اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 سورة ابراهيم (الآيات: 1-4)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99290
سورة ابراهيم (الآيات: 1-4) Oooo14
سورة ابراهيم (الآيات: 1-4) User_o10

سورة ابراهيم (الآيات: 1-4) Empty
مُساهمةموضوع: سورة ابراهيم (الآيات: 1-4)   سورة ابراهيم (الآيات: 1-4) Emptyالثلاثاء 4 يونيو 2013 - 15:35

سورة ابراهيم (الآيات: 1-4)

خطبة جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].

عباد الله:
إنه من المعاني التي يجب أن لا تغيب عن أذهاننا في شهر رمضان، أنه شهر إخراج الناس من الظلمات إلى النور، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، والقرآن هو كتاب هذه الأمة الخالد، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور، فأنشأها هذه النشأة، وبدلها من خوفها أمنا، ومكن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمة، ولم تكن من قبل شيئا . وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض ولا ذكر في السماء .

فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر. قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}. خطاب من المولى سبحانه وتعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، يبين له المهمة العظيمة من إرساله وإنزال القرآن عليه، إنها إخراج الناس عامة ليس قريش وحدها، ولا العرب وحدهم، إنما هو عام للبشرية كلها، عربهم وعجمهم، إخراجهم مما هم فيه من الغي والضلال إلى الهدى والرشد. لقد كانت البشرية قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم) تعيش في جهالة جهلاء وضلالة عمياء، وظلمات لا حصر لها، فالجاهلية كلها ظلمات..

ظلمات الكفر والشرك، اتخذت البشرية معبودات شتى من دون الله، معبودات لا تضر ولاتنفع، ولا تبصر ولا تسمع، عبدت البشر، وعبدت الشجر والحجر، والكثير الكثير من أصناف المعبودات، من الأحياء والجمادات، وربما عبد أحدهم صنمًا صنعه بنفسه من التمر، فإذا جاع أكله...

كانت البشرية تعيش ظلمات الشبهات والخرافات والأساطير والتصورات . وظلمة الشهوات والنزعات والاندفاعات في التيه . وظلمة الحيرة والقلق والانقطاع عن الهدى والوحشة من الجناب الآمن المأنوس . وظلمة اضطراب القيم وتخلخل الأحكام والقيم والموازين.

وكانت البشرية أيضًا تعيش في ظلمات سوء الأخلاق، فإتيان الفواحش والولع الخمر والقمار والميسر هو ديدنهم، بل والظلم مفخرة، يقول قائلهم:
قُبيِّلةٌ لا يغدرون بذمَّةٍ ولا يظلمون الناس حبةَ خردلٍ
فهو بهذا يستهزئ بالقبيلة التي لا تظلم.

وكذلك كانت السرقة شجاعة حتى من القريب، يقول قائلهم: وأحيانًا على بكرة أخينا إذا لم نجد إلا أخانا ووأد البنات وقتل الأولاد خشية الإملاق هو جزء من تلك الظلمات التي كانت تعيشها البشرية قبل البعثة وقبل نزول هذا القرآن {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1]، إنها مهمة جد صعبة وجد سامية في نفس الوقت، فلم يكن في تاريخ البشرية مهمة أصعب ولا أسمى من مهمة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك فإنه لا يوجد في تاريخ البشرية دعوة أنجح من دعوة الأنبياء (صلى الله عليه وسلم) وعلى رأسهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ففي 23 عامًا دانت الجزيرة بهذا الدين، فتخلصت من تلك الظلمات المتراكمة، ولم يمض على هذه الدعوة ثلاثون عامًا إلا وقد انتشر الإسلام من أقصى بلاد المغرب غربًا إلى حدود الصين شرقًا، والأمة الإسلامية في هذا الزمان وعلى مدى أكثر من خمسين عاما، لم تستطع أن تحرر المسجد الأقصى من براثن اليهود أعداء الله ورسوله، والبشرية جمعاء.

{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، عباد الله اسمعوا إلى قول جعفر بن أبي طالب وعبرًا عن ذلك التحول الذي خرج به الناس من الظلمات إلى النور: كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف وكنا على ذلك حتى بعث الله تعالى إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة.

نعم إنه الخروج من الظلمات إلى النور، من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان، ومن ظلمات المعاصي إلى نور الطاعات، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات سيئ الأخلاق إلى نور محاسنها.

واسمعوا - يا رعاكم الله - إلى ربعي بن عامر معبرًا عن أن مهمة إخراج الناس من الظلمات إلى النور هي مهمة أتباع النبي (صلى الله عليه وسلم): فحين قال له رستم: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
ثم تعالوا معي يا عباد الله نقف على مثال واحد، كيف أن هذا القرآن يحول البشر من حال إلى حال، فهذا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان شديد العداوة للمسلمين قبل إسلامه، وقد خرج يومًا متوشحًا سيفه يريد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إلا أنه لما سمع القرآن وهو على شركه أسلم وأصبح وليًا لله ولرسوله، وهو خير الأمة بعد رسولها (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر الصديق (رضي الله عنه).

عباد الله:
لا أحد من البشر يرضى أن يعيش في الظلمات، والإسلام بكل عقائده وتشريعاته وآدابه، نور متكامل، فمن ترك منه شيئًا فقد ترك قسطًا من النور، وربما أطفأ النور كله وآثر العيش في الظلام .

إن الذي اختار الكفر على الإيمان فقد اختار الظلمات على النور، فقد آثر أن يعيش في حيرة وقلق واضطراب . وهو في الآخرة من الخاسرين، قال تعالى: وقال سبحانه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257].

فالكفر ظلمات شتى منوعة . . ظلمة الهوى والشهوة . وظلمة الشرود والتيه . وظلمة الكبر والطغيان . وظلمة الضعف والذلة . وظلمة الرياء والنفاق. وظلمة الطمع والسعر. وظلمة الشك والقلق... وظلمات شتى لا يأخذها الحصر تتجمع كلها عند الشرود عن طريق الله، والتلقي من غير الله، والاحتكام لغير منهج الله.. وما يترك الإنسان نور الله الواحد الذي لا يتعدد. نور الحق الواحد الذي لا يتلبس. حتى يدخل في الظلمات من شتى الأنواع وشتى الأصناف.. وكلها ظلمات..!

والعاقبة هي اللائقة بأصحاب الظلمات:
أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.. وإذ لم يهتدوا بالنور، فليخلدوا إذن في النار!

إن الحق واحد لا يتعدد والضلال ألوان وأنماط.. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟
كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور.

والإيمان بالله نور. نور العدل. ونور الحرية. ونور المعرفة. ونور الأنس بجوار الله، والاطمئنان إلى عدله ورحمته وحكمته في السراء والضراء. ذلك الاطمئنان الذي يستتبع الصبر في الضراء والشكر في السراء على نور من إدراك الحكمة في البلاء.
والإيمان بالله وحده إلهًا وربًا، منهج حياة كامل لا مجرد عقيدة تغمر الضمير وتسكب فيه النور.. منهج حياة يقوم على قاعدة العبودية لله وحده، والدينونة لربوبيته وحده، والتخلص من ربوبيات العبيد، والاستعلاء على حاكمية العبيد..

الخطبة الثانية


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

إخواني:
إن شهرَ رمضانَ قَرُبَ رحيلُه وأزِفَ تحويلُه، وإنه شاهدٌ لكم أو عليكم بما أودعتموه من الأعمال، فمن أودعه عملاً صالحًا فـي ختــام الشـــهرفليحمد الله على ذلك وليَبْشِر بِحُسْنِ الثوابِ، فإن الله لا يضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً، ومن أودَعه عملاً سيئًا فَليتُبْ إلى ربِّه توبةً نصوحًا فإن الله يتوبُ على من تاب.

إخواني:
إنه وإن انْقَضَى شهرُ رمضانَ فإن عمل المؤمنِ لا ينقضِي قبْلَ الموت. قال الله عزَّ وجلَّ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، فالصيام لا يزالُ مشروعًا ولله الحمد في العام كلِّه.

ففي صحيح مسلمٍ من حديثِ أبي أيوبَ الأنصاريِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «من صامَ رمضانَ ثم أتْبَعه ستًا من شوالٍ كان كصيام الدهرِ». وصيامُ ثلاثةِ أيام من كلِّ شهرٍ قال فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله»، رواه أحمد ومسلم. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: أوصانِي خَلِيلي صلى الله عليه وسلّم بثلاثٍ وذكر منها صيام ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهر.

وفي صحيح مسلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم سُئِلَ عن صومِ يومِ عرفة فقال: «يُكَفِّرُ السنةَ الماضيةَ والباقيةَ». وسُئِلَ عن صيامِ عاشُورَاءَ فقال: «يُكَفِّر السنةَ الماضيةَ». وسُئِلَ عن صومِ يوم الاثنين فقال: «ذَاكَ يومٌ وُلِدتُ فيه ويومٌ بُعِثْتُ فيه أوْ أُنزِلَ عَلَيَّ فيه». وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم سُئِلَ: أيُّ الصيامِ أفضلُ بَعْد شهرِ رمضانَ؟ قال: «أفضلُ الصيامِ بعد شهرِ رمضانَ صيامُ شهر الله المحَرَّمِ».

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: «ما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم اسْتَكْمَل شهرًا قطُّ إِلاَّ شهرَ رمضانَ. وما رأيتُه في شهرٍ أكثرَ صيامًا منه في شعبانَ». وفي لفظ: «كان يصومُه إِلاَّ قليلاً». وعنها رضي الله عنها قالتْ: «كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم يتَحَرَّى صيامَ الاثنين والخميس»، رواه الخمسة إلاَّ أبا داودَ فَهُوَ له من حديثِ أسامةَ بن زيدٍ. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «تُعْرَضُ الأعمالُ يومَ الاثنينِ والخميسِ فأحبُّ أن يُعْرَضَ عملِي وأنا صائمٌ»، رواه الترمذيُّ.

ولئِن انقَضَى قيامُ شهرِ رمضانَ فإنَّ القيامَ لا يزالُ مشروعًَا ولله الحمدُ في كلِّ ليلةٍ من ليالِي السَّنَةِ ثابتًا من فعلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم وقولِه، ففي صحيح البخاري عن المغيرةِ بن شعبةَ رضي الله عنه قال: إن كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لَيَقُومُ أو لَيُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدمَاه، فيقالُ لَهُ فيقولُ: «أفَلاَ أكونُ عبدًا شكورًا؟»، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «أفضلُ الصلاةِ بعد الفريضة صلاة الليل».

والرواتبُ التابعَةُ للفرائِض اثنتَا عشْرةَ ركعةً: أربعٌ قبل الظهرِ وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاةِ الفجرِ، فَعَنْ أمِّ حبيبةَ رضي الله عنها قالتْ: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم يقولُ: «ما من عبدٍ مسلمٍ يصلَّي لله تعالى كلَّ يومٍ ثِنْتَيْ عَشْرة ركعة تطوعًا غير فريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة»، وفي لفظ: «من صلَّى ثِنْتَي عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلة بُنِي له بهن بيتٌ في الجنة»، رواه مسلم.

ولَقَدْ شرعَ الله لكم في خِتامِ شهرِكم عباداتٍ تزيدُكم من الله قُرْبًا وتزيدُ في إيمانكم قُوَّةً وفي سِجلِّ أعمالِكم حسنات، فشرعَ الله لكم زكاةَ الفطرِ.

إخواني:
إن الله شرعَ لكم في ختامِ شهرِكم هذا أنْ تؤَدُّوا زكاةَ الفطر قبْلَ صلاةِ العيدِ، فإنها فريضةٌ فرضَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم على المسلمينَ، قال عبدُالله بنُ عَمرَ رضي الله عنهما: فرض رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر من رمضانَ صاعًا من تَمْرٍ أو صاعًا من شعيرٍ على العبدِ والحرِّ والذكر والأنثى والصغيرِ والكبيرِ من المسلمين. متفق عليه.

ولا تجبُ عن الحمل الذي في البطن إلاَّ أنْ يتطوعَ بها فلا بأسَ، فقدْ كانَ أميرُ المؤمنينَ عثمانُ رضي الله عنه يخرجُها عن الحمل. ويجبُ إخراجُها عن نفسِه وكذلك عمن تَلْزَمُه مَؤُونَتُه من زوجةٍ أو قريبٍ إذا لم يستطيعوا إخراجَها عن أنفسِهم. فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجُوهَا عن أنفسِهم لأنَّهُم المخاطَبُون بها أصْلاً، ولا تَجِبُ إلاَّ على مَنْ وَجَدَها فاضلةً زائدةً عما يحتاجُه من نفقةِ يومِ العيدِ وليلتِه. فإنْ لم يجد إلاَّ أقلَّ من صاعٍ أخْرَجَه.

وأمَّا جنسُ الواجبِ في الفطرةِ فهو طعامُ الآدميين من تمرٍ أوْ بُرِّ أوْ رزٍّ أو زبيبٍ أوْ أقِطٍ أو غيرها من طعامِ بِني آدمَ، ففي الصحيحين من حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم زكاةَ الفطر من رمضانَ صاعًا من تمرٍ أوْ صاعًا من شعيرٍ. وكانَ الشَّعيرُ يومَذَاك مِنْ طعامِهم كما قال أبو سعيدٍ الخدريُّ رضي الله عنه. كنا نُخْرِجُ يومَ الفطرِ في عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم صاعًا من طعامٍ وكان طعامُنَا الشعيرَ والزبيبَ والأقِطَ والتمرَ. رواه البخاري.

ولا تُجزِئُ إخراجُ قيمةِ الطعامِ؛ لأنَّ ذلك خلافُ ما أَمَرَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم. وأما مقدارُ الفطرةِ فهو صاعٌ بصاعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم الَّذِي يبلغُ كيلوينِ وأربعين غِرامًا من البُرِّ الجيِّد ويضعها في إناءٍ بقدرِها بحيثُ تَملَّؤُه ثم يَكيلُ به.

وأما وقتُ وجوبِ الفطرةِ فهو غروبُ الشمسِ ليلةَ العيدِ، فمن كان مِنْ أهلِ الوجوبِ حينذَاك وجبتْ عليه وإلاَّ فلا. وعلى هذا فإذا مات قبلَ الغروب ولو بدقائقَ لم تجب الفطرةُ. وإن ماتَ بعدَه ولو بدقائقَ وجبَ إخراجُ فطرتِه، ولَوْ وُلِدَ شخصٌ بعدَ الغروب ولو بدقائقَ لم تجبْ فطرتُه، لكنْ يسن إخراجُها كما سبقَ وإن وُلِدَ قبل الغروبِ ولو بدقائقَ وجب إخراج الفطرةِ عنه.

وأمَّا زمنُ دفعِها فله وقتانِ: وقتُ فضيلةٍ ووقتُ جوازٍ. فأمَّا وقتُ الفضيلةِ: فهو صباحُ العيدِ قبلَ الصلاةِ لما في صحيح البخاريِّ من حديثِ أبي سعيدٍ الخدرِيِّ رضي الله عنه قال: «كنَّا نُخْرِجُ في عهدِ النبي صلى الله عليه وسلّم يومَ الفطرِ صاعًا من طعامٍ». وأمَّا وقتُ الجوازِ فهو قبْل العيدِ بيوم أو يومين. ففي صحيح البخارَيِّ عن نافع قال: كانَ ابنُ عمرَ يعْطِي عن الصغير والكبير حتى وإنْ كانَ يعطِي عن بَنِيَّ، وكان يُعْطِيها الَّذِين يَقْبلونَها، وكانُوا يُعْطَون قبْلَ الفطرِ بيومٍ أو يومين. والواجبُ أنْ تصلَ إلى مستحقِّها أو وكيْلِهِ في وقتِها قبلَ الصلاةِ. وأما مكانُ دفِعها فتدفعُ إلى فقراءِ المكانِ الَّذِي هو فيه وقت الإِخراج سواءٌ كانَ محل إقامتِهِ أو غَيرَه من بلادِ المسلمينَ.

والمستحِقُون لزكاةِ الفطرِ هُمْ الفقراءُ ومَنْ عليهم ديونٌ لا يستطيعونَ وفاءَها فيُعْطُون منها بقدر حاجتِهم. ويجوزُ توزيعُ الفطرةِ على أكثرَ من فقيرٍ. ويجوزُ دفعُ عددٍ من الْفِطَر إلى مسكينٍ واحدٍ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قَدَّر الواجبَ ولم يقدِّر مَنْ يدفعُ إليهِ، وعلى هذا لو جَمَعَ جماعةٌ فطرَهم في وعاءٍ واحدٍ بعدَ كيلها وصارُوا يدفُعون منه بلا كيلٍ ثانٍ أجْزَأهم ذلك، لكنْ ينبَغِي إخبار الفقِير بأنَّهم لا يعلمُون مقدارَ ما يدفعون إليه لئَلاَّ يَغْتَرَّ به فيدفعه عن نفسه وهو لا يدري عن كيلِه. ويجوز للفقير إذا أخَذَ الفطرةَ من شخصٍ أن يدفَعَهَا عن نفسِه أو أحدٍ من عائلتِهِ إذا كالَهَا أو أخبرَه دافعها أنَّها كاملةٌ ووَثِقَ بِقَوْلِه.

وشرع لكم التكبيرَ عند إكْمالِ الْعِدَّةِ من غروبِ الشمس ليلة العيدِ إلى صلاةِ العيدِ. قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 185] وصِفتُهُ أنْ يقولَ الله أكبر الله أكبر لا إِله إِلاَّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ويُسَنُّ جهرُ الرجالِ به في المساجدِ والأسواقِ والبيوتِ إعلانًا بتعظيم الله وإظهارًا لعبادتِه وشكرِه ويُسِرُّ به النساءُ لأنهن مأموراتٌ بالتَستُّر والإِسرار بالصوتِ، ما أجملَ حالَ الناسِ وهُمْ يكبِّرون الله تعظيمًا وإجلاَلاً في كلِّ مكانٍ عندَ انتهاء شهرِ صومِهم يملأون الآفاق تكبيرًا وتحميدًا وتهليلاً يرجون رحمةَ اللهِ ويخافون عذابَه.

وشرَع الله سُبحانه لعبادِه صلاةَ العيدِ يومَ العيد وهي من تمام ذكر الله عزَّ وجلَّ، أمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم بها أمَّتَه رجالاً ونساءً. وقد أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم النساءَ أن يَخْرُجنَ إلى صلاةِ العيد، مع أنَّ البيوتَ خيرٌ لهن فيما عدَا هذه الصلاة.

وهذا دليلٌ على تأكيدها، قالت أمُّ عطيةَ رضيَ الله عنها: أمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم أن نُخرجهُن في الْفِطْرِ والأضحى؛ العَوَاتِقَ والحُيَّضَ وذواتِ الخُدورِ، فأمَّا الحيَّضُ فيعتزِلْنَ المُصَلَّى ويشهدنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين. قلتُ: يا رسولَ الله إحْدانَا لا يكونُ لها جِلبابٌ، قال: «لِتُلْبِسْها أختُها مِنْ جلبابِها». متفق عليه.

ومن السُّنَّة أنْ يأكُلَ قبلَ الخروجِ إلى الصلاة في عيدِ الفطرِ تَمَرَاتٍ وترًا ثلاثًا أوْ خمسًا أو أكثرَ من ذلك يَقْطَعُها على وِترٍ لقولِ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لا يَغْدُو يومَ الفطرِ حتى يأكل تمراتٍ ويأكلُهن وِترًا»، رواه أحمدوالبخاري. ويخرُجُ ماشيًا لاَ راكبًا إلا مِنْ عذرٍ كعَجْزٍ وبُعْدٍ لقولِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «من السنةِ أن يخرُجَ إلى العيدِ ماشيًا»، رواه الترمذيُّ، وقال: حديث حسن. ويسنُّ للرجلِ أنْ يتجَمَّل ويلبسَ أحسنَ ثيابِه.

ويُؤَدي الصلاةَ بخشوعٍ وحضورِ قلبٍ، ويكثرُ من ذكرِ الله ودعائِه ويرجو رحمتَه، ويخافُ عذابَه، ولْيكُنْ فَرحًا بنعمةِ الله عليه بإدراكِ رمضانَ وعمل ما تَيَسَّرَ فيه من الصلاةِ والصيام والقراءةِ والصدقةِ وغير ذلك من الطاعاتِ فإنَّ ذلك خيرٌ من الدنيا وما فيها {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] فإنَّ صيامَ رمضانَ وقيامَه إيمانًا واحتسابًا من أسباب مغفرةِ الذنوبِ والتخلصِ من الآثام. فالمؤمِنُ يفرحُ بإكمالِه الصومَ والقيام، لتَخلُّصِه به من الآثام، وضعيفُ الإِيمانِ يفرحُ بإكمالِه لتَخلُّصِه من الصيامِ الَّذِي كان ثقيلاً عليه ضائقًا به صدرُه، والْفَرقَ بين الفرحين عظيم.

إخواني:
اختمُوا شهرَ رمضانَ بالتوبةِ إلى الله من معاصِيْه، والإِنابةِ في التوبة إليهِ بفعل ما يُرْضيه، فإنَّ الإِنسانَ لا يخلُو من الْخَطأ والتقصير، وكلُّ بنِي آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون، وقد حثَّ الله في كتابه وحثَّ النبي صلى الله عليه وسلّم في خطابه على استغفار الله تعالى والتوبة إليه، فقال سبحانه: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ}.

عباد الله:
إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى فيه بملائكته، وأيه بكم أيها المؤمنون، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.

اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة، اللهم اغفر لم وارحمهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، اللهم ارحمنا إذا علانا التراب وفارقنا الأهل والأحبان.

اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به به منها، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير.

عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سورة ابراهيم (الآيات: 1-4)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة إبراهيم (الآيات 13-18)
» سورة إبراهيم (الآيات 28-32)
» اعتراض على عدم صِحة " مَن قرأ الآيات الأخيرة مِن سورة الحشر مات شهيدا "
» ابراهيم عليه السلام
»  أنا قبل أن يكون ابراهيم انا كائن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: