اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99315
 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Oooo14
 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر User_o10

 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Empty
مُساهمةموضوع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Emptyالخميس 6 يونيو 2013 - 16:17

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70- 71].

أمَّا بَعْدُ: فإنَّ أَصْدَقَ الحديثِ كلام الله – تعالى -، وَخَيْرَ الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل مُحْدَثَة بِدْعَة، وكل بدعة ضَلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة المؤمنون: جعل الله الدنيا دار بلاء يبتلي فيها عباده، أبان لهم فيها الطريق إليه، وحذرهم من سبيل الشياطين، وخلق الجنة لمن أطاعه، والنار لمن عصاه. ولأن الناسَ كلهم يريدون الجنة ولا يريدون النار، جعل الطريق إلى الجنة فيها من البلاء والمكاره ما لا يجاوزها إلا مؤمن. وملأ طريق النار بالشهوات حتى يتمحص الصادق الذي يخافها فيصبر عن الشهوات، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره))؛ أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -[1]. ولن يترك الشيطانُ بني آدم على الهداية؛ بل يسعى جهده في إغوائهم. ومن بني آدم مَنْ تضعفُ إرادته، وتَهِنُ عزيمته، وتُلهِبُه شهوتُه فيسير في طريق الشيطان، مما يوجب على أفراد الأمة رده إلى الطريق الصحيحة.

من هذا الباب كانتْ مَشْرُوعيَّة الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنهي عن المنكر، وصار فرضًا على الكفاية، ويتعين في بعض الحالات. ومن العلماء من يرى أن فروض الكفاية أعلى من فروض الأعيان؛ لأنَّ فيها القيامَ عن الأمة في أداء هذا الفرض، وإسقاطَ الإثم عن أفرادها.
يقول إمام الحرمين أبو المعالي الجويني: "والذي أراه أن القيامَ بفرض الكفاية أفضل من فرض العين؛ لأنه لو ترك المتعين اختص هو بالإثم، ولو فعله اختص بسقوط الفرض. وفرض الكفاية لو تُرِكَ أَثِم الجميع، ولو فَعَله سقط الحرج عن الجميع، ففاعلُه ساعٍ في صيانة الأُمَّة عنِ الإثم ولا يُشَكُّ في رُجْحَانِ مَنْ حَلَّ مَحَلَّ المسلمين أجمعين في القيام بِمُهِمٍّ من مهمات الدين"، ا.هـ[2].

فشأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عظيم، وهو من صفات المؤمنين، كما أن عكسه من صفات المنافقين: {المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [التوبة: 67]، وفي آية أخرى: {وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ[التوبة: 71]، قال القُرْطُبِيّ: "فجعل الله - تعالى - الأمر بالمعروف والنهيَ عن المنكر فرقًا بين المؤمنين والمنافقين فدلَّ على أنَّ أخصَّ أوصافِ المؤمنين الأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر" ا. هـ[3].
وأخبر - تعالى - أن الخيرية في هذه الأمة إنما كانت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإيمان بالله – تعالى -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله} [آل عمران: 110].

أيُّها الإخوة: إنَّ المعصية إذا ظهرت في الناس كان أثرها عظيمًا في إفساد القلوب، ومحق البركات، وحلول العقوبات. ولا ينجو من ذلك كلِّه إلا الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر. حتى إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ينجو من الفتنة حينما يقع الناس فيها؛ لما في قلبه من الصلاح وإنكار المنكر، فَيَتَأَبَّى قلبه على الفتنة أن تداخله فتفسده. وبالضد يكون من أهَملَ الأمر بالمعروف والنهيَ عن المنكر، تموجُ به الفتن، وتتقاذفه الأهواء؛ لما في قلبه من الفساد.
وما أفسد قلبَه إلا أنه لم ينكر المعصية حتى ألفها فتمكنت منه الفتنة؛ ذلك أن المعاصيَ سبيلُ الفتن؛ بل هي من الفتن نفسها.
خرَّج الإمام مُسْلِم في صحيحه من حديث حُذَيْفَة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: "كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: "لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فتنة الرجل في أهله وجاره؟" قالوا: أجل، قال: تلك يُكَفِّرُها الصلاة والصيام والصدقة. ولكن أيكم سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القومُ، فقلت: أنا، قال: أنت لله أبوك، قال حذيفة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تُعرض الفتنُ على القلوب؛ كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلب أُشربها نكت فيه نكتةٌ سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصَّفا، فلا تضرُه فتنة مادامت السموات والأرض، والآخر: أسود مُرْبَادًّا ، كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه))... الحديث[4]، فذكر في وصف صاحب القلب الأسود المرباد أنه لايعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا.

والإنكار بالقلب واجب على المؤمن بكل حال؛ لكن ما الحيلة إذا كان القلب يهوى المعصية، ويحب أن تشيع بين الناس؟ وذلك هو القلب الذي سُلِب الإيمان، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى -: "والاهتداءُ إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهْيِ عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلالُ الضال، وذلك يكون تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد. فأمَّا القلب فيجب بكل حال؛ إذ لا ضرر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وذلك أضعف أو أدنى الإيمان))[5]، وقال: ((وليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردل))[6].
هذا أثرُ تركِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودورُه في إفساد قلب المرء، فكيف إذا كان المرء يأمر بالمنكر وينهي عن المعروف؛ بل يُنْكِرُ على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟ كيف سيكون قلبُه؟
إن المصيبة - أيها الإخوة - أن المعصية تعمل بين الناس، وتشتهر فإذا أنكرها مؤمن منهم زَلَقُوهُ بأبصارهم، وسَلَقُوه بألسنتهم، واتَّهموه بالتَّطفُّل والتدخل فيما لا يعنيه. سبحان الله، هل أصبح إنكارُ المنكر لا يعني المؤمن وهو ركن من أركان دينه؟ فهل فسدت قلوب الناس بمواقعتها للمعاصي؟ وصارَ بَيْنَ المعاصي وبين القلوب ألفة ومودة، حتى يُنكرَ على مَنْ أَنْكَرَهَا؟ فنعوذ بالله من تلك الحال!!
سئل ابن مسعود - رضي الله عنه -: "من ميتُ الأحياء؟ قال: "الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً"[7]، وإنما وصفه بالميت؛ لأن قلبه مات، فانظروا - رحمكم الله - كيف يفعل تركُ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بالقلوب.

ويكفي الآمرَ بالمعروف والناهِيَ عَنِ المُنْكَرِ شَرَفًا أنَّهُ حِينَما يُنْكِرُ مَعْصِيَةً؛ فكأنه لم يحضرها، فلقد أخرج أبوداود بسند حسن عن عُرس بن عميرة الكندي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا عُمِلت الخطيئـة في الأرض كان من شهـدها وكرهها)) - وفي رواية –: ((فأنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها))[8].
فاتقوا الله ربكم، ومروا بالمعروف، وانهَوْا عن المنكر، ولا تغتروا بكثرة الهالكين والمواقعين للمعاصي، والمجاهرين بها، فكلٌّ سيلقى ما عمل. نسأل الله - تعالى - أن يحفظنا من المُنْكَرات، وأن لا يعذبنا بسبب ذنوبنا إنه سميع مجيب، وأقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه - وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه؛ فتقوى الله - تعالى - سبب للأمن والسعادة {فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف: 35].

أيها الإخوة المؤمنون: كما أن الرِّضَى بالمعصية يفسد القلب حتى ولو لم يكن العبدُ مواقعًا لتلك المعصية؛ فإن للرِّضَى بالمعاصي، والمُجَاهَرَة بها، وظهور المنكرات أثرًا مدمرًا على مُسْتَوَى الجَمَاعَة والأمة.
فأمةٌ لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر لا تستحق الأمن والرزق، وتكون حَرِيَّة بالعذاب والهلاك. إذا كان كل فرد من أفرادها يرى صاحبَ المنكر فلا يقول له: يا هذا، اتق الله ولا تَعْصِه وأنت في أرضه. وإنما يقول: هذا لا يعنيني، وضررُه على نفسه. وما علم أن الضرر يشمل الجميع.
روى قيس ابن أبي حازم - رضي الله عنه - قال: "قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية تضعونها على غير موضعها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وإنما سَمِعْنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّ النَّاس إذا رَأَوُا الظالم فَلَمْ يَأْخُذُوا على يَدَيْهِ، أَوْشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ الله بعقاب))، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغَيّروا، ولا يغيرون إلا يوشكُ أن يعمَهم الله بعقاب))؛ أخرجه أبوداود والترمذي[9].

وهذا العقاب يكون للناس كلهم، بعلمائهم ووعاظهم وصلحائهم وفجَّارهم ولا ينجو منه إلا الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165] قال ابْنُ النَّحَّاسِ: "فَبَيَّنَ - سُبْحانَهُ - أنَّ النَّاجِيَ هو النَّاهِيَ عن السوء دون الواقع فيه والمداهن"[10].
أيها الإخوة: يُخْطِئُ الكثِيرونَ حِينَما يَظُنُّونَ أنَّ الأَمْرَ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ هُوَ مُهِمَّةُ العلماء والصلحاء ورجال الحسبة، وأنه لا يجب على غيرهم.
وهذا ظَنٌّ خاطِئٌ؛ لأن هذا الركن من الدين سبب لحفظ الأمن وحصول الرزق، وحفظ الأمن مسؤولية الجميع. قال الرافعي والنووي وغيرهما: "لا يختص الأمر والنهي بأصحاب الولايات والمراتب؛ بل ذلك ثابت لآحاد الناس من المسلمين، وواجب عليهم" ا. هـ[11].

وَيَرى البعض أنه لا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر إلا من كان مستقيمًا كامل الاستقامة. وهذه رؤية غير صحيحة؛ بل حتى العُصَاة يجب عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المُنْكَرِ ولو كانوا يرتكبون الكبائر من الذنوب. وقد نقل ابن عطية عن أهل العلم: "أنه ليس من شُرُوطِ الناهي أن يكون سليمًا عن معصية بل ينهى العصاة بعضهم بعضًا"[12]. وقال الأصوليون: "فرض على الذين يتعاطون الكؤوس - أي كؤوس الخمر - أن ينهى بعضهم بعضًا، لأن قوله تعالى: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79] يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمّهم على ترك التناهي"[13]. وإذا كان المرء مرتكبًا لمعصية ولم ينه عنها كان واقعًا في إثمين: العصيان، وعدم الإنكار.

فاتقوا الله ربكم، وخذوا على أيدي السفهاء منكم، ومروا بالمعروف وتَنَاهَوْا عن المنكر، وليكن الرفق في ذلك صفتكم؛ لأن صاحب المعصية مريض يحتاج إلى علاج، فيعالج برفق؛ ولذلك قال العلماء: "ليكن أمرك بالمعروف بمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر"[14] إلا المجاهرين بالمعاصي، المُصِرِّين عليها، الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا. فهؤلاء لا رفق معهم؛ لأنهم يريدون هلاك الناس وفسادهم. نسأل الله تعالى أن يفضحهم ويخزيهم، ويكفي البلاد والعباد شرهم، إنه سميع مجيب، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد؛ كما أمركم بذلك ربكم.
[1] أخرجه البخاري في كتاب الرِّقَاق باب حجبت النار بالشهوات (6487)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب صفة الجنة (2823).
[2] "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أعمال الهالكين" لابن النحاس (21).
[3] الجامع لأحكام القرآن (4/47).
[4] أخرجه مسلم في الإيمان؛ باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا (114).
[5] ماذكره شيخ الإسلام جزء من حديث أبي سعيد الخدري: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً...))، وقد أخرجه مسلم في الإيمان باب كون النهي عن المنكر من الإيمان (49)، والترمذي في الفتن باب ما جاء في تغيير المنكر باليد (2173)، والنسائي في الإيمان باب تفاضل أهل الإيمان (8/111)، وأبوداود في صلاة العيدين باب الخطبة يوم العيد (4340)، وابن ماجه في الفتن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (4013).
[6] وهذا أيضًا جزء من حديث ابن مسعود الذي أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب كون النهي عن المنكر من الإيمان (50)، ومطلعه: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي...))، وكلام شيخ الإسلام هذا انظره في: "الاستقامة" (2/212).
[7] "الاستقامة" لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/197).
[8] أخرجه أبوداود في الملاحم باب الأمر والنهي (4345)" وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" ( 3/5141).
[9] أخرجه أبوداود في الملاحم باب الأمر والنهي (4338)، والترمذي في تفسير سورة المائدة (3059)، وابن ماجه في الفتن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (4005) وجوّد إسناده الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (1/267)
[10] "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين" (12).
[11] المصدر السابق (24).
[12] المصدر السابق (24).
[13] المصدر السابق (24).
[14] "الاستقامة" لابن تيمية (2/200)، وانظر مكارم الأخلاق المجموع من كتب شيخ الإسلام لعبدالله بدران، ومحمد الحاجي (57).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» منافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
»  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
» الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
»  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
»  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: