شبهة حول الإسلام يبيح الزواج بالزانية
وردت الشبهة في الحديث الذي رواه الإمام النسائي في سننه : أخبرنا اسحق بن إبراهيم قال حدثنا النضر بن شميل قال حدثنا حماد بن سلمة قال أنبأنا هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله إن تحتي امرأة لا ترد يد لامس قال طلقها قال إني لا أصبر عنها قال فأمسكها.
قال أبو عبد الرحمن هذا خطأ والصواب مرسل
سنن النسائي ـــ المجلد السادس.ــــــ كتاب الطلاق.ـــــ باب ما جاء في الخلع.
فقال المعترض: كيف يسمح نبي الإسلام بزواج الرجل من امرأة زانية؟
الرد على الشبهة :
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، فإن الجواب بعون الله تعالى من وجهين:
الوجه الأول: وهو توجيه الحديث إن سلمنا بصحته وفيه أمران:
الأول : تشنيع جريمة الزنا في الإسلام:
أنه لا يزايد منصف على حرص الشريعة الغراء على حفظ الاعراض وتزكية أخلاق العفة والنخوة والغيرة وإعتبارها من شعب الإيمان المأمور به
وقد قال عليه السلام: {لا يدخل الجنة ديوث، قالوا من الديوث يا رسول الله قال: الذي يعلم القبيح على أهله ويسكت} رواه أحمد والنسائى
وقال عليه السلام : {ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه ، والديوث ، ورجلة النساء} صحيح الجامع
وقال عليه السلام : {إن الغيرة من الإيمان ، وإن المذاء من النفاق ، والمذاء الديوث} رواه البيهقى، وقال الألبانى رحمه الله "مرسل وروى موصولاً"
وقال صلى الله عليه وسلم: {إن الله يغار والمؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله}. رواه البخاري
وفي الحديث {قال سعد بن عبادة لورأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أتعجبون من غيرة سعد فوالله لأنا أغير منه والله أغير منى من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شخص أغير من الله...الحديث} رواه مسلم
وقال تعالى {نَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
وقال عز وجل {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}
وقال سبحانه {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *َقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ,,,,الأية}
وقال تعالى {َالذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}
وقال تعالى {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
وقال تعالى {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَومُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَومُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
وقال عز وجل {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
لذا قال ابن قيم في الفوائد "إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبة بل ترحل الدين كله"
الثانى: معنى (لا ترد يد لامس):
أن هذا الحديث لا يبيح زواج الزانية بحال لأن القول بعدم صحة نكاح الزانية إنما هو على الابتداء والكلام هنا عن الاستمرار فنفرق بين فقه التعامل مع زواج قائم بما ترتب عليه وبين تحرى الزواج قبل العقد إذ يجب أن يبدأ بالاختيار والتمحيص وفق الضوابط الشرعية قبل أن يبلغ درجة استحلال الفروج وإقامة الأسر وإحياء الذرية فيتحرى فيه قوله صلى الله عليه وسلم (فاظفر بذات الدين تربت يداك) وفي المسألة تفصيل ليس هذا محله
زد على ذلك أن الحديث ليس فيه أن المرأة كانت ترتكب الفاحشة الكبرى أصلاً وهذا خلافاً لمن قال بذلك كأبي عبيد وابن الأعرابي والإمام الخطابي في معالم السنن، إذ أنه لو قصد الزنا فهذا يستوجب التصريح لا أن يكنى له بهذا اللفظ الذي هو أدنى ثم أنه لو أراده لعُد ذلك قذفاً فيجب عليه حينها أن يثبت صدق دعواه إما بإحضار الشهود أو إقامة البينة أو ملاعنة زوجته وإما أن يقام عليه حد القذف ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب شيء من هذا فعُلم أنه ما كان يرميها بالزنى الأكبر وقد قال الإمام ابن كثير إن حمله على الزنا بعيد جداً. أهـ
وعليه فإن قوله (لا ترد يد لامس) لا يخرج عن معنى من اثنين
(إحداهما)
وهوما انتصر له الإمام الذهبى وكذا الإمام ابن القيم- تنزلاً مع القائلين بصحة الحديث- أى انها لا تمتنع عن من لمسها أووضع يده عليها ولا يلزم أن تعطيه الفاحشة الكبرى ولكن هذا لا يؤمن معه إجابتها لداعى الفاحشة فأمره الشارع بفراقها تركا لما يريبه إلى ما لا يريبه ولأن ذلك الأتقى لربه والأطهر لبيته ، فلما وجد منه ولعاً بها وعشقاً متمكناً في قلبه خشى عليه الفتنة إن طلقها فلا يأمن أن يتبعها في الحرام بعد ان كانت معه في الحلال فتكون المفسدة أعظم وهذا ظاهر من ألفاظ الحديث حين أمره النبى أن يطلقها فقال الرجل {اني لا أصبر عنها} وفي رواية لأبى داود {أخاف أن تتبعها نفسي} فسمح له أن يبقيها إن شاء رأفة بحاله ودفعاً للمفسدة الأكبر
(المعنى الثانى)
وهوالراجح في هذا الوجه أن الزوج إنما فهم منها أنها لا ترد من أراد منها السوء لا أنه تحقق من ذلك أوعاينه لكن غلب على ظنه أوظهر له بقرائن فارشده الشارع إلى فراقها فلما علم أنه لا يقدر على فراقها سمح له أن يبقيها إن شاء لأن محبته لها متحققة ووقوع الفاحشة منها متوهم ، وهذا ما قاله الإمام ابن حجر وانتصر له وغيره والله أعلم
الوجه الثاني: هل الحديث صحيح :
أن هذا الحديث لا يصح فهو معلول ولذا اكتفي أكثر المصححيين له بتصحيح السند فقط، لأن في المتن نكارة ما
ولفضيلة شيخنا حامد الحنبلى بحث قيم في تخريج الحديث وبيان طرقه وأقوال أهل العلم فيه ونتيجته:
خلاصة الكلام على طرق الحديث:
1- طريق عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس مرفوعاً..
الصواب فيها الإرسال كما رجح هذا يحيى بن سعيد القطان ، والنسائي ، وابن كثير.
2- طريق الحسين بن واقد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً ..
فيها الحسين بن واقد قال : الإمام أحمد له أشياء منكرة والراجح فيه هو أنه صدوق وقد تفرد بهذا الحديث كما ذكر الدار قطني ومثله لا يحتمل منه هذا التفرد بمثل هذا المتن
وقد أنكر متن الحديث الإمام احمد والنسائي كما نقل عنه ابن القيم وأنكر متنه أيضاً شيخ الإسلام في الفتاوى.
3-حديث أبي الزبير عن جابر أو عن مولى لبني هاشم..
الراجح فيها رواية سفيان عن أبي الزبير عن مولى لبني هاشم عيّنه بعض الرواة عن سفيان بأنه هشام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا سندٌ ضعيف لعنعنة أبي الزبير عن جابر وهو مدلس كثير التدليس.
4- الحديث لا يصلح والله أعلم للتقوية بمجموع الطرق لحكم الأئمة عليه بالنكارة.
....................
كلام أهل العلم على الحديث:
أ- المصححون للحديث:
1- ابن حزم في المحلى (11/)قال: هذا حديث في غاية الصحة.
2- النووي كما في التلخيص (3/225).
3- قال المنذري في مختصر السنن : رجال إسناده محتج بهم في الصحيحين على الاتفاق والانفراد.
4- الهيثمي في مجمع الزوائد (4/617) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
5- الحافظ ابن كثير صحح أحد أسانيده وقال : إسناد جيد.(10/169).
6- الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/225): قال سنده صحيح ، وقال كما في الفوائد المجموعة (129) : حسن صحيح ولم يصب من قال إنه موضوع.ا.هـ.
7- الفتني في تذكرة الموضوعات (ص927): الحديث جيد الإسناد.
8- الشيخ الألباني في صحيح أبي داود وصحيح النسائي.
ب- المضعفون للحديث:
1- يحيى بن سعيد القطان: أنكره وقال إنما هومرسل . الجامع للخطيب (2/453)(ولعل كلامه على رواية عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس).
2- الإمام أحمد : قال هذا حديث منكر ليس له أصل . الموضوعات لابن الجوزي (2/272) ، ومجموع الفتاوي (32/116) ، وتفسير ابن كثير (10/169) ، المغني عن حمل الأسفار للعراقي (2/37) ، ولم يروه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده على سعته.
3- أبوعبد الرحمن النسائي كما في السنن (6/67) وقال: هذا الحديث ليس بثابت.
وقال أيضاً (6/169): هذا خطأ ، والصواب مرسل .
ونقل عنه ابن القيم في روضة المحبين (ص129) أنه قال: منكر.
4- القاضي أبو بكر ابن العربي قال : هذا الحديث ليس بثابت.كما في أقاويل الثقات لمرعي الكرمي (ص189(.
5- ابن الجوزي حكم عليه بالوضع (2/272).
6- شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (32/116):
(رواه النسائي وقد ضعفه أحمد وغيره فلا تقوم به حجة في معارضة الكتاب والسنة.
ولو صح لم يكن صريحا).
5-الحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار (2/37) فقد نقل كلام المضعفين للحديث فقط ولم يعقب.
6- الشوكاني في وبل الغمام (2/25) ، وفي السيل الجرار (2/296) علق الكلام على ثبوت الحديث ، وأورده في الفوائد المجموعة ونقل الخلاف فيه وأنه لا يصل إلى درجة الوضع.
7- صديق حسن خان في الروضة الندية (2/17).
تعقيب:
1- المضعفون للحديث أعلى رتبة وأكثر عدداً من المصححين0
2- جُل من صحح الحديث إنما هو تصحيح قاصر إما على رجال السند أو حكم على السند مجرداً وهذا لا ينافي قول من حكم بنكارة المتن
ولم يصرح بصحة الحديث مطلقاً إلا الإمام ابن حزم والنووي والحافظ كما نقله عنه الشوكاني في الفوائد المجموعة ، والشيخ الألباني رحمهم الله جميعاً.
وكل ما رأيته للحافظ ابن حجر إنما هو حكم على رواته كما في بلوغ المرام أو على سنده فقط كما في التلخيص وهذا منه احتراز عن تصحيح الحديث ولم أجد له تصريحاً بالصحة مطلقاً إلا ما نقله عنه الشوكاني.
أما تصحيح ابن حزم رحمه الله فقد تقدم أنه رحمه الله لا يعلل بتعارض الوصل والإرسال.