكانه . قال الأزهري وقوله: { بريح صرصر} , أي شديد البرد جدا.
وعلى ما تقدم لا يكون في القرآن مخالفة لقاعدة المطابقة في النوع بين النعت والمنعوت.
==============
المصدر : كتاب كمال اللغة القرآنية بين حقائق الإعجاز وأوهام الخصوم, د/محمد محمد داود. (بتصرف يسير ) .