اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  تاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة‎

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99200
	تاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة‎ Oooo14
	تاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة‎ User_o10

	تاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة‎ Empty
مُساهمةموضوع: تاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة‎   	تاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة‎ Emptyالخميس 13 يونيو 2013 - 7:09


تاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة‎

History of Zionism in the U.S.A

يبدأ تاريخ الحركة الصهيونية في الولايات‎ ‎المتحدة بالجماعات الصهيونية غير اليهودية التي طالبت بتوطين اليهود في فلسطين ‏‏(أو‎ ‎خارجها). وفي عام 1818 طالب جون آدامز رئيس الولايات المتحدة بأن يصبح اليهود أمة‎ ‎مستقلة، هذا في وقت لم يزد فيه ‏عدد اليهود عن أربعة آلاف ولم يكن هناك لوبي يهودي‎ ‎أو صهيوني، وهو ما يدل على أن النزعة الصهيونية في الولايات المتحدة ‏أصيلة متجذرة‎ ‎في المجتمع الأمريكي (وهو على كلٍّ مجتمع استيطاني يمكنه التعاطف مع التجربة‎ ‎الاستيطانية الصهيونية). ومن ‏أهم الشخصيات الصهيونية غير اليهودية وليام بلاكستون‎ (‎الذي اشترك في مؤتمر اتحاد الصهاينة الأمريكيين في فيلادلفيا) وقد ‏أعلن المؤتمر أن‎ ‎بلاكستون هو "أبو الصهيونية" وهو لقب تستخدمه بعض المراجع للإشارة إلى الرئيس وودرو‎ ‎ويلسون أيضاً ‏‏(انظر الباب المعنون «صهيونية غير اليهود‎»‎‏)‏‎.



أما تاريخ الحركة‎ ‎الصهيونية بين أعضاء الجماعات اليهودية، فهو لا يبدأ إلا في مرحلة لاحقة، وقد بدأت‎ ‎الحركة الصهيونية في ‏الولايات المتحدة مع وصول ألوف المهاجرين اليهود من شرق أوربا‎ ‎في بداية ثمانينيات القرن التاسع عشر حاملين معهم تقاليدهم ‏وأفكارهم ومعتقداتهم‎ ‎وتنظيماتهم وجمعياتهم التي كان من بينها جمعية أحباء صهيون. وبحلول عام 1890، كان‎ ‎هناك فروع ‏لجمعية أحباء صهيون في نيويورك وشيكاغو وبلتيمور وبوسطن وميلووكي‎ ‎وفلادلفيا وكليفلاند. وتكوَّنت جمعيات العودة ‏لصهيون على يد آدم روزنبرج بغرض شراء‎ ‎أرض في فلسطين والإعداد لعودة اليهود إلى هناك. وفي عام 1896، طرح ‏البروفسير بول‎ ‎هاوبت من جامعة جون هوبكنز خطة ترمي إلى توجيه المهاجرين اليهود القادمين من شرق‎ ‎أوربا إلى بلاد بين ‏النهرين وسوريا. وأيده في هذه الخطة العديد من الشخصيات‎ ‎اليهودية البارزة مثل سيروس أدلر وماير سولزبرجر وأوسكار ‏شتراوس. في هذه الأثناء،‎ ‎قام هرتزل بالإعداد لمؤتمره الصهيوني الأول (1897) وحضره أربعة من اليهود‎ ‎الأمريكيين‎.



وفي 13 نوفمبر 1897، كوَّنت الجمعيات الصهيونية في نيويورك‎ ‎اتحاد صهاينة نيويورك بغرض تكوين منظمة على مستوى ‏الأمة كلها. وقد عُقد مؤتمر‎ ‎لمندوبين من منظمات مماثلة في 4 يوليه 1898 في نيـويورك ونتـج عـن المؤتمر تكوين‎ ‎اتحاد ‏الصهاينة الأمريكيين. وقد رأس منظمة نيويورك ريتشارد جوتهيل. وتكوَّنت جمعية‎ ‎أخرى تحت اسم «عصبة الجمعيات ‏الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية الشمالية‎»‎،‎ ‎ثم اتحدت المنظمات لتكوين اتحاد صهـاينة نيويورك الكبرى وما حولها. ‏وعندما تكوَّن‎ ‎الاتحاد الأمريكـي، تولَّى رئاسـته جوتهيل، وكان أمينه الأول هو ستيفن وايز‎.



وقد عارض الصهيونيةَ (في البداية) اليهودُ من الطبقات العليا والحاخامات‎ ‎الإصلاحيون الذين أصدروا بياناً في يوليه 1897 ‏أدانوا فيه المحاولات الرامية لإنشاء‎ ‎دولة يهودية. كما واجهت الحركة الصهيونية معارضة من قبَل اليهود الاشتراكيين الذين‎ ‎انخرطوا في الحركات النقابية الأمريكية التي كانت قوية في بداية القرن، وكان هؤلاء‎ ‎ينظرون للصهيونية على أنها أيديولوجيا ‏رجعية تهدف إلى فرض سيطرة البورجوازية على‎ ‎الطبقة العاملة. ورفضوا أيضاً سيطرة من أسموهم بالألمان على المهاجرين ‏من أوربا‎ ‎الشرقية‎.



وقد أصدر الاتحاد عام 1901 جريدة المكابي برئاسة لويس ليبسكي،‎ ‎وشارك جوتهيل في المجلس الاستشاري الأول للصندوق ‏الاستيطاني اليهودي. ودعا الاتحاد‎ ‎إلى شراء أسهم في الصندوق القومي اليهودي، كما قدَّم مساعدات مادية ضخمة للمستوطنات‎ ‎وساهم في إنشـاء المدرسـة العليا بهرتزليا وتخنيـون حيفا ومدرسة بيزالال وغيرها‎.



وقد ارتحل دي هاس موفَداً من قبَل اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية‎ ‎العالمية ليقوم بقيادة الاتحاد الصهيوني في الولايات ‏المتحدة. فعلى ما يبدو لم يكن‎ ‎الأداء في تلك الآونة مرضياً للقيادة. واستقر دي هاس في بوسطن ليعمل بدءاً من 1902‏‎ ‎كأول ‏محترف صهيوني، يعمل أميناً للاتحاد، ونجح دي هاس في ضم شخصية يهودية مرموقة‎ ‎للحركة هو القاضي لويس برانديز. ‏وقد أدَّى انتقال دي هاس إلى استقالة جوتهيل الذي‎ ‎عانت الحركة في عهده من صعوبات مالية ضخمة، وأُسندت رئاسة الحركة ‏إلى هاري‎ ‎فردنفالد. وفي بداية 1905، استقال دي هاس من الأمانة وتَسلَّمها يهودا ماجنيس، وكان‎ ‎هذا إيذاناً بازدياد التوجه ‏التوطيني قوة بحيث رأت القيادات الجديدة أن الصهيونية‎ ‎هي بعث ونهضة القيم اليهودية القديمة وضبط للاندماج. ولم يكن هؤلاء ‏ينفون أهمية أرض‎ ‎إسرائيل بيد أنهم لم تكن عندهم أية نية للاستيطان فيها‎.



والواقع أن القادة‎ ‎الصهاينة الاستيطانيين رأوا الأهمية المتزايدة للولايات المتحدة وبدأوا في توثيق‎ ‎علاقاتهم بها، فقام كلٌّ من ‏شماريا ليفين وبن جوريون وسوكولوف وبن زفي بزيارات‎ ‎قصيرة وأحياناً طويلة للولايات المتحدة بغرض توطيد علاقاتهم مع ‏أعضاء الجماعات‎ ‎اليهودية وإشاعة الأفكار الصهيونية بينهم. هذا، وقد وصل عدد أعضاء الاتحاد الصهيوني‎ ‎الأمريكي عشية ‏الحرب العالمية الأولى إلى 21.000 عضو، وهو عدد صغير للغاية بالنسبة‎ ‎لعدد أعضاء الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة ‏البالغ عددهم حوالي ثلاثة‎ ‎ملايين، خصوصاً أن كثيراً من الأعضاء لا تتجاوز عضويتهم في المنظمة الصهيونية دفع‎ ‎رسوم ‏العضوية (الشيقل). وكانت توجد تحت مظلة الاتحاد 88 جمعية صهيونية محلية‎ ‎ومتخصصة، ومن هذه الجمعيات منظمة أبناء ‏صهيون والشباب اليهودي وعصبة التحالف‎ ‎الصهيوني الجامعي، هذا غير منظمة الهاداساه أو منظمة النساء الصهيونيات ‏الأمريكية‎ ‎عام 1912برئاسة هنرييتا سيزولد. ومن رؤساء المنظمات الصهيونية الشبابية والجامعية،‎ ‎نذكر فليكس فرانكفورتر ‏وماكس هيلر وهوراس كالن. وقد تأسَّست أول جمعية عمالية‎ ‎صهيونية في أمريكا عام 1903، وكانت تهدف إلى إبعاد اليهود عن ‏الأوساط الاشتراكية‎. ‎وأُصدرت صحيفة باليديشية منذ عام 1905، ومن أهم وأبرز قياداتها حاييم جرينبرج‎.



وقد أُجـريت عـام 1911 انتخــابات الاتحاد الصهيوني الأمريكي، وقد فاز فيها‎ ‎اليهود المهاجرون من شرق أوربا بكل مقاعد ‏اللجنة التنفيذية وترأس اللجنة لويس‎ ‎ليبسكي وكان هذا إيذاناً بسيطرة التوطينيين العماليين تماماً وإنهاء تواجد الألمان‎ ‎والصهاينة ‏الثقافيين. وشهد عام 1911 أيضاً تكوين منظمة مزراحي أمريكا على يد مائير‎ ‎بار إيلان وهي المنظمة التي صارت بمرور ‏الزمن الأساس المادي لمنظمة المزراحي‎ ‎العالمية نظراً لقوتها المالية والعددية والتنظيمية. وهذا دليل على تنامي أهمية‎ ‎الحركة ‏الصهيونية الأمريكية في الحركة الصهيونية العالمية، كما أنه أيضاً دليل مهم‎ ‎على التوجه الديني لليهود الأمريكيين في الإطار ‏التوطيني، أي أن المزراحي أتاحت‎ ‎للمتدين الأمريكي اليهودي حلاًًّ رائعاً يمكِّنه من البقاء في أرض الميعاد الحقيقية‎ (‎أي الولايات ‏المتحدة) وإرضاء تطلعاته الدينية والروحية نحو أرض الميعاد‎ ‎المُتخيَّلة في فلسطين والتي لا ينوي الذهاب إليها‎.



ومع اندلاع الحرب‎ ‎العالمية الأولى عام 1914، حدثت تحولات مهمة في الحركة الصهيونية نتيجة إعلان‎ ‎ويلسون تأييده وعد ‏بلفور وقبول برانديز رئاسة الحركة الصهيونية الأمريكية. وجذبت‎ ‎هذه الشخصية المرموقة العديد من الشخصيات اليهودية ‏البارزة للحركة مثل برنارد‎ ‎فلكسنر ولويس كيرشكين. وأدَّى هذا إلى تَحسُّن الوضع المالي للاتحاد وزيادة العضوية‎ ‎فيه وازدياد ‏قوة الضغط السياسي له. وقد كان برانديز مؤمناً بفكرة أن الولايات‎ ‎المتحدة الأمريكية هي تجسيد للتعددية الثقافية على الأرض ‏وهي أمة الأمم، ومن ثم فلا‎ ‎تَعارُض بين الأمريكية والصهيونية، أي لا تعارُض بين الانتماء لأمريكا والانتماء‎ ‎لأرض الميعاد. ‏وقد عبَّر برانديز بذلك عن الفكر التوطيني الأمريكي وبلوره وساعد على‎ ‎استمراره وكسب الأنصار له. وقد استقال برانديز من ‏منصبه كرئيس للاتحاد عام 1916 بعد‎ ‎توليه منصب قاض في المحكمة الدستورية العليا، بيد أنه استمر في قيادة الاتحاد من‎ ‎خلال الشخصيات المؤثرة من حوله مثل دي هاس وكالن وفرانكفورتر وغيرهم. وفي عام 1917،‎ ‎أعاد الاتحاد تنظيم فروعه ‏وجمعياته في المنظمة الصهيونية الأمريكية التي أُقيمت على‎ ‎أساس إقليمي. وكان القاضي برانديز رئيساً فخرياً، والقاضي ‏جوليان ماك رئيساً‎ ‎للمنظمة، وكل من ستيفن وايز وهاري فردنفالد نائبين للرئيس. وقد مهد هذا التحول‎ ‎الطريق للاتصالات التي ‏تمت على أعلى المستوىات بين الصهاينة (من خلال برانديز) وبين‎ ‎حكومة الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، ومن ثم حظي ‏وعد بلفور فور صدوره بموافقة‎ ‎وترحيب الحكومة الأمريكية‎.



ورغم معارضة كثير من أعضاء الجماعات‎ ‎اليهودية، ونتيجة تنامي قوة الصهاينة (ارتفع عدد الصهاينة إلى 150 ألفاً) ‏وإحساسهم‎ ‎بتأييد الحكومة الأمريكية لهم، اقترح القادة الأمريكيون الصهاينة إقامة مؤتمر يهودي‎ ‎أمريكي عن طريق الانتخاب ‏الديموقراطي لمناقشة مشكلات اليهـود فيما بعـد الحرب وضمن‎ ‎ذلك إقامة وطـن قومي في فلسطين وغيرها. وقد عُقد هذا المؤتمر ‏في 15 ديسمبر 1918 في‎ ‎فيلادلفيا، وقد تبنَّى قراراً يطالب عصبة الأمم بتولية بريطانيا العظمى مهام‎ ‎الانتداب على فلسطين. ‏وتَطوُّع عدة آلاف من الشباب الأمريكي اليهودي للسفر إلى‎ ‎فلسطين، بيد أن العدد الحقيقي لم يتعد 50 فرداً هم الذين استقروا ‏هناك. وهذا مؤشر‎ ‎آخر على طبيعة الفكرة الصهيونية بالنسبة لليهودي الأمريكي، فالمواطن الأمريكي‎ ‎اليهودي يحس بأن ما يدفعه ‏للصهاينة من تبرعات هو الضريبة التي على أساسها يكتسب‎ ‎انتماءه الروحي والفكري وإحساسه بالهوية. وبعد الحرب، قام ‏برانديز بزيارة فلسطين‎ ‎وصاغ خططاً عديدة لإدارة الاستيطان الصهيوني على أسس رأسمالية رشيدة، ومن خلال لجان‎ ‎تكنوقراطية، أي أنه كان يحاول أن يفرغ الاستيطان الصهيوني من خصوصيته الإحلالية‎ ‎وبالتالي حاجته للدعم المالي والمعنوي ‏الدائم، وهو الأمر الذي أدرك المستوطنون‎ ‎استحالته فحدث صراع بين برانديز ووايزمان. وقد اقترح وايزمان إنشاء صندوق ‏قومي‎ ‎يهودي لتمـويل الاسـتيطان اليهودي في فلسطين وتحسين الاقتصاد اليهودي هناك، وكذلك‎ ‎لإقامة مؤسسات تربوية ‏وتعليمية وعلمية هناك تدار مركزياً من المقر الرئيسي للمنظمة‎ ‎الصهيونية، وقد رفض برانديز ومجموعته قبول هذه الرؤية‎.



وقد قاد المعارضة‎ ‎هذه المرة لويس ليبسكي (تلميذ دي هاس) وصار رئيساً للمنظمة ومعه كل من أبراهام‎ ‎جولدبرج وإيمانويل ‏نيومان وموريس روزنبرج، وأدَّى هذا إلى انسحاب برانديز وأتباعه‎ ‎الأقربين من المنظمة الأمريكية وركزوا جهودهم على تنمية ‏المجتمع اليهودي في فلسطين‎ ‎اقتصادياً عن طريق مؤسسة فلسطين الاقتصادية التي أنشأوها. وبالمقابل، قام ليبسكي‎ ‎بإنشاء فرع ‏للكيرين هايسود في أمريكا واختير نيومان مديراً له والمحامي صمويل‎ ‎أونترماير رئيساً له. لكن خروج برانديز شكَّل ضربة ‏قوية للمنظمة الأمريكية رغم كل‎ ‎شيء حتى أن عضويتها انخفضت إلى 800 عضو بحلول عام 1929. وقد ارتبط هذا أيضاً‎ ‎بانخفاض التبرعات، وتَدهور الوضع المادي للطبقة الوســطى الأمريكيـة مع الكسـاد‎ ‎العظيـم (ومعظم أعضـاء الجماعـات ‏اليهودية في الولايات المتحدة من أبناء هذه‎ ‎الطبقة)‏‎.



وقد أصبحت الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، نظراً لحجمها‎ ‎وقدرتها المالية والاجتماعية، المساهم الأول في تطوير ‏الخطط الاستيطانية في فلسطين‎. ‎وقد بلغت التبرعات التي قدَّمتها المنظمة الصهيونية الأمريكية في الفترة بين عامي‎ ‎‏1929‏‎ ‎و1939 مبلغ 100 مليون دولار أمريكي. وساعد الصهاينة الأمريكيون في عملية‎ ‎التهجير غير الشرعي لليهود، وهو ما يعكس ‏تنامي قوتهم في الحركة العالمية وتناقص قوة‎ ‎الأوربيين والبريطانيين على وجه الخصوص. وفي عام 1939 رفضت الولايات ‏المتحدة الكتاب‎ ‎الأبيض الذي حدَّد هجرة اليهود إلى فلسطين وقامت بالضغط من أجل فتح أبواب فلسطين‎ (‎في الوقت الذي أوقفت ‏فيه الهجرة اليهودية إلى الولايات المتحدة)‏‎.



ومع‎ ‎اندلاع الحرب العالمية الثانية، شُكِّلت لجنة طوارئ برئاسة ناحوم جولد مان وصارت‎ ‎هذه اللجنة أهم منبر سياسي ‏للصهيونية الأمريكية، وأُعيـدت تسـميتها باسـم «لجنة‎ ‎الطوارئ الصهيونية الأمريكية». وقد أصدرت بياناً نوهت فيه بأن ‏الاحتجاج على الكتاب‎ ‎الأبيض البريطاني عام 1939 يجب ألا يقتصر على الاجتماعات والمؤتمرات بل يجب أن يكون‎ ‎هناك ‏موقف إيجابي لبرنامج عملي لفلسطين في فترة ما بعد الحرب. ولهذا الغرض، أقام‎ ‎الصهاينة الأمريكيون مؤتمراً في فندق بيلتمور ‏بنيويورك في الفترة بين 9 ـ 11 مايو‎ 1942‎، وكانت نتيجة هذا المؤتمر المقررات التي عُرفت باسم مقررات أو برنامج بلتيمور‎ ‎القاضي بوجوب فتح فلسطين أمام الهجرة اليهودية والاستيطان اليهودي تحت رعاية وسلطة‎ ‎الوكالة اليهودية ووجوب تحويلها ‏إلى كومنولث يهودي على أساس وجود أغلبية يهودية،‎ ‎ويجب دمج الكومنولث في بنية العالم الديموقراطي الجديد. وصار هذا ‏البرنامج، الذي‎ ‎يستخدم مفردات لغة الخطاب الأمريكي حول العالم الديموقراطي الجديد والحرية، الحل‎ ‎الصهيوني الرسـمي ‏لمشـكلة فلسـطين‎.



ويعطينا مؤتمر بلتيمور والبرنامج الذي‎ ‎نجم عنه دلالة قوية على ارتباط الحركة الصهيونية بالتشكيل الاستعماري الغربي، فمع‎ ‎تغيُّر مركز الثقل الإمبريالي من بريطانيا وانتقاله إلى أمريكا، ازدادت أهمية‎ ‎الولايات المتحدة وبالتالي الحركة الصهيونية ‏التوطينية فيها. ومع اندلاع الحرب‎ ‎ووضوح أن الولايات المتحدة في سبيلها إلى وراثة كل القوى الإمبريالية الأوربية، كان‎ ‎هذا ‏البرنامج بمنزلة تدشين للصداقة والعلاقة الوثيقة بين القوة الإمبريالية الصاعدة‎ ‎والحركة الصهيونية التي تبحث عن راع ‏إمبريالي. وقد شهدت تلك الفترة أيضاً ازدياد‎ ‎أهميـــة رؤســاء الحركة الصهيــونية في أمريكا حتى أنهم صاروا يُعامَلون ‏كرؤساء‎ ‎الدول ورؤساء الحكومات، وقد أعطاهم هذا انطباعاً موهوماً بأن هذا هو ما سيحدث لو‎ ‎أُنشئت الدولة‎.



وقد دعا ستيفن وايز وناحوم جولدمان الجمعيات‎ ‎اليهودية‎ ‎الأمريكية إلى إرسال مندوبين إلى مؤتمر تمهيدي في بتسبرج في يناير ‏‏1943 لطرح خطة‎ ‎عمل مشتركة بصدد مصير فلسطين بعد الحرب. وطالب هؤلاء بتشكيل جيش يهودي يحارب إلى‎ ‎جانب ‏قوات الحلفاء وأرسلوا عريضة إلى الرئيس روزفلت مطالبين إياه بالضغط على‎ ‎الحكومة البريطانية للعمل على إنشاء وطن قومي ‏لليهود بعد الحرب بما في سلطتها من‎ ‎صلاحيات الانتداب. وفي 23 أغسطس عام 1943 عُقد المؤتمر الأمريكي اليهودي ‏بحضور‎ ‎اللجنة الأمريكية اليهودية ولجنة العمل اليهودية وهما منظمتان غير صهيونيتين. ورأس‎ ‎لجنة فلسطين في المؤتمر ‏الحاخام أبا هليل سيلفر. وقد استخدم سيلفر موهبته الخطابية‎ ‎لإثارة حماس الحضور، وتمت الموافقة بالإجماع تقريباً على قرار ‏يطلب فتح أبواب‎ ‎الهجرة أمام اليهود إلى فلسطين للاستيطان هناك تحت إدارة الوكالة اليهودية (وذلك من‎ ‎أجل الوصول إلى أغلبية ‏يهودية في فلسطين لخلق الكومنولث اليهودي المنشود)‏‎.



وقامــت لجنة الطــوارئ بشن حملة مكثفة واسعة النطاق لجمع التأييــد‎ ‎للمشــروع الصهيوني في أنحاء الولايات المتحدة كافة وقد ‏أحـــرزت تلك الحملــة‎ ‎نجاحــاً منقطع النظير. وظهر هذا النجاح في تشكيــل لجنة رأي عام أمريكية تؤيد‎ ‎برنامج بلتيمور هي ‏اللجنة الأمريكــية المسيحية من أجــل فلســـطين التي شُكِّلت‎ ‎بمبـــادرة من الصهاينة عام 1946 عن طريـــق اندماج لجنـــة ‏فلســـطين الأمريكية‎ ‎والمجلـــس المسيـــحي من أجـــل فلسطين، وقد شملت هذه اللجنــة في عضــويتها 20‏‎ ‎ألف فرد في كل مجال ‏من مجالات الحياة‎.



وفي المؤتمر الصهيوني الثاني‎ ‎والعشرين (1946)، قام بن جوريون وأبا هليل سيلفر بمعارضة محاولات وايزمان الرامية‎ ‎إلى ‏الرضوخ للسياسة البريطانية ونجحا في كسب تأييد المؤتمر، وهو ما أدَّى إلى‎ ‎استقالة وايزمان. وتبوأ بن جوريون رئاسة ‏المجلس التنفيذي للوكالة اليهودية وأصبح‎ ‎سيلفر رئيساً للفرع الأمريكي للوكالة. وهكذا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الحركة‎ ‎الصهيونية استمرت حتى تكوين دولة إسرائيل عام 1948 وتميَّزت هذه المرحلة بالتعاون‎ ‎بين الصهاينة الاستيطانيين في فلسطين ‏والصهاينة التوطينيين الأمريكيين‎.



وقد‎ ‎استمرت مرحلة التعاون هذه فترة عامين، فبعد إعلان الدولة وجد التوطينيون أنفسهم‎ ‎بدون سلطة حقيقية. بل إن بن جوريون ‏طالب بأن تتسع دائرة التأييد لتشمل كل اليهود‎ ‎ومنهم غير الصهاينة، الأمر الذي هدد المنظمة الصهيونية نفسها. وقد عارض أبا ‏هليل‎ ‎سيلفر هذا بشدة وأصر على أن دور المنظمة بعد إنشاء الدولة لا يقل خطورة عن دورها‎ ‎قبله. ووصل هذا الخلاف إلى ‏ذروته في فبراير عام 1949 عندما استقال إيمانويل نيومان‎ ‎وأبا هليل سيلفر من منصبيهما في الوكالة اليهودية والمنظمة ‏الصهيونية الأمريكية‎. ‎وهكذا أُحكمت قبضة الاستيطانيين بالكامل على المنظمة التي أصبحت مهمتها الوحيدة‎ ‎جَمْع المال لمصلحة ‏دولة إسرائيل‎.



ويجب أن نضع في الاعتبار دائماً أن‎ ‎الحركة الصهيونية واجهت معارضة شديدة في البداية من أعضاء الجماعات اليهودية، ولم‎ ‎تحقق نجاحها إلا بعد أن تأكد يهود أمريكا من أن الصهيونية والمصالح الأمريكية شيء‎ ‎واحد، أي أن صهيونية يهود أمريكا نابعة ‏من أمريكيتهم لا من يهوديتهم. كما يمكن‎ ‎القول بأن الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة، رغم تشنجها الواضح، هي من النوع‎ ‎التوطيني وحسب، إذ لا يهاجر إلا قلة‎ ‎قليلة‎.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة‎
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: قسم الاسلام واليهوديه-
انتقل الى: